Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الأضرار الجانبية لحرب الصين ضد كورونا

هل تؤدي إجراءات بكين القاسية إلى توهين إمساكها بزمام السلطة؟

حملة تعقيم في حي سكني بمدينة شنغهاي خلال أبريل 2022 (رويترز)

بعد مرور عامين ونصف العام على تفشي الجائحة، بدأت الصين تخسر بسرعة معركتها الرامية إلى الحفاظ على هدفها المتمثل في تحقيق "صفر كوفيد". لقد تسبب الإغلاق الكامل الذي فرضته الحكومة على شنغهاي، التي تعتبر أكبر مدنها ومركزها المالي، في حدوث فوضى اقتصادية. وأثار أيضاً رد فعل اجتماعي عكسي من عشرات الملايين من السكان الذين منعوا من مغادرة منازلهم حتى للحصول على الطعام أو طلب الرعاية الصحية. وعلى الرغم من هذه الإجراءات، لم تتمكن الحكومة من الحيلولة دون ظهور مئات الآلاف من الحالات الجديدة في المدينة أثناء الإغلاق، في حين تسببت في كثير من المتاعب والمعاناة غير الضرورية للناس. الآن، باتت العاصمة نفسها مهددة بمشكلة مماثلة. وفي ظل رفضها الاعتراف بالطبيعة المتغيرة للفيروس، تواصل الحكومة الصينية الادعاء بأنها تستطيع التغلب على الفيروس من خلال إجراءات الاحتواء المشددة، على الرغم من الاستياء الشعبي المتفاقم.

وبالطبع، ما زال فيروس كورونا يمثل مشكلة صحية عامة بالنسبة إلى جميع البلدان، لكن بالنسبة للصين، أصبحت المخاطر الرئيسة للفيروس أقل وبائية من كونها سياسية واقتصادية. وقد أوضحت تجربة البلدان الأخرى أنه يمكن إدارة واحتواء المتحورة "أوميكرون" [أحد أشكال فيروس كوفيد] من خلال تطبيق استراتيجيات مناسبة. في المقابل، تصر الحكومة الصينية على الحفاظ على سياسات غير مستدامة تستند إلى قليل من الأسس العلمية. وبذا، أظهرت الصين رغبة متزايدة في تعريض اقتصادها، وحتى استقرارها الاجتماعي، للخطر.

بالنسبة إلى الرئيس الصيني شي جينبينغ، لا يمكن أن تكون المخاطر أكبر مما هي عليه الآن، حيث من المقرر عقد المؤتمر العشرين لـ"الحزب الشيوعي الصيني" الذي يعتبر حدثاً بالغ الأهمية، في وقت لاحق من هذا العام. وقد شكل النجاح المزعوم لاستراتيجية بكين في مكافحة "كوفيد" جزءاً أساسياً من دعاية الدولة منذ بدء الوباء تقريباً. وإذا فقدت بكين ثقة الجمهور ودعمه في هذه القضية الأساسية، في وقت يعاني فيه الاقتصاد الصيني نفسه من صدمات إغلاق مستمرة، فقد يواجه نظام عرف عنه ذات مرة بكفاءته التكنوقراطية أزمة شرعية متنامية قريباً.

مزارعون في بدلات واقية

استند نهج بكين تجاه تفشي المرض في شنغهاي منذ بداية هذا الربيع، إلى الوفاء لسياسات الحزب عوضاً عن الاستناد إلى أفضل ممارسات الصحة العامة، إذ ألقت الحكومة اللوم على اتباع شنغهاي نهجاً قوامه الاستهداف الانتقائي، واعتباره سبباً في زيادة عدد الحالات الجديدة، بالتالي فرضت الحكومة المركزية نسخة جديدة قاسية من استراتيجيتها ضد كورونا، ثم أرسلت مسؤولين من بكين للإشراف على استجابة شنغهاي حيال الوباء. نتيجة لذلك، وجد سكان شنغهاي البالغ عددهم 26 مليوناً أنفسهم فجأة تحت أشد إجراءات الإغلاق صرامة في العالم، وقد مددت مراراً، لأكثر من ستة أسابيع.

وكذلك رافق تطبيق نهج "صفر كوفيد" في المدينة إجراءات قاسية لا تستند إلى العلم ولا حتى الفطرة السليمة. ومثلاً، من أجل اكتشاف حالات كورونا الجديدة، فضلت الحكومة اختبارات "بي سي آر" التدخلية والمكلفة على اختبارات سريعة للدم تعمل على تقصي وجود أجسام مضادة لجينات الفيروس في الدم. (على الرغم من أن الاختبارات السريعة يمكن أن توفر مؤشرات جيدة حينما يكون الوباء معدياً، فإن الحكومة تفضل طريقة الـ"بي سي آر"، لأنها تتيح لها السيطرة، وتخدم بشكل أفضل أهداف سياسة "صفر كوفيد"). وحينما تكتشف حالة إيجابية جديدة، تغلق المنطقة السكنية للمصاب بأكملها والتي قد يصل عدد سكانها إلى 200 ألف نسمة، لمدة 14 يوماً إضافية. في بعض الأحياء، يُجرى نقل سكان المباني السكنية بأكملها إلى مراكز الحجر الصحي، ويطلب من السكان المصابين الذين يعانون أعراضاً خفيفة أو لا تظهر عليهم أعراض، الذهاب إلى مستشفيات مؤقتة مخصصة للعزل. بعد ذلك، يأتي العاملون في مجال الصحة العامة إلى منازلهم ويرشون كميات كبيرة من المواد المعقمة على الجدران والأرضيات والممتلكات الشخصية، على الرغم من أن دراسات عدة أظهرت أنه من النادر جداً انتشار العدوى عبر الأسطح الملوثة، والفيروس من غير المحتمل أن يعيش خارج جسم الإنسان فترة طويلة.

خلال معظم فترة إغلاق شنغهاي، منع المقيمون في المناطق الخاضعة للتدابير الكاملة من الخروج إلى الهواء الطلق إلا حينما يجري اقتيادهم لإجراء اختبارات "بي سي آر" على نحو جماعي يزيد من انتشار الفيروس. في غضون ذلك، ونظراً لتسخير معظم عمال الرعاية الصحية في تقديم اختبارات "بي سي آر" وعلاج الحالات غير العرضية أو الخفيفة، لم يتبق سوى عدد قليل منهم كي يقدم الرعاية الصحية الروتينية أو الطارئة. ومع إغلاق أسواق الجملة ومحلات البقالة، سارعت حكومة المدينة إلى توزيع الطعام على السكان الخاضعين لإجراءات الإغلاق، والذين عانى عديدون منهم نقصاً ليس في الغذاء والأدوية والإمدادات الأساسية الأخرى.

والأسوأ من ذلك أن الإغلاق الواسع النطاق لم يساعد إطلاقاً في معالجة واحدة من أكبر نقاط الضعف التي تعانيها الصين، والمتمثلة بفشلها في تطعيم المسنين والمعرضين للخطر بشكل مناسب. على مدى عامين تقريباً، لم تمنح الحكومة الأولوية لتطعيم كبار السن بسبب ندرة البيانات السريرية حول أي آثار جانبية محتملة لدى تلك الفئة العمرية. ولفترة طويلة، خلقت سياسة "صفر كوفيد"، من خلال حماية الفئات الهشة من التعرض للفيروس، إحساساً زائفاً بالأمان بين كبار السن، ما قلل لديهم حافز الحصول على التطعيم. ومع ظهور "أوميكرون" وتزايد الحالات بشكل كبير في الصين، تغير هذا النهج، لكن تسخير عمال الرعاية الصحية في فرض اختبارات الإغلاق، لم يستبق سوى أعداد قليلة منهم لتقديم لقاحات كورونا للسكان المعرضين للخطر [ككبار السن والحوامل وأصحاب الأمراض المزمنة وغيرهم]، الذين كان ينبغي أن يحظوا بالأولوية. واعتباراً من منتصف أبريل، لم يتلق نحو 38 في المئة من سكان شنغهاي الذين تزيد أعمارهم على 60 عاماً أكثر من جرعة واحدة من اللقاح.

من خلال تبني سياسة عدم التسامح المطلق في أكبر مدينة في الصين، أرسلت الحكومة المركزية رسالة قوية إلى جميع أنحاء البلاد. من خلال مشاهدة القيادة الصينية وهي تصعد الضغط على شنغهاي، ضاعف المسؤولون المحليون في أماكن أخرى الالتزام باستراتيجيات المماثلة لاستراتيجية الحكومة [أي صفر كوفيد] خوفاً من إلقاء اللوم عليهم إذا لم تكن إجراءاتهم صارمة بما فيه الكفاية. ففي مسقط رأسي في مقاطعة "جيانغسو الشرقية"، طلبت الحكومة المحلية إجراء اختبار "بي سي آر" لجميع السكان على الرغم من عدم تسجيل أي حالة. وفرضت مدن أخرى عمليات إغلاق عمومية، بعد اكتشاف حالتين أو ثلاث حالات من الإصابة بفيروس كورونا.

ومع حلول 18 أبريل، خضعت نحو 45 مدينة في جميع أنحاء البلاد، وتمثل نحو 30 في المئة من سكان الصين و40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي السنوي، لإغلاق كامل أو جزئي. في بعض المناطق الريفية، منع الغرباء من دخول القرى، وتوجب على المزارعين الحصول على إذن للذهاب إلى حقولهم، شرط ارتداء بدلات واقية. في "كيانان" بمقاطعة "هيبي،" طلب المسؤولون المحليون من السكان تسليم مفاتيحهم حتى يتمكن المتطوعون من إغلاق الأبواب عليهم من الخارج.

لقد أصبحت آثار هذه التدابير على السكان المحليين أكثر وضوحاً بصورة تتزايد يوماً بعد يوم. في شنغهاي، غمرت قصص الرعب المرتبطة بالإغلاق، والتي غالباً ما تكون مشوبة بكوميديا سوداء، وسائل التواصل الاجتماعي. وظهرت روايات حول سكان ماتوا منتحرين بسبب عدم قدرتهم على التعامل مع ضغوط الإغلاق، ومرضى ماتوا ليس بسبب "كوفيد" بل بسبب حرمانهم من الرعاية الصحية الطارئة، ومواطنين في التسعينيات من العمر، جرى جرهم من قبل مجهولين يرتدون بدلات واقية إلى مراكز الحجر الصحي في منتصف الليل، ودار رعاية المسنين أرسلت مريضة مصابة بفيروس كورونا تبلغ من العمر 75 عاماً إلى المشرحة، على الرغم من كونها على قيد الحياة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

السير بسرعة في الاتجاه المعاكس

في ظل انتشار مثل هذه القصص، أصبح سكان شنغهاي صريحين بشكل متزايد في انتقاد الحكومة. في بعض المناطق، اشتبكوا مع الشرطة التي طلبت منهم، بحسب بعض المزاعم، تسليم منازلهم لمرضى "كوفيد"، ونظموا احتجاجات من شرفات منازلهم مطقطقين بالقدور والمقالي للمطالبة بالضروريات الأساسية، بل وواجهوا رئيس الحزب (الشيوعي) في شنغهاي، لي تشيانغ، أثناء إجرائه زيارة تفقدية، لكن حتى الآن، جاء غالب تلك الاحتجاجات بشكل غير عنيف، وركز جزء كبير منها على الاحتياجات المادية. علاوة على ذلك، لم تلق جميع الأصوات المعارضة اللوم صراحة على قادة الحكومة المركزية أو على سياسة "صفر كوفيد" نفسها، لكن من الصعب إنكار أن الاستجابة العامة في شنغهاي قد وصلت إلى نقطة تحول. فخلال السنوات الأولى للوباء، حظيت سياسات القيادة الصينية تجاه "كوفيد" بدعم شعبي عام، والآن هناك انعدام ثقة متزايد في الحكومة في أوساط الطبقة الوسطى. وتعليقاً على إجراءات الإغلاق في محادثة سجلت على موقع "تشاينا ديجيتال تايمز" الإخباري، ذكر أحد سكان شنغهاي، "إننا لن نتوقف. نحن نسير بسرعة في الاتجاه المعاكس".

وصفت إحدى صديقاتي في شنغهاي، التي كانت مؤيدة للحكومة منذ فترة طويلة، موقفها خلال فترة الإغلاق بأنه انتقل من "العجز إلى خيبة الأمل إلى اليأس". كذلك ذكر تشانغ كيانغ، وهو طبيب من شنغهاي تحول إلى رائد أعمال، إنه حتى حدوث الإغلاق لم يكن يصدق القصص المتعلقة بمجاعة 1959-1961 التي سببتها "القفزة العظيمة للأمام" وقد مات خلالها عشرات الملايين من الصينيين جوعاً. الآن، أدرك أنه "يمكن أن يكون هناك نقص في الغذاء حتى في شنغهاي". ويشاطره في هذا الرأي بعض المعلقين المؤيدين للحكومة البارزين، بمن فيهم لاري هسين بينغ لانغ وليو ليو. ففي صحيفة "فايننشال تايمز"، لاحظ شان ويجيان، الرئيس والمدير التنفيذي لشركة أسهم خاصة رائدة في آسيا، أن السخط الشعبي في الصين بلغ أعلى مستوياته منذ أحداث القمع التي شهدها ميدان "تيانانمين" في العام 1989.

رفض القادة الصينيون إجراء أي تغييرات جوهرية على استراتيجيتهم الأصلية بشأن "كوفيد"

بالطبع، قد يكون السخط الشعبي عابراً، لكن الإغلاق المفرط في شنغهاي الذي عانى منه 26 مليون مواطن، بمن فيهم عديدون من أفراد الطبقة الوسطى الحضرية، يمكن أن يضمر بذور تحول سياسي في المستقبل. إن تنامي الشعور بعدم الثقة والاستياء من سياسات الحزب المتعلقة بمحاربة "كوفيد" يفاقمان أزمة المصداقية التي تعانيها الحكومة. ووفق ما أقر الرئيس شي، فإن عدم القدرة على إرضاء أو تهدئة المجتمع الصيني يعتبر مقدمة لفقدان الحزب الشيوعي "أساس الحكم" و"مكانة الحكم." من ناحية أخرى، فإن الإجراءات التي تسببت في مثل هذا الإحباط في شنغهاي وعدد من المدن الأخرى، قد أضرت أيضاً بإحدى الركائز الأخرى لشرعية النظام، وهي سمعته في الإدارة الاقتصادية السليمة.

لقد نجح القادة الصينيون على مدى سنوات في كسب الدعم الشعبي من خلال الحفاظ على معدلات نمو اقتصادي عالية. وفي الواقع، تمكنت الصين بفضل النجاح الأولي في السيطرة على انتشار "كوفيد- 19"، من أن تصبح الاقتصاد الرئيس الوحيد الذي سجل نمواً اقتصادياً إيجابياً في عام 2020. في المقابل، بدأ محرك النمو هذا يفقد زخمه بسرعة، حيث قلبت مجمل عمليات الإغلاق في شنغهاي والمدن الكبرى الأخرى سلاسل التوريد رأساً على عقب، وخنقت الاستهلاك المحلي، وأضعفت توقعات النمو في البلاد. فمن خلال تحليل بيانات حركة النقل بالشاحنات، وجد علماء من "جامعة هونغ كونغ" الصينية أنه حتى قبل أن تبدأ شنغهاي الإغلاق الجزئي في نهاية مارس (آذار) 2022، انخفض النشاط الاقتصادي في المدينة بـ40 في المئة عن المستويات العادية. الآن، وبسبب إغلاق شنغهاي والمراكز الصناعية الأخرى، بدأت الشركات تأخذ حذرها خوفاً من الآفاق الاقتصادية المبهمة. فمثلاً، هناك انخفاض كبير في الطلب على قروض الأعمال، حيث انخفض صافي القروض الجديدة باليوان في أبريل بـ79 في المئة عن الشهر السابق، وهذا أقل من نصف ما كان عليه قبل عام. وكذلك خفض "صندوق النقد الدولي" توقعات النمو في الصين للمرة الثانية هذا العام إلى 4.4 في المئة، وهو أقل بكثير من هدف "الحزب الشيوعي الصيني" المتمثل في تحقيق نمو بـ5.5 في المئة.

وبالنظر إلى الإغلاق في شنغهاي، يتصور بعض مراقبي الصين وضعاً أكثر قتامة. فبحسب شان، يرزح الاقتصاد الصيني حالياً "تحت أسوأ حالة له خلال الثلاثين عاماً الماضية". في سياق متصل، أشار دانييل روزين في مقال نشر في مجلة "فورين أفيرز" خلال أبريل (نيسان) إلى احتمال حدوث "نمو صفري أو حتى انكماش اقتصادي" في الصين هذا العام. وفي أواخر أبريل، أعلن ستيفن روتش، الاقتصادي في "جامعة ييل" والرئيس السابق لشركة الأموال "مورغان ستانلي آسيا"، أن "وسادة الصين قد انكمشت"، معرباً عن اعتقاده أن "العالم لم يعد بإمكانه الاعتماد على الصين كمصدر للصمود"، ولكن بدلاً من تغيير مسارها، بدت الحكومة الصينية أكثر تصميماً على التمسك بسياساتها الحالية، بغض النظر عن العواقب.

نظام سلطوي يأبى الفشل

على الرغم من التكاليف الاجتماعية والاقتصادية الباهظة، رفض قادة الصين إجراء تغييرات جوهرية على استراتيجيتهم الأصلية بشأن فيروس كورونا. لقد كان واضحاً لعلماء الأوبئة منذ أشهر أن الوضع قد تغير بشكل كبير منذ انتشار "كوفيد" للمرة الأولى في مدينة "ووهان" مطلع عام 2020، إذ إنهم يرون أن عدوى المتحورة "أوميكرون" السائدة تتميز بأنها أكثر انتشاراً بكثير من سلالات كوفيد الأصلية، لكنها تتسبب في إصابات أقل حدة. ويرى أولئك العلماء أيضاً أن وجود لقاحات وعلاجات فاعلة أدى إلى الحد من مخاطر الإصابة بأمراض خطيرة، وأتاح طرقاً جديدة للتعامل معها. وبالفعل، لم يتوف سوى 0.09 في المئة من الحالات الإيجابية في شنغهاي، وهو أقل من معدل الوفيات التقريبي بسبب الإنفلونزا الموسمية. كذلك وجدت دراسة حديثة أجراها علماء صينيون وأميركيون أن إعطاء لقاحات فاعلة لجميع كبار السن المؤهلين وحدهم، سيؤدي إلى انخفاض حالات دخول المستشفيات بـ54.1 في المئة وانخفاض معدل الوفيات بـ60.8 في المئة. ومع ذلك، ظلت الحكومة الصينية عنيدة.

أهالي شنغهاي ينتقدون الحكومة بشكل متزايد

وبدلاً من الاعتراف بالواقع الجديد، يواصل كبار علماء الأوبئة الحكوميين تسليط الضوء على خطر متغير المتحورة "أوميكرون"، فقد طلب ما شياووي، رئيس "لجنة الصحة الوطنية في الصين"، من مسؤولي الصحة العامة اتخاذ موقف واضح ضد "التفكير الخطأ" بشأن التعايش مع الفيروس والتعامل معه كمرض شبيه بالإنفلونزا الذي ينبغي أن يتعود الناس على التعايش معه. ففي 16 مايو، مع إغلاق عدد من المدن الصينية، دعا شياووي بدلاً من ذلك إلى فرض مزيد من "تدابير الوقاية والسيطرة" الأكثر صرامة، بما في ذلك بناء مزيد من مستشفيات العزل لإيواء مرضى كوفيد، فضلاً عما يسمى "المستشفيات المؤقتة الدائمة" و"مراكز الحجر الصحي".

وعلى الرغم من أن عديداً من الأشخاص في المناطق الريفية والبلدات الصغيرة يواصلون دعم سياسات "صفر كوفيد"، فإن النهج المتشدد بدأ في تغيير التصورات العامة تجاه الحكومة في المدن الصينية الكبيرة. في بداية الجائحة، برهن نجاح بكين في مكافحة "كوفيد" على مرونة الدولة الصينية وحسن تدبيرها، لكن عناد الحكومة كذلك الذي ظهر في إغلاق شنغهاي، برهن أن نظامها السياسي أصبح أكثر صرامة ومقاومة للتغيير من أي وقت مضى. يعود ذلك جزئياً إلى آليات التعزيز الذاتي داخل الإدارة الحكومية نفسها. فبعد مرور عامين على استراتيجية "صفر كوفيد"، بدا أن لدى عدد من الوكالات الحكومية، وكذلك شركات اختبار "بي سي آر" ومسؤولي الصحة العامة وغيرهم من المشاركين في جهود القضاء على "كوفيد"، مصلحة عميقة في الحفاظ على النهج الحالي وساعدوا في جعل النظام السياسي مقاوماً لأي تحول كبير في النهج، لكن معارضة المصالح الخاصة وحدها لا يمكن أن تفسر النهج الحالي، بالنظر إلى السخط الاجتماعي والأضرار الجسيمة التي لحقت بالاقتصاد الصيني.

وبالتالي، يبدو أن الصين في عهد الرئيس شي، على غرار روسيا في عهد بوتين، عالقة فيما وصفه أحد الصحافيين حديثاً بـ"الحلقة الاستبدادية بشأن الردود والملاحظات على ما يتبع من سياسات"، حيث يحاط زعيم منعزل لفترة طويلة بمستشارين لا يهتمون بتحدي آرائه. وفي الواقع، طلب الرئيس شي من المسؤولين ضمان تفوق الصين على الولايات المتحدة في نمو الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، على الرغم من عمليات الإغلاق التي تستنزف الاقتصاد الصيني. وبحسب رأي أدلى به مستشار سياسي حكومي لم يذكر اسمه، إلى صحيفة "فايننشال تايمز" في نهاية أبريل، فإن إقناع أكبر صانع للقرار في الصين بأن إغلاق شنغهاي إجراء غير مستدام وينطوي على نتائج عكسية أصبح "تحدياً رئيساً للنظام".

بالنسبة إلى الرئيس الصيني، لا يمكن للمخاطر أن تكون أفدح مما هي عليه الآن

 في المقابل، أعاقت الصلابة في القمة عملية اتخاذ القرار في أسفل سلسلة القيادة. ففي ظل غياب نقاش حيوي ومستنير حول السياسة داخل الحكومة المركزية، يخضع المسؤولون المحليون لمزيد من الضغط للمضي قدماً في سياسة القضاء تماماً على فيروس كورونا المستجد، بغض النظر عن التكاليف الاجتماعية والاقتصادية. ويشعر عدد متزايد من الخبراء ذوي العقلية الليبرالية في الصين، بالقلق من أن سياسة القضاء على "كوفيد" أتاحت للدولة أيضاً مخططاً جديداً للسيطرة على كل مناحي حياة الناس بمجرد انتهاء الوباء. وفي هذا الصدد، ذكر أحد المعلقين الماليين المعروفين على تطبيق "وي شات" WeChat [النسخة الصينية من تطبيق تويتر]، "في الحقيقة، أنا خائف. سأجازف بالتأكيد أنه حتى بعد نهاية الوباء، سيحتفظ بأساليب الإدارة والسيطرة التي تعامل الناس كالخنازير والكلاب والمجرمين." وعلى نحو مماثل، توقع أستاذ في العلوم السياسية في "جامعة فودان" أن الإجراءات الاجتماعية المتطرفة "ستشدد" بدل تخفيفها في مستقبل ما، بعد "كوفيد". وبالنسبة إلى عديد من الصينيين، فإن هذه الدولة القاسية والمهيمنة لم يُر لها مثيل منذ أيام الثورة الثقافية.

 وفعلياً، دفعت مخاوف تصعيد الرقابة الاجتماعية بعديد من الأثرياء إلى التفكير في مغادرة البلاد. ففي ظل إغلاق شنغهاي هذا الربيع، سجل مؤشر "وي شات" الذي يقيس شعبية البحث على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، قفزة نوعية تصل إلى سبعة أضعاف في عمليات البحث عن كلمة "الهجرة". وفي الواقع، غادر عديد من الأجانب الذين كانوا في الصين خلال الوباء، أو أنهم باتوا يخططون لذلك. لقد أظهر استطلاع حديث شمل 950 أجنبياً في شنغهاي أن نصفهم تقريباً يخطط لمغادرة الصين خلال الاثني عشر شهراً المقبلة. في غضون ذلك، لاحظ باحث كندي إشارات تدل على أن الشركات متعددة الجنسيات تفكر بجدية في الانسحاب من الصين، وكتب أن "سياسة صفر كوفيد التي تنهجها بكين فعلت ما عجزت عنه حرب ترمب التجارية".

 وبالطبع، لا يزال من الممكن أن تدفع الصدمة الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن إغلاق شنغهاي القيادة الصينية إلى التفكير مرتين قبل تكرار نفس الأخطاء، ربما في بكين نفسها. فمن خلال بعض الجهد، يمكن للصين أن تختار مساراً أفضل يعتمد على لقاحات وعلاجات أكثر فاعلية، وبروتوكولات عملية في فحص وفرز مرضى "كوفيد"، وتدخلات غير دوائية دقيقة. في المقابل، يشير سلوك الحكومة حتى الآن إلى أنه من غير المتوقع أن تغير مسارها، الأمر الذي قد يستوجب الاعتراف، ضمنياً في الأقل، بأن ضرر سياساتها أكثر من نفعها. ويشير قرار الحكومة الأخير الهادف إلى إلغاء استضافة "كأس آسيا 2023" الصيفي إلى أنها لا تنوي التخلي عن سياسة "صفر كوفيد" العام المقبل. وعلى العكس من ذلك، يبدو أن الحكومة ستراهن بكل شيء على نجاح نهجها الحالي، حتى لو أدى ذلك إلى عزلها عن العالم وتقويض دعمها في الداخل.

 

* يانتشونغ هوانغ زميل أول لـ"الصحة العالمية" في "مجلس العلاقات الخارجية"، وأستاذ في "كلية الدبلوماسية والعلاقات الدولية" بـ"جامعة سيتون هول"، ومدير مركز تلك الكلية عن "دراسات الصحة العالمية"، وهو مؤلف التقرير الخاص للمجلس المعنون "جائحة كوفيد-19 والقيادة الصحية العالمية في الصين".

المزيد من تقارير