Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أحد عقول النفط السعودية يتحدث عن معايشته 4 وزراء واللحظات الحاسمة

إبراهيم المهنا يقول في كتابه إن قادة الطاقة تعلموا كيفية إدارة الرسائل والإشارات التي يرسلونها إلى السوق لتجنب دفع الأسعار إلى دوامة

يعتمد المهنا في كتابه على معرفته الشخصية بعدد من صانعي القرار الفرديين (مؤتمر الطاقة العربي)

يعتبر النفط سلعة غير معتادة، إذ يمكن أن يكون للقرارات الفردية تأثير كبير في السوق. ولأن معادلة العرض والطلب في السوق العالمية تخضع لعوامل عدة، فإن الحفاظ على توازنها والحيلولة دون تقلبات هائلة في الأسعار مهمة ليست سهلة.

ما الذي يراه اللاعبون البارزون في سوق النفط قبل اتخاذ خطوة مصيرية؟ هذا ما يحاول الإجابة عنه كتاب جديد ضمن سلسلة مركز دراسات الطاقة العالمية أصدرته أخيراً مطبعة جامعة كولومبيا في نيويورك هو كتاب "قادة النفط". يبحث فيه مؤلفه إبراهيم المهنا عن دور صنع القرار الفردي والجماعي في تشكيل تحركات السوق. ويحلل كيف اتخذ الأفراد الأقوياء خيارات حاسمة، متتبعاً كيفية استجابتهم لتدفق المعلومات حول السوق والأحداث السياسية وتوقع ردود الفعل من الحلفاء والخصوم.

يسلط المهنا، الذي عمل لفترة طويلة مسؤولاً عن الإعلام والاتصال في وزارة الطاقة السعودية، الضوء على الدور المتزايد الأهمية لوسائل الإعلام كقناة للمعلومات بين عدد من اللاعبين في سوق النفط. ويقول لقد تعلم قادة الطاقة كيفية إدارة الرسائل والإشارات التي يرسلونها إلى السوق والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، لتجنب دفع أسعار النفط إلى دوامة.

مصدر مباشر

يعتمد المؤلف على خبرته المباشرة من خلال عمله عن قرب مع أربعة وزراء نفط في السعودية، اللاعب الأهم في سوق العالمية والفاعل الرئيس في "منظمة الدول المصدرة للبترول" (أوبك). فمنذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي، عمل عن قرب مع هشام الناظر ثم خلفه علي النعيمي وبعده مع خالد الفالح ولفترة طويلة مع وزير النفط السعودي الحالي الأمير عبد العزيز بن سلمان خلال عمل الأمير في الوزارة و"أوبك".

كان إبراهيم المهنا مستشاراً لوزارة الطاقة في السعودية من عام 1989 إلى عام 2017. ويعمل حالياً مستشاراً للطاقة، ويشغل منصب نائب رئيس مجلس الطاقة العالمي لدول الخليج والشرق الأوسط. وهو نائب رئيس الجمعية السعودية لاقتصادات الطاقة وحاصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من الجامعة الأميركية بواشنطن العاصمة.

يعتمد المهنا في كتابه على معرفته الشخصية بعدد من صانعي القرار الفرديين، إضافة إلى مشاركته على مدى عقود في الجلسات المغلقة، حيث تم اتخاذ خيارات حاسمة، لذا نجد الكتاب يقدم منظوراً من خلف الكواليس حول أحداث وديناميكيات سوق النفط. وعلّق كثير من الكتاب الاقتصاديين وكبار صناعة الطاقة على الكتاب بالقول: "هو كتاب لا بد من قراءته للممارسين وصانعي السياسات المنخرطين في عالم الطاقة العالمي".

كان موقع المهنا كمسؤول عن الإعلام والاتصال في الرياض ثم في لندن، يتيح له القرب الشديد من تفاصيل ما لا تعرفه العامة عما يدور في اللحظات الحاسمة المتعلقة باتخاذ القرارات في فترات تقلب سوق النفط. وكيف أن كبار المسؤولين من قادة الدول ووزرائهم، يأخذون في الاعتبار عوامل عدة، سواء البيانات والتحليلات، وكذلك مواقف الدول والشركات، وأيضاً ما يقوم به الإعلام.

وعلى الرغم من أن قادة النفط يتخذون قراراتهم على أساس المصلحة الوطنية لبلدانهم في المقام الأول، فإن هناك عوامل عدة تلعب دوراً في التوصل إلى القرارات، خصوصاً مع حساسية سلعة النفط وأبعاد تأثيراتها الاقتصادية والاجتماعية والجيوسياسية.

لم يكتفِ المهنا بخبرته كمصدر مباشر مطلع، بل أجرى نحو 50 مقابلة على مدى أربعة أعوام مع مسؤولين وكبار رجال صناعة الطاقة في العالم لجمع مادة كتابه، الذي يقع في نحو 280 صفحة من القطع المتوسط.

استهداف الاستقرار

قدّم للكتاب استشاري الطاقة الأميركي روبرت (بوب) ماكناللي رئيس مجموعة "رابيدان" للطاقة. ويستشهد في مقدمته بما كتبه مؤرخ النفط الشهير نورمان نوردهاوزر بأن تاريخ النفط يمكن تلخيصه في مقولة واحدة: "السعي نحو الاستقرار".

ولإبراز أهمية ما يسرده المؤلف في كتابه، يشير ماكناللي إلى أن استقرار سوق الطاقة العالمي يعتمد بشكل أكبر على جانب العرض، وهذا ما يجعل كل ما يتعلق بآليات اتخاذ القرار في أكبر مصادر المعروض النفطي، السعودية، في غاية الأهمية.

ويستعرض الكاتب، من خلال 11 فصلاً وخاتمة،  المحطات الرئيسة لتقلبات سوق النفط على مدى ما يقرب من أربعة عقود، تعامل فيها مع صناع القرار، أو "قادة النفط".

وعلى عكس الكتابات الاقتصادية الجافة، أو الفنية المغرقة في المصطلحات، التي يهتم بها المتخصصون فقط، تجد كتاب إبراهيم المهنا ينساب في سلاسة وبلغة أقرب للسيرة الذاتية، وإن لم يكُن كذلك، لكنه يعرض لأهم القضايا، وكيف تم التعامل معها من قبل المسؤولين بطريقة حكي مشوقة تجعل الكتاب مناسباً حتى للقارئ العادي وليس فقط المتخصص.

وفي سياق استهداف الاستقرار، يكون غالباً على قادة النفط عبء غير عادي في اتخاذ القرارات التي توائم بين جميع ما يصلهم من مدخلات من ناحية والمصلحة الوطنية العليا من ناحية أخرى، مع حساب توقعات ردود الأفعال على كل الصعد.

وفي كل تلك الأحوال، يكون هدف قادة النفط ضبط توازن السوق من ناحية، والحيلولة دون انجرافه بشكل حاد في هذا الاتجاه أو ذاك. وكما يقول الكاتب، فليس صحيحاً أن المنتجين والمصدرين فقط هم من يقلقهم انخفاض أسعار النفط، بل إن الدول المستوردة والمستهلكة للنفط يقلقها بشدة انهيار أسعار الخام بشكل كبير، كما تقلق من ارتفاع تلك الأسعار، لكن في النهاية، يظل العرض أكثر قابلية للضغط من الطلب، لذا يكون العبء أكبر على المنتجين والمصدرين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أزمات وقرارات

خلال فترة عمل الكاتب في وزارة الطاقة السعودية، وحضوره كل اجتماعات "أوبك" وبعدها "أوبك+" ومشاركته في جميع المناسبات العالمية ذات الصلة من مؤتمرات المناخ الدولية إلى منتديات المنتجين والمستهلكين، كانت هناك أزمات عدة في السوق. تلك هي الأزمات التي يغطيها الكتاب في صفحاته. منها أزمة الغزو العراقي للكويت عام 1990، وأزمة زيادة الإنتاج في فنزويلا عام 1994، ثم الأزمة المالية الآسيوية وإضراب عمال النفط في فنزويلا بنهاية التسعينيات، ثم الغزو الأميركي للعراق في 2003، والأزمة المالية العالمية بنهاية العقد الأول من القرن الحالي، ثم أزمة البرنامج النووي الإيراني والعقوبات على طهران.

كانت الأزمة الأولى في قطاع الطاقة العالمي بعد التحاق المؤلف بوزارة الطاقة السعودية بفترة قصيرة هي الغزو العراقي للكويت. ويحكي كيف أن الملك الراحل فهد بن عبد العزيز كان يسعى قبل الأزمة إلى حل مشكلة زيادة الإنتاج النفطي الكويتي من خلال التزام أعضاء "أوبك" بالحصص. ولا يخلو الكتاب من لمحات شخصية ينقلها الكاتب من واقع تجربته، منها على سبيل المثال زيارته مع وزير النفط السعودي وقتها هشام الناظر إلى الإمارات، حيث حمل الناظر رسالة من الملك فهد إلى الرئيس الإماراتي الراحل الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. ويحكي المهنا انطباعه عن الشيخ زايد وبساطته، وكيف رد على الناظر حتى قبل أن يفتح رسالة الملك فهد بالقول إن الإمارات ستفعل كل ما يراه الملك السعودي مناسباً.

وبعد الغزو، عارض وزير الطاقة الجزائري صادق بوسنه، عقد اجتماع طارئ لـ"أوبك" لبحث وضع السوق مع غياب النفط العراقي والكويتي. كان بوسنه رئيس تلك الدورة لـ"أوبك"، وأيدت إيران معارضته، لكن في النهاية تم عقد الاجتماع في 28 أغسطس (آب) 1990. ويحكي الكاتب أنه بينما كان داخلاً للاجتماع مع الوزير هشام الناظر والأمير عبد العزيز بن سلمان ناداه بوسنه وقال له: "إبراهيم، ها نحن نعقد الاجتماع الآن ونريد الاتفاق على ما تريده السعودية، فهل توقف من فضلك الحملة الإعلامية ضدنا".

والهدف من تلك الإشارة توضيح أهمية دور الإعلام أيضاً المؤثر في اتخاذ القرارات المهمة المتعلقة بسوق النفط، وليس فقط البيانات والتحليلات. ويحفل الكتاب بكثير من "القصص" المماثلة في سياق عرض الأفكار والرؤى، بما فيها تلك التي استخلصها الكاتب من مقابلاته مع المسؤولين والخبراء ضمن إعداده مادة كتابه.

وفي الختام، يخلص الكاتب إلى تأكيد حقيقة تشاركه فيها غالبية الاقتصاديين والمحللين في أسواق الطاقة العالمية، وهي أنه على الرغم من كل الصخب أحياناً، فإن استغناء العالم عن النفط ليس وارداً، على الأقل في المستقبل القريب، بالتالي سيظل دور قادة النفط في تأمين استقرار السوق وضمان العرض الكافي لتلبية الزيادة في الطلب أساسياً ومحورياً، بالتالي ليس من مصلحة أحد، لا من المنتجين ولا من المستهلكين، اضطراب السوق.

المزيد من كتب