Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشهد العالم نهاية التجارة الحرة للطاقة؟ 

حقبة جديدة للنفط والغاز مدفوعة بالعقوبات الغربية ضد روسيا تمنح الجغرافيا السياسية ميزة على قوى السوق 

وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان يلقي كلمة أمام مؤتمر الشرق الأوسط السنوي التاسع والعشرين للبترول والغاز في العاصمة البحرينية المنامة (أ ف ب)

يعيد هجوم روسيا على أوكرانيا رسم خريطة الطاقة في العالم، مما يبشر بعهد جديد يتأثر فيه تدفق الوقود الأحفوري بالمنافسات الجيو-سياسية بقدر ما يتأثر بالعرض والطلب.

فعلى مدى نصف القرن الماضي انتقل النفط والغاز الطبيعي بحرية نسبية إلى الأسواق، حيث فرضا أعلى الأسعار حول العالم، وانتهى ذلك فجأة عندما توغلت الدبابات الروسية عبر الحدود الأوكرانية في الـ 24 من فبراير (شباط)، مما أدى إلى وابل من العقوبات التجارية من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، واستهدف روسيا التي أغرقت التجارة العالمية في حال من الفوضى. 

ووافق الاتحاد الأوروبي هذا الأسبوع على أشد العقوبات التي فرضها حتى الآن على روسيا، وحظر وارداتها من النفط ومنع شركات التأمين من تغطية شحناته من الخام، وبالتالي فأي نظام جديد سيظهر لن يكون واضحاً تماماً لسنوات مقبلة، لكن التجار والدبلوماسيين وغيرهم من الخبراء في الجغرافيا السياسية للطاقة يتفقون بشكل عام على أنها ستكون أقل تدفقاً حراً مما شهده العالم منذ نهاية الحرب الباردة.

ثلاثة محاور محتملة لتأثير الطاقة 

تظهر ثلاثة محاور محتملة لتأثير الطاقة: الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى التي استخدمت قوتها الاقتصادية والشرائية الهائلة كسلاح سياسي، والصين ودول ناشئة كبيرة مثل الهند وتركيا وفيتنام التي رفضت الضغط الغربي واستمرت في التعامل مع روسيا، والسعودية ودول أخرى منتجة للنفط في الشرق الأوسط سعت إلى الحفاظ على الحياد، وقد تكتسب حصة في السوق خلال السنوات المقبلة.

وقال سفير الولايات المتحدة السابق لدى السعودية تشاس فريمان لـ"وول ستريت جورنال"، "نحن في مفصل حقيقي من التاريخ". وأضاف فريمان، وهو الآن زميل أقدم في جامعة براون، أن أوروبا لا يمكنها أبداً أن تثق في روسيا مرة أخرى لتكون المزود الأساس للطاقة، وأنه حتى إذا رفعت العقوبات فإن الدول تقترح بنية تحتية جديدة مكلفة، وتؤيد عقود إمداد بديلة طويلة الأجل لإنشاء خريطة الطاقة الجديدة. 

خريطة جديدة لا تخلو من أخطار

وقال المسؤول السابق بوزارة الخزانة الأميركية زولتان بوزار، الذي يترأس الآن استراتيجية أسعار الفائدة قصيرة الأجل في شركة "كريديت سويس غروب إيه جي"، إن الأمر الجديد يعد بجعل تجارة الطاقة أقل كفاءة وأكثر كلفة، مما قد يضع السلع في قلب الأزمة الاقتصادية العالمية المقبلة.

وأشار إلى أن الحظر الألماني على النفط الخام الروسي سيعني على الأرجح أنه بدلاً من وصول النفط الروسي إلى هامبورغ في غضون أسبوع أو أسبوعين، سيستغرق للسفر إلى الصين أشهراً عدة. وعلى العكس من نفط الشرق الأوسط، سيؤدي الحظر إلى رحلة أطول إلى أوروبا للنفط الخام الذي كان سيذهب عادة إلى آسيا. وقال إن أوجه القصور هذه سترفع كُلف الشحن والتأمين والتمويل التي تدعم تجارة الطاقة. 

ويتوقع كثيرون أن صناعة الطاقة في روسيا، العمود الفقري لاقتصادها، ستنكمش لأن خسارة أكبر سوق لها لا يمكن تعويضها بالكامل، ويقول هؤلاء إن العقوبات المالية والتكنولوجية الغربية ستقوض قدرة روسيا في الحفاظ على الإيرادات ومستويات الإنتاج الحالية. 

وقال نائب رئيس "أس أند بي غلوبال" والمؤرخ في صناعة النفط دانييل يرغين، "لقد ولت أيام روسيا كقوة عظمى في مجال الطاقة". 

لكن الخريطة الجديدة لا تخلو من الأخطار على القوة الأميركية ومكانة الدولة كضامن للتجارة العالمية، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية كان الدولار العملة الافتراضية للمعاملات النفطية، مما ساعد في الحفاظ على مركزيته في الاقتصاد العالمي. 

وأضاف فريمان أن الاستفادة من قوة النظام المالي الأميركي لفرض عقوبات ضد روسيا قد أدى إلى التشكيك في موثوقيتها كمكان لتخزين الثروة. 

الجغرافيا السياسية والطاقة 

وتستكشف اليوم السعودية والهند ودول نامية أخرى إجراء معاملات الطاقة بعملات غير الدولار الأميركي، وبالمثل بدأت روسيا في السعي إلى الحصول على تعويض بالروبل عن وقودها الأحفوري. 

وقال فريمان، "ربما كانت لدينا أسباب وجيهة، لكن الولايات المتحدة قامت بتسييس تجارة الطاقة". 

ولطالما ارتبطت الجغرافيا السياسية بالطاقة، وأدت العقوبات الأميركية ضد إيران وفنزويلا إلى تعطيل التدفقات النفطية العالمية خلال السنوات الأخيرة، لكن منذ نهاية الحظر النفطي العربي في أوائل السبعينيات كانت التجارة الحرة نسبياً في السلع المدعومة بالقوة العسكرية والمالية الأميركية، سمة مميزة للنظام الدولي. 

وهذا يتغير الآن، فخلال خطاب ألقي في أبريل (نيسان) قالت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين إنه في أعقاب الهجوم الروسي على أوكرانيا حان الوقت لإعادة تصميم نظام "بريتون وودز" لقواعد التجارة الذي ظهر في العام 1944 وأعطى الأولوية للكفاءة الاقتصادية والتعاون الدولي، ودعت يلين إلى "دعم الصداقة" لسلاسل التوريد للمواد الخام المهمة من خلال تعميق العلاقات التجارية مع "مجموعة من البلدان التي لديها التزام قوي بمجموعة من المعايير والقيم".

ويعاد بالفعل توجيه التدفقات التجارية مع انسحاب شركات الطاقة الغربية من روسيا ورفض شركات الشحن والمقرضين وشركات التأمين لمس الصادرات الروسية. 

الاتحاد الأوروبي في بداية تنفيذ حظره على صادرات النفط الروسية ينضم إلى الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا وأستراليا، وبعد المخاوف التي أثارتها المجر في شأن التأثير الاقتصادي سيعفي الحظر النفط الذي يتم تسليمه من روسيا عبر خطوط الأنابيب المجرية، ومع ذلك قال مسؤولون في الاتحاد الأوروبي إنه بحلول نهاية العام سيغطي الحظر 90 في المئة من واردات النفط الروسية السابقة.

فطام أوروبي عن النفط الروسي 

انخفضت صادرات النفط الروسية إلى الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والمملكة المتحدة واليابان وكوريا الجنوبية بالفعل بمقدار 563 ألف برميل يومياً، أو 32 في المئة من فبراير إلى أبريل، وبحسب بنك الاستثمار "بايبر ساندلر" فإن الحظر الكامل من جانب الاتحاد الأوروبي يعني أن نحو 2.8 مليون برميل يومياً من النفط الخام و1.1 مليون برميل يومياً من المنتجات التي تتدفق عادة إلى أوروبا يجب أن تجد سوقاً جديدة. 

وسيجد القادة الأوروبيون صعوبة أكبر في فطم أنفسهم عن الغاز الطبيعي الروسي الذي يمثل عادة أكثر من 30 في المئة من إمدادات الاتحاد الأوروبي، ويأتي في الغالب عبر خط الأنابيب، وتقدر "جيه بي مورغن تشيس" أنه بحلول نهاية العام ستظل أوروبا تتلقى ما بين 81 في المئة و94 في المئة من كمية الغاز الروسي التي استغرقتها عام 2021.

وقال الاتحاد الأوروبي إنه سيتوقف عن استخدام النفط والغاز الروسيين بحلول العام 2027، لكن إنهاء اعتماده على الطاقة الروسية يمكن أن يأتي بكلفة باهظة. 

عمل منسق الرئيس بايدن لأمن الطاقة عاموس هوشستين مع المسؤولين الأجانب والمديرين التنفيذيين في مجال الطاقة لتعزيز الإمدادات البديلة من النفط والغاز إلى أوروبا لتخفيف الألم، لكن أوروبا والولايات المتحدة تعملان في ظل قيود إضافية، إذ قال هوشستين إن الولايات المتحدة لن تقدم حوافز لاستثمارات طويلة الأجل في الوقود الأحفوري تتعارض مع خطتها لتشجيع الانتقال إلى مصادر طاقة صديقة للبيئة. 

وأضاف هوشستين، "نحاول مساعدة أوروبا وتحقيق الاستقرار في السوق وحماية المستهلكين الأميركيين مع جعل بوتين يدفع الثمن، والقيام بذلك من دون انحراف عن هدفنا العام المتمثل في تقليل استخدام الوقود الأحفوري". 

وقال قادة الاتحاد الأوروبي إنهم سيعجلون الآن بخطط طموحة لبناء مشاريع طاقة متجددة نتيجة للحرب، لكنهم يقرون بأن أوروبا ستحتاج إلى مزيد من الوقود الأحفوري في غضون ذلك. 

وقال الأمين العام لمنتدى الطاقة الدولي جوزيف ماكمونيجل، ومقره السعودية، إن زيادة الطلب المقترن بالعقوبات الغربية على الطاقة ضد روسيا والتي ستخفض إنتاجها قد تؤدي إلى نقص مادي في النفط العالمي. 

وأضاف ماكمونيجل، "إذا تم استبعاد روسيا من سوق التصدير فسيحدث ركود عالمي يقتل الطلب".

عودة السعودية 

ويبدو المنتجون في الشرق الأوسط على أهبة الاستعداد ليكونوا الفائزين في خريطة الطاقة الناشئة، وكانت السعودية ودول الخليج الأخرى قد تعرضت إلى ضغوط للتنويع بعيداً من الوقود الأحفوري خلال السنوات الأخيرة بسبب المخاوف العالمية المتزايدة في شأن تغير المناخ، لكن الرئيس بايدن دعا المملكة إلى بذل مزيد من الجهد في الفترة التي تسبق الحرب، وهو تحول صارخ من حملته الرئاسية.

وقال الأدميرال المتقاعد دينيس بلير الذي شغل منصب أول مدير للاستخبارات الوطنية في عهد الرئيس باراك أوباما، إنه على الرغم من الجهود المبذولة لتحويل السياسة الخارجية للولايات المتحدة بعيداً من المنطقة، فإن أهمية الشرق الأوسط بالنسبة للمصالح الأميركية قد عادت مرة أخرى بسبب الحرب.

شركة النفط العربية السعودية العملاقة المملوكة للدولة (أرامكو)، والتي تفوقت أخيراً على شركة "أبل" باعتبارها الشركة الأكثر قيمة في العالم، تتلقى بالفعل مزيداً من طلبات النفط الخام من المشترين في أوروبا على نطاق أوسع، ويقول المسؤولون السعوديون إن الحرب أظهرت أن الأهداف الصارمة لخفض انبعاثات الكربون من طريق خفض استخدام الوقود الأحفوري بسرعة لم تكن واقعية. 

وقال مسؤول سعودي، "من المضحك أنه في العام الماضي ضغطت دول عدة على السعودية، بما في ذلك الولايات المتحدة، للالتزام بخطط التخلص من انبعاثات الكربون بحلول العام 2050، لكنها الآن تطلب مزيداً من النفط".

وبعد رفض طلبات الولايات المتحدة لمزيد من الإنتاج لأشهر عدة، اتفقت "أوبك" وحلفاؤها الخميس الماضي على زيادة أكبر من المتوقع للإنتاج، مما يسمح للسعودية بضخ مزيد من الخام ويمهد الطريق أمام اتفاق محتمل للنفط مقابل الأمن مع الولايات المتحدة خلال زيارة الرئيس بايدن في وقت لاحق من هذا الشهر.

وقال مسؤول سعودي آخر، "الحرب الروسية علمت العالم شيئاً واحداً بصوت عال وواضح، نحن بحاجة إلى مزيد من النفط السعودي". 

تحدي روسيا 

وتتمثل الضرورة الجديدة لروسيا في تعميق العلاقات مع آسيا، بخاصة الصين، لتعويض الخسارة التي تلوح في الأفق لسوقها الأوروبية، ومثل هذا المحور ضروري بشكل خاص لصادرات الغاز الطبيعي في روسيا، والتي تعتبر أقل قابلية للاستبدال من نفطها، وستتطلب بناء بنية تحتية ضخمة للعثور على موطن جديد. وصدرت روسيا في السابق ما يصل إلى 200 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى أوروبا، أكبر أسواقها إلى حد بعيد، بينما صدرت نحو 33 مليار متر مكعب إلى آسيا العام الماضي.

وتمتلك روسيا عدداً قليلاً من خطوط الأنابيب المقترحة ومشاريع الغاز الطبيعي المسال التي تتيح نقله بحراً، ومن شأنها تعزيز قدرتها على إرسال الغاز إلى آسيا، لكن العديد من المشاريع صعبة من الناحية الفنية ومكلفة، كما أن العقوبات الغربية ستعوق تقدمها مثلما يقول المحللون.

وأهم مشروع مخطط له هو خط أنابيب يبلغ طوله نحو 1600 ميل يربط شبه جزيرة يامال الروسية بالصين، يسمى "باور أوف سيبيريا 2" بكلفة 50 مليار دولار، ويستغرق بناؤه أكثر من خمس سنوات، وسيرسل ما يقرب من 40 مليار متر مكعب سنوياً إلى الصين بكامل طاقتها، ويمكن أن ترسل المرحلة الثانية ما يصل إلى 50 مليار متر مكعب. 

وعندما اتفق البلدان على شروط خط الأنابيب الأول عام 2014 استخرجت الصين أسعار غاز رخيصة نسبياً، وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في ذلك الوقت، "إن أصدقاءنا الصينيين يقودون صفقة صعبة كمفاوضين". 

قال إد تشاو، أحد كبار المساعدين في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، إن الصين تتمتع بقوة تفاوضية أكبر في هذه الجولة، وبسبب يأس روسيا لتعويض الإيرادات الأوروبية المفقودة فيمكن لروسيا على الأكثر بيع ما يصل إلى 120 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً إلى آسيا بحلول العام 2030، وبسعر أقل مما تجلبه في أوروبا. وأضاف، "سيحاول الجميع الاستفادة من حقيقة أن روسيا بحاجة إليهم أكثر الآن". 

نمو شحنات النفط الروسية للهند وتركيا والصين

ويسارع الدبلوماسيون الروس إلى مواجهة جهود الولايات المتحدة لردع الطاقة الروسية عن إيجاد وطن جديد، إذ زادت شحنات النفط الروسية المتجهة إلى الهند وتركيا والصين ودول صديقة أخرى بأكثر من 1.2 مليون برميل يومياً من فبراير إلى أبريل، بزيادة قدرها 146 في المئة، وفقاً لـ "جي بي مورغان تشيس".

وقال مسؤول في مقابلة إن شركة الغاز الطبيعي الروسية العملاقة "غازبروم" أعادت توجيه عدد من ناقلات الغاز الطبيعي المسال من اليابان إلى الصين والهند، في خطوة استباقية في حال انضمام طوكيو إلى الحظر الغربي. 

لكن من غير المرجح أن يحل المشترون الآسيويون محل أوروبا كسوق للنفط والغاز الروسيين على المدى الطويل كما يقول المحللون والتجار.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وعلى الرغم من رفض الهند دعوات إلى حظر النفط الروسي، إلا أنها تشتري براميل روسية بخصم كبير بالطريقة نفسها التي سعت بها الصين إلى الحصول على خفوضات على الغاز الطبيعي.

إن خسارة أقرب وأكبر سوق لها سيكلف روسيا مليارات الدولارات من عائدات الطاقة كل عام إلى جانب العقوبات التكنولوجية القاسية، وسيؤدي ذلك إلى تدهور خطر في قدرة البلاد على الحفاظ على مستويات إنتاج النفط والغاز الحالية. وتقدر وكالة الطاقة الدولية أن حجم الإنتاج الروسي في وضع عدم الاتصال يمكن أن يتضاعف ثلاث مرات إلى ثلاثة ملايين برميل يومياً بنهاية العام 2022 وسط عقوبات النفط التي فرضها الاتحاد الأوروبي، مما يشير إلى انخفاض بنحو 27 في المئة في مستويات الإنتاج قبل الحرب.

ويقر بعض مسؤولي الطاقة الروس سراً بأن روسيا لن تكون قادرة على تفادي عقوبات الطاقة الغربية المطولة، وقال مسؤول "غازبروم" إن "روسيا مصدومة من مدى اتحاد الغرب في شأن العقوبات". 

اقرأ المزيد

المزيد من البترول والغاز