Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يتكرر الفشل الأميركي في القرن الأفريقي؟

تغيير المبعوثين يشير إلى رفض السودان وإثيوبيا سياسة واشنطن وتعارضها مع مصالح الدولتين

الأوضاع في القرن الأفريقي تبدو عصية على الحل أمام السياسة الأميركية (أ ف ب)

شهدت الفترة الأخيرة تعيين أكثر من مبعوث أميركي لمنطقة القرن الأفريقي التي تواجه فيها دولتان رئيستان؛ هما إثيوبيا والسودان، أوضاعاً سياسية استثنائية، تبدو عصية على الحل، حيث ظلت الإدارة الأميركية تلاحق قضايا الدولتين لحفظ مصالحها بوصفات تراها أديس أبابا والخرطوم متعارضة مع مصالحهما القومية. ومن ثم ظلت مهام المبعوث الأميركي متعثرة، في منطقة تعد من أكثر مناطق العالم تعقيداً واضطراباً.

عندما عُين جيفري فيلتمان في أبريل (نيسان) 2021 مبعوثاً أميركياً خاصاً لمنطقة القرن الأفريقي من قبل إدارة الرئيس جو بايدن، تفاءل المراقبون بالتعيين الجديد لفيلتمان وقيادته الدبلوماسية الأميركية في القرن الأفريقي، كواحد من الدبلوماسيين المشهود لهم بالكفاءة على المستوى الدولي، حيث تشمل خبراته العمل في عدد من سفارات الولايات المتحدة بالمنطقة.

وكان أن بدأ جولاته لاستكشاف مستويات الخلافات بين دول المنطقة، وتحديد المسافات بين أطراف النزاع، وعلى الرغم مما اتسمت به حركته من نشاط، فإن مهمته باءت بالفشل، وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن في يناير (كانون الثاني) 2022 "عندما طلبنا من السفير فيلتمان تولي هذا المنصب، كنا نعتزم ألا تطول مهمته لأكثر من سنة، ومع ذلك فإن عدم الاستقرار المستمر في القرن الأفريقي، والتحديات السياسية والأمنية والإنسانية المترابطة في المنطقة تتطلب تركيزاً مستداماً من قبل الولايات المتحدة، لتحل خبرة السفير ديفيد ساترفيلد الدبلوماسية التي امتدت لعقود من الزمان في خضم أكثر الصراعات صعوبة في جهودنا المستمرة لتعزيز السلام والازدهار".

ولم تكتمل ستة أشهر على تعيين السفير ساترفيلد، وإشادة بلينكن حتى يأتي تعيين جديد لمبعوث آخر هو السفير مايك هامر في الأول من يونيو (حزيران) الحالي، كدلالة على فشل السياسة الأميركية في المنطقة.

وتعاني منطقة القرن الأفريقي في بعديها الإثيوبي والسوداني عدم استقرار سياسي، إلى جانب ظروف الخلافات الحدودية بين البلدين، التي كادت تؤدي إلى نشوب حرب بينهما خلال العامين الماضيين، فضلاً عن انعكاسات تلك الأوضاع في بؤر أخرى وتدخلات إقليمية من هنا وهناك، إلى جانب ما يمثله مشروع سد النهضة الإثيوبي من تحدٍّ لا يزال يواجه المنطقة، في ظروف الفشل المتكرر للمحادثات الثلاثية بين إثيوبيا وكل من مصر والسودان، في شأن مستقبله ومصالح الدول الثلاث.

إثيوبيا

ظلت الإدارة الأميركية تبدى اهتماماً كبيراً وتتبعاً لأحداث الساحة الإثيوبية الداخلية في سبيل توفير الأمن، ونزع فتيل الحرب بين حكومة آبي أحمد وجبهة تحرير تيغراي، التي اشتعلت منذ 4 نوفمبر (تشرين الثاني) 2020، وأثرت في استقرار المنطقة كما تبعتها آثار إنسانية مروعة. ودفعت عبر مبعوثها الأسبق للقرن الأفريقي جيفري فيلتمان بتوجيهات جادة للقيادة الإثيوبية في سبيل إنهاء حالة الحرب وتبني السلام في المنطقة.

وعلى الرغم من خطوات الحكومة الإثيوبية أخيراً نحو السلام، فإن جوانب أخرى في علاقات البلدين (إثيوبيا وأميركا) لا يزال يسودها بعض الغموض في كثير من الملفات، إلى جانب ملف السلام الذي بالكاد يشق بداية طريقه.

ودائماً ما تنشد متطلبات السياسة الأميركية استقراراً على بعديه المحلي والإقليمي وفق نظرة أميركية ربما تتعارض في بعض جوانبها مع حكومة آبي أحمد، التي تمثل تحالفاً غير معلن بين "قومية الأرومو" و"قومية أمهرا" بكل ما يحيط القوميتين من تطلعات وأهداف سياسية، إلى جانب ما تمثله الجبهة الشعبية لتحرير تيغراي هي الأخرى من بعد سياسي، ومن هنا تتعثر دوماً مباحثات الجانب الأميركي مع إثيوبيا.

ياسين أحمد، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية يقول إن "سياسة العصا والجزرة لم تنجح أو تمكن المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي من تحقيق أي تقدم في المنطقة، بينما نجح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في استرجاع شرعية حكومته بقوة، على الرغم من الضغوط التي مورست على أديس أبابا إبان الحرب وخلال الأزمة السابقة".

ويضيف "كما فتحت ظروف ما بعد الحرب والنجاح الذي حققته الحكومة الأبواب للأطراف، بما فيها جبهة تيغراي، من إعادة صفوفها، والاستعداد المشترك لتبني سياسات أكثر مرونة نحو السلام والخروج من أزمة الصراع الإثني، والسلطة بين المركز والهامش القومي والسياسي".

ويتابع أحمد "ظلت لقاءات المندوب الأميركي للقرن الأفريقي تطرق بشكل مباشر هذه المتناقضات من دون النظرة الموضوعية للدولة الإثيوبية والحكومة المركزية في أديس أبابا، التي استطاعت فرض هيمنتها وتحقيق انتصارات في ظروف الحرب والسلم، وأصبح واضحاً للعيان أخيراً مدى ما حققته الحكومة من نجاح بعد تبنيها نهج السلام والحوار الذي أشادت به كل الأطراف الدولية، وجديتها في هذا الاتجاه لتحقيق الاستقرار".

يضيف "ما يحدث الآن من تغييرات في ممثلي الدولة الأميركية، بعد إدراك الفشل، يعبر عن المشاركة الجادة في إيجاد الحلول، ووعي سياسة مندوبيها بحقيقة الواقع الإقليمي والمحلي، ممثلاً في تبني سياسات عادلة تجاه مشكلات المنطقة ورسم خطط وسياسات داعمة للاستقرار".

السودان

لا يختلف الوضع كثيراً بالنسبة إلى السودان، مقارنة بإثيوبيا، في ما يتعلق بصدامات رؤيتيهما، فللسودان كذلك ثوابته السياسية التي لا تحتمل أي اختراقات، وبخاصة في ما يمس بُعده الأمني.

وظل المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي يحمل في جولاته المكوكية توجهات وبرامج سياسية واقتصادية لتحقيق استقرار للسودان وخدمة الأهداف الأميركية على السواء، لكن انحياز الإدارة الأميركية للجهات المعارضة وتشجيعها وتحريضها لها، أدى إلى اتخاذ هذه القوى مواقف متصلبة لا تزال تعانيها الساحة السودانية في عدم الاستقرار السائد الآن.

وكان واضحاً ميل السياسة الأميركية لأسلوب الضغوط الذي اتبعته الإدارات المتعاقبة بفرض العقوبات القاسية، ما انعكس ذلك في مهام مبعوث القرن الأفريقي وفشله في تحقيق أي نتائج، سواء على المستوى الداخلي المحلي، أو الإقليمي. وعلى الرغم من التخفيف الذي اتبع أخيراً بعد تطبيع السودان مع إسرائيل خلال عهد الرئيس الأميركي السابق ترمب، وبداية عهد بايدن، استمر فشل المبعوث الأميركي لأسباب جوهرية، وتتمثل في عدم إلمامه الكامل بواقع السودان والقوى السياسية الحقيقية الفاعلة.

الرهان الأميركي

الرهان الأميركي على معارضي نظام رئيس مجلس السيادة السوداني عبد الفتاح البرهان خلق أجواء عدم ثقة بين المكون السياسي المدني والعسكري، ولذلك فشلت مهام المبعوث الأميركي في تحقيق الاستقرار المحلي، ولا يزال يتمثل الفشل في اصطدام التوجيهات الأميركية بواقع لم يستوعبه حتى الآن جميع مبعوثيها. وبالطبع يتمدد الفشل إلى المستوى الإقليمي، بخاصة في ظل حالة "اللا سلم" التي تعانيها المنطقة في جميع جوانبها.

يقول معتصم عبد القادر الحسن، مدير المركز الأفريقي للاستشارات، إن "قضية نجاح الفترة الانتقالية وتوافق الساحة السياسية بين مكوناتها من جهات حزبية وعناصر قوى الحرية والتغيير تظل هدفاً حيوياً نحو استقرار السودان والمنطقة الإقليمية، وضمن جملة الأهداف التي يحملها المبعوث الأميركي للقرن الأفريقي نحو السودان".

يضيف "لكن الإدارة الأميركية وخلال الفترة الأخيرة بدأت تعمل عبر مبعوثيها بأسلوب يجمع بين الجهل بطبيعة السودان وفرض شروط، إلى جانب رسم مخططات بدوافع لا تخدم مصالحها في المنطقة. ومن أهم ما هدفت إليه السياسة الأميركية تجاه السودان وقبل ثورة أبريل 2019 وعزل الرئيس المخلوع عمر البشير، إعادة تشكيل الجيش السوداني وفق رؤى غربية ساعد في رسمها المعارضون لنظام البشير، الذين وجدوا تعاطفاً من أنظمة غربية قربتهم إلى دوائرها السياسية الرسمية وغير الرسمية، ومن ثم توافق الطرفان على التخطيط نحو بناء سودان وفق رؤية مشتركة، لتنعكس بوادرها وسلبياتها في ضغوط وعقوبات لا يزال يعانيها المواطن السوداني".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يتابع "تمثل قضية سد النهضة كذلك تحدياً آخر لمهام مبعوث القرن الأفريقي على المستوى الإقليمي، وعدم تحقيقه أي تأثير في الجانب الإثيوبي المتشدد في مواقفه، وعدم الوصول إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة: مصر وإثيوبيا والسودان في مسألة الاتفاق القانوني الذي يحفظ حقوق الأطراف ويحقق سلاماً تحتاج إليه المنطقة الإقليمية، لا يزال يشكل فشلاً للإدارة الأميركية ومهدداً لأمن المنطقة".

ويختم الحسن "في رأيي، سيظل الفشل متلاحقاً لأي مبعوث أميركي، سواء خاصاً أو للقرن الأفريقي إذا ظلت أميركا تعمل لتغليب مصالح مطلقة، ودعم قوى لا تعطي حقيقة الواقع السوداني، ورسم مخططات تصطدم بمسلمات قومية لا مزايدة فيها. وستظل الإدارة الأميركية بجميع عناصرها النشطة في حاجة إلى إعادة النظر في رهاناتها، واستكشاف العناصر الحقيقية، والسياسات المنصفة التي يتحقق بها استقرار السودان".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير