Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بالمشمش بلا بطيخ

يتناول الناس بلهجاتهم الخضراوات والفواكه للتعبير والاختصار

قد يأتي يوم تستبدل فيه كلمة المشمش بكلمة المستحيل، و"سابع المشمشات" بدلاً من سابع المستحيلات (غيتي)

بتلقائية، علقت سيدة كويتية -قيل إنها مسؤولة بمؤسسة التأمينات الاجتماعية- على سؤال في لقاء غير رسمي عن وقت توزيع منحة للمتقاعدين بعد أن حققت المؤسسة أرباحاً طائلة، فقالت: بالمشمش! وتطاير تعليقها المصور بالفضاء المرئي والمسموع والمكتوب، وتداوله المغردون ونشره الفيسبوكيون والإنستغراميون والسنابيون، فهذا يسخر من التعليق، وذاك يتحسر على حال المتقاعدين. وتحول التعليق التلقائي إلى جنازة للطم والبكاء والعويل لدى بعض المغردين.

لكن شغفي بالمصطلحات والأقوال دفعني إلى الغوص اللغوي لمحاولة فهم العلاقة بين المشمش والمستحيل، ولماذا ترتبط بعض الخضراوات والفواكه والنباتات بمدلولات ومفاهيم اجتماعية لغوية؟

المشمش ثمرة نبات مفردها مشمشة، وهو من الفواكه، والفاكهة وردت بالقرآن الكريم "وفاكهة وأبا"، ومنها اشتقت الفكاهة، ويقال فلان رجل فكه، أي أنه ظريف "ودمه خفيف"، ولكن لماذا المشمش؟ ألأنه ثمر موسمي؟ لهجوياً، أظن أهل الخليج استعاروا "بالمشمش" من أهل الشام حيث ينمو، ففي الخليج يعادل قول "بالمشمش" القول "موت يا حمار لين يجيك الربيع"، لكن أهل الشام والعراق أحيوا الحمار بدلاً من إماتته، فيقولون "عيش يا كديش حتى يجيك الحشيش".

ويتناول الناس بلهجاتهم الخضراوات والفواكه للتعبير والاختصار، ففي العراق يصفون الجميلة بالطماطة، أو بالبرتقالة، وقد غنى المطرب الشعبي العراقي علاء سعد "يا البرتقالا"، لكن المانغا أو المانغو في مصر كانت عنوان أغنية شعبية شهيرة من كلماتها، "أنا كنت باموت بالمشمش، ودلوقتي باحب المانغا"، وبذا ينتصر المانغا بمصر على البرتقال بالعراق.

أما البصل، فعلى الرغم من فوائده الصحية الكثيرة فإنه يستهان به ويضرب به المثل على رخص ثمنه فيقال "فلان ما يسوى رأس بصلة". ويذكر أن أسعار البصل التهبت في بدايات أزمة كورونا في الكويت وصارت أسعاره مجالاً للتندر والتنكيت.

ويأتي ابن عم البصل وهو الثوم في منزلة مهمة صحياً ولكنها مكروهة اجتماعياً لرائحته الكريهة بعد أكله، فيقال فلان، "ثومة، مأكولة، ومذمومة". ويذكر أن أهل الساحل يستبدلون بالثومة العومة، وهي سمك السردين الصغير، فيقولون "عومة، مأكولة، ومذمومة".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويدل أكل البطيخ الصيفي بمصر على الطمأنينة، الذي يسميه أهل العراق ومعظم أهل الخليج رقي، وهو الحبب بالسعودية، واليح بالإمارات، والجبس في شمال العراق وسوريا، ويسميه أهل تونس الدلاع، فيقولون في مصر "حط في بطنك بطيخة صيفي وما تخافش"، كطمأنة للمستمع.

 لكن البطيخ الذي يسمى "الشمام" ببلاد الشام، يرتبط بتأكيد الرفض والتقليل من أمر ما، فيقال "بلا مبادئ بلا بطيخ"، أو "بلا تفكير بلا بطيخ"، أو "بلا سياسة بلا بطيخ".

 أما أكل التبن فهو دلالة الصمت، ولا أعرف العلاقة بين علف الحيوانات والصمت، فيزجر الواحد وينهر ليخرس "إكل تبن!"، ولا يحتاج الواحد لأكل التبن كي يخرس ويصمت، فهناك شعوب بأكملها صامتة دون حاجة للتبن.

 وما زال سر العلاقة بين المشمش والمستحيل غامضاً، ولنستعرض بعض التساؤلات المستحيلات-المشمشات أدناه:

- متى ستشكل حكومة عراقية بعد الانتخابات التي جرت في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؟

- متى يصبح مجلس الأمة ممثلاً حقيقياً للشعب بالكويت؟

- متى سينسحب بوتين من أوكرانيا؟

- متى ستتصرف إيران كدولة باحترام متبادل مع جيرانها العرب؟

- متى سيتفق الفلسطينيون في ما بينهم من أجل قضيتهم؟

 ومن يدري! فقد يأتي يوم تستبدل فيه كلمة المشمش بكلمة المستحيل، و"سابع المشمشات" بدلاً من سابع المستحيلات!

المزيد من آراء