أطلق لبنان رسمياً دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز بعد صدور المرسوم في الجريدة الرسمية، ليعود مجدداً إلى صلب الاهتمام الدولي من باب النفط هذه المرة وبصورة أفضل.
فالسجالات السياسية والفراغ الذي ألقى بثقله على دورة التراخيص الأولى، لم يعد قائماً كما أن ترتيب الشأن النفطي داخلياً من خلال إقرار القوانين اللازمة ومنها قانون الشفافية، كما تلزيم شركات دولية بدأت العمل الفعلي، كلها أعطت دفعاً جديداً لدورة تراخيص أتاح لبنان من خلالها، التقدم بعروض للتنقيب عن خمس رقع نفطية جديدة واعدة.
واللافت بعد إطلاق دورة التراخيص رسمياً، الزيارات المتتالية لشركات دولية كبرى روسية وأوروبية تزور بيروت تباعاً وتبدي اهتماماً بالاستثمار في قطاع النفط والغاز، في وقت يستعد لبنان لحفر أول بئر قبل نهاية العام الحالي.
عودة قوية للنفوذ الروسي
حجزت روسيا لنفسها مكانة في عمليات التنقيب عن النفط والغاز قبالة الشواطئ اللبنانية من خلال تحالف شركة "نوفاتك" مع "توتال" الفرنسية و"إيني" الإيطالية للتنقيب في الرقعتين 4 و9 جنوباً وشمالاً. ومع توجه الدولة اللبنانية إلى تلزيم المزيد، تحركت شركات نفطية روسية كبرى باتجاه لبنان وتحديداً "غازبروم" و"لوك أويل"، كما وضعت شركة "روسنفت" موطئ قدم لها في لبنان من خلال فوزها بعقد لتطوير منشآت تخزين النفط في طرابلس.
وبرزت أيضاً زيارة لشركة "بي. بي" البريطانية النفطية العملاقة إلى وزارة الطاقة، في إشارة واضحة لمدى اهتمام كبرى الشركات بالثروة النفطية اللبنانية الواعدة.
في المقابل، تجلّت وساطة واشنطن مع إسرائيل لترسيم الحدود، لا سيما البحرية التي تضم ثلاث رقع من إجمالي عشر حددها لبنان للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة الاقتصادية الخالصة.
وعلى الرغم من ارتياح وزيرة الطاقة والمياه ندى بستاني خوري إلى مضمون اللقاءات مع دافيد ساترفيلد، مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأدنى الذي وعد بتشجيع أميركي رسمي للشركات الأميركيّة للتقدّم إلى دورة التراخيص الثانية للتنقيب عن النفط والغاز، إلا أن التريث يبقى الوصف الأفضل لاهتمام الشركات النفطية الأميركية بلبنان الذي لا يجذب الاستثمارات الأميركية الكبرى.
فواشنطن تحارب بشدة حزب الله، الممثل في الحكومة كما في المجلس النيابي اللبناني وتتهمه بزعزعة الاستقرار وبأنشطة إرهابية، وتفرض على كل من يتعامل معه عقوبات مشددة، ما يبقي الاهتمام الأميركي معلقاً حتى إشعار آخر.
وعلى الرغم من إعلان إسرائيل الشهر الماضي موافقتها على بدء المحادثات حول ترسيم الحدود بوساطة أميركية، أجّل ساترفيلد زيارته إلى لبنان الذي يستعد لاستقبال وفد روسي رفيع المستوى في 18 يونيو (حزيران) الحالي لمواكبة التطورات المتسارعة على الساحة اللبنانية.
التطورات الإقليمية في مصلحة لبنان
ترى هيئة إدارة قطاع النفط في لبنان أن التحولات الجيوسياسية في المنطقة كما الخبرة التي اكتسبها لبنان من خلال دورة التراخيص الأولى والخطوات المنجزة في هذا الإطار، تصب كلها في تأمين دورة تراخيص أفضل وجذب شركات عالمية أكبر.
فإطلاق دورة التراخيص الثانية بعد التلزيم بوقت قصير ولو قبل بدء الحفر، يؤمن للبنان ديناميكية لقطاعه النفطي واستمرارية لاهتمام الشركات النفطية العالمية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فالنظام الذي اتّبعه لبنان بحسب هيئة إدارة قطاع النفط قائم على تقاسم الإنتاج (split production share agreement) وبالتالي لا تتأثر حصة الدولة في التلزيم وإنما في كميات الاستكشاف. كما لجأت هيئة إدارة قطاع النفط إلى إلغاء التأهيل المسبق (Pre- (qualification الذي يحد من عنصر المنافسة وأبقت الباب مفتوحاً للعروض حتى 31 يناير (كانون الثاني) 2020، علماً أن الإعلان عن موافقة مجلس الوزراء على دورة التراخيص الثانية تم في أبريل (نيسان) الماضي، ما يعطي الشركات وقتاً كافياً لتحضير ملفاتها.
وأكدت هيئة إدارة قطاع النفط أنها تتطلع إلى شركات عالمية جديدة لمنع الاحتكار وتأمين مؤشرات متنوعة لكلفة الاستخراج وسير العمليات وترحب بمشاركة عربية في التحالفات الدولية، بخاصة الدول المنتجة للنفط التي اكتسبت الخبرة والقدرات في هذا المجال.
نزاعات حدودية غير متفجرة
الرقع المطروحة ضمن دورة التراخيص الثانية هي: 1 و2 و5 و8 و10، منها 1 و2 على الحدود السورية و8 و10 على الحدود مع إسرائيل. كما أعلنت الهيئة أن بدء عمليات الحفر في الرقعة رقم 9 التي تضم جزءاً متنازعاً عليه مع إسرائيل سيبدأ في منتصف ديسمبر (كانون الأول) 2019.
وفي انتظار ترسيم الحدود، اختارت شركة "توتال" المشغلة للتحالف، الحفر بعيداً من منطقة الرقعة 9، ما ينزع فتيل أي اشتباك محتمل، كما ترى هيئة إدارة قطاع النفط أن استخراج النفط والغاز من حقل كاريش الإسرائيلي الذي يبعد 4 كيلومتر فقط عن الحدود اللبنانية، لا يشكل نزاعاً محتملاً كون الشركات النفطية الدولية تحترم حقوق الدول ولا تتعدى عليها.
وأكدت الهيئة أنها تراقب عن كثب أي اعتداء محتمل على ثروة لبنان وأنها ستتعامل مع التهديد في وقته وبما تراه مناسباً إن حصل.
في سياق متصل، يشكّل عدم ترسيم الحدود اللبنانية مع سوريا أزمة أيضاً غير متفجرة أقله حالياً بعد طرح الرقعتين رقم 1 و2 الحدوديتين مع سوريا، إذ تؤكد وزيرة الطاقة والمياه اللبنانية أن ثمة مجال بالتأكيد للتفاوض مع سوريا وسيُصار إلى بحث الموضوع قريباً.
التنقيب عن النفط والغاز في لبنان بات واقعاً. ويُرتقب الإعلان عن اكتشاف نفطي محتمل في منتصف فبراير (شباط) 2020، فيما ستنشط الحركة الدولية في مياه لبنان الإقليمية ليمهد النفط بثرواته ومصالح الدول المجاورة كما الإقليمية، لمرحلة مقبلة أقل توتراً وأكثر إنتاجية.