Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الولادة القيصرية في مصر بين خيار الأم وقرار الطبيب

اتهامات بالرغبة في تحقيق ربح سريع تطال قسماً من الأطباء وتوجيه اللوم إلى بعض النساء باعتبار ذلك "موضة"

كررت منظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة، توصياتها بعدم اللجوء إلى الولادة القيصرية إلا في حالة وجود ضرورة طبية (أ ف ب)

يخرج كل 14 ثانية مولود إلى الحياة في مصر، لكن التداعيات الصحية على معظم الأمهات قد تستمر لأكثر من لحظة الولادة، في ظل احتلال مصر المرتبة الأولى في معدلات الولادة القيصرية على مستوى العالم، وهي الطريقة التي تحذر منها منظمة الصحة العالمية، إذ تقول إن إجراء ولادة قيصرية من دون حاجة طبية يهدد حياة الأم والمولود.

ارتفاع جنوني

وحتى بداية القرن الحالي، كانت نسبة الولادات القيصرية في مصر ضمن المعدل العالمي، لكنها تضاعفت بحسب المسح الصحي السكاني من 6.6 في المئة عام 1995، إلى 20 في المئة عام 2005، وقفزت إلى 52 في المئة عام 2014، وفق تصريحات صحافية لنائب وزير الصحة الأسبق لشؤون السكان طارق توفيق.
وبعد أن كانت البرازيل تحتل المركز الأول في الولادات القيصرية، أخذت مصر تلك المرتبة في السنوات الأخيرة بعد وصول النسبة إلى 63 في المئة من الولادات، وفق تقرير لصحيفة "غارديان" البريطانية.
وكررت منظمة الصحة العالمية في أكثر من مناسبة، توصياتها بعدم اللجوء إلى الولادة القيصرية إلا في حالة وجود ضرورة طبية. وأبدت مديرة قسم الصحة والأبحاث التناسلية في المنظمة مارلين تيميرمان أسفها لانتشار تلك العمليات بشكل "وبائي". وأضافت في بيان صدر عام 2015 "هذا الأمر عائد في كثير من الدول إلى سعي الأطباء إلى تسهيل حياتهم إذ إنه يمكن التخطيط للعمليات القيصرية".
وذكرت منظمة الصحة العالمية أن نسب الوفيات الناتجة عن الولادة القيصرية تتعدى بـ4 إلى 10 أضعاف، نسبها لدى اللاتي وضعن ولادة طبيعية على مستوى العالم، سواء للطفل أو الأم. وحذرت من أن "اللجوء إلى الولادة القيصرية من دون مبرر طبي، قد يتسبب في ارتفاع إمكانية إصابة النساء بعدها بالنزيف أو العدوى، ومضاعفات التخدير، واكتئاب ما بعد الوضع، وفضلاً عن زيادة احتمالات العقم".

يارا حسن، 30 عاماً، وضعت طفلتها الأولى قبل 4 أشهر، تقول: إنها خلال متابعة الحمل مع طبيبها كان دائماً يشير إلى أن الولادة ستكون قيصرية وفق موعد محدد، حتى قبل اتضاح وضع الجنين، وما إذا كان سيكون من السهل إجراء ولادة طبيعية.
وأشارت إلى أنها اتخذت قرارها بتغيير الطبيب في مطلع الشهر التاسع من الحمل، لأنها أرادت ما وصفته بممارسة "حقها الطبيعي" في اختيار طبيعة الولادة، بخاصة بعد أن قرأت على الإنترنت تقارير عن أضرار الولادة القيصرية. وأرجعت إصرار الأطباء على إجراء الولادات القيصرية لـ"الاستسهال"، وكذلك الحصول على مقابل مادي أكبر، في حال إجرائها بمستشفى خاص.
ويعتقد أن ارتفاع معدلات الولادة القيصرية يعود إلى المكاسب المادية التي يحققها الأطباء، فالولادة القيصرية أغلى ثمناً كعملية، كما أنها توفر وقتاً للطبيب ليتمكن من إجراء مزيد من العمليات في اليوم الواحد. كذلك تحقق الولادة القيصرية ربحاً للمستشفى الذي تجرى فيها العملية، وهو ما يمكن ملاحظته من خلال تباين معدلاتها بين المستشفيات العامة والخاصة.

المستشفيات الخاصة

وكشف المسح الصحي الصادر عن وزارة الصحة المصرية عام 2018، أن تكلفة العامة للولادات القيصرية وصلت إلى 14.5 مليار جنيه، في مقابل الولادات الطبيعية التي بلغت تكلفتها 3.7 مليار جنيه. وأشار نائب وزير الصحة المصري الأسبق، طارق توفيق، إلى أن "نحو مليون و375 ألف ولادة قيصرية تتم سنوياً في مصر، 77.6 في المئة منها في مستشفيات القطاع الخاص"، مؤكداً أن "الولادة في القطاع الخاص تزيد احتمال التعرض للقيصرية بمعدل مرة ونصف المرة عن الولادة بمستشفيات القطاع الحكومي".
ووفق ما نقلته تقارير صحافية عن "الجمعية المصرية لأطباء النساء"، فإن المستشفيات الخاصة تستغل ارتفاع تكلفة الولادة القيصرية مقارنة بالولادة الطبيعية، حيث تصل معدلات الولادة القيصرية فيها إلى 80 في المئة، في حين لا تتجاوز نسبة 40 في المئة في المستشفيات الجامعية.
وتتراوح أسعار الولادات في المستشفيات الخاصة بين 8 آلاف جنيه (430 دولاراً)، و40 ألف جنيهاً (2150 دولاراً). ويشمل هذا السعر غرفة المستشفى والإقامة لليلة واحدة فقط. وتزيد التكلفة إذا استدعت الحالة مدة أطول. ويحصل الطبيب على نحو 10 آلاف جنيه (537 دولاراً) نظير قيامه بعملية الولادة في المستشفى الخاص، إذا كان بدرجة استشاري (خبير).
وتروي يمنى ممدوح، 26 عاماً، أنها عانت لأكثر من شهر بعد الولادة، من آلام الجراحة القيصرية لوضع مولودها الأول، قبل 7 أشهر، مضيفة أنها لم تسمع في دائرة صديقاتها ومعارفها عن أي منهن خضعت لولادة طبيعية، بعد أن أصبح من الشائع تحديد موعد الولادة، الذي يتم اختياره أحياناً كتاريخ مميز أو يحمل ذكرى ما للوالدين، ومن ثم إجراء عملية الولادة القيصرية. وأشارت إلى أنها عاشت في الشهرين اللذين تليا الولادة، أعراض "اكتئاب ما بعد الولادة"، والذي علمت فيما بعد أنه أحد المضاعفات المرتبطة بالولادة القيصرية.

"استغلال"

وترى مي الشامي، مؤسسة مبادرة "أوقفوا الجراحات القيصرية غير الضرورية"، أنه يجري استغلال النساء من قبل بعض الأطباء خلال الولادة القيصرية بهدف تحقيق مكاسب مادية. وأضافت، في تصريحات تلفزيونية، أنه "ينبغي على الطبيب توعية السيدات بأبعاد الجراحة القيصرية"، موضحة أنه "على الأنظمة الصحية حماية الطبيب والمرأة الحامل في الوقت نفسه، وممارسة دورها الرقابي على الأطباء".

وحذرت الشامي من أن أطباء كثراً يستغلون "الأمية الجنسية" لدى النساء، "ويهددونهن بحدوث تدمير للحياة الجنسية بعد الولادة الطبيعية، نتيجة شق العجان"، مشيرةً إلى أن "شق العجان يمكن تلافيه من خلال ممارسة بعض التمارين الرياضية".

وأشارت الشامي إلى أن "الأطباء يحاولون إقناع السيدات باللجوء إلى الولادة القيصرية من خلال إخبارهن بأن الحوض ضيق، على الرغم من أن الطبيب عادة لا يجري اختبارات للتحقق من صحة افتراضه"، مؤكدة أن "على الأطباء توعية السيدات بخطورة الولادة القيصرية من دون النظر إلى البعد المادي".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


مؤشر خطير

من جهته، قال نائب رئيس الجمعية المصرية لأمراض النساء والتوليد، محمد ممتاز، إن "نسب الولادة القيصرية المرتفعة في مصر، تعود بالضرر على النواحي الاقتصادية والصحية، وتمثل عبئاً على الدولة إضافة إلى المخاطر الصحية التي تتمثل بالوفاة أثناء الجراحة، أو المضاعفات بعيدة المدى مع تكرار إجراء العملية، بخاصة أن متوسط الولادات هو 3.9 لكل سيدة، وإذا  كانت الولادة الأولى قيصرية ستكون الولادات التالية كذلك"، موضحاً أن "نسبة الخطورة تتزايد على صحة الأم في كل الولادات المقبلة، فضلاً عن تقليل اكتمال رئة الطفل ما يستدعي وضعه في حضانة"، مؤكداً أن "الولادة الطبيعية تساعد على تحسن عملية تنفس الطفل". وأضاف أستاذ أمراض النساء والتوليد بكلية طب قصر العيني لـ"اندبندنت عربية"، أن الولادة الطبيعية "تحتاج إلى استعداد من قبل الأم، من خلال ممارسة الرياضة"، موضحاً أن "وزارة الصحة تنبه المستشفيات الخاصة بحال ارتفاع نسبة العمليات القيصرية"، منوهاً بأهمية شرح الطبيب الفارق بين الولادة الطبيعية والقيصرية وإمداد الحوامل بالمعلومات العلمية لتشجيعهم على الولادة الطبيعية. كما أكد أهمية ارتفاع نسبة الوعي لدى السيدات لتكون لديهن رغبة بالولادة الطبيعية.
وشدد أستاذ أمراض النساء والتوليد، على ضرورة إطلاق الدولة "مبادرات قومية ومشروعاً قومياً لزيادة الوعى بأهمية تشجيع السيدات على الولادة الطبيعية، تتكاتف فيه أجهزة الدولة، من الوزارات المختلفة ومجالس حقوق المرأة والأمومة والطفولة، وشركات التأمين الصحي"، لافتاً إلى أن "البرازيل كانت الدولة الأولى عالمياً في الولادة القيصرية، وتراجعت بعد إطلاقها مبادرات توعية لزيادة وعي السيدات لديها، بمساعدة جمعيات المجتمع المدني، بالتالي تشجعت سيدات كثيرات على طلب الولادة الطبيعية. أما في مصر فالأمر يزداد تعقيداً، وفي زيادة مستمرة من دون وجود تحرك حقيقي لمواجهة هذه الظاهرة الخطيرة، التي تهدد حياة الأمهات المصريات"، مشيراً إلى أن "المشكلة الآن ليست أن النسبة عالية فقط، بل إنها في زيادة مستمرة".
لكن استشاري أمراض النساء والتوليد عز شهدي ألقى باللوم أيضاً على السيدات. وقال إن بعضهن يعتبرن الولادة القيصرية "موضة" للاحتفاظ بجمال الجسم، كما أنها أسهل ولا تسبب لهن آلاماً مثل الولادة الطبيعية، معتبراً أن "أغلب الأطباء يمنحون السيدات الفرصة للولادة الطبيعية، وفي حال حدوث مضاعفات تكون القيصرية هي الخيار الوحيد".

تحرك برلماني

وفي أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي، تقدمت عضو مجلس النواب، إيناس عبد الحليم، بطلب إحاطة لرئيس المجلس بشأن انتشار عمليات الولادة القيصرية في مصر وارتفاع معدلاتها عن النسب العالمية.
وقالت عضو مجلس النواب، إن "مستشفيات عدة تصر على إجراء ولادة قيصرية لتحقيق أرباح، على الرغم من أن الأنسب لهذه الحالات هي الولادة الطبيعية"، مشيرة إلى أن من سمتهن ذوات "الحمل الحرج"، يقعن فريسة لـ"بيزنس الولادة القيصرية"، مما يعرضهن لفقدان الجنين جراء إهمال الطبيب، وكذلك أضرار صحية تصل إلى الوفاة.
وطالبت إيناس عبد الحليم البرلمان بدفع الحكومة إلى تكثيف حملات التوعية بآلية التعامل مع "الحمل الحرج" بمختلف حالاته، والعمل على القضاء على ما سمته "بيزنس الولادة القيصرية"، من خلال إلزام المستشفيات الخاصة والأطباء بأن يتم تفضيل الولادة الطبيعية ما لم تكن الحالات تتطلب ذلك.
وأشارت في تصريحات لصحف محلية إلى أن المرأة تقع عليها مسؤولية كبيرة، مؤكدة أن بعض السيدات تلجأ إلى الخيار السهل ولا تريد أن تتعب في الولادة.

المزيد من صحة