Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر "تصفع" فرنسا بيد الصين وتغير معادلة النفوذ

"تبون أرسى خطاباً يستدعي دبلوماسية المبادئ في العلاقات الاقتصادية بفلسفة جديدة"

تبون خلال استقباله وزير خارجية الصين وانغ يي (التلفزيون الجزائري)

انحرفت بوصلة الجزائر باتجاه الصين بشكل صريح، بعد أن كانت إلى وقت قريب متوقفة عند خط فرنسا، وقد تمكنت من سحب البساط من تحت أقدام باريس، التي كانت صاحبة النفوذ اقتصادياً وتجارياً، لتحتل بكين الصدارة كأول شريك تجاري، لتبدأ حلقة جديدة من مسلسل التنافس على المنطقة.

وإذا كانت العلاقات الجزائرية - الصينية مرتبطة بمسائل التحرر، فإن العلاقات الجزائرية الفرنسية لها امتدادات بالاستعمار، وعليه تكشف السنوات الأخيرة، وبالضبط منذ تولي الرئيس عبد المجيد تبون الرئاسة، عن تحول هادئ في توجهات الجزائر الخارجية فسرتها أطراف بالأوضاع الدولية التي حتمت هذه الاستراتيجية، بينما ربطتها أخرى بمعاقبة فرنسا على عدة "أخطاء" بحق الجزائريين.

لقد كانت فرنسا القوة المهيمنة الأولى حتى عام 2012، لكن حدث ما لم يكن في الحسبان وانتزعت الصين هذه المكانة، بعد أن أتت على مشاريع ضخمة، ولا تزال تفوز بأخرى في مختلف القطاعات والمجالات، ومن بينها إنجاز المسجد الأعظم بقيمة 1.5 مليار دولار، والطريق السريع "شرق - غرب" العملاق بـ11 مليار دولار، وميناء الحمدانية أكبر ميناء على ساحل البحر المتوسط بـ6 مليارات دولار، وآلاف الوحدات السكنية، وتوسعة المطار، واتفاق لاستثمار 7 مليارات دولار لإنتاج 5.4 مليون طن من المخصبات الزراعية، حيث سيتم استخراج الفوسفات الخام وإعادة تحويله إلى أسمدة زراعية، واتفاق لاستخراج خام الحديد من منجم غار جبيلات بالشراكة، والذي يعد أكبر منجم حديد في أفريقيا باحتياطي يقدر بنحو 3 مليارات طن، وباستثمار أولي بملياري دولار، بالإضافة إلى عدة اتفاقيات تعاون وشراكة آخرها صفقة للتنقيب عن النفط بقيمة 490 مليون دولار، وعقد قيمته 520 مليون دولار لبناء مصنع بتروكيماويات.

معطيات جيدة وقرارات مستقلة

وليس التعاون الاقتصادي والتجاري وحده ما جعل الصين والجزائر تؤسسان لشراكة استراتيجية شاملة، بل أيضاً الثقة السياسية والتعاون الأمني والعسكري، ولعل اقتناء الجزائر أول سفينة تدريب حربية وطرادات وطائرات مسيّرة وأنظمة للحرب الإلكترونية ومدفعية ذاتية الدفع وصواريخ مضادة للطائرات والسفن، يجعل الأمر لا يتعلق بتقرب عابر، وإنما استراتيجية متينة تستهدف تحالفاً يحقق التوازن في المنطقة.

وبامتلاك الجزائر نحو 44.7 مليار دولار من الاحتياطات النقدية، في انتظار ارتفاعها إلى أكثر من ذلك في ظل تصاعد أسعار النفط والغاز لمستويات قياسية جراء استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية، إضافة إلى احتياطات ذهب تقدر بـ173.6 طن التي جعلتها تحتل المرتبة الثالثة عربياً، بينما ديونها الخارجية شبه معدومة، فإن قرار البلاد بات مستقلاً وسيادياً، ووضعها مُريح أمام الشركاء والمنظمات الدولية، ما يجعل من تنويع الشراكات والخروج من عباءات فرنسا والغرب خطوة دون مخاطر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"سياسة غبية"

إلى ذلك، يعتبر أستاذ العلاقات الدولية، إبراهيم بادي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن الرئيس تبون كان على دراية تامة بما ينتظره داخلياً ودولياً، على اعتبار أن البلاد في أمسّ الحاجة إلى أفعال أكثر منه إلى أقوال، ولم يضيع الكثير من الوقت ليطلق على الفور ورشات مؤسساتية واقتصادية وسياسية سعياً لتغيير ممارسة الحكم وإعادة النظر في نموذج ديمقراطي متعثر، إلى جانب إعطاء روح جديدة لجهاز دبلوماسي غير فعال، وقد تمكن في وقت قصير للغاية من إعادة الجزائر إلى الساحة الدولية لتستعيد بذلك مكانتها في المحافل الدولية، مشيراً إلى أن الجزائر باتت في قلب اللعبة الدولية بوجودها في جميع الملفات الإقليمية والعالمية، وأصبحت تتحرك على جميع الجبهات، لكن دائماً بقيت وفية لمبادئها منذ أن تحالفت مع المعسكر السوفياتي ابتداء من عام 1962.

ويواصل بادي، أنه إذا كانت علاقة الجزائر مع روسيا استراتيجية في نطاق مواجهة التحالف الغربي الأميركي الأوروبي، فإن علاقتها مع الصين تجارية استثمارية، لكون اقتصاد الصين منفتحاً على الرأسمال الأجنبي منذ انخراطها في منظمة التجارة العالمية في 2001، بينما بقي نظيره الجزائري غير خاضع لشروط هذه المنظمة بسبب النفور من الرأسمال الأجنبي، مشدداً بخصوص زحزحة فرنسا من تصدر قائمة الشركاء، أن "فرنسا كانت تمارس سياسة غبية مع الجزائر مبنية على الهيمنة، في حين كان بإمكانها أن تستوعب الدرس من الثورة التحريرية التي أفضت إلى الاستقلال، وتقيم علاقات ندية مبنية على مبدأ رابح - رابح، وعلى أساس الاحترام المتبادل"، وقال إن "تعاملها الاستعلائي دفع الجزائر إلى طردها مرة ثانية، وبذلك خسرت الجزائر، وستخسر أكثر مستقبلاً إن لم تعد إلى رشدها".

ويتابع أستاذ العلاقات الدولية، أن الجزائر اتخذت القرار الحكيم، وسلكت الطريق الصحيح، بتقاربها مع الصين، مبرزاً أن الخروج من التبعية الفرنسية سيقفز بالجزائر إلى مصاف الدول المتطورة، لأن فرنسا تمارس المكر بحق مستعمراتها السابقة حتى تبقى تحت هيمنتها، و"لنا في دولة روندا أحسن دليل".

فلسفة تبون

من جانبه، يشدد المحلل الاقتصادي، مراد ملاح على أن الصين شريك اقتصادي وحليف سياسي وتاريخي للجزائر، وقد أزاحت فعلاً فرنسا كشريك اقتصادي أول للجزائر لأسباب موضوعية تتعلق أولاً بجملة من الاختلالات الناجمة عن محاباة للشركات الفرنسية، وثانياً قوة تصديرية صينية تتيح للمتعاملين الاقتصاديين هامشاً ربحياً مشجعاً، مشيراً إلى أن الجزائر وفية لحلفائها التقليديين كالصين وروسيا، وعقد التاريخ والاستعمار لا تزال تلقي بظلها على جوانب العلاقات الفرنسية - الجزائرية، وما لم تصلح العلاقات السياسية بين البلدين سيبتعد الاقتصاد الجزائري أكثر عن الشراكة مع فرنسا.

ويواصل ملاح، أن جانب آخر يهمين على هذا التراجع في الشراكة مع الفرنسيين متعلق بجوهر وفلسفة العلاقات الاقتصادية في عهد تبون، فالمتأمل للخطاب الذي أرساه، بخاصة في زياراته الأخيرة إلى الدوحة وأنقرة وروما، يجد أن الرئيس الجزائري يستدعي دبلوماسية المبادئ في العلاقات الاقتصادية، مثل وصفه إيطاليا بالشريك الموثوق والأنموذج الذي يقترب جداً من أهداف الاقتصاد الجزائري من خلال الشركات الصغيرة والمتوسطة واقتصاد المعرفة.

تحولات كبيرة

ويمكن ترقب تحولات كبيرة في العلاقات الدولية والتحالفات، بما يمهد لنظام عالمي جديد بعيداً من الأحادية القطبية، ولن تستثنى منطقة البحر الأبيض المتوسط ولا شمال أفريقيا ولا القارة السمراء مما يحدث هنا وهناك، وقد وصف تبون الصين بـ"الشريك القوي والأولوية الدبلوماسية"، ودعا إلى زيادة التعاون مع الصين، خصوصاً في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار والطاقة والتعدين وبناء البنية التحتية، بينما شدد وزير خارجية الصين، وانغ يي، خلال زيارته الجزائر، أن الصين ستواصل معاملة الجزائر كشريك مهم في تعزيز الوحدة والتعاون بين الدول النامية في ظل الظروف الجديدة، متعهداً أن تعمل بلاده على ترجمة ثقتهما السياسية المتبادلة إلى نتائج ملموسة للتعاون ومساعدة الجزائر على تسريع وتيرة التصنيع وتعزيز قدرتها على التنمية المستقلة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير