Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بوتين بين ثوابت التاريخ ومتغيرات الجغرافيا

الإيمان الصوفي بالتاريخ الروسي لسيد الكرملين يحدد ملامح أي تسوية مقبلة في المنطقة

متظاهرون صرب يرفعون صورة لبوتين في بلغراد، في 9 مايو الماضي (أ ف ب)

بين ثوابت التاريخ ومتغيرات الجغرافيا تقف أوكرانيا على مشارف مرحلة مصيرية. تقول مفرداتها إنها في شديد الحاجة إلى من يعكف على مراجعة تلك الثوابت التاريخية التي لطالما أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن حاجة كل الأطراف المعنية إلى العودة إليها، في إطار البحث عن السبل المناسبة للخروج بالأزمة الراهنة مما وصلت إليه من "أنفاق مظلمة". ولما كانت المقدمات تحدد النتائج، فإن ما سبق وأعلنه بوتين من تمسك بلاده بكثير من الثوابت التاريخية التي تجمع بين الشعبين الروسي والأوكراني، ومعهما شعب بيلاروس، يمكن أن يكون أساساً وتكئة لدى البحث عن الحلول المنشودة للأزمة الأوكرانية الراهنة.

وبين صفحات التاريخ، القريب منه والبعيد، ما يؤكد مدى الأسى الذي يراود القيادة الروسية من جراء سقوط الاتحاد السوفياتي الذي قال بوتين إنه "أكبر الكوارث الجيوسياسية في القرن العشرين". وعلى الرغم من محاولة كل من الأطراف المعنية تبرئة ساحته والتملص من مسؤولية ما ارتكبه من "أخطاء" ترقى في بعض جوانبها إلى مستوى "الخطايا والجرائم"، فإن ما قامت به القيادتان الروسية والأوكرانية مع نهاية ثمانينيات ومطلع تسعينيات القرن الماضي، يقف في صدارة أسباب ذلك الانهيار الذي يبدو اليوم أحد أهم أسباب ما يجري من معارك ومواجهات مسلحة بين روسيا وأوكرانيا.
وبعيداً من الخوض تفصيلياً في تاريخ العلاقة المشتركة بين الشعبين السلافيين منذ قرون طويلة مضت، نقف لنشير في عجالة إلى ما سجله الرئيس بوتين في مقالته الأكاديمية حول "الوحدة التاريخية بين الشعبين الروسي والأوكراني" التي نشرها باللغتين الروسية والأوكرانية في يوليو (تموز) من العام الماضي. ففي هذا المقال، انطلق بوتين من ثوابت تاريخ روسيا القديمة التي تؤكد ارتباط شعوب روسيا وأوكرانيا وبيلاروس بأواصر اللغة والاقتصاد والعقيدة الأرثوذكسية، وبحكم أمراء سلالة ريوريك في كل من كييف ومؤسسة الإمارة الروسية. وقال إن موسكو أخذت على عاتقها لم الشمل بالقوة المسلحة وبذلت الغالي والنفيس من أجل توحيد هذه الشعوب وإنقاذ من وقع منها تحت نير الحكم البولندي الليتواني دينياً واجتماعياً. وأضاف بوتين أن "القبائل السلافية وغيرها في هذه المنطقة الشاسعة -من لادوجا ونوفغورود وبسكوف إلى كييف وتشيرنيغوف كانت ترتبط مع بعضها بلغة واحدة (اللغة التي نعرفها اليوم بالروسية القديمة)، وبروابط اقتصادية وبحكم أمراء سلالة ريوريك، وبالعقيدة الأرثوذكسية. ولا يزال الخيار الروحي الذي اتخذه القديس فلاديمير -أمير نوفغورود، والأمير الأكبر في كييف- هو ما يحدد إلى حد كبير ارتباطنا ووحدتنا اليوم".
وعرج الرئيس الروسي في مقاله الأكاديمي على استعراض ما جرى بالأمس القريب من أحداث، منها ما جرى من حروب مع الإمبراطورية العثمانية التي استطاعت روسيا إلحاق الهزيمة بها في النصف الثاني من القرن الثامن عشر، ما كان مقدمة لضم شبه جزيرة القرم وأراضي منطقة البحر الأسود التي أصبحت تعرف باسم "نوفوروسيا"، والتي كان يقطنها مواطنون من مختلف المناطق الروسية وهي التي تدور فيها اليوم كثير من المعارك تمهيداً لضمها أو انضمامها إلى شقيقاتها من المحافظات المطلة على البحر الأسود.
وأضاف أن "الإمبراطورية الروسية استعادت بعد تقسيم الكومنولث البولندي - الليتواني أراضي غرب روسيا القديمة، باستثناء منطقتي غاليسيا، وما وراء الكاربات، اللتين أصبحتا جزءاً من الإمبراطورية النمساوية، ولاحقاً النمساوية المجرية".
وأشار أيضاً إلى أن "مواطني روسيا الصغرى أسهموا في بناء وطن واحد كبير من النواحي السياسية والثقافية والعلمية، وشاركوا في استكشاف وتطوير مناطق الأورال وسيبيريا والقوقاز والشرق الأقصى، ومنهم من شغل في الحقبة السوفياتية، أعلى المناصب في قيادة الدولة الموحدة، مثل نيكيتا خروشوف وليونيد بريجينيف اللذين ارتبط تاريخهما الحزبي بأوكرانيا بشكل وثيق، وقادا هذا الحزب لما يقارب 30 عاماً. وتحول بوتين إلى تاريخ ما بعد اندلاع ثورة أكتوبر (تشرين الأول) الاشتراكية في عام 1917 وما اتخذه فلاديمير لينين، زعيم تلك الثورة، من قرارات جرى بموجبها ضم منطقة الدونباس إلى أوكرانيا".
وبعد استعراضه في مقاله، كثيراً من التطورات العاصفة التي رسمت شكل وحدود هذه المنطقة، خلص بوتين إلى أهمية ما اتخذه لينين من قرار حول إنشاء الاتحاد السوفياتي في عام 1922، الذي كانت جمهورية أوكرانيا الاشتراكية أحد أبرز مؤسسيه، بما تضمنه ذلك من النص على حق الجمهوريات في الانفصال بحرية عن الاتحاد في نص "إعلان قيام اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية"، وبعد ذلك في دستور الاتحاد السوفياتي لعام 1924.
وقال بوتين إن مثل هذا النص كان بمثابة "أخطر قنبلة موقوتة انفجرت فور تعطل آلية الأمان التي لعبها الدور القيادي للحزب الشيوعي السوفياتي مع انهيار الحزب نفسه من الداخل".
وبكثير من التفاصيل التي يمكن الرجوع إليها في مقاله سالف الذكر، استعرض بوتين مراحل تشكل أوكرانيا الحديثة، مؤكداً أنها "نتاج خالص للحقبة السوفياتية. ونحن نعلم ونتذكر جيداً أنها تشكلت -بمعظمها- على أراضي روسيا التاريخية. وللتأكد من ذلك يكفي أن ينظر المرء إلى حدود الأراضي التي توحدت مع الدولة الروسية في القرن السابع عشر وأراضي جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية عندما انفصلت عن الاتحاد السوفياتي".
ويذكر المراقبون ما عاد بوتين إلى الإشارة إليه في أكثر من مناسبة حول الهدايا التي أغدقتها روسيا على الجمهوريات السوفياتية السابقة ومنها أوكرانيا وكازاخستان وإستونيا. ورأى أنه كان من الواجب أن تكون هذه الجمهوريات "أكثر منطقية وعدالة"، بما يعني أنها ما دامت أرادت الخروج من الاتحاد السوفياتي فكان لا بد أن تخرج بما دخلت به من أراضٍ، وفي إطار ما كان لها من حدود. واستشهد الرئيس الروسي بما قاله أستاذه ورئيسه الأسبق، عمدة سان بطرسبورغ، أناتولي سوبتشاك، الأستاذ السابق في كلية الحقوق بجامعة لينينغراد ونجم الحركة الديمقراطية السوفياتية إبان سنوات البيريسترويكا، قبل توليه منصب عمدة لينينغراد، التي تحول اسمها إلى سان بطرسبورغ بموجب استفتاء شعبي في مطلع تسعينيات القرن الماضي.

وقال بوتين بهذا الصدد "أنت تريد إقامة دولتك الخاصة، على الرحب والسعة، ولكن ما الشروط؟ سأتذكر التقييم الذي قدمه أحد أبرز الشخصيات السياسية في روسيا الحديثة، المحافظ الأول لمدينة سان بطرسبورغ أناتولي سوبتشاك. كخبير قانوني يؤمن بأن أي قرار يجب أن يكون شرعياً، شارك عام 1992 في الرأي التالي: الجمهوريات المؤسسة للاتحاد بعد أن شجبت معاهدة الاتحاد لعام 1922، يجب أن ترجع إلى حدودها التي كانت قائمة قبل انضمامها إلى الاتحاد السوفياتي. وكل الأراضي المكتسبة تكون خاضعة للنقاش والمفاوضات بالنظر إلى انتفاء الأرضية التي اكتسبت من خلالها".
واستطرد بوتين ليقول "بعبارة أخرى، عندما تغادر يمكنك أن تأخذ ما أحضرته معك. وهذا منطق يصعب دحضه. سأقول فقط إن البلاشفة شرعوا بإعادة تشكيل الحدود حتى قبل قيام الاتحاد السوفياتي، وتلاعبوا بالأراضي حسب أهوائهم متجاهلين إرادة الناس".

هذه هي حقائق وثوابت التاريخ التي قال عميد الدبلوماسية الأميركية والعالمية الأسبق هنري كيسنجر بشأنها، إن "الإيمان الصوفي لبوتين بالتاريخ الروسي"، هو ما يستند إليه الرئيس بوتين دوماً في معالجة كثير من ما يعتقد بانها "خطايا" التفريط في الاتحاد السوفياتي وما أسفر عنه من انهيار سبق ووصفه بوتين بأنه "أكبر الكوارث الجيوسياسية في القرن العشرين".

 وذلك ما حاول بوتين شرح كثير من تفاصيله في مقاله الأكاديمي الذي أشرنا إليه حول الأصول التاريخية المشتركة للشعبين الروسي والأوكراني ومعهما بيلاروس. ومن اللافت أن ذلك المقال وبما احتدم حوله من جدل ونقاش، كان يحمل في طياته مؤشرات وإيحاءات تفسر ما جرى ويجري من تطورات ومتغيرات في المنطقة بما في ذلك "استعادة" روسيا منطقة الدونباس التي سبق وأشار إليها بوتين في مقاله تحت اسم "نوفوروسيا" (روسيا الجديدة) التي كانت موسكو ولا تزال تعتبرها "أراضي روسية"، فضلاً عن شبه جزيرة القرم التي سبق و"استعادتها" في مارس (آذار) 2014.

وما دام الشيء بالشيء يذكر، فإننا نعود إلى أضابير التاريخ لنشير إلى ما تضمنه المقال حول أن الأراضي التي تتنازعها أوكرانيا، وتؤكد موسكو تبعيتها التاريخية إلى روسيا، كانت محور رسالة سبق وتوجه بها في 30 أغسطس (آب) 1991 أي قبل انهيار الاتحاد السوفياتي، إلى الرئيس الأسبق بوريس يلتسين، الأديب العالمي ألكسندر سولجينتسين، الحائز على جائزة نوبل، الذي لطالما كان النجم المفضل لكل الأوساط الغربية، قبل أن يطرده الحزب الشيوعي السوفياتي في عام 1974 إلى سويسرا التي غادرها لاحقاً إلى الولايات المتحدة قبل عودته منها إلى روسيا في عام 1994.

ويذكر المراقبون أن سولجينتسين حذر الرئيس الروسي الأسبق يلتسين من مغبة التفريط في أي أراض روسية. وقال ما نصه:

"أبلغتموني بالفعل أن روسيا تحتفظ لنفسها بحق إعادة النظر في حدودها مع بعض الجمهوريات التي في سبيلها إلى الانفصال. وهذا يتعلق على نحو خاص بحدودها مع أوكرانيا وكازاخستان، التي قام البلاشفة بإعادة رسمها بشكل تعسفي. فلم تكن في يوم ما الأراضي الشاسعة في جنوب جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية الحالية (نوفوروسيا) والعديد من الأماكن على الضفة اليسرى، جزءاً من أراضي أوكرانيا التاريخية، ناهيك بما ارتكبه خروشوف من نزوات تجاه شبه جزيرة القرم (التي قرر إهداءها إلى أوكرانيا). وإذا كان هناك من يقوم خلال الفترة الأخيرة بإزالة النصب التذكارية للينين في لفوف وكييف، فلماذا إذا يتمسكون ويضفون القدسية على الحدود اللينينية المزيفة التي تم رسمها بعد الحرب الأهلية انطلاقاً من اعتبارات تكتيكية كانت تتعلق بتلك اللحظة؟ أشير أيضاً، إلى جنوب سيبيريا، وما تعرض له بسبب انتفاضة عام 1921، وكذلك إلى ما حل بقوزاق الأورال وسيبيريا، من جراء مقاومتهم للبلاشفة، بما أسفر عن فصلهم بالقوة عن روسيا وضمهم إلى كازاخستان. ولذا أسارع بأن أطلب منكم الدفاع عن مصالح هؤلاء الملايين ممن لا يريدون الانفصال عنا على الإطلاق. عليكم بذلك، بكل ما تملكونه من نفوذ وسطوة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ذلك ما يعود إليه بوتين اليوم، وهو ما سبق وأشار إليه في مقالته سالفة الذكر في يوليو من العام الماضي، وذلك ما يؤكد أن العالم بأسره صار مدعواً إلى ضرورة التمعن في ما قاله ويقوله بوتين.

ولنتذكر معاً ما قاله في خطابه أمام مؤتمر الأمن الأوروبي في ميونيخ في فبراير (شباط) 2007 حول رفض بلاده عالم القطب الواحد، وتأكيده ضرورة التحول إلى بناء عالم متعدد الأقطاب. قال ذلك بعد أن رفضت الولايات المتحدة بشخص الرئيس الأسبق بيل كلينتون ومن بعده، قبول استعداد بوتين ورغبته في انضمام بلاده إلى الناتو، قبل أن يتخذ الاتحاد الأوروبي الموقف ذاته، رداً على ما أعربت عنه موسكو من مبادرات وإيحاءات تعددت على مختلف المستويات، وذلك ما عاد بوتين وأودعه في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي، مذكرته إلى الإدارة الأميركية وحلف الناتو حول الضمانات الأمنية لبلاده بعيداً من انضمام أوكرانيا إلى الناتو، والتزامها بوضعيتها غير النووية، وعودة الناتو إلى وضعيته في عام 1997. 

وها هو ذا العالم اليوم يقف مناهضاً للعديد من المحاولات التي عاد إليها بوتين للم شمل الفضاء السوفياتي السابق، لكن على أسس مغايرة. وكان كشف عن ذلك منذ أولى سنوات اعتلائه سدة الحكم في الكرملين مع مطلع سنوات القرن الحالي. ويذكر التاريخ ما بدأ به بوتين سنوات ولايته الأولى بتصفية أوكار الحركات الانفصالية في الشيشان وشمال القوقاز، قبل أن ينطلق إلى تدعيم فكرة بناء التحالف الأوروآسيوى مع الرئيس السابق لكازاخستان نور سلطان نزاربايف. وعاد ليمضي على الدرب ذاته بالمساهمة في مبادرات وتحالفات تدفع في اتجاه بناء عالم متعدد الأقطاب، بداية بتوقيع معاهدة منظومة بلدان الأمن الجماعي على المستوى الإقليمي مع عدد من بلدان الفضاء السوفياتي، مثل بيلاروس وكازاخستان وأرمينيا وأوزبكستان التي عادت وخرجت من هذه المعاهدة، وذلك ما أعقبه بتشكيل منظومة شنغهاي للتعاون مع الصين وغيرها من البلدان الآسيوية ومنها إيران والهند وكازاخستان وقيرغيزستان وباكستان وطاجكستان وأوزبكستان إلى جانب بلدان أخرى انضمت بصفة مراقب.

وذلك إلى جانب منظومة دول الـ"بريكس" على المستوى العالمي، والتي تضم كلاً من روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل.

والآن وعلى الرغم من كل الضغوط والعقوبات غير المسبوقة ضد روسيا وبوتين، تصر موسكو على موقفها أمام كل المحاولات التي تستهدف ليس فقط إطاحة نظام حكم الرئيس الروسي، بل وأيضاً تقسيم روسيا على نحو يعيد إلى الأذهان ما سبق وواجهه الاتحاد السوفياتي من ما يعتقده أنصار الاتحاد بمؤامرات أسهمت في التعجيل بسقوطه، لكن روسيا تمضي إلى ما هو أبعد لتعلن رسمياً على لسان الرئيس الروسي السابق دميتري ميدفيديف الذي يشغل حالياً منصب نائب رئيس مجلس الأمن القومي (نائب بوتين) حول أنها لن تتنازل عن شبر واحد من الأراضي التي استولت وتستولي عليها منذ بداية "العملية العسكرية الروسية الخاصة" في 24 فبراير من العام الحالي.
وقال بوتين في تصريحات نقلتها وكالة أنباء "تاس"، "دعونا نقول الأمر بشكل معتدل. إن بلادنا لا تأبه بعدم الاعتراف بالحدود الجديدة لأوكرانيا من قبل مجموعة السبعة، والإرادة الحقيقية للناس الذين يعيشون هناك مهمة، لكن لا تنسوا سابقة كوسوفو أيها الأصدقاء الغربيون". وذلك ما أكده الرئيس بوتين في لقائه في الكرملين مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

أما الأهم والأخطر في كل ما يدور اليوم على صعيد الحرب الأوكرانية طبقا لأنصار الموقف الروسي، قد يتلخص في ما صار حلماً يراود القيادة الأوكرانية، وبما يضع حداً لما تتكبده من خسائر بشرية ومادية، ذلك هو العودة إلى ما سبق وظل يعيده الرئيس بوتين على مسمع كل القيادات الأوكرانية والعالم لما يقرب من ثماني سنوات، وهو تنفيذ اتفاقات مينسك التي وقعها الرئيس الأوكراني السابق بيترو بوروشينكو وعاد ووافق عليها الرئيس الحالي فولوديمير زيلينسكي تحت رعاية المستشارة الألمانية السابقة أنغيلا ميركل والرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند والحالي إيمانويل ماكرون، ومشاركة ممثلي "مقاطعتي" دونيتسك ولوغانسك، قبل اصطدامهم جميعاً برفض مجلس "الرادا" الأوكراني (البرلمان) التصديق عليها تحت ضغط "النازيين الجدد" وفصائل القوى المتطرفة.

أما عن هذه الاتفاقات فلا تتجاوز ما جرى توقيعه في 18 فبراير 2015، وهو ما ظلت ميركل وهولاند ثم ماكرون ومعهم بوتين يؤكدون أنها الحل الأمثل والوحيد للخروج من الأزمة الأوكرانية شريطة الالتزام بكل بنودها بعيداً من الانتقائية، وهي:

"أولاً، وقف إطلاق النار في دونباس وسحب الأسلحة الثقيلة من خط التماس بين الأطراف من أجل إنشاء مناطق أمنية لا يقل عرضها عن 50 كيلومتراً.

ثانياً، هذه مفاوضات بشأن إجراء انتخابات محلية في إطار القانون الخاص بالوضع الخاص لمنطقتي دونيتسك ولوغانسك والإصلاحات المصاحبة للدستور الأوكراني من أجل تحقيق اللا مركزية في السلطة.

ثالثاً، من الضروري إجراء تبادل للأسرى على أساس مبدأ "الكل مقابل الجميع"، وسن قانون في أوكرانيا يحظر مقاضاة ومعاقبة الأشخاص المشاركين في النزاع.

رابعاً، بعد الانتخابات المحلية في دونباس، في إطار القانون الجديد بشأن الوضع الخاص بالاتفاق مع ممثلي جمهوريتي دونيتسك، ولوغانسك، الشعبيتين، ومع مراقبة منظمة الأمن والتعاون في أوروبا في جميع أنحاء منطقة النزاع، يجب أن تكون سيطرة حكومة أوكرانيا على حدود الدولة استعادة كاملة.

خامساً، انسحاب جميع التشكيلات المسلحة الأجنبية، والمعدات العسكرية، وكذلك المرتزقة من أراضي أوكرانيا تحت إشراف منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، ونزع سلاح الجماعات غير الشرعية.

وأخيراً، الهدف السادس هو ضمان إيصال وتوزيع المساعدات الإنسانية بشكل آمن، فضلاً عن استعادة الروابط الاجتماعية والاقتصادية بين السلطات الأوكرانية وأقاليم دونباس، بما في ذلك دفع المعاشات التقاعدية والمدفوعات الأخرى.

أما عن الوضعية الخاصة لمنطقة الدونباس فلم تكن تتعدى "الحق في تقرير وضعية التعامل باللغة الروسية وحق السلطات المحلية في تعيين المدعين العامين والقضاة وإنشاء ميليشيات خاصة لحفظ الأمن داخل المقاطعتين، إلى جانب موافقة السلطات الأوكرانية على تعزيز تعاونهما مع المناطق الروسية المجاورة".

وفي ما يتعلق بمدى احتمالات موافقة روسيا والجمهوريتين الانفصاليتين على العودة إلى تنفيذ هذه المعاهدة. تقول كل المؤشرات باستحالة نزول أي من هذه الأطراف عما سبق وجرى الاتفاق حوله بشأن اعتراف روسيا بالجمهوريتين، وبعد كل ما تكبدته هاتان الجمهوريتان من خراب ودمار على مدى ثماني سنوات طبقا للرواية الروسية، فضلاً عما أعلنته المصادر الرسمية الروسية حول أن روسيا لن تتنازل عن شبر واحد مما استولت عليه من أراضٍ خلال "العملية العسكرية الروسية الخاصة" منذ 24 فبراير الماضي وحتى اليوم. 

المزيد من تحقيقات ومطولات