Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بارتي غيت" أفسدت أثر "الموازنة المصغرة" الخاصة بريشي سوناك

كان من شأنها أن تعيد "المحافظين" إلى المسار الصحيح تمهيداً للانتخابات المقبلة ضد حزب العمال وهو ما لم لا يصح الآن

وزير المالية أدرك في وقت متأخر أن عليه أن يساعد أولئك الذين هم في قاع سلم الرواتب (غيتي)

كانت "الموازنة غير الطارئة" التي تقدم بها ريشي سوناك أهم من المتوقع على المستويين الاقتصادي والسياسي. تجاهلوا المزاعم بأن التوقيت لم تكُن له علاقة بـ"بارتي غيت" [فضيحة احتفالات المسؤولين على الرغم من القيود المفروضة بسبب "كوفيد"]؛ فالعلاقة ثابتة بالطبع. في مراحل مختلفة، قيل لي إن الحزمة الخاصة بمكافحة أزمة تكاليف المعيشة ستصدر في أغسطس (آب)، ثم يوليو (تموز)، ثم يونيو (حزيران).

كانت لدى بوريس جونسون الأسباب كلها لتغيير الموضوع [تشتيت انتباه الرأي العام] في اليوم التالي لصدور تقرير سو غراي النهائي [عن "بارتي غيت"]. وقدم مكتب أسواق الغاز والكهرباء، الجهة المنظمة لقطاع الطاقة، بعض الأخبار لتحويل الأنظار عندما توقع قفزة في الفواتير المنزلية خلال أكتوبر (تشرين الأول)، لكن جونسون كان سيصر بالتأكيد على تحويل الانتباه حتى من دون هذه التوقعات.

لقد أدرك وزير المالية في وقت متأخر أن عليه أن يساعد أولئك الذين هم في قاع سلّم الرواتب، على الرغم من أنه كان يجب أن يرفع إعانات الدولة في شكل دائم الآن بدلاً من الإعلان عن مساعدات لمرة واحدة. لكنه أكد أن الأشخاص الذين يحصلون على إعانات، بما في ذلك المتقاعدين، سيحصلون على زيادة (دائمة) في أبريل (نيسان) المقبل – نحو تسعة في المئة – لأن الارتفاع سيستند إلى رقم التضخم في سبتمبر (أيلول). وهو لن يحاول استعادة الزيادة (كما فعل هذا العام في ما يتصل بمعاشات التقاعد الأساسية)، فهذا من شأنه أن يكون خطوة سامة.

ويأمل سوناك في أن توفر حزمته وقيمتها 15 مليار جنيه استرليني (حوالى 19 مليار دولار) سنداً قوياً بالقدر الكافي، وصولاً إلى الزيادة في المساعدات المقررة في أبريل المقبل. لكن الحزمة لن تكون كلمته الأخيرة في شأن أزمة مستويات المعيشة. فالعائلات ذات الدخل المنخفض تتعرض لضغوط أخرى فضلاً عن فواتير الطاقة – ليس أقلها ما يخص الأغذية. وسيتعرض الوزير لضغوط هائلة للمضي إلى ما هو أبعد من ذلك في موازنته التي يعلنها في الخريف.

لم يستطِع جونسون الامتناع عن الابتسام حين أعلن سوناك "الضريبة المستهدفة المؤقتة على أرباح الطاقة" ليتجنب استخدام لغة حزب العمال حتى حين استولى على دورهم. لكن عدداً من المحافظين يشعرون بالغضب الشديد إزاء فرض ضريبة لا تشبه "ضريبة أرباح غير متوقعة" [ضريبة لمرة واحدة على أرباح مرتفعة بشكل غير معقول لشركات حصدتها بسبب توافر عوامل حظ] على شركات النفط والغاز لجني 5 مليارات جنيه استرليني (نحو 6.3 مليار دولار). فقد عارض سبعة وزراء اقتراح حزب العمال واعتقدوا بأنهم كانوا يقومون بعرض نيابة عن جونسون من خلال معارضة الضريبة علناً، مع وصف بعض المساعدين في مقر رئاسة الوزراء إياها بأنها "مخالفة لسياسات المحافظين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لقد أدرك سوناك قبل فترة طويلة من إدراك جونسون أن حزب العمال كان سيد الموقف الاقتصادي حين أوحى بأن ضريبة غير متوقعة ستشكل علاجاً سحرياً للأزمة وانتقد حزب المحافظين يومياً بسبب عدم تطبيقها. والآن خسر حزب العمال فكرته الكبرى، الأمر الذي خلف فراغاً حيث ينبغي للسياسة الاقتصادية للحزب أن تكون؛ بل إن سوناك تفوق عليها من خلال جمع أكثر من ضعف ما كان يفترض بضريبة حزب العمال جمعه.

ويعتقد منتقدو حزب المحافظين بأن الناخبين لن يعجبهم هذا التحوّل المذهل [في موقف المحافظين] وقد يتقبلون مزاعم حزب العمال بأنه فاز في "معركة الأفكار". لكن هذه هي حجج برلمانية. في العالم الحقيقي، أشك في أن غالبية الناس سيتذكرون (أو حتى سيهمهم) أن الضريبة غير المتوقعة كانت فكرة حزب العمال.

إن المحافظين معروفون بالثرثرة السياسية. في بداية عهد الحكومة الائتلافية عام 2010، طالبوا بتنازلات في مقابل تنفيذ سياسة الحزب الديمقراطي الليبرالي الخاصة برفع علاوة الضريبة الشخصية. وبحلول عام 2015، كان المحافظون قد سرقوا الفكرة من دون خجل ودفعوا الديمقراطيين الليبراليين إلى التوقف عن ذكرها.

لقد صوّر سوناك تحوله إلى ضريبة غير متوقعة باعتباره براغماتية تغلب على الأيديولوجيا. وتساعد  مرونة كهذه – وقسوة - في تفسير الأسباب التي أبقت المحافظين في السلطة طيلة 32 عاماً من الأعوام الـ50 الماضية. لكن البراغماتية الحالية تعكس أيضاً حكومة بلا دفة أو عقيدة ومنقسمة حول دورها أن تكون حكومة تفرض ضرائب قليلة وتمارس تنظيماً بسيطاً أو حكومة تنفق بكثرة وتتدخل بشدة.

في الأوقات العادية، كان من شأن حزمة سوناك أن تعيد حزب المحافظين إلى المسار الصحيح تمهيداً للانتخابات العامة المقبلة، مع تقديم أداء قوي في الدوائر الانتخابية الموالية تاريخياً لحزب العمال، حيث يميل الناخبون إلى اليسار في الشأن الاقتصادي لكنهم يميلون إلى اليمين في ما يتعلق بالمسائل الاجتماعية. ومع ذلك، ستظل وصمة ضخمة تلطخ الحزب طالما بقي جونسون زعيمه، وأصبحت العلامة السوداء أكثر قتامة هذا الأسبوع. منذ صدور تقرير سو غراي، وقف في وجهه خمسة نواب آخرين من المحافظين .وربما أرسل آخرون بهدوء رسائل مطالبة بتصويت على الثقة به. ولم يبلغ المسلسل خواتيمه بعد.

لكن ما دامت الغالبية الصامتة من نواب المقاعد الخلفية عند المحافظين ترفض التحرك ضد جونسون، ستخفف "بارتي غيت" أثر تدابير مثل "الموازنة غير المصغرة" التي أعلنها سوناك ومن شأنها في العادة أن تجني عائداً سياسياً.

في بعض الأحيان، ينظر الناخبون إلى زعيم الحزب فيلاحظون أمراً واحداً لا يعجبهم، ما يحدد رأيهم فيه إلى الأبد. بالنسبة إلى جيريمي كوربين، كان هذا الشيء رد فعله على عملية التسميم في سالزبوري. ولم يتمكن غوردون براون قط من استعادة سلطته حين توانى عن الدعوة للانتخابات عام 2007.

ووصمة توني بلير هي العراق، ولو أنها كبرت مع الوقت وفاز على الرغم من ذلك بانتخابات أخرى بعد الحرب. وبالنسبة إلى جونسون، هي "بارتي غيت". لقد تحددت الآراء: في نظر البعض يتعلق الأمر بالحفلات، وفي نظر آخرين بالأكاذيب. وعلى الرغم من أن حلفاءه يأملون في أن تتلاشى الذكريات بحلول الانتخابات، ستبقي أحزاب المعارضة المسألة على قيد الحياة من خلال المحاججة بأن المرء لا يستطيع أن يصدق كلمة يقولها المحافظون في شأن أي شيء طالما يقودهم كذاب.

لا أعتقد بأن جونسون يستطيع أبداً إزالة الوصمة. وعلى هذا، سيظل يشكل عبئاً على حزبه، أياً كان ما يفعله قبل الانتخابات المقبلة. وإذا تمسك به المحافظون، سيجازفون بالسير إلى هزيمة.

*نشر المقال في اندبندنت بتاريخ 27 مايو 2022

© The Independent

المزيد من آراء