Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

المصارف اللبنانية تتحدى الحكومة بـ"لا قاطعة" لخطة النهوض

مطالبات بمحاسبة المسؤول عن وصول البلاد إلى الإفلاس وإعادة أموال المودعين والتفريق بين الودائع المشروعة والمشبوهة

جمعية المصارف اللبنانية والمودعون رفضوا خطة الحكومة للتعافي (مواقع التواصل)

"لا" قاطعة أعلنتها جمعية المصارف في لبنان لخطة التعافي المالي، التي أقرتها الحكومة في آخر أيامها، قبل الدخول في مرحلة تصريف الأعمال مع بدء ولاية المجلس النيابي الجديد. وتقضي الخطة ببندها الأساسي شطب 60 مليار دولار من ديون مصرف لبنان المترتبة عليه للمصارف، ما تعتبره الأخيرة مساساً مباشراً بالودائع وباستمراريتها المؤسساتية والمالية، إذ رفضت جمعية المصارف تقديم إيضاحات إضافية لموقفها الرافض، واكتفت بالبيان الذي أصدرته الثلاثاء في 24 مايو (أيار).

لجأت جمعية المصارف إلى خطاب اتهامي تجاه الحكومة، وقالت "أبت الحكومة إلا أن تودع اللبنانيين بشكل عام والمودعين بشكل خاص، عبر إقرار الخطة القاضية بتنصل الدولة ومصرف لبنان من موجباتهما بتسديد الديون المترتبة بذمتهما، وتحميل كامل الخسائر الناتجة من هدر الأموال التي تتجاوز 70 مليار دولار إلى المودعين، بعد أن قضت الخطة على الأموال الخاصة بالمصارف".

وبحسب الجمعية، فإن الحكومة ألغت ودائع المودعين بـ"شخطة قلم"، على الرغم من وجود خطط بديلة، إذ اقترحت الجمعية إنشاء صندوق استثماري لبعض موجودات الدولة اللبنانية وحقوقها، لإعادة حقوق المودعين على المدى المتوسط والبعيد.

كما علقت الجمعية على مقولة "المداخيل المستقبلية هي ملك للأجيال المقبلة". مشيرةً إلى أن "مدخرات الآباء تعود للأجيال القادمة أيضاً، فلا تعدموا جيلين تحت مسمى الحفاظ على مستقبل الأجيال". وخلصت الجمعية إلى رفض الخطة، التي "لا نهوض فيها سوى في اسمها"، وإعلان وقوفها في صف المودعين.

المودعون يتحفظون

أثارت خطة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي حفيظة المودعين أيضاً، حيث يصفها حسن مغنية رئيس جمعية المودعين، بـ"التهريبة في آخر لحظة"، عبر شطب 60 مليار دولار من ودائع اللبنانيين. قائلاً "هذه الخطة دُفنت قبل أن تولد"، مستدركاً "لا يمكن أن يرضى اللبنانيون والمودعون بهذا الأمر، لأن الخسائر يجب أن تتحملها المصارف ومالكوها، وكذلك البنك المركزي والدولة اللبنانية من أجل إعادة الأموال المودعة، وليس المودع الذي تقع على عاتقه الأعباء منذ بدء الانهيار".

يرى مغنية أنه "لا يمكن استعادة أموال المودعين من دون قضاء شفاف ومحاسبة فعلية لمن سرق، ومن اختلس، ومن ارتشى ورشى، وأهدر ما جناه اللبنانيون".

يتحدث مغنية عن خطوات تصعيدية سيلجأ إليها المودع اللبناني تجاه الدولة ومصرف لبنان والمصارف التجارية، معلناً اتباع مسارين متوازيين، الأول التصعيد في الشارع، والآخر من خلال اللجوء إلى القضاء اللبناني وربما الخارجي.

ويذكّر مغنية أن "القضاء البريطاني أنصف حالات فردية، لكن للأسف الشديد لم يتخذ القضاء اللبناني خطوات مشابهة تجاه المودعين"، مطالباً السلطة الجديدة ومجلس النواب المنتخب بإقرار قانون يضمن حقوق المودعين على وجه السرعة، ومن دون نقصان، على اعتبار أن "جميع الودائع في خطر، لا سيما الودائع بالليرة اللبنانية التي فقدت أكثر من 97 في المئة من قيمتها"، مستدركاً "ليس صحيحاً أن هناك جزءاً مضموناً منها، ولا يمكن أن نرضى بسقف 100 ألف دولار لأن جنى عمر المودع اللبناني قد يكون أقل أو أكثر من ذلك بكثير".

معالجة أزمة الديون

يعلّق المحامي كريم ضاهر، منطلقاً من وجهة نظر دستورية، على بند شطب جزء كبير من ديون مصرف لبنان، باعتباره من أعمال السلطة العامة صاحبة السيادة، قائلا "السلطة العامة خاضعة للأحكام الدستورية في قراراتها، لأنها تسمو على ما سواها من نصوص، ولا يمكن لها مخالفة الانتظام العام والدستور، والمادة 15 من الدستور اللبناني تؤكد على حماية الملكية الفردية والاقتصاد الحر".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يلفت ضاهر إلى أنه لا يمكن حرمان أي فرد من حقوقه من دون منحه شيئاً في المقابل، وينطلق من هذا المبدأ العام، ليتحدث عن موقف وصفه بـ"حرج" للحكومة اللبنانية، قائلاً فهي بين مطرقتين: عدم المبادرة لوقف الانهيار بسبب غياب الإمكانيات والمستحقات الهائلة بذمتها، وعدم قدرتها على تسجيل فائض أولي في ظل هذه الديون والخسائر الهائلة، لأنها لن تجد من يُقرضها أو يأتي ليستثمر في ظل ظروف لبنان الراهنة، بالتالي بلوغ مرحلة الانهيار التام".

يوضح ضاهر أن "صندوق النقد الدولي سيقول للحكومة إنه مع الإقرار بهذا الكم من الديون والأعباء تجاه المصارف، لا يمكن تحقيق ناتج محلي يسمح بالنمو، ومن ثم تحسين التصنيف الدولي للبلاد، وتخفيض كلفة الفوائد التي تلتزم بها مع العودة إلى الاقتراض من الأسواق العالمية لاسترداد الثقة. لذلك لا بد من تخفيض الأعباء إلى مستوى معين لتحسين التصنيف الائتماني، والوصول إلى حل لمسألة الديون".

ويضيف، "الجهات الدولية لا تطالب السلطة اللبنانية بحرمان المواطنين من حقوقهم، إنما حمايتهم من خلال الالتزام برد مستحقاتهم واتباع نظم الدولة الراعية"، مقترحاً أن تلتزم الدولة اللبنانية مبدأ الصراحة تجاه المودعين، والاعتراف بأنه "في حال تسجيل خسائر في ظرف محدد، فإن الدولة تضمن عودة الحقوق بصورة غير مباشرة عن طريق تأمين التغطية الصحية لجميع المواطنين، ومعاش تقاعدي للكافة، وضمان بطالة، ووضع الديون غير القابلة للتحصيل حالياً إلى صندوق ائتماني أو شركة ائتمانية، تضمن الدولة تسديدها على المدى البعيد بعد تحقيق الفائض الأولي".

يعتقد ضاهر أن هناك حاجة لإعادة هيكلة المصارف بسبب مرحلة العجز التي بلغتها، متخوفاً من "خسارة لبنان لكل شيء وبلوغ مرحلة المجاعة في حال عدم البحث عن حلول موضوعية والوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي، وضمان الدولة لحقوق المودعين".

المعيار هو الودائع

يرى كريم ضاهر أن الحكومة وقعت في خطأ تحديد سقف للودائع المستردة، بينما الواجب هو التمييز بين ودائع مشروعة وأخرى غير مشروعة، مقارناً بين "تاجر المخدرات أو المقاول السارق للمال العام والذي يمتلك وديعة، لا يمكن أن تتعهد الدولة برد وديعته مثله كمثل من وضع جنى عمره في المصرف". لذلك لا بد من محاسبة المسؤول الذي أوصل البلاد إلى الإفلاس، سواء أكان سياسياً فاسداً أو مصرفياً طامعاً بكسب إضافي، وهذه المحاسبة ضرورة قبل شطب الخسائر أو الودائع.

ورداً على سؤال حول تطبيق القواعد القانونية التي تنص على مكافحة الإثراء غير المشروع وتبييض الأموال، يجيب ضاهر بأن "السرية المصرفية كانت تعيق ذلك، في موازاة وجود قواعد قانونية تجرم المخالفات"، معتبراً "الجهات الرقابية مقصرة في بعض الأحيان، ولا بد من القيام بموجباتهم والتحقيق في ذلك".

ينتقد ضاهر خطة الحكومة، لأنها تحدثت بالعموميات وبصورة مبهمة عن حماية حقوق المودعين، من دون ذكر أي كلمة عن المحاسبة قبل توزيع الخسائر، "من غير الجائز شطب كبار المودعين، أو إلزامهم بالاكتتاب بأسهم في مصارف عاجزة، إذا ما كانت مواردهم مشروعة"، متسائلاً "ما الضمانة لحصول المودع على 100 ألف دولار إذا كان المصرف من دون ملاءة كافية؟".

المهن الحرة

تعتبر المهن الحرة من أكثر الفئات التي تخاف على مستقبلها في لبنان، فهي على غرار جميع المودعين خسرت قيمة ودائعها على المستويين الفردي والمهني العام. وينتقد ضاهر رمي كل طرف المسؤوليات عن كاهله، وتحميلها للأطراف الضعيفة، ومن بينها المهن الحرة، لافتاً إلى أن "طرح اتحاد نقابات المهن الحرة يقوم على معادلة التصنيف بين دخل مشروع أو غير مشروع، من هنا كان الرفض للكابيتال كونترول، لأنه لا بد بداية من وضع إطار للمحاسبة، واتخاذ التدابير اللازمة لاحقاً".

يؤكد ضاهر أن نقابات المهن الحرة لم تطالب بأن يكون لودائعها الأولوية في الحماية من دون سائر المودعين، فعلى سبيل المثال أنشأت نقابة المحامين لجنة حماية حقوق المودعين لتدافع عن الجميع وليس المحامين على وجه الخصوص، انطلاقاً من دور وطني جامع. ويذكر بضرورة حماية الحقوق المهنية لأن صناديق التعاضد وحدها من يضمن المهن الحرة وأسرهم بالحد الأدنى.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي