Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

محمية "وادي المقلق"... خلاف فلسطيني إسرائيلي على "الطبيعة"

لم يتضح بعد ما إذا كان الموقع سيكون مفتوحاً أمام الفلسطينيين وشكوك رسمية وشعبية حول حقيقة ملكيته

إسرائيل تعلن إقامة محمية طبيعية في الضفة الغربية هي الأضخم منذ توقيع اتفاقية أوسلو  (اندبندنت عربية)

لم يعد بإمكان منير الصرايعة (65 سنة) اصطحاب أبقاره للرعي عند منطقة وادي المكلك (المقلق) عند المنحدرات الشرقية لجبل الزيتون شرق القدس كما جرت العادة كل صباح، فسلطة الطبيعة الإسرائيلية سبقته إلى هناك وحظرت عليه كما على كل الفلسطينيين، الدخول إلى الوادي بحجة أن الرعي الجائر الذي تتسبب به مواشي الفلسطينيين تشوه الطبيعة وتقضم من جمالها. وعلى الرغم من أن الصرايعة يملك أوراقاً ثبوتية بمكلية قطعة أرض صغيرة هناك تخوله الذهاب إليها متى يشاء، فإن الوضع الإسرائيلي الجديد في منطقة "وادي المقلق" بات يحتّم على ملاك الأراضي الفلسطينيين هناك الحصول على تصريح من مسؤول المحميات الطبيعية، لحرث أراضيهم أو زراعتها أو الرعي فيها.

محمية ضخمة

الإدارة المدنية الإسرائيلية التي تعتبر الهيئة العسكرية المسؤولة عن الاتصال بالفلسطينيين في الضفة الغربية، أعلنت قبل أيام موافقتها النهائية على أمر عسكري يقضي بوضع اليد وإعلان السيطرة الكاملة على منطقة وادي ناحل أوغ (وادي المقلق) قرب القدس، وإعلانها محمية طبيعية، تمهيداً لفتحها أمام الإسرائيليين والسياح كأكبر محمية طبيعية إسرائيلية في الضفة الغربية منذ التوقيع على اتفاقية أوسلو منتصف تسعينيات القرن الماضي.

ووفقاً لصحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، "فإن ربع أراضي محمية وادي المقلق (ناحل أوغ) الممتدة على مساحة 22 مليون متر مربع ملكية خاصة للفلسطينيين، وأن 75 في المئة من مساحتها مصنفة على أنها ’أراضي دولة‘، بحسب تسجيلات الحكومة الإسرائيلية". ويقيّد الإعلان والأمر الصادر عن الإدارة المدنية الاستخدام المسموح به للأرض، حتى تلك التي بملكية خاصة التي تصل مساحتها إلى 6 ملاين متر مربع، كما يضع ذلك مسطحات الأراضي الفلسطينية بالمنطقة في دائرة الخطر.

هيئة مقاومة الجدار والاستيطان التي تتبع للسلطة الفلسطينية، احتجت على القرار، وقالت في بيان رسمي وصلت نسخة منه إلى "اندبندنت عربية" أن "السلطات الإسرائيلية تنتهك في كل تصرفاتها أبسط قواعد القانون الدولي الذي يجرّم هذا النوع من الإجراءات". وأوضحت الهيئة أن "الإعلان أو السيطرة على المحميات الطبيعية الفلسطينية، ما هو إلا ذريعة من مجمل ذرائع السيطرة على مزيد من الأراضي الفلسطينية ومصادرتها لصالح المشروع الاستعماري الاستيطاني في الأرض الفلسطينية". واتهم البيان إسرائيل بأنها "تمارس تمييزاً عنصرياً بالسماح للمستعمرين اليهود بالدخول إلى المحمية واستخدامها ورعيها، الأمر الذي تحظره تماماً على المزارعين الفلسطينيين".

يقول رئيس الهيئة مؤيد شعبان في تصريحات خاصة، "مسمى محمية طبيعية ما هو إلا مسوغات إسرائيلية استيطانية هدفها الإمعان في تقطيع الضفة الغربية، وتحويلها إلى معازل و’كانتونات‘ ضعيفة وصغيرة وغير متصلة، بالتالي منع إقامة الدولة الفلسطينية المتواصلة جغرافياً وذات السيادة، وفرض أمر واقع على الأرض الفلسطينية من خلال تغيير معالمها". وأضاف، "الإعلان عن وادي مقلق محمية طبيعية إسرائيلية يعني إغلاق الطريق الرئيسة الوحيدة أمام الفلسطينيين ما بين القدس والبحر الميت ومدينة أريحا، المعروفة باسم طريق أبو جورج، حيث ستعزل المحمية محافظة أريحا والأغوار عن محافظة القدس كلياً، كما ستتسبب في تهجير مئات السكان من الخان الأحمر والتجمعات البدوية في المنطقة، محدثة كارثة إنسانية، لذلك سنتصدى بكل قوة لكل هذه الممارسات الإسرائيلية الاستيطانية من خلال المتابعة القانونية الحثيثة ودعم صمود المواطنين وأصحاب الأراضي هناك، وتعزيز المقاومة الشعبية في المنطقة، التي تُعتبر من أهم المتنفسات الحيوية للفلسطينيين وأكثرها جمالاً".

قيود جديدة

بحسب حركة "السلام الآن" المناهضة للاستيطان في الأراضي الفلسطينية، فإن إسرائيل أعلنت حتى الآن عن 48 محمية طبيعية في الضفة الغربية بمساحة إجمالية لا تقل عن 383600 مليون متر مربع، تمثل نحو 12 في المئة من المنطقة "ج"، وتشكل حوالى 7 في المئة من مساحة الضفة بأكملها".

وأوضحت الحركة أن "إعلان تل أبيب عن أراضٍ في الضفة الغربية كـمحميات طبيعية، يهدف إلى الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية، وليس الحفاظ على الطبيعة، فالمحميات الطبيعية تُعدّ إحدى الأدوات التي تستخدمها إسرائيل لنزع ملكية الأراضي من الفلسطينيين، وفرض قيود جديدة عليهم تحدّ من قدرتهم على حرث أرضهم أو زراعتها أو الرعي فيها". وأشارت إلى أن "الحكومة الإسرائيلية بدأت بالتخبط وتعميق الاستيطان بكل الطرق الممكنة"، مؤكدة أن "الاستيطان لا يمكن محوه باللون الأخضر".

من جهتها، قالت سلطة جودة البيئة إن "القرار يأتي في سياق جملة من الوسائل والأدوات التي تتحايل بها إسرائيل على القانون الدولي ومؤسساته، من خلال استخدامها ذريعة المحميات الطبيعية كحجة لتبرير سرقتها للأراضي وسيطرتها عليها". وطالبت السلطة التابعة للحكومة الفلسطينية عبر بيان "بإجراء تحقيق بالوقائع المرتكبة، وتشكيل لجنة خبراء استشارية للتحقيق في ارتكاب إسرائيل مخالفة جسيمة في الأراضي الفلسطينية"، موضحة أن "رام الله بمؤسساتها المعنية ستستخدم كل الوسائل التي يتيحها القانون الدولي والمؤسسات الدولية للتصدي للجرائم البيئية الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية".

يقول مدير عام المصادر الطبيعية في جودة البيئة عيسى موسى إن "تحويل الأراضي إلى محميات طبيعية يجب أن يتم بدراسات ميدانية حثيثة، ومعايير مهنية ومواصفات خاصة لتحويلها بحسب الاتحاد الدولي لحماية الطبيعة كمحميات، لا أن يُعلن عنها بقرارات عسكرية من الإدارة المدنية الإسرائيلية. ويتم حالياً توثيق اعتداءات تل أبيب كافة من قبل سلطة جودة البيئة في تلك المناطق، ليتم رفعها إلى الاتفاقية الدولية للتنوع البيولوجي التابعة لجمعية الأمم المتحدة لاتخاذ قرارات بشأنها".

وأشار إلى أن "إسرائيل تسيطر على 36 منطقة تم إعلانها كمحميات طبيعية من قبلها بهدف تحويلها إلى معسكرات للجيش ومستوطنات،   وفي الضفة 51 محمية طبيعية، بينها 15 تابعة للسيادة الفلسطينية، وحوالى 36 موجودة في الأراضي المصنفة (ج)، التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية".

تطوير المجتمعات اليهودية

عام 2020، صادقت وزارة الدفاع الإسرائيلية على الإعلان عن سبع محميات طبيعية في الضفة الغربية وتوسيع 12 أخرى قائمة، وكانت آنذاك المرة الأولى التي تقوم بها إسرائيل بمثل هذه الخطوة منذ توقيعها على اتفاقية أوسلو مع السلطة الفلسطينية في تسعينيات القرن الماضي.

وقال نفتالي بينيت في بيان سابق، "نعطي دفعة كبيرة لأرض إسرائيل ونواصل تطوير المجتمعات اليهودية في المنطقة C، بالأفعال وليس بالكلمات". وأضاف، "تتمتع منطقة يهودا والسامرة (الضفة الغربية) بمواقع طبيعية ذات مناظر خلابة. وسنقوم بتوسيع المواقع القائمة وافتتاح أخرى جديدة أيضاً وبذلك، أدعو جميع مواطني إسرائيل إلى التجول والسير عبر البلاد، والمجيء إلى يهودا والسامرة لمشاهدة معالم المنطقة واكتشاف المشروع الإسرائيلي ومواصلته".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لم يتضح بعد ما إذا كانت مواقع المحميات الطبيعية بما فيها "وادي المقلق" (ناحل أوغ) ستكون مفتوحة أمام السكان الفلسطينيين في الضفة الغربية، لكن وفقاً لتقرير منظمة "محسوم ووتش" الحقوقية الإسرائيلية تحت عنوان "مفتوحة لليهود فقط"، "تضم إسرائيل سلاسل الجبال وقممها التي تسيطر عليها في جميع أنحاء الضفة الغربية وتحولها إلى المستوطنات بأوامر عسكرية، وجرى إدخالها في نطاق مناطق التدريبات العسكرية، تحت مسمى المحميات الطبيعية والمواقع الأثرية".

محمد محاسنة، مدير التنوع الحيوي والمحميات الطبيعية في سلطة جودة البيئة يقول إن تل أبيب تنوي مصادرة آلاف الدونمات من الأغوار الفلسطينية بغطاء أخضر لخلق واقع جديد بضمّ فعلي للأغوار وتوسيع المستوطنات، وهذا جزء من المخطط الإسرائيلي، فالمناطق التي تنوي مصادرتها تتميز بنظام بيئي فريد وخصب، إذ إنها تقع ضمن حفرة الانهدام الآسيوي الأفريقي (صدع جيولوجي كبير يمر ما بين غرب القارة الآسيوية وشرق أفريقيا)، وغنية بالحيوانات والنباتات البرية وينابيع المياه العذبة". وأضاف، "إسرائيل تلتف على القانون بغطاء بيئي، وتسرق الأرض الفلسطينية خشية من محاكمتها أمام القانون الدولي".

غطاء بيئي

رئيس دائرة الخرائط في جمعية الدراسات العربية خليل التفكجي أوضح أن "الأراضي المستهدفة في وادي المكلك (المقلق) الممتدة على مساحة 22 مليون متر مربع، والمعلن عنها كمحمية طبيعية إسرائيلية (ناحل أوغ) أخيراً، تمت مصادرتها فعلياً عام 1983، وتقع ضمن المساحة الممتدة من الخان الأحمر شرق القدس باتجاه عين الفشخة ومنطقة النبي موسى، بما في ذلك المقام الإسلامي الذي يقع في المنطقة (ج) القريبة من البحر الميت، وهي جزء من مشروع القدس الكبرى E1، الذي يشمل إقامة مطار القدس وسيكون قادراً على استقبال 35 مليون زائر سنوياً". وأضاف أن "إسرائيل صادرت 500 مليون متر مربع حتى الآن تحت مسمى محميات طبيعية ويتم تحويلها لاحقاً إلى مستوطنات".

وفي مقالة تحليلية نشرت في صحيفة "إسرائيل هيوم"، قال إفرايم عنبار، رئيس معهد القدس للاستراتيجية والأمن (JISS) "إذا كانت إسرائيل تريد الحفاظ على حدود يمكن الدفاع عنها في غور الأردن، فعليها أيضاً أن تهتم بالتحكم في الطريق إليه، من خلال القدس الموحدة (الكبرى) ومستوطنة معاليه أدوميم، وهو المحور الغربي- الشرقي الوحيد، الذي توجد فيه غالبية يهودية، وهو آمن لنقل القوات من السهل الساحلي إلى الغور خلال حالة الطوارئ". وأضاف أن "مستوطنة معاليه أدوميم التي أنشأتها حكومة رابين الأولى، محطة مهمة على هذه الطريق، وهذا سبب أهميتها بالنسبة إلى القدس من خلال تطبيق وبناء القانون الإسرائيلي في المنطقة  E-1، بخاصة أن للقدس أيضاً قيمة استراتيجية عليا".

وأوضح عنبار أن "غالبية الجمهور الإسرائيلي بما يزيد على 70 في المئة يرون أن الغور هو الحدود الأمنية الإسرائيلية الوحيدة في الشرق، وهو قريب من قلب إسرائيل، حيث مثلث القدس والخضيرة وحيفا، الذي يعيش فيه 70 في المئة من الإسرائيليين، و80 في المئة من بنيتهم التحتية، والمسافة الجوية بين النهر والقدس 30 كم فقط، وبذلك فإن الميزة الديموغرافية تكمل الميزة الاستراتيجية".

أرض إسرائيلية

نهاية العام الماضي، أعلن وزير الإسكان والبناء الإسرائيلي زئيف إلكين، خطة لمضاعفة عدد المنازل في غور الأردن، من أجل الوصول إلى 3000 أسرة يهودية تعيش في المنطقة بحلول عام 2026. وقال إلكين في ذلك الوقت إن الوزارة تخطط لاستثمار 224 مليون شيكل (70 مليون دولار) لبناء 1500 منزل جديد في 21 مستوطنة في المنطقة.  

في المقابل، "تعمل تل أبيب على إنهاء الوجود الفلسطيني في الأغوار، بمنع المواطنين من استخدام نحو 85 في المئة من مساحتها، وتقيّد وصولهم إلى مصادر المياه وتمنعهم من بناء المنازل، إضافة إلى ذلك تعمل السلطات الإسرائيلية على تهجير أكثر من 50 تجمع سكاني منتشر في أنحاء منطقة الأغوار، عن طريق تحويل حياتهم إلى مستحيلة"، بحسب مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان "بتسيلم".

ووفقاً للمنظمة "تتعامل إسرائيل مع غور الأردن كأرض إسرائيلية، فمنذ عام 2011، أعلنت تل أبيب عن 26 موقعاً في غور الأردن محميات طبيعية، تُشكل نحو 20 في المئة من مساحة الأغوار.
وتقع تلك المواقع بالقرب من مناطق تدريب الجيش الإسرائيلي والمستوطنات، ما يدلل بحسب "بتسيلم" على عدم اهتمام إسرائيل الحقيقي بالبيئة والمحميات الطبيعية.

وتشير دراسة نشرها "مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" (أوتشا) أن 90 في المئة من منطقة غور الأردن وشمال البحر الميت تقع في المنطقة المصنفة "ج" التي تخضع بشكل كامل لسيطرة الجيش الإسرائيلي، ولا تمنح فيها تراخيص بناء إلا نادراً، ما يضطر السكان الفلسطينيين إلى البناء من دون تراخيص.

وتبدو الاختلافات في مستوى المعيشة بين سكان غور الأردن من الفلسطينيين والمستوطنات، كبيرة جداً، بحسب الفلسطينيين ومنظمات حقوق الإنسان، إذ تحقق المستوطنات الزراعية هناك عائداً سنوياً يتعدى 600 مليون شيكل (172 مليون دولار)، بحسب تصريحات أدلى بها رئيس مجلس مستوطنات غور الأردن إلى صحيفة "هآرتس". ووفقاً لدائرة الإحصاء المركزية الإسرائيلية، فإن عدد المستوطنين في الأغوار يقدر بنحو 6 آلاف مستوطن، فيما تشير المصادر الفلسطينية إلى أن عددهم ارتفع خلال الأعوام الأخيرة ليصل إلى 13 ألف مستوطن، يتوزعون على 38 مستوطنة.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير