هل يهدف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من عملية عسكرية في سوريا إلى الفوز بالانتخابات أو إلغائها؟ الجواب نعم، الهدف هو كلاهما معاً؛ وبعبارة أخرى، فإن إلغاء الانتخابات هو الأولوية الأولى للحكومة، وإذا فشلت في القيام بذلك، فستحاول إنشاء صورة بطل عظيم أمام الشعب من خلال "فتح" صغير.
هذا الوضع أيضاً مؤشر إلى أن الأمور لا تسير على ما يرام بالنسبة إلى الرئيس أردوغان، وأنه بحاجة ماسة إلى المغامرة بإحداث فوضى أو حرب يتذرع من خلالها لإلغاء الانتخابات، وإذا لم يستطِع الإلغاء، فإن "فتحاً" في الأراضي الخارجية سيكون وسيلة في يديه لرفع مستوى الدعم والأصوات في الانتخابات.
تُرى هل سيكون هذا متاحاً؟
في خطابه بعد اجتماع مجلس الوزراء الأسبوع الماضي، قال أردوغان، "بدأنا باتخاذ خطوات من أجل اكتمال ما يتعلق بالعمل الذي أطلقناه لإنشاء مناطق آمنة على عمق 30 كيلومتراً على طول حدودنا الجنوبية (السورية)". وأشار إلى أن "هذه العمليات ستبدأ بمجرد أن تكمل قواتنا المسلحة والاستخبارات والأمن استعداداتها".
أليس هذا مثيراً للاهتمام!؟ ولماذا تريد دولة تعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخها أن تفتح جبهة حرب؟
في العادة، مع اقتراب موعد الانتخابات، لا ينخرط أي زعيم في خطط ومشاريع قد تفرض عبئاً اقتصادياً، ولكن لسبب ما، خطرت فجأة ببال حكومة حزب "العدالة والتنمية" الرغبة بتنفيذ عملية بالمناطق الكردية في الأراضي السورية. ووفق ما هو معلن، هناك خطتان رُسمتا للعملية العسكرية: الأولى تحقيق نصر جزئي في بقعة صغيرة بحجم تل رفعت على الحدود التركية شمال سوريا ليتم وصفه على أنه "فتح" مبين و"انتصار" للقوات المسلحة خارج البلاد، ما يدغدغ المشاعر القومية لشريحة كبيرة من المواطنين، وبالأخص عندما يتم تشييع جثامين "الشهداء" في حفلات شعبية عريضة مشحونة بالمشاعر القومية والدينية. والخطة الثانية إعادة ضريح سليمان شاه، والد أرطغرل غازي الذي وضع اللبنات الأولى لتأسيس الدولة العثمانية إلى مكانه السابق، علماً أن الضريح كان نُقل عام 2015 عندما كان أحمد داوود أوغلو رئيساً للوزراء، من تلّة مرتفعة شمال تل "قره قوزاق" (30 كيلومتراً إلى الشرق من منبج) إلى قرية شمسي السورية، وذلك عندما كان تنظيم "داعش" يحاول فرض سيطرته على المنطقة التي يقع فيها القبر. وبدورها نقلت أنقرة الضريح إلى غرب مدينة كوباني على الحدود السورية التركية داخل الأراضي الواقعة تحت السيطرة التركية.
بهذه الطريقة، تريد حكومة حزب "العدالة والتنمية" فرض ضغط شعبي وجماهيري على المعارضة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لأنه في مثل هذه الظروف، لم تبقَ في يد الحكومة أوراق سوى أن تخلق بيئة من الفوضى، ما يجعل المواطنين في جو من الرعب ليصوتوا للحكومة، تجنباً لانجرار الأوضاع إلى الأسوأ بسبب عدم الاستقرار في إدارة الدولة. وسبق لهذه الحكومة أن جرّبت هذه الطريقة واستفادت منها، وها هي الآن تريد أن تعيدها ثانية. ولكن ليس من المؤكد أن يصب ذلك في مصلحتها في ظل الظروف الراهنة.
ولفت زعيم المعارضة، رئيس "حزب الشعب الجمهوري" كمال كليتشدار أوغلو أخيراً الأنظار إلى هذه النقطة، مؤكداً أنه تلقى وثيقة رسمية من مسؤول مهم في الدولة، مفادها بأن الحكومة تهدف إلى إلغاء الانتخابات من خلال خلق جو من الفوضى والبلبلة في الشارع التركي، وأن مهمة تقويض أمن الانتخابات ستتولاها شركة "سادات" للأمن العسكري التي أسسها الجنرال المتقاعد عدنان تانريفردي (كبير مستشاري أردوغان سابقاً)، وبرزت الشركة إلى الواجهة من خلال تدريب ميليشيات تابعة لـ"داعش" والتنظيمات الإرهابية المماثلة. وذهب زعيم المعارضة الرئيسة إلى باب هذه الشركة وأعلن هناك عن هذه الخطة الخطيرة. كما صرّحت ميرال أكشينار، رئيسة حزب الخير المعارض أيضاً أن هذه الشركة "أقامت معسكراً للميليشيات في تركيا". وأخيراً، يوم السبت الماضي، غرد عضو مجلس إدارة هذه الشركة أرسان أرجور، "أُخذ هذا الوطن بالدماء، وسيتم الدفاع عنه بالدم، ولن نُسلّم هذا الوطن في صناديق الاقتراع لمن يتعاون مع أعداء تركيا... لن نسلّم". ومن خلال تصريحات هذين الزعيمين تأكدت تلك المعلومات التي تشير إلى استعدادات هذه الشركة لتعكير الأجواء السياسية إبان الانتخابات.
إضافة إلى ذلك، فإن العملية العسكرية التي تنوي تركيا القيام بها في المناطق التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" (حزب العمال الكردستاني) في سوريا ستفتح أيضاً مجالاً لأولئك الذين يريدون خلق اضطرابات عربية كردية في الداخل. لأن أردوغان أعلن صراحة أنهم لن يستخدموا الجنود الأتراك فحسب، بل سيشارك العرب السوريون أيضاً في العملية المخطط لها ضد "وحدات حماية الشعب" الكردية.
من ناحية أخرى، فإن لهذه العملية أيضاً جانباً على صلة بالعلاقات الدولية، وأعتقد أن أنقرة لم تتلقَّ بعد الموافقة من الولايات المتحدة وروسيا على عملية محتملة. فهناك فرصتان في يد أردوغان: إحداهما أن موسكو في الظروف الحالية لا تستطيع تحويل انتباهها إلى سوريا لأنها في مأزق الحرب في أوكرانيا، والأخيرة فرصة للتفاوض مع واشنطن في حال استخدام تركيا حق النقض (الفيتو) ضد انضمام فنلندا والسويد إلى حلف شمال الأطلسي، ولن تفوّت حكومة حزب "العدالة والتنمية" استغلال كل هذه الفرص والاحتمالات التي يمكن أن ترفع من شعبيتها وتجلب صوتاً واحداً من الناخبين.
في الختام، لو كانت أنقرة تريد حقاً حل المشكلة هناك، لكانت فعلت ذلك من خلال التحدث إلى الجهات الفاعلة في المنطقة، وليس من خلال عملية عسكرية؛ فمن الواضح أنه ستكون هناك كُلف سياسية واقتصادية ناجمة عن العملية بالنسبة إلى تركيا. ولن تأتي بحل للمشكلات التي يعاني منها المواطنون، بل بالعكس، ستخلق تحركات جديدة من شأنها أن تعمق الأزمات، كما أنها تحمل مخاطر إنتاج مأزق آخر في العلاقات مع الولايات المتحدة، التي لم تستقر بعد. وستزيد من تعقيد المشكلة في سوريا. ولكن إذا نجحت هذه الخطة "المقامرة" بالنسبة إلى أردوغان فسيصبح بطلاً، وإذا لم تنجح فإن العاقبة المشؤومة ستكون بانتظاره في نهاية الطريق.