Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الشرطة الإسرائيلية تنتهك خصوصية الحيز العام بدعوى الحفاظ على أمن الدولة

تحتوي قاعدة البيانات البيومترية على أكثر من 5.5 مليون صورة وجه و3.8 مليون بصمة إصبع وتقنيات استشعار الأصوات

كاميرات المراقبة وتقنية التعرف على الوجه المنتشرة في القدس والضفة الغربية والمعابر الحدودية (اندبندنت عربية)

لطالما كانت شُرفة منزل عائلة الزغاري في حي سلوان بإطلالتها الفريدة على المسجد الأقصى، الركن المميز الذي تفضل العائلة الاجتماع فيه عند كل مساء للحديث ولعب الشطرنج، لكنها لم تعد كذلك، فكاميرات المراقبة الإسرائيلية التي ثبتت بموازاة الشرفة، حولتها كالثكنات العسكرية، حتى بات أفراد العائلة يتخوفون من الجلوس والتحدث فيها، فتقنيات التصوير الذكية التي نشرتها السلطات الإسرائيلية في الشوراع والطرقات والأزقة داخل الأحياء العربية في القدس، لها قدرة متطورة بشكل يسمح بالتعرف على الجسم أو الشخص الذي يتم تصويره، وتحفظ الصور والبيانات دون إذن من أصحابها. إلى جانب ذلك، تمتلك الكاميرات بحسب ما هو معلن، تقنيات استشعار الأصوات والتمييز بين إطلاق النار والألعاب النارية.

وكانت اللجنة الوزارية الإسرائيلية للتشريع، صادقت قبل أسابيع عدة، على مشروع قانون يسمح باستخدام كاميرات التعرف على الوجوه في الحيز العام، ويسمح لأجهزة الأمن باستخراج معلومات من الكاميرات من دون استصدار أمر من المحكمة.

رصد ومراقبة

الناشط المقدسي فخري أبو ذياب قال لـ"اندبندنت عربية" إنه "استمراراً لمراقبة أهل القدس، وتحديداً بلدة سلوان، باعتبارها الحاضنة الجنوبية للمسجد الأقصى، شرعت السلطات الإسرائيلية بتركيب مزيد من كاميرات المراقبة الذكية، إذ يبلغ عددها اليوم أكثر من 343 كاميرا، إضافة إلى وضع المستشعرات الضوئية والصوتية، ليس فقط على الشوارع، بل أيضاً على مقربة كبيرة من المنازل والأحياء والتجمعات السكانية الكثيفة، بهدف مراقبة تصرفات وتحركات السكان حتى في بيوتهم، لتخويفهم ورصد تحركاتهم على مدار الساعة، والتعدي على خصوصياتهم بشكل كبير، حيث يمكن للكاميرات الذكية المزودة بتقنيات عالية، رؤية وسماع السكان في كل مكان في المنزل المقيمين فيه، من خلال وسائل المراقبة والتسجيل والتصوير المنتشرة في محيطهم". وأضاف أن "مشروع القانون الجديد يمنح الشرطة سلطة مطلقة لإجراء عمليات مراقبة جماعية مستمرة، من دون أي مراقبة قضائية أو برلمانية".
 


كشف الجرائم

أهداف نصب هذه الكاميرات بحسب المشرعين، هي منع أو كشف جرائم أو مخالفات يمكن أن تشكل خطراً على سلامة البشر أو الجمهور أو أمن الدولة، ومنع استهداف شديد لأمن شخص أو أملاك، والعثور على شخص مفقود، وإنفاذ القانون في شأن منع الدخول إلى أماكن عامة بموجب القانون، وتطبيق أوامر الإبعاد.

ولتنفيذ القانون الجديد، ستحتفظ الشرطة الإسرائيلية بالمعلومات "بشكل يضمن حمايتها من التسرب أو الاختراق، وكذلك من نقل أو كشف أو شطب أو تغيير الاستخدام، أو نسخ من دون إذن بموجب القانون".

في المقابل، أكدت هيئة البث الإسرائيلي "كان 11"، أن القانون الإسرائيلي لا يسمح للشرطة باستخدام هذه التقنية التي تعتمد على خوارزمية (ألغوريتم) يتم وصل إليها بكاميرات المراقبة المثبتة في الحيز العام. فهذه التقنية التي تتعرف على الوجه، وفقاً لـ"كان 11"، "تنذر أجهزة الأمن بوجود الأشخاص الذين يخضعون للمراقبة ضمن الحيز الذي تم تفعيل هذه التقنية ضمنه". ولفتت القناة إلى أن الجهاز القضائي وجه انتقادات حادة للشرطة بسبب استخدامها تقنيات متقدمة للتعرف على المركبات ومالكيها، في ظل عدم قانونية ذلك. وعلى الرغم من ذلك تواصل الشرطة انتهاكاتها في هذا الإطار.

وأكدت لجنة العلوم والتكنولوجيا البرلمانية في معهد أبحاث الكنيست، في قضية "حماية الخصوصية والآثار المختلفة لاستخدام تقنيات تشخيص الوجوه في الأماكن العامة"، أن قدرات تحليل الفيديو تسمح بتلخيص وتركيز الصور التي تم التقاطها على مدى ساعات طويلة، خلال بضع دقائق فقط، وفقاً لمقاييس بحث متعددة ومفصلة، تشمل الجنس، العمر، العرق، أنماط الملابس، أنواع المركبات، اللون، ورقم لوحة الترخيص، وتتضمن تحليل سلوكيات الأفراد أو المجموعات من خلال تشخيص الوجوه. وأضافت اللجنة أن "هذه التقنية تسمح بالتحقق من هوية الأشخاص أو التعرف عليهم من خلال تصوير ملامح وجوههم، وأن تشخيص الوجوه جزء من تقنيات قياسات حيوية "بيومترية" تستخدم الخصائص الجسدية، مثل ملامح الوجه والصوت وبصمة الإصبع وشبكية العين، وغيرها".


انتقادات حادة

من جهة أخرى، ووفقاً لما ذكرته صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، عارضت وزيرة استيعاب الهجرة، بنينا شاتا، مشروع القانون بقولها "توجد فيه ثغرة لاستغلال وإنفاذ مبالغ فيه لمجموعة سكانية معينة"، مطالبةً بتشكيل لجنة تشرف على استخدام الكاميرات أو من أجل المطالبة بأوامر من المحكمة".

في المقابل، أشاد وزير القضاء الإسرائيلي جدعون ساعر بالمشروع قائلاً إنه "عندما يدور الحديث عن اجتثاث الإرهاب، فإن التعامل مع المس بالخصوصية، يتم بشكل محدود الضمان، وهذا حيز عام". وأضاف أن "وزير الأمن الداخلي سيدخل تعديلات على مشروع القانون بعد دراسة الموضوع".

"جمعية حقوق الفرد في إسرائيل" وجمعية "خصوصية إسرائيل" قدمتا التماساً للمحكمة العليا، طالبتا فيه بتنظيم عمل كاميرات الشرطة، وهو الأمر الذي قوبل بعد فترة قصيرة بقيام وزارة الأمن الداخلي بالإعلان عن مشروع قانون، عرف لاحقاً بـ"قانون الكاميرات"، تمنح الشرطة بموجبه الحق المطلق بوضع كاميرات في كل أرجاء الفضاء العام، سواء الذكية - المحمولة والثابتة - والكاميرات العلنية والسرية، على أن يمنح ضابط الشرطة الحق في التصرف باستخدامها بحسب "ما يراه مناسباً"، بل أيضاً يكون من حق الشرطة استدماج تقنيات رقابة وملاحقة إضافية دون تنظيم ذلك قانونياً أو إعلام الجمهور.

ولفتت الجمعية في بيان إلى أن "مسودة القانون لا تسمح للشرطة بالحصول على تحذيرات حول شخص مطلوب فقط، وإنما بجمع معلومات وتخزين معلومات شخصية حول مواطنين أبرياء أيضاً، من دون أمر صادر عن محكمة ومن دون إشراف.

ويشكل مشروع القانون خطراً على حرية المواطنين وحقهم بألا يكونوا خاضعين للمراقبة".

وقالت الباحثة في "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" تهيلا ألتشولر، إن "استخدام كاميرات للتعرف على الوجوه في الحيز العام هو محور خلاف واسع في الدول الغربية، ولا ينبغي أن تكون دولة إسرائيل الساحة الخلفية لذلك، وينبغي أن يكون الإطار القانوني للتعرف على الوجوه أعمق وجذري أكثر. ويجب إزالة موضوع التعرف على الوجوه من النص الذي سيطرح على الكنيست، وبخاصة الموافقة على استخدام الكاميرات ضد متظاهرين ليسوا مشتبهين بارتكاب أي مخالفة".

عين الصقر

وجاء طرح مشروع القانون الجديد، في أعقاب انتقادات المحكمة العليا لاستخدام الشرطة منظومة "عين الصقر"، وهو نظام مراقبة يرصد ويحتفظ بتفاصيل جميع المواطنين الذين مرّت سياراتهم أمام كاميرات مراقبة خاصة مثبتة في الشوارع ومفترقات الطرق المختلفة، إذ يشمل النظام مقاطع فيديو لسفر السيارة وصوراً لها وركابها. وعلى غرار كاميرات قياس السرعة، يتم تشغيل "عين الصقر" كجهاز متنقل، في سيارات الشرطة مثلاً، أو يتم نصبها على صوار ثابتة. وهي قادرة على مقارنة أرقام تراخيص السيارات في مخزونات معلومات تم تعريفها مسبقاً، مثل مخزون السيارات التي تم الإبلاغ عن سرقتها وانتهت صلاحية تراخيصها، والتحذير منها في حال رصدها.

ووفقاً لـموقع "واللا" الإسرائيلي "تحتفظ الشرطة بمخزون معلومات هائل حول تحركات مواطنين لم يرتكبوا أي مخالفة، وحتى أنهم غير متهمين بشيء، وفقط لاحتمال أن سيارتهم قد تكون ضالعة في مخالفة ما في المستقبل، وأن هذا المخزون واستخدامه ليسا منظمين بموجب قانون، ولا من خلال أنظمة داخلية في الشرطة أيضاً، كما أنه لم يتم تسجيل هذا المخزون لدى مسجل مخزونات المعلومات، خلافاً لتعليمات وزارة القضاء". وعملياً، ليس معلوماً عن وجود أي رقابة على استخدام الشرطة لمخزون "عين الصقر".

التخوف الأكبر، وفقاً لـ"واللا"، نابع من الكاميرات التي تنصب في أماكن ثابتة في مواقع عدة في أنحاء إسرائيل، بينها شوارع رئيسة في الجنوب وعند مداخل القدس وأشدود وفي منطقة السهل الداخلي، والمعابر مع الضفة الغربية.

وقدمت جمعية حقوق المواطن في إسرائيل أخيراً، طلباً للشرطة بموجب قانون حرية المعلومات، حول مخزون "عين الصقر"، غير أن الشرطة رفضت الإفصاح عن معلومات تتعلق بانتشار الكاميرات، وعددها وكمية لوحات الترخيص التي تم التقاطها أو الفترة الدقيقة لاستمرار الاحتفاظ بالمعطيات. وقالت محامية الجمعية، آن سوتشيو، إن "هذا النظام ينتهك الحقوق الدستورية للخصوصية والحرية، وأنه في غياب تشريع صريح له، فإن استخدامه لا يفي بشروط قانون أساس: كرامة الإنسان وحريته، ويجب وقف استخدامه فوراً".

وفي ردها على الاتهامات، قالت الشرطة إنها "تستخدم وسائل تكنولوجية تسمح لها بتقديم أفضل خدمة وحماية للمواطن العادي، وتخضع هذه الوسائل لصلاحيات قضائية ويتم استخدامها بحرص وبشكل منتظم وقت الحاجة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تحت المجهر

يقول مركز "هو بروفيتس" (who profits) (وهو مركز مستقل يبحث في الروابط بين القطاع الخاص والاقتصاد في الأراضي التي تحتلها إسرائيل)، إن "القدس هي نموذج يظهر سيطرة تقنيات الرقابة الإسرائيلية على المدينة"، مشيراً إلى أن مشروع "مبابات 2000" أشبع البلدة القديمة في القدس بـ400 كاميرا مرتبطة بمركز مراقبة يعمل فيه 12 ضابط شرطة ويتصل بـ800 عنصر من الشرطة وحرس الحدود. ووفقاً للمركز، عملت السلطات الإسرائيلية على تحديث المشروع بحيث تم تحسين دقة الكاميرات ونظام تحليل البيانات، وتطوير خوارزميات تعمل على التنبؤ في سلوك الأفراد.

المتخصص في الشأن الإسرائيلي جمال عمرو، صرح لـ"اندبندنت عربية"، "كما فعلت في تسويق ترسانتها العسكرية الذكية لدول العالم، تحاول إسرائيل من خلال نشر هذه الكاميرات الذكية والتقنيات الآتية من صناعتها، أن تظهر نفسها كدولة آمنة وذكية لجلب السياح وطمأنتهم، ضمن مخطط للتضييق على المواطنين وضبط تحركاتهم بسبب هواجس أمنية. المشروع الجديد يمس بخصوصية المقدسيين بشكل سافر، فاستخدام كاميرات التعرف على الوجوه في الحيز العام، والسماح لأجهزة الأمن باستخراج معلومات من الكاميرات من دون استصدار أمر من المحكمة، في منتهى الخطورة، ولا يهدف إلا لتركيع المدينة وسكانها العرب، دون الالتفات حتى لتكاليف المشروع ولا مخالفته للقانون، طالما أن القدس بمن فيها تحت المجهر، وفي قيود إلكترونية محكمة".

وفقاً لصحيفة "يديعوت أحرونوت"، "تسجل إسرائيل التي تحولت إلى دولة رقابة شاملة، جميع الحركات على الإنترنت وكل التعاملات المالية، إضافة إلى عدد كبير من الكاميرات ومستشعرات الرقابة المنتشرة التي تسجل البيانات وتحفظها في قاعدة بيانات كبيرة". وأشارت الصحيفة أن قاعدة البيانات البيومترية تحتوي على "5.5 مليون صورة وجه و3.8 مليون بصمة إصبع، إلى جانب تقنيات استشعار الأصوات والتمييز بين إطلاق النار والألعاب النارية، مع الإشارة إلى وجود مستشعرات شبيهة بالقرب من تخوم قطاع غزة".

وأصدرت هيئة حماية الخصوصية في وزارة العدل بياناً في وقت سابق جاء فيه "أن إجراءات الرقابة تؤثر بشكل كبير على سلوك المواطنين الخاضعين لها، وهو الأمر الذي يمس، بشكل جوهري، قوانين الحريات العامة والخاصة في إسرائيل".

مدينة بلا عنف

في عام 2021، أطلقت وزارة "التمكين والنهوض بالمجتمع" الإسرائيلية مشروع "مدينة بلا عنف"، والذي يتضمن نشر وتثبيت مئات الكاميرات، إضافة إلى تفعيل تقنيات تكنولوجية أخرى تعمل على مدار اليوم بلا توقف، لتحديد العنف في الأماكن العامة وملاحقته بالتعاون مع الشرطة في أكثر من 150 بلدة ومدينة إسرائيلية، لكن بالاستناد إلى ما ورد في تقرير صادر عن مركز المعلومات والأبحاث التابع للكنيست "فقد توسع المشروع لاحقاً، ليشمل المدارس ومناطق الترفيه والسياحة"، وأنه "تم تنفيذه من دون تنظيم قانوني سليم، ومن دون إطار تنظيمي يعالج قضية الخصوصية".

وبحسب التقرير، فإن هذا المشروع "فتح شهية السلطات المحلية المختلفة والهيئة الوطنية لأمن المجتمع، للتوسع في نشر وسائل الرقابة والملاحقة تحت مسوغات مراقبة العنف".

جدل عالمي

ويرى مراقبون أن الاستخدام المتزايد للتكنولوجيا يمكن أن يساعد على إبقاء الجريمة والإرهاب تحت السيطرة، إلا أن الجدل العالمي ما زال يحتدم في شأن إيجابيات وسلبيات هذه التكنولوجيا. فالاتحاد الأوروبي على سبيل المثال لا الحصر، اقترح قانوناً للحد من استخدام مثل هذه التكنولوجيا من قبل الشرطة، وقد تم حظرها في العديد من المدن الأميركية، بما في ذلك سان فرانسيسكو وبوسطن. وفي الوقت ذاته، قالت شركات التكنولوجيا، بما في ذلك "ألفابت" Alphabet التابعة لـ"غوغل" و"مايكروسوفت" و"أمازون"، إنها ستوقف أو تحدُّ من مبيعات تقنية التعرف على الوجه.

المزيد من تحقيقات ومطولات