Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تفاقم الأزمة الاجتماعية مخاطر تونس المالية؟

وكالة "فيتش" تتوقع ارتفاع نسبة عجز الموازنة إلى 8.4 في المئة

إعلان اتحاد الشغل عدم مشاركته في الحوار الوطني يدل على اختلاف في البرنامج الإصلاحي (أ ف ب)

نبهت وكالة التصنيف الائتماني "فيتش رايتنغ" إلى أهمية تنقية المناخ الاجتماعي في تونس من أجل تحقيق التوازنات المالية. في إشارة إلى ضرورة توصل الحكومة والاتحاد العام للشغل (المركزية النقابية) إلى أرضية تفاهم حول الإصلاحات الاقتصادية، التي وعدت السلطات بتنفيذها.

وقدمت الحكومة الحالية وثيقة إلى صندوق النقد الدولي بغرض الحصول على تمويل جديد، تحتوي على حزمة من الإصلاحات التي تتعلق بالدعم والجباية والأجور والقطاع العام، لكنها جوبهت بوضع شروط من قبل المركزية النقابية، ورفض الجزء الأعظم منها.

وقالت "فيتش رايتنغ"، إن الاتفاق بين الطرفين هو الشرط الأساسي لإنقاذ الاقتصاد التونسي، الذي يعاني من الركود ويحتاج إلى موارد تمويل خارجية لدفع التنمية، وسط تفاقم الديون وارتفاع العجز في موازنة 2022، وذلك على الرغم من تمكن الحكومة من تعبئة موارد خارجية عن طريق قروض مكنتها خلال الأشهر الأولى من السنة الحالية من مجاراة الصعوبات.

وحذرت الوكالة من إمكانية عدم توصل تونس إلى تسديد ديونها في حال الفشل في توقيع اتفاقية قرض جديد مع صندوق النقد، في حين استبعد خبراء تحدثوا إلى "اندبندنت عربية" الإشكاليات المتعلقة بخدمة الدين في السنة الحالية على الأقل، لكنهم أجمعوا على المخاطر المحدقة بالعجز الحاصل في ميزانية السنة الحالية الذي لم يتم سده حتى اليوم، والتأخير المسجل في هذا الصدد متوقعين ارتفاعه في السنة المقبلة.

شبح نادي باريس

الوكالة قالت، إن توصل الحكومة والاتحاد العام التونسي للشغل إلى اتفاق حول الإصلاحات الاقتصادية يمكن أن يفضي إلى صرف تمويل من صندوق النقد الدولي، ودعم موقع تونس للحصول على تمويل خارجي.  وأضافت أن التجاذبات بشأن هيكل دستوري جديد يعيق التوصل إلى اتفاق، ويزيد من مخاطر عدم الدخول في برنامج مع صندوق النقد الدولي من الآن إلى نهاية الربع الثالث من سنة 2022. وأنه في حالة البقاء من دون إصلاحات فإن تونس يتعين عليها اللجوء إلى نادي باريس لجدولة ديونها قبل أن تصبح قادرة على الحصول على تمويل إضافي من صندوق النقد الدولي مع انعكاسات على الدائنين من القطاع الخاص.

لكن "فيتش رايتنغ" عادت لتتوقع الوصول إلى اتفاق، وذكرت أنه "على الرغم من المخاطر المالية والسياسية، فإننا نتوقع دائماً أن تقدم تونس برنامج إصلاحات موثوقاً به إلى صندوق النقد الدولي مع مساهمة مالية لدائني القطاع العام قبل نهاية العام الحالي".

وقالت الوكالة، إن مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل تزيد من مصداقية برنامج الإصلاحات الاقتصادية، وترفع من فرضية التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، لافتة إلى أن الرئيس قيس سعيد يتمتع بدعم شعبي، لكنه تبنى إصلاحات سياسية واقتصادية من دون دعم الاتحاد العام التونسي للشغل، وهو ما وصفته بالأمر الصعب".

وأعلن اتحاد الشغل عن عدم مشاركته في الحوار الوطني المقترح من قبل رئيس الجمهورية لدعم الإصلاحات السياسية، وقرر تنفيذ إضراب في القطاع العام يوم 16 يونيو (حزيران) 2022. وتوقعت الوكالة، على خلفية هذه المعطيات، ارتفاع عجز ميزانية الدولة التونسية لسنة 2022 إلى 8.4 في المئة من الناتج الداخلي الخام، مقابل 6.3 في المئة سنة 2021. 

التصنيف

وكانت وكالة التصنيف الائتماني ""فيتش رايتنغ"" قد خفضت ترقيم تونس السيادي في 18 مارس (آذار) 2022 إلى "CCC" مع آفاق سلبية، في حين صنفت وكالة "موديز" البلاد "caa1" مع آفاق سلبية في أكتوبر (تشرين الأول) 2021. على خلفية عدم التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي لإنقاذ الميزانية العمومية.

ويشير التصنيف إلى أن السندات تنطوي على مخاطر ائتمانية كبيرة والتخلف عن السداد يصبح احتمالاً حقيقياً. وأعلنت "فيتش" "أن تخفيض تصنيف تونس يعكس ازدياد مخاطر السيولة المالية الخارجية في ظل التأخير للتوصل إلى اتفاق جديد مع صندوق النقد الدولي".

خدمة الدين

ويتوقع انخفاض خدمة الدين متوسط وطويل المدى، وفق الحكومة التونسية، بنحو3.8 في المئة خلال سنة 2022، ما يعادل 560 مليون دينار (186.6 مليون دولار) لتهبط إلى 14.3 مليار دينار (4.76 مليار دولار) مقارنة مع 2021، في وقت ستسدد فيه تونس زهاء 13 قسطاً بين قروض محلية وخارجية. وينتظر أن تسجل خدمة الدين الداخلي تطوراً بنسبة 14.9 في المئة خلال سنة 2022 مقارنة مع سنة 2021، في حين ستتراجع نظيرتها للدين الخارجي بنسبة 21.2 في المئة.

وسينتج عن زيادة أسعار صرف، الدولار واليورو والين الياباني، انعكاسات على خدمة الدين، حيث ستسدد تونس خلال 2022، أصل الدين المتوسط وطويل المدى لزهاء 8 قروض واكتتابات أساسية. سددت من بينها 250 مليون دولار تشكل القسط الأخير من الاكتتاب القطري خلال شهر أبريل (نيسان) 2022 و127 مليون دولار لفائدة صندوق النقد الدولي موزعة على مايو (أيار) ويونيو وسبتمبر (أيلول) ونوفمبر (تشرين الثاني) وديسمبر (كانون الأول)  2022.

كما تسدد تونس خلال شهري يناير (كانون الثاني) ويوليو (تموز) 2022 قرضاً للسعودية بقيمة 100 مليون دولار، و78 مليون دولار لصندوق النقد العربي موزعة على أشهر أبريل ويونيو  وأكتوبر وديسمبر. كما ستدفع 25 مليار ين ياباني (191 مليون دولار) بعنوان قرض بضمان ياباني خلال شهر ديسمبر 2022، وسددت القرض الداخلي بالعملة بقيمة 300 مليون يورو (322 مليون دولار) خلال مارس 2022، و145 مليون يورو (155.9 مليون دولار) خلال مايو 2022، و123 مليون يورو (132 مليون دولار) خلال يونيو 2022.

وخصصت مبلغ 808.2 مليون دينار (269.3 مليون دولار) لتسديد سندات الخزينة خلال فبراير (شباط) 2022، و810.7 مليون دينار (270 مليون دولار) خلال مايو 2022، و894.8 مليون دينار (298.2 مليون دولار) خلال أغسطس (آب) 2022.

وستتولى الحكومة تسديد قسط من التسبقة الاستثنائية للبنك المركزي بقيمة 910 ملايين دينار (303.3 مليون دولار) خلال ديسمبر 2022 استخلاص سندات خزينة 52 أسبوعاً بقيمة 194.4 مليون دينار (64.8 مليون دولار). وسددت الحكومة في إطار آليات الدين قصير المدى لسنة 2022 مبلغ 1.5 مليار دينار (500 مليون دولار) خلال فبراير 2022، سندات خزينة صادرة خلال نوفمبر 2021، ومبلغ 100 مليون دينار (33.3 مليون دولار) خلال مايو 2022 بعنوان سندات 26 أسبوعاً صدرت خلال نوفمبر 2021.

وستتولى دفع 1.2 مليار دينار (400 مليون دولار) خلال شهر يونيو 2022، بعنوان رقاع خزينة 26 أسبوعاً صدرت خلال ديسمبر 2021، ومبلغ متوقع في حدود 149 مليون دينار (49.6 مليون دولار) يتعلق بإصدار سندات خزينة خلال شهر ديسمبر 2021.

حاجات تمويل

وخططت الحكومة التونسية في إطار اقتراض مبلغ 19.9 مليار دينار (6.63 مليار دولار) سنة 2022 إلى تعبئة 7.3 مليار دينار (2.43 مليار دولار) محلياً من خلال سندات الخزينة والقرض الوطني والقرض البنكي بالعملة والتسبقة الاستثنائية.

وتسعى كذلك إلى تعبئة الموارد الخارجية بنحو 12.6 مليار دينار (4.2 مليار دولار) من خلال قروض خارجية موظفة لمشاريع الدولة، وقروض خارجية موظفة معاد اقتراضها، وقروض دعم الميزانية والخروج إلى السوق المالية بضمان لتعبئة 2.7 مليار دينار (900 مليون دولار).  

وقد أوفت تونس حتى اليوم بالتزاماتها الخارجية، وسددت 3.36 مليار دينار (1.12 مليار دولار) من جملة الديون الخارجية لعام 2022. وأسهمت التمويلات التي تحصلت عليها من البنك الدولي بقيمة 400 مليون دولار في شهر أبريل 2022 لدعم الحماية الاجتماعية في مواجهة مخلفات كورونا، ومن الاتحاد الأوروبي بقيمة 300 مليون يورو (322 مليون دولار) في شهر مايو لتمويل الموازنة، والبنك الأفريقي للتصدير والاستيراد بقيمة 700 مليون دولار في شهر أبريل لدعم الميزانية، من تخفيف الضغط على موارد تونس من العملة الصعبة على المدى القريب، خصوصاً في ظل ارتفاع أسعار المواد الأولية على غرار البترول والقمح بسبب الحرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تواصل الخلل والركود

يرى عضو الهيئة المديرة بالمنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية، منير حسين، أن إعلان الاتحاد العام التونسي للشغل عدم مشاركته في الحوار الوطني المقترح من قبل الرئيس قيس سعيد لدعم الإصلاحات السياسية وتلويحه بشن إضراب عام في القطاع العام، يدل على اختلاف في البرنامج الإصلاحي، الذي تؤمن المركزية النقابية به، لكن من خلال رؤيتها الخاصة للعلل التي يعانيها الاقتصاد التونسي، ومنهجية معالجتها واختلاف الرؤى حول مسار الإصلاح يبدو جلياً الآن.

وقال إن الاختلاف في الانتقادات الموجهة إلى الحكومة الحالية يأتي بسبب مرورها إلى تنفيذ مطالب صندوق النقد من دون الأخذ بالاعتبار للرؤية المحلية للإصلاح. مضيفاً أن مشاركة الاتحاد العام التونسي للشغل تحول برنامج الإصلاحات الاقتصادية إلى منهج وطني تونسي لمعالجة النمط التنموي، وتزيد من فرضية التوصل إلى اتفاق مع الصندوق، لكن التطورات الآنية تدل على السير في محاولة تمرير حزمة من الإصلاحات المتمثلة في إملاءات الصندوق بقوة ورفض المنظمة الشغيلة وغياب الاتفاق الوطني الملح.

وأشار إلى أن ذلك سيزيد من تعمق الأزمة الاقتصادية بسبب خلل في التوازنات المالية، وقال إن الحكومة الحالية عجزت عن سد فجوة العجز بميزانية 2022، التي تبلغ 9 مليارات دينار (3 مليارات دولار)، وهو عجز مرشح فعلاً للارتفاع في السنة الراهنة والمقبلة بسبب تواصل الخلل وغياب الحلول.

عقبات أخرى

في المقابل، استبعد المحلل الاقتصادي أنيس وهابي، اقتصار حل الأزمة الراهنة على الوصول إلى اتفاق داخلي بين المركزية النقابية والحكومة وتنقية المناخ الاجتماعي، بل يشترط الوضع توفير مستلزمات الإنعاش الاقتصادي، واستعادة نسق الإنتاج للضغط على العجز في المرحلة الأولى، ثم تحقيق اتفاق بين جميع الأطراف، ما يركز هدنة اجتماعية، وهي غير مقتصرة في موافقة الاتحاد العام التونسي للشغل.

وقال "تبدو تونس في منأى عن نادي باريس في السنة الراهنة، فقد تمكنت من تسديد ديونها بالعملات الخاصة بسنة 2022، وهي الجزء العسير توفيره في ظل ندرة العملة الصعبة، وتعطل التصدير، والخشية من تراجع مخزون العملات، وقد تم تجاوز هذه المرحلة، ووقع إصدار سندات للاقتراض من البنوك المحلية لتعبئة موارد لسد عجز الميزانية، وتسديد الديون المتبقية بالعملة المحلية.

وأضاف "لكن تبدو تونس مرشحة للمرور بأزمة خانقة في السنتين المقبلتين في حال عدم التوصل إلى توقيع اتفاقية جديدة مع صندوق النقد بمواجهة خدمة دين تحتوي على استحقاقات بالعملات، علاوة على ارتفاع منتظر في نسبة عجز الموازنة، بالتالي عدم تحمل عبء الديون الخارجية".