Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كاتبات نسويات يعترضن على رسوم حجازي بعد رحيله

حملة تزامنت مع صدور طبعة جديدة من قصصه المصورة "تنابلة الصبيان"

من رسوم حجازي الإجتماعية الساخرة (من الكتاب)

بعد نحو 11 عاماً على رحيله يعود فنان الكاريكاتير المصري الشهير أحمد حجازي إلى الواجهة، وتُحدث رسومه نقاشات واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن رأت كاتبة أدب الأطفال رانيا حسين أمين أن بعض لوحاته التي رسمها في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي انطوت على إهانة "جسد المرأة"، وشجعت على التحرش بها.

وجد هذا الاتهام تأييداً من بعض الكاتبات النسويات، في حين عارضه بقوة أنصار حجازي، مؤكدين انحيازه للمرأة ومناصرة قضاياها، ورافضين النظر إلى أعماله بمعايير "الصوابية السياسية"، أو من منظور نسوي معاصر يعزلها عن سياقها التاريخي.

"تنابلة الصبيان" 

وتزامن هذا الجدل مع صدور طبعة كاملة للمرة الأولى عن دار "الفن التاسع"، لسلسلة القصص المصورة التي نشرها حجازي في مجلة "سمير" الشهيرة تحت عنوان "تنابلة الصبيان"، وكانت الأكثر شعبية بين السلاسل الموجهة للأطفال في مصر. وتبرز هذه السلسلة قيمة العمل، وتواجه من يعيشون على جهد الآخرين ، كما تدين السلوك الاستهلاكي.

ويُعد أحمد حجازي أحد أبرز رسامي الكاريكاتير العرب، ويقف في طليعة مدرسة الكاريكاتير التي خرجت من بين صفحات مجلة "روز اليوسف"، و"صباح الخير"، أواخر الخمسينيات في مصر، واتسمت رسومه بالقدرة على الاختزال. وتميزت بقية أعماله بجرأة مضمونها الذي ركز على المهمشين اجتماعاً، ومال في غالبيتها إلى رصد الحياة اليومية والصيد من تناقضاتها، ولعب دوراً بارزاً في تحرير فكرة الكاريكاتير التي كانت تقوم على المبالغة لإضحاك الناس، من معنى "النكتة".

واشتعل النقاش حول أعمال حجازي التي تصور المرأة بعد قيام الشاعر شعبان يوسف بنشر بعض هذه الرسوم على صفحته في "فيسبوك"، وأغلبها كان من بين أغلفة مجلة "صباح الخير"، وتعود إلى نهايات ستينيات القرن الماضي وأوائل السبعينيات، وفيها ظهرت سيدات بلباس البحر أمام مجموعة من المتلصصين الرجال. إلا أن كاتبة الأطفال رانيا حسين أحمد أمين، رأت أن هذه الرسوم مهدت الطريق لإشاعة التحرش والنظرة الدونية للمرأة. ورد الشاعر عمرو حسني على ما كتبته رانيا حسين أمين معتبراً أن حجازي رمى إلى كشف عقلية الرجال الذين "يختزلون المصيف في مشاهدة أجساد النساء، ولم يكن يعبر عن رأيه الشخصي".

في حين قال المترجم أشرف الصباغ، إن بعض الكاتبات النسويات يعدن إنتاج الخطاب المحافظ، وباسم النظريات النسوية ينزعن عن الفن متعته بالإصرار على إخراجه من سياقه الذي يقبل رسومه بكل رضا. وواصل شعبان يوسف نشر أعمال حجازي مقاوماً العقلية المحافظة التي تسعى إلى الهيمنة على الناس، ووعد بإعداد كتاب حول حجازي يتضمن بعض أعماله التي لم تظهر في الكتب التي أعدت عن أعماله.

مواجهة مؤجلة

قاومت رانيا أمين، وهي حفيدة التنويري الرائد أحمد أمين، دفاع البعض عن رسوم حجازي وقالت: "الست لم تكن متحررة حين رسم حجازي أعماله، لكنها تحررت الآن، عندما امتلكت القدرة على رفض عقلية الرجل المتحرش، وطالبت بحقها في أن تعامل كإنسانة لها عقل وكرامة، وليست مجرد جسد يحق للرجل تعريته بالصورة المهينة التي أظهرها الكاريكاتير". وانتهت أمين إلى القول "دعونا نعبر عن غضبنا من رسمة مهما كانت قديمة، لأن العقلية التي تقف وراء إنتاجها لا تزال معنا بكل الأسف". ورد أحد المعلقين مؤكداً أن جيله "لم ينظر إلى رسوم حجازى بصورة شهوانية، كما أن المجتمع لم يخضع لرقابة الأوصياء". ودافع الرسام سمير عبد الغني عن أعمال حجازي واصفاً إياها بـ"الجميلة" التي خرجت من يد فنان كبير ومن عين واعية، ولا يمكن أن تكون محرضة على التحرش.

ورحبت الكاتبة هديل غنيم بالنقاش الدائر حول بعض أعمال حجازي. وقالت، "لا نهاجم الفنان لأنه ضحية مجتمع جاهل، بل نهاجم إنتاجه الفني الذي كشف كيف كان التحرش مقبولاً في المجتمع ومتأصلا أيضاً". وتابعت، "القيمة الفنية لأعمال حجازي لا ينبغي أن تشل قدرتنا على نقدها ومراجعة تصوراته". وفي السياق ذاته، أعلن الفنان مصطفى رحمة على صفحته في "فيسبوك" أن حجازي عصيٌّ على أي تناول يسيء لسيرته، لأن أفعاله وأخلاقه وسُمعته نقيه نظيفة، فهو محترم ومثقف غير مُدّعٍ، ورسام كاريكاتير بدرجة "فيلسوف".

وبعيداً من هذه المعركة، فإن المتأمل في أعمال حجازي الكاريكاتيرية عبر مراحل إنتاجه المختلفة يكتشف فيها روحاً مصرية أصيلة شبيهة بأعمال سيد درويش في الموسيقى، الأمر الذي يجعل منها عنواناً دالاً على مرحلة مهمة في تاريخ مصر امتدت منذ نهاية الخمسينيات، وحتى الآن.

خارج السياق

وتظهر القراءة الجديدة لأعمال حجازي تحت ضغط اللحظة الراهنة مشكلات "القراءة الاستخدامية" والرغبة في انتزاع الأعمال من السياق التاريخي لزمن إنتاجها على صفحات مجلة "صباح الخير" التي رفعت شعارها الشهير "مجلة القلوب الشابة والعقول المتحررة".

وكانت رسوم حجازي تنتمي إلى تيار شمل كبار الرسامين أمثال صلاح جاهين ومحيي اللباد وبهجت عثمان ورجائي ونيس وصلاح الليثي وجورج البهجوري ونبيل السلمي. وعرف صلاح جاهين بمجموعة "قهوة النشاط"، وبهجت بشخصيته الشهيرة "بهجاتوس". وتميز حجازي من خلال مجموعة رسوم سلسلة "ضحكات منزلية" بجرأة مضمونها واقتحام تابوهات تتعلق بالجنس والدين والسياسة، لكنه لم يتورط  على الرغم من ذلك، في الخطابات التبشيرية التي تبنّاها مُجايلوه عن قناعة، في تدعيم الروح التحررية التي قدمتها ثورة يوليو 1925. راهن حجازي في أعماله كلها على تقديم شخصيات صغيرة الحجم في وضع يدل على وضعها الطبقي في المجتمع المصري، واهتم اهتماماً بالغاً بالموضوع الاجتماعي، ومال باتجاه رصد الحياة اليومية والصيد من تناقضاتها.

وبفضل بساطتها وجدت رسوم حجازي طريقها بسرعة إلى مجلات الأطفال، وبخاصة "سمير" التي تُصدرها دار الهلال العريقة، ثم مجلة "ماجد" الإماراتية التي ظل يرسم فيها منذ صدورها حتى أيامه الأخيرة. ونال عن رسومه فيها جائزة الصحافة العربية في دورتها الأولى. وطوال حياته رفض التقدم إلى أية مسابقة أو جائزة مكتفياً بالتواصل مع أصدقائه وتلاميذه من مختلف الأجيال، كما كان عزوفاً عن التعامل مع وسائل الإعلام بمختلف أنواعها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ظل حجازي نجماً من نجوم الصحافة المصرية إلى أن تغيرت أوضاعها أوائل تسعينيات القرن الماضي بحيث لم تعُد أعماله الاحتجاجية محل ترحيب، مما دفعه للتفرغ التام لرسومات الأطفال.

ويرى كثيرون أن الراحل صاحب الخطوة الأبرز في تمصير فن الكاريكاتير في مصر وإبراز شخصيته، خاصة أنه ابتعد عن استخدام العناصر الغرافيكية، وكان أقرب إلى المدرسة التي اهتمت بالتكوين الفني داخل الرسم الكاريكاتيري، والتأثر بخطوط الفن الحديث والاعتماد على التعليق المختصر، بل وإهماله في أحيان كثيرة، ومال إلى تكوين خليط ما بين كوميديا الموقف وكوميديا اللفظ واستخدام الموتيفات المصرية الشعبية، بمختلف عناصرها والإعلاء من شأنها كعلامات بصرية في لوحاته، فضلاً عن الإكثار من التشخيص. وكان الراحل من أقل فناني جيله حرصاً على الاحتفاظ بأعماله وتوثيقها، على الرغم من قيمتها العالية التي جعلت الفنان الراحل بهجت عثمان يؤكد في كتابه "رفاق سلاح" أن حجازي هو البساطة المُذهلة، سواء في الرسم أو الفكرة، وكانت خطوطه تدق باب القلب قبل أن تقدم فكرة أقرب إلى اللؤلؤة في قالبها الساخر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة