Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"العدالة والتنمية" المغربي يستعيد حضوره بمهاجمة "أخلاق الحداثيين"

عقد بن كيران مؤتمرات مكثفة هاجم فيها أنصار الحريات المدنية ومراقبون يرون أنه يسعى إلى تحسين شعبيته بعد خسارة الانتخابات

حزب "العدالة والتنمية" المغربي  يكثف اللقاءات الجماهيرية لإعادة الثقة بمرشحيهم بعد الهزيمة المدوية في 2021    (أ ف ب)

يحاول حزب العدالة والتنمية المغربي الذي قاد الحكومة 10 سنوات قبل أن يمنى بهزيمة مدوية خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة في 2021، ترتيب أوراقه السياسية والعودة للتموقع في المشهد الحزبي، وإرجاع الثقة في قيادات وأفكار ومبادئ الحزب.

ويبدو أن الأمين العام للحزب ذي المرجعية الإسلامية ورئيس الحكومة الأسبق عبدالإله بن كيران يسعى جاهداً إلى تحقيق هذه الأهداف من خلال عقد لقاءات حزبية بوتيرة مكثفة في عدد من جهات البلاد، آخرها المؤتمر الجهوي الذي انعقد في سوس جنوب البلاد تحت شعار "تعبئة سياسية وتنظيمية لمواصلة الإصلاح وصيانة الاختيار الديمقراطي".

ويبحث بن كيران عبر تكثيف هذه اللقاءات الحزبية والتصريحات السياسية عن العودة لخطاب المبادئ الإسلامية وتخليق الحياة العمومية الذي أسهم، إضافة إلى عوامل رئيسة أخرى أبرزها رياح ما يسمى "الربيع العربي"، في تصدر انتخابات 2011 ثم انتخابات 2016، ليقود الحزب الحكومة لمدة عقد كامل وينتهي بهزيمة كبرى في انتخابات 2021 وينتقل بسببها إلى صفوف المعارضة.

بن كيران وملفات أخلاقية

وشن بن كيران في المؤتمر الجهوي الأخير للحزب الإسلامي هجوماً لاذعاً على من سماهم "بعض الحداثيين"، بسبب دعواتهم إلى مظاهر الانحلال الأخلاقي في المجتمع تحت مسميات جديدة، فالزنا يسمونه "علاقات رضائية" وفق قوله.

وقال بن كيران أمام حشد من أنصار الحزب بمدينة أغادير (جنوب)، "إن هناك تياراً مدعوماً عالمياً وسياسياً ومالياً يريد تحطيم البشرية ليسهل عليه الهيمنة عليهم"، مضيفاً أن "المثلية الجنسية كانت دائماً محرمة في الأديان عبر تاريخ البشرية، والآن صار لها أنصار يدفعون في اتجاه التصالح مع العلاقات الجنسية المتحررة والمتحللة". وشدد على أن حزبه ليس ضد الحداثة في جانبها الإيجابي، وأن الإسلام ليس جامداً بل منفتحاً، لكن ليس إلى درجة هدم القواعد التي بني عليها".

ودعا أنصاره إلى الحديث في مثل هذه المواضيع الأخلاقية من دون خوف أو وجل، لأنها من صميم المرجعية الإسلامية التي يقوم عليها الحزب، قبل أن يتهم بعض الحداثيين بتلقي جمعياتهم أموالاً من الخارج لنشر هذه الأفكار. ولفت إلى أن نسبة زواج القاصرات في المجتمع المغربي لا تصل إلى سبعة في المئة، والقضاء هو من يحدد الاستثناءات، فالقانون يمنع زواج الفتيات دون سن الـ 16، ولكن بين الـ 16 والـ 18 عاماً فالقاضي هو من يقرر ترخيص زواجها من عدمه.

واستهجن الدعوات إلى المنع الكلي لزواجهن، وقال إن كثيراً من الفتيات نشأن في أوساط فقيرة ويعشن في البوادي وأسرهن لا تتحمل نفقاتهن، وبالتالي فالزواج حل اجتماعي لهن".

عملة الدين والقيم

ويعلق أستاذ العلوم السياسية بجامعة مراكش عبدالرحيم العلام على الموضوع بالقول إنه "منذ أن عاد بن كيران إلى قيادة الحزب وهو يحاول أن يتحاشى الخوض في القضايا السياسية والاقتصادية، بل وجه أعضاء حزبه لكيلا يعارضوا الحكومة الجديدة بشدة، ودخل في سجالات مع الذين طالبوا بإقالة رئيس الحكومة عزيز أخنوش".

ويضيف العلام لـ "اندبندنت عربية" أن "بن كيران لم يدخر جهداً في الهجوم على مخالفيه الأيديولوجيين والمدافعين عن الحريات المدنية والفردية، في محاولة منه لإيجاد أرضية صلبة يتموقع من خلالها ضمن قادة الرأي في البلاد"، مبرزاً أن "الرجل عاشق للأضواء ويكاد لا يعيش من دون خصومات وأعداء، ولأنه لم يقو على مخاصمة من في السلطة فإنه وجد ضالته فيمن هم خارجها".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع المحلل السياسي أنه "من الصعب إيجاد تفسير لهجوم بن كيران على المدافعين عن الحريات خارج ما يمكن وصفه بالرغبة في إيجاد خصم، لأنه ينتمي إلى طينة السياسيين الذين لا يكونون إلا إذا وجد الخصم، وهو دائماً ما يتفنن في البحث عن خصوم حقيقيين أو وهميين."

ويوضح العلام أن "التفسير الآخر الذي يمكن أن يساعد في فهم خرجات بن كيران ضد الحداثيين وابتعاده من نقد السلطة، هو أنه يشعر أن حزبه شرع في الابتعاد من أيديولوجية الإسلام السياسي، وأن عدداً من أعضائه لم يعد لديهم الحماسة للدفاع عن المعتقد الديني، لا سيما في ظل المواقف الأخيرة للحزب بخصوص العلاقات مع إسرائيل وفرنسة لغة التعليم والموافقة على تقنين القنب الهندي".

ويردف المتحدث، "لذلك يحاول زعيم الإسلاميين المشاركين في السلطة أن يعيد حزبه إلى مربعه الأول، يقيناً منه أن العملة الأكثر تربيحاً له هي عملة الدين والقيم بعد فشله خلال السنوات الـ 10 الأخيرة في تقديم نموذج للحزب السياسي الذي يستقطب من خلال المنجز الاقتصادي والسياسي بعيداً من استثارة العواطف الدينية والهوياتية".

وخلص العلام إلى أن "ركوب سفينة الدفاع عن القيم الدينية قد يحقق لحزب بن كيران العودة لدائرة التأثير وما يستتبعها من حصد أصوات الذين يشعرون أن مهمة الحزب هي الدفاع عن الدين والمحافظة بصرف النظر عن المنجز الاقتصادي، لا سيما داخل أوساط الفئات الاجتماعية المتوسطة".

"السياسي الإسلامي"

في المقابل، يرى القيادي في حزب العدالة والتنمية عبدالعزيز أفتاتي أنه بصرف النظر عن بعض التباين والملاحظات العادية في ما يتعلق بأسلوب الخلاف والسجال ومحاججة الآخرين، فإن الخلفيات الفكرية والأيديولوجية حاضرة فيما نرى ونتابع من مواقف في كبريات القضايا وحتى في بعض تفاصيلها"، وأضاف في حديث خاص أنه "لا يمكن لسياسي ذي مرجعية إسلامية سوى أن يتحدث عن مرجعيته ويدافع ويشرح ويوضح ويحرج إن دعت الضرورة إلى ذلك في حدود اللياقة وأدب النقاش والخلاف ومقتضيات تدبير الخصومة الفكرية".

وبخصوص توجه بن كيران في لقاءاته نحو مناقشة ملفات أخلاقية، قال أفتاتي "أن يسهم رموز العمل الإسلامي في ما يقتضيه الإصلاح من نقاشات أولى وأفضل من أن يستنكفوا عن ذلك"، مضيفاً أن "الأكثر إفادة لمجتمعاتنا هو أن يسهم كل واحد بخبراته وليس أن ينسحب كل ذي خبرة وتجربة بدعوى التحفظ بحكم المسؤوليات السابقة".

وذهب القيادي في "العدالة والتنمية" إلى "أن العديد من السجالات السياسية لها علاقة بمرجعيات كل طرف، وأن البعض يستهدف بدرجات مختلفة المرجعية الإسلامية ويعتبرها عائقاً أمام اختياراته وتوجهاته، وهناك من ليس له مذهب سوى معاداة كل من له صلة بالمرجعية الإسلامية".

وزاد، "في المقابل هناك من يعتبر ويقدر إسهامات المرجعية الإسلامية في حفظ الأوطان وتقدمها، ولا يثنيه ذلك عن الحفاظ على خصوصيته واختياراته سواء كانت يسارية أم قومية أم ليبرالية، في احترام وتعايش".

ولفت أفتاتي إلى أن "بن كيران ليس معصوماً من الخطأ، والذي لا يخطئ هو الذي لا يتفاعل ولا يشارك في تصويب مسارات الأمور"، متابعاً أن "إسلاميي الحزب يؤاخذون بعضهم علناً، ولكن لا ينبغي أن يخفي هذا الأمر جوهر ومكمن الخلاف مع الآخر".

المزيد من العالم العربي