Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أن تربح سوريا وتخسر إيران

"تبدو القيادة الإسرائيلية معنية مباشرةً بأي تحول يحصل على الساحة السورية"

دورية أميركية في منطقة الرميلان في محافظة الحسكة السورية قرب الحدود التركية (أ ف ب)

أعادت عملية اغتيال العقيد في "قوة القدس" التابعة لـ"حرس الثورة"، حسن صياد خدائي في أحد شوارع العاصمة الإيرانية طهران، التأكيد على حجم الاختراق الأمني الذي تعاني منه المنظومة الأمنية للنظام الإيراني، وقدرة الأجهزة الخارجية أو "المعادية" على استهداف مَن تريد بسهولة دون الخوف من الوقوع في قبضة الأجهزة الإيرانية. كما أن عملية الاغتيال، جاءت واضحة المعالم والجهة التي تقف وراءها، بغض النظر عن الطرف المنفذ على الأرض، إذ لم تحاول الأوساط الإسرائيلية إبعاد الشبهة عنها أو نفي مسؤوليتها عن هذه العملية.

اتهام "مجاهدي خلق"
رد الفعل الإيراني، ومسارعة "حرس الثورة" والمسؤولين، إلى توزيع الاتهام بين جهات "باعت نفسها للأعداء" وإسرائيل، يهدف إلى تكريس قواعد واتجاهات الرد الذي أعلنت أنها ستقوم به على هذه العملية. فاتهام جماعة "مجاهدي خلق" بتنفيذ هذه العملية، يصب في إطار تأليب الرأي العام الداخلي ضد هذه الجماعة، التي سبق أن لعبت دوراً محورياً في الكشف عن البرنامج النووي الإيراني في عام 2001، والخروقات التي حصلت في منشآت نووية أخرى، وآخرها في منشأة نطنز التي تعرضت لتفجير دمر جزءاً من البنى التحتية الأساسية لصناعة أجهزة الطرد المركزي، فضلاً عن إعادة إحياء الذاكرة الشعبية في ما يتعلق بالعمليات والاغتيالات السابقة بعد انتصار الثورة.
وعزز هذا التوجه في إلقاء التهمة على "مجاهدي خلق"، اللقاء الذي جمع بين وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو وزعيمة هذه الجماعة، مريم رجوي، قبل أيام من عملية الاغتيال. بالتالي فإن هذا الاتهام، سيدفع النظام، وتحديداً مؤسسة "حرس الثورة"، إلى التمسك بموقفها ومخططاتها في معاقبة كل المسؤولين الأميركيين المتهَمين باتخاذ قرار اغتيال قاسم سليماني، وفي مقدمتهم بومبيو والمبعوث الأميركي الخاص إلى إيران السابق براين هوك. وشكلت إمكانية حصول أي عملية أمنية ضد بومبيو وهوك قلقاً كبيراً للإدارة الأميركية التي وضعت التخلي عن هذه المساعي بين شروط التفاوض في فيينا، خصوصاً وأنها تتكبد أكثر من مليوني دولار شهرياً لتوفير الحماية الأمنية لبومبيو.
قد يكون أحد الأبعاد التي دفعت القيادة الأمنية الإسرائيلية إلى اتخاذ قرار الاغتيال، وتنفيذه داخل العمق الأمني للنظام في أزقة طهران، هو ما يدور حول إمكانية استئناف المفاوضات النووية. فالعملية جاءت بعد الزيارة التي أجراها مساعد مفوَض السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي أنريكه مورا، وأيضاً بعد زيارة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد والرسالة الواضحة التي حملها من قيادة النظام الإيراني برغبتها الجدية في إعادة إحياء الاتفاق النووي وتفعيل المفاوضات، في ظل الحديث عن تنازل قدمته طهران في ما يتعلق بأحد خطوطها الحمراء المتعلقة بالعقوبات على "حرس الثورة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

إعادة خلط الأوراق

أي أن الخطوة الإسرائيلية، تسعى إلى استثارة الذراع العسكري والعقائدي للنظام، ودفعه إلى رد فعل سريع على غرار ما قام به في الهجوم الصاروخي على مدينة أربيل في إقليم كردستان العراق، وأن يعمد إلى تنفيذ التهديدات التي صدرت عن قياداته وإمكانية الرد في الداخل الإسرائيلي، ما يسهم في إعادة خلط الأوراق، ويدفع الولايات المتحدة إلى كبح رغبتها في التوافق مع إيران، ويجبر الاتحاد الأوروبي على التخلي عن مساعيه لإعادة إحياء المفاوضات والعودة إلى مسار التشدد مع طهران، وصولاً إلى الهدف الاستراتيجي بقلب الطاولة وإنهاء المفاوضات وانهيار إمكانية التوافق. بما يعيد إيران إلى نقطة البداية، ويقطع الطريق على أي معادلة جديدة في منطقة الشرق الأوسط قد تكون من نتائج أي اتفاق.
الربط الإسرائيلي، والتأكيد الإيراني، بين العقيد الذي اغتيل والساحة السورية، سواء إذا صحت الرواية الإسرائيلية بأنه المسؤول عن تهريب تقنيات متقدمة تُستخدَم في تصنيع الصواريخ الدقيقة والطائرات المسيرة، وسواء في التحديد الإيراني لطبيعة مهمته بتوليه مسؤولية العلاقات والتواصل مع الفصائل العاملة في سوريا، يصبان في كون العملية ترتبط بشكل كبير وواضح بالتطورات التي تشهدها الساحة السورية والتغييرات الحاصلة في موازين القوى التي تحصل في هذا البلد، وعودة الدور الإيراني وحلفائه إلى الواجهة من جديد.

إحياء الاستراتيجية الإيرانية
فالقيادة الإسرائيلية معنية مباشرةً بأي تحول أو تغيير، حتى ولو كان جزئياً وبسيطاً، يحصل على الساحة السورية، إلا أن القرار الروسي الذي بات شبه مؤكد، بسحب الجزء الأكبر من قواته العاملة في سوريا ونقلها إلى جبهة فنلندا استعداداً للتداعيات المحتلمة لإمكانية انضمام هذا البلد إلى حلف "الناتو"، والجبهة الأوكرانية لسد العجز في قواته هنا، والرهان على تعديل الموازين بخاصة بعد تولي قائد القوات الروسية العاملة في سوريا مسؤولية الحرب في أوكرانيا.
فالانسحاب الروسي من سوريا، يعني فتح الطريق بشكل واسع أمام عودة أنشطة عناصر "قوة القدس" و"حرس الثورة" وحلفائه إلى مناطق الجنوب السوري ومرتفعات الجولان. ما يعني إعادة إحياء الاستراتيجية الإيرانية بالسيطرة والوجود على طول الحدود الشمالية لإسرائيل ابتداءً من المثلث السوري - الأردني - الفلسطيني وصولاً إلى الناقورة في جنوب للبنان، بالتالي تشكيل منطقة وجود مباشر تهدد الأمن الإسرائيلي، وتكون منطلقاً لأي عمليات عسكرية في حال اندلاع مواجهة مباشرة بين الطرفين، وتشكل رداً على ما تؤكد طهران أنه وجود إسرائيلي على حدودها المباشرة في كردستان العراق، إضافة إلى تمكن تل أبيب من الحصول على موطئ قدم على الضفة الغربية للخليج.
لا شك أن طهران والقيادة الإيرانية العليا والدولة العميقة والسلطة الأمنية لا تخفي ارتياحها وحتى سرورها بالعودة إلى لعب دور المقرر والفاعل على الساحة السورية بالقرب من الحدود مع إسرائيل، وما يتيحه ذلك من هامش للمناورة والضغط على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من بوابة الأمن الإسرائيلي للحصول على تنازلات في المفاوضات والعقوبات الاقتصادية وملف النفوذ والدور الإقليمي. وقد برز هذا الارتياح من خلال المواقف والاستقبال الذي أقيم للرئيس السوري بشار الأسد في زيارته السرية إلى طهران مطلع شهر مايو (أيار) الحالي. ومحاولة توظيف هذه الزيارة في توجيه رسائل إلى المجتمع الدولي تسعى إلى تأكيد إمساكها بالأوراق الإقليمية، إلا أن رد الفعل الإسرائيلية، سواء في الغارات الجوية والصاروخية العنيفة التي استهدفت مواقع لـ"حرس الثورة" في دمشق ومحيطها، أو اغتيال أحد ضباط هذه القوات داخل طهران، حملت رسالة واضحة تضع النظام الإيراني بين أحد خيارين، إما ربح سوريا وما فيه من أثمان، وإما خسارة الداخل الإيراني وإمكانية دفعه إلى الانفجار، وما يحمله ذلك من تهديد لمستقبل المنظومة الحاكمة بالكامل. بخاصة وأن تل أبيب قد لا تتحمل أي تعديل في موازين القوى وقواعد الاشتباك في الإقليم وتحديداً في سوريا لمصلحة إيران وعلى حساب استقرارها ومصالحها الاستراتيجية.

المزيد من تحلیل