Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

انتقاد خامنئي يغلق برنامجا ويحبس صحفيا في العراق ونشطاء يبكون "حرية التعبير"

فصائل موالية لطهران تطلق حملة ترويع دفاعاً عن رئيس "القضاء الأعلى" بعد اتهامه بالانحياز لهم

انتقاد على خامنئي مرشد الثورة الإيرانية بمثابة خط أحمر لدى الفصائل الموالية لطهران في العراق (أ ف ب)

بمادة قانونية تعود إلى نظام صدام حسين، وبضغوط حملة ترهيب من فصائل موالية لإيران، أصدرت السلطات القضائية العراقية أوامر قبض وتحرٍّ بحق الكاتب والصحافي سرمد الطائي، على أثر انتقادات وجهها خلال مداخلة في برنامج سياسي عبر التلفزيون الرسمي إلى رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، والمرشد الإيراني علي خامنئي، وقائد "فيلق القدس" الإيراني السابق قاسم سليماني، فيما قطعت شبكة الإعلام العراقي الحلقة أثناء بثها المباشر، قبل أن توقف برنامج "المحايد" الذي يقدمه الإعلامي سعدون محسن ضمد.

واتهم الطائي خلال البرنامج رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان بـ"الانحياز" لحلفاء طهران في العراق، لافتاً إلى أن "زيدان يمثل ظهور ديكتاتورية جديدة في البلاد تصدر مذكرات الاعتقال على أي معترض عليها".

وتابع، "على مجلس القضاء أن يعيد النظر في مواقفه، إذ إن الأمور كانت أفضل حتى في زمن حكومة نوري المالكي"، مبيناً أن "زيدان لا يمكن أن يستمر باللعب في النار، وسيواجه محاكمة تاريخية وثقافية وفكرية، وهو واهم إذا أعتقد أن مذكرات الاعتقال ستخيف النخبة والشباب".

ولعل ما أثار تفاعل القضية بشكل أكبر هو قول الطائي، "وقفنا بوجه خامنئي وسليماني، وقد ذبحونا، وقلنا رقابنا في المشنقة وفخامة العراق أكبر من خامنئي والقاتل سليماني، والآن أكبر من فائق زيدان الذي يلعب بالمحكمة الاتحادية ويستخدم القضاء ليمارس انقلاباً سياسياً مفضوحاً على نتائج الانتخابات".

القضاء في مواجهة الصحافيين

لم تتوقف الإجراءات عند حدود المذكرة القضائية فحسب، بل أصدر رئيس مجلس القضاء الأعلى، فائق زيدان، بياناً شديد اللهجة اتهم فيه بشكل مباشر مقدم البرنامج بأنه يمتلك "رأياً سلبياً ومتطرفاً"، وهو الأمر الذي دفع صحافيين ومدافعين عن الحريات في العراق إلى اعتبار موقف زيدان يمثل "نقلاً للقضاء العراقي من منطقة الحكم إلى طرف في النزاعات بقضايا حرية التعبير".

وقال زيدان، في مذكرة رسمية إلى رئيس شبكة الإعلام العراقي، إن "مجلس القضاء الأعلى يحرص على حماية حرية التعبير عن الرأي والإعلام المكفولة بموجب المادة 38 من الدستور (...)، إلا أن المجلس يأسف لنهج قناة الدولة الرسمية (العراقية) بالإساءة إلى مجلس القضاء الأعلى كمؤسسة وشخوص قائمين على إدارتها، بتعمد إضعاف ثقة المواطن بالقضاء وما يصدر عنه عبر استضافة من لديهم رأي سلبي متطرف بالقضاء".

وأضاف زيدان، أن ذلك جرى "عبر برنامج يديره إعلامي لديه رأي سلبي متطرف أيضاً يتطابق مع من يتعمد استضافتهم بقصد إخراج هذه الإساءات إلى الجمهور المشاهدين كأنها بدرت من ضيوف البرنامج لا من القناة".

وتابع، "نرى أن هذا النهج غير المسؤول مفضوح للمتخصص ولا يليق بقناة تمول بشكل رسمي من أموال الشعب، في ظرف يحتاج إلى تكاتف جميع المخلصين للعراق قولاً وفعلاً لتجاوز الأزمات التي للأسف كان جزءاً منها بعض المحسوبين على وسائل الإعلام ممن اعتادوا إشاعة الأكاذيب والفوضى".

وإضافة إلى بيان زيدان، أصدرت المحكمة الاتحادية العليا هي الأخرى بياناً، الخميس 2 يونيو، قالت فيه إنه "للأسف بدأت في الآونة الأخيرة وبدوافع شخصية لا تنتمي إلى أي قيم وطنية محاولات لإضعاف قيم القضاء بطريق أو بآخر، وذلك لهدم ركن مهم من الدولة والمجتمع، وآخرها ما قامت به قناة الدولة الرسمية (العراقية) عن طريق برنامج استضافت به أحد القابعين بعيداً من الشعب وجروحه".

ودعت المحكمة "جميع شبكات الإعلام والعاملين فيها إلى عدم الإساءة إلى قيم العراق التاريخية، ومنها القضاء العراقي".

في المقابل، استنكرت جمعية الدفاع عن حرية الصحافة، قرار إيقاف برنامج "المحايد"، فيما عبرت عن استغرابها من البيان الصادر عن زيدان، واصفة إياه بأنه "إطلاق أحكام مسبقة إزاء ضمد المعروف بمهنيته وموضوعيته طيلة فترة عمله كمقدم للبرامج".

وعدت الجمعية الإجراء "مؤشراً على تضييق مساحة حرية التعبير والصحافة في العراق، ونكوصاً جديداً في تاريخ شبكة الإعلام العراقي، التي تسيطر عليها أحزاب السلطة وتنعكس صراعاتها على زملاء المهنة من العاملين في الشبكة بين الفينة والأخرى".

ليلة تحريض ميليشاوية

أتت جميع بيانات السلطات القضائية بعد ليلة تحريض طويلة شنتها الميليشيات والأحزاب الموالية لإيران على البرنامج، ووصلت إلى حدود التهديد باستخدام طريقة "ربع الله"، وهو ما جرى من سلسة حرق لمؤسسات إعلامية مناوئة للنفوذ الإيراني، من بينها إحراق مكتب قناة mbc في مايو (أيار) 2020.

ويمثل بيان زيدان سابقة هي الأولى التي يصدر فيها رئيس أعلى سلطة قضائية في البلاد بياناً بصفته الرسمية لمهاجمة صحافي ومقدم برنامج سياسي، الأمر الذي أدى إلى إصدار أوامر بإيقاف البرنامج.

ولعل ما يدفع إلى الاعتقاد أن ما ورد في بيان رئيس مجلس القضاء، يمثل "مساراً متماهياً مع خطوات الميليشيات الموالية لإيران" على حد وصف صحافيين، هو تضمنه هجوماً مباشراً على مقدم البرنامج، الذي لم يكن له دور في توجيه الانتقادات، بل نبّه الطائي إلى ضرورة التوقف لعدم وجود طرف قضائي يرد على تلك الاتهامات.

ويحظى مقدم البرنامج، سعدون محسن ضمد، بتاريخ حافل باتهامات وتحريض الجماعات الموالية لإيران عليه، قبل وخلال فترة عمله بالقناة الرسمية.

واستخدمت الميليشيات الموالية لإيران الاتهامات ذاتها التي وجهتها للناشطين والمتظاهرين العراقيين في احتجاجات أكتوبر (تشرين الأول) 2019، التي راح ضحيتها نحو 800 قتيل وأكثر من 25 ألف جريح برصاص ميليشيات وقوات حكومية، فضلاً عن عمليات الاغتيال التي استمرت حتى وقت قريب.

ويرى صحافيون أنه بالإمكان فهم انحياز رئيس مجلس القضاء العراقي إلى حلفاء إيران، من خلال طبيعة الشخصيات التي تقف خلفه وتقدم دعماً غير مشروط له، خصوصاً بعد مراجعة بيان ميليشيات "كتائب حزب الله" المسلحة، الذي قالت فيه إن "الإساءات المتكررة والتطاول على الشهداء، والمراجع، والمؤسسة القضائية، إنما تكشف عن منهج خطير تقوده وتنفذه أطراف مرتبطة بمحور الشر الصهيو - أميركي".

وأضاف بيان أكبر الميليشيات الموالية للمرشد الإيراني، "لمن الغريب أن تتحول إحدى المؤسسات الإعلامية الرسمية - التي تمول من أموال الشعب - إلى منصة ينفث فيها الموتورون، والعملاء، والشواذ نفسياً وعقلياً سمومهم".

في المقابل، دعا رئيس تحالف "الفتح"، هادي العامري، البرلمان العراقي إلى "إعادة تقييم مواقف وسياسات شبكة الإعلام العراقي، وهي تكرر إطلاق الرسائل الضارة والخطيرة التي تمثل أهداف أعداء العراق والمتربصين وأدواتهم الجاهلة".

وقال العامري في بيان، الخميس، "ندين ونستنكر التصريحات العدائية المتكررة التي يدلي بها الأبواق والناعقون المأجورون لدوائر العدوان والفتنة، فبين فترة وأخرى يخرج علينا الطبالون بأصوات منكرة يهاجمون الدين والمذهب والمرجعية والقضاء والقادة والشهداء وكل الرموز المقدسة التي يعتز بها هذا الشعب وتشكل مرتكزات ثابتة لهويته الوطنية والدينية"، في إشارة إلى زيدان وخامنئي وسليماني.

ولم تكتفِ شبكة الإعلام العراقي بإيقاف البث المباشر فحسب، بل حذفت حلقة البرنامج من جميع منصاتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وعلى الرغم من تشديد كل الشخصيات الموالية لإيران خلال بياناتها على ضرورة "عدم توجيه النقد للقضاء" فإن الدستور العراقي لم ترد فيه أي مادة تجعل من القضاء العراقي سلطة خارج إطار النقد.

وحاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع عدد من الخبراء القانونيين، إلا أنهم رفضوا التعليق على القضية، فيما قال خبير قانوني بارز في معرض رفضه، إن "خبيراً قانونياً واحداً لن يجرؤ على التصريح بما يتناقض مع ما قاله زيدان، لما قد يواجهه من إشكالات جسيمة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من يبتّ في خصومات الصحافيين والقضاء؟

لعل ما يدعو إلى التساؤل بين أوساط الصحافيين والمدافعين عن حرية الرأي في العراق، هو أن بيان رئيس مجلس القضاء لم يكن ذا طابع قانوني يتعلق بالرد على ما ورد من اتهامات من قبل الطائي، لكنه اتسم بشكل عام بلغة "تحمل أحكاماً مسبقة" على مقدم البرنامج ووضعه موضع الخصم المباشر، كما يصفه مراقبون.

عزز بيان زيدان الأخير سؤالاً محيراً في الأوساط الصحافية، فإذا كان من حقه إقامة الدعاوى ووصف الصحافيين المناهضين للنفوذ الإيراني بأنهم متطرفون، فما هو المسار القانوني الذي يمكن ضحايا السلوكيات الإيرانية من اللجوء إليه، فضلاً عن التساؤلات في شأن الجهة الحيادية التي يمكنها البتّ في الخصومات بين الصحافيين والجهات القضائية، وكيف يمكن أن يكون زيدان خصماً وحكماً في الوقت ذاته.

ويرى مراقبون وصحافيون ومنظمات حقوقية، أن الخطأ الجسيم الذي ارتكبه رئيس مجلس القضاء الأعلى يتمثل بـ"التعامل بانفعال"، بخاصة أن ما جرى سيدخل البلاد ربما في حالة من الفراغ القانوني في ما يتعلق بالجهة التي ستحكم ضد الإعلام المناوئ لطهران عندما أعلن القضاء نفسه طرفاً منحازاً لحلفاء إيران في العراق.

ويقول رئيس المركز "العربي الأسترالي للأبحاث"، أحمد الياسري، إن رئيس مجلس القضاء الأعلى، يحاول منذ سنوات "صناعة قدسية له تتجاوز قدسية كل الشخصيات الدينية والسياسية"، مبيناً أن هذا الأمر "ستكون له عواقب وخيمة على المسار الديمقراطي في البلاد".

ويبدو أن الإشكال الرئيس الذي وضع زيدان نفسه به، يتمثل بكونه "خصماً وحكماً في الوقت ذاته"، كما يعبر الياسري الذي أشار إلى أن هذا المسار "يترك ثغرة في النظام القانوني ويقوض حرية التعبير عن الرأي".

ولعل ما جرى يمثل "محاولة للسيطرة على كل المؤسسات الإعلامية في العراق من قبل التيارات الموالية لإيران"، بحسب الياسري الذي استدرك "كان الأحرى بزيدان اتخاذ موقف من حالة الهستيريا التحريضية التي شنتها الميليشيات على البرنامج، والتي مثلت السياق ذاته التحريضي الذي أودى بحياة مئات الشبان خلال الاحتجاجات".

وتابع أن "قلة خبرة زيدان هي التي حولت السلطة القضائية لطرف في النزاعات السياسية، تستفيد منها القوى المعطلة المرتبطة بإيران".

ويختم بأن حراك الصحافيين المناوئين للنفوذ الإيراني ينصبّ الآن على "انتزاع سطوة زيدان على القضاء العراقي"، مبيناً أن الغاية من ذلك "إبعاد القضاء من محاولات إدخاله كطرف في الأزمات السياسية وعدم جر البلاد إلى أزمة دستورية واجتماعية كبيرة".

استنساخ تجربة إبراهيم رئيسي

في المقابل، يعتقد الكاتب والصحافي، محمد السلطاني، أن زيدان "لا يمثل استثناءً من المسؤولين الذين يعتمدون طريقة الاستقواء بالفصائل على العراقيين واستخدام السلاح والنفوذ والسلطة في محاولة فرض الهيمنة".

ويبدو أن ما يجري، بحسب السلطاني، هو "محاولة إيرانية لتهيئة الرأي العام من أجل مشروع تسليم فائق زيدان منصب رئاسة وزراء العراق بدعم من صديقه رئيس الجمهورية الإيراني إبراهيم رئيسي"، مبيناً أن الخطة تتضمن "استنساخ سيناريو رئيس في القفز من رئاسة مجلس القضاء إلى رئاسة الدولة".

ويصف السلطاني ما يجري بأنه "محاولة من قبل الفصائل المسلحة لفرض هيبة إجبارية لزيدان تمهيداً لتوليه مناصب سياسية"، مبيناً أن "ما فعله خلال الساعات الماضية، وكذلك العامين الماضيين، أثار انتباه النشطاء والصحافيين إلى خطورة هذا السيناريو واللوبي الإيراني الداعم له".

ويشير إلى أن "زيدان يحاول تمرير معادلة جديدة تكون فيها مجموعة شخصيات مقدسة رغماً عن العراقيين، وهي مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي وقاسم سليماني وفائق زيدان نفسه، والذي تحدث في بيانه الأخير بأن القضاء يمثل قيم العراق التاريخية".

وأضاف السلطاني أن بيان المحكمة الاتحادية يمثل "محاولة لإعادة ذات المسار التاريخي الذي انتهجه عديد من حكام العراق بمحاولة اختزال قيم العراق بهم"، مستدركاً، "هذه البلاد لا يمكن أن تخضع لهذا النوع من الشخصيات".

ويرى أن رئيس مجلس القضاء "نجح نسبياً بالتواري خلال العامين الماضيين، والإفلات من المحاكمة الشعبية على كل ما اقترفه من تجاهل للمجازر التي نفذتها الميليشيات والقوات الحكومية بحق المتظاهرين، فضلاً عن عمليات الاغتيال الواضحة، والتي اكتفى بإصدار بيانات عن تشكيل لجان تحقيقية بشأنها، لكنه ذهب شخصياً للجلوس مع زعيم ميليشيات العصائب قيس الخزعلي".

ويختم بأن ما يجري الآن "سيفتح الباب على الرغم من الضغوط على مراجعة سلوك القضاء والانحيازات لجانب المسلحين الإيرانيين"، مؤكداً أن عدداً كبيراً من النواب المستقلين والحركات الناشئة في البرلمان والمنظمات الحقوقية "تضع مهمة إصلاح القضاء على رأس قائمة مهامها المقبلة".

التهديد بسيف القضاء

ويتحدث عديد من الباحثين البارزين عن المخاطر التي تحيط بالحريات العامة وحرية التعبير عن الرأي في البلاد، حيث يرى مدير منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤسسة "غالوب الدولية"، منقذ داغر، أن ما جرى يمثل "وضعاً خطيراً يهدد الحريات العامة وحرية التعبير عن الرأي التي كفلها الدستور، وقد تكون المنجز الوحيد ما بعد الاحتلال الأميركي".

ويضيف لـ"اندبندنت عربية"، "يبدو أن المراد هو القضاء على هذا المنجز من خلال صناعة كثير من الخطوط الحمراء، إذ بات التعبير عن الرأي بشكل محترم إشكالية كبيرة في البلاد".

ويقول داغر، إن "احترام المؤسسة القضائية والالتزام بأحكامها وتطبيقها، لا يعني عدم مشروعية الاعتراض وإبداء الرأي"، مشيراً إلى أن "القضاء إحدى سلطات الدولة الثلاث، وإذا  كانت المؤسسة التشريعية التي تُعد مصدر السلطات والمسؤولة عن الدستور والقوانين غير مصونة من النقد فما بالك بالمؤسسات الأخرى".

ويبدو أن مسار "التهديد بسيف القضاء" يمثل إشكالية كبيرة تهدد حرية التعبير عن الرأي في البلاد، بحسب داغر الذي يشير إلى أنه كان من المفترض على المؤسسة القضائية "الاكتفاء برفع شكوى بدلاً من توجيه رسالة تعنيفية إلى شبكة الإعلام العراقي وكادر برنامج المحايد".

ويصف داغر البيان بأنه "يحمل كثيراً من المعاني والإشارات المبطنة التي باتت تدفع كثيراً من أصحاب الرأي إلى الخشية من تسليط سيف المؤسسة القضائية عليهم في حال إبداء رأي مخالف".

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي