Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف اخترقت إيران سجلات سرية أممية للتهرب من التدقيق في برنامجها النووي؟

قال كبير مفاوضي إدارة بايدن في المحادثات النووية "هل كذبت إيران؟ بالتأكيد. هل كان لدى إيران برنامج نووي سري؟ قطعاً".

صورة فضائية لمفاعل فوردو النووي الإيراني (رويترز)

أمّنت إيران وصولها إلى تقارير سرية لوكالة الأمم المتحدة للطاقة النووية منذ حوالي عقدين من الزمن، ووزعت الوثائق على كبار المسؤولين الذين لفقوا قصصاً وزوروا سجلات لإخفاء أعمالها المشبوهة في الماضي بشأن الأسلحة النووية، وفقاً لمسؤولين استخباراتيين في الشرق الأوسط، ووثائق راجعتها صحيفة "وول ستريت جورنال".

وتكشف وثائق الوكالة الدولية للطاقة النووية والسجلات الإيرانية المصاحبة لها باللغة الفارسية عن بعض التكتيكات التي استخدمتها طهران مع الوكالة المكلفة بمراقبة الامتثال لمعاهدات حظر الانتشار النووي وفي وقت لاحق من الاتفاق النووي عام 2015.

لعبة القط والفأر

وقالت الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية على مدى سنوات، إن إيران فشلت في الإجابة عن أسئلة حول عملها النووي السابق باتباع أسلوب لعبة القط والفأر التي استمرت حتى يومنا هذا، وتعقد الآن إحياء الاتفاق النووي الذي رفع معظم العقوبات الدولية المفروضة عليها في مقابل تقييد أنشطتها النووية.

وقال مسؤولون استخباراتيون في الشرق الأوسط إنه تم توزيع وثائق الوكالة الدولية، التي وصفتها الوكالة بالسرية، والسجلات الإيرانية على كبار العسكريين والحكوميين ومسؤولي البرنامج النووي الإيرانيين بين عامي 2004 و2006، وكانت الوكالة تحقق في معلومات تشير إلى أن إيران كانت تطور أسلحة نووية.

ونقلت الصحيفة عن رئيس معهد العلوم والأمن الدولي ومفتش الأسلحة السابق التابع للأمم المتحدة ديفيد أولبرايت قوله إن حصول إيران على وثائق حساسة للوكالة الدولية للطاقة النووية "يمثل انتهاكاً خطراً للأمن الداخلي للوكالة، ويمكن لإيران أن تختلق إجابات تقر بالأمور التي تعرفها الوكالة الدولية للطاقة النووية بالفعل، وتقدم لها معلومات من المحتمل أن تكتشفها الوكالة لوحدها، وفي الوقت نفسه تحسن إخفاء ما لا تعرف الوكالة حتى الآن وأن إيران تريد إخفاءه بهذه الطريقة".

من جهتها، امتنعت الوكالة الدولية للطاقة النووية عن التعليق على الوثائق، ولم ترد على أسئلة في شأن تعاملها مع موضوع الأمن.

كما أن المسؤولين الإيرانيين لم يردوا على طلبات بالحصول على تعليق، ولطالما نفت طهران العمل في مجال الأسلحة النووية، وهو الأمر الذي حظره المرشد الأعلى علي خامنئي في مرسوم صدر العام 2003.

وكانت سجلات الوكالة التي حصلت عليها إيران من بين أكثر من 100 ألف وثيقة وملف صادرتها المخابرات الإسرائيلية في يناير (كانون الثاني) 2018 من أرشيف طهران، تتضمن بعض الوثائق فيها ملاحظات مكتوبة بخط اليد باللغة الفارسية على وثائق الوكالة الدولية، ومواد مرفقة تحمل تعليقات إيرانية.

وفي العديد من الوثائق التي حصلت عليها "وول ستريت جورنال" من وكالة استخبارات شرق أوسطية في دولة تعارض البرنامج النووي الإيراني ولم تقم بكشفها للجمهور، عزا مسؤولون إيرانيون الفضل في الحصول على تقارير الوكالة الدولية إلى "أساليب استخباراتية".

الأرشيف النووي

وقالت أطراف مطلعة إن إسرائيل سلمت الأرشيف النووي إلى الاستخبارات الأميركية، ومنحت خبراء مستقلين وصولاً جزئياً إلى الأرشيف، بما في ذلك خبراء من مركز "بلفر" في جامعة هارفارد. وخلص المركز في أبريل (نيسان) 2019 إلى أن الأرشيف أظهر أن العمل النووي الإيراني قد تقدم أكثر مما كان مفهوماً في السابق.

وقال مسؤول سابق في الوكالة الدولية للطاقة النووية إن الوثائق الصادرة عن الوكالة أصلية.

كما قال السيد أولبرايت، الذي كان لديه حق الوصول إلى جزء من الأرشيف النووي، وألّف كتاباً عما كشفه الأرشيف من نشاط إيران النووي، إن الوثائق المكتوبة باللغة الفارسية كانت متسقة مع ما اطلع عليه في وثائق أخرى من الأرشيف النووي الإيراني.

وفي إحدى الملاحظات المكتوبة بخط اليد باللغة الفارسية والمرفقة بسجلات الشركات الإيرانية، ضغط مسؤول إيراني كبير على محسن فخري زاده، الذي ينظر إليه على نطاق واسع على أنه أب برنامج الأسلحة النووية للبلاد، للتوصل إلى "سيناريو" يشرح للوكالة الدولية سبب تغيير سجلات الشركة لتصبح لشركة مدنية، ادعت إيران أنها تعمل في منجم يورانيوم إيراني.

ووفقاً لمجموعة من الوثائق الإيرانية لم تعد شركة "كيميا معدان" موجودة في سجلات الشركات الإيرانية في ديسمبر (كانون الأول) عام 2001، وأمرت إحدى الوثائق المسؤولين الإيرانيين بتغيير تاريخ تصفية "كيميا معدان" في سجلات الشركات إلى مايو (أيار) 2003.

وبحسب مسؤولي مخابرات الشرق الأوسط، أتاح التغيير الفرصة لإيران لتقول للوكالة الدولية إن العمل في منجم اليورانيوم قبل مايو 2003 كان يتم بواسطة "كيميا معدان" لمصلحة منظمة الطاقة النووية الإيرانية، مما يدعم تأكيد إيران أن المنجم كان مدنياً ولا علاقة له بأي نشاط نووي عسكري.

وبحسب ما أفاد مسؤولون استخباراتيون في الشرق الأوسط ومسؤولون سابقون في الوكالة الدولية للطاقة النووية، فإن وزارة الدفاع الإيرانية قامت ببناء منجم اليورانيوم الذي يحمل اسم "جاتشين" ليكون قادراً على إنتاج مواد لبرنامج أسلحة نووية محتمل.

كما كتب المسؤول الإيراني الكبير باللغة الفارسية أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية ملزمة بالسؤال عن دقة سجلات الشركات الإيرانية، قائلاً للسيد فخري زاده "يجب أن نسرع".

استعداد للتفتيش

في مثال منفصل، عممت المخابرات الإيرانية في الـ 19 من مايو (أيار) 2004 تقريراً داخلياً للوكالة الدولية للطاقة النووية على كبار المسؤولين لتهيئتهم للتفتيش الذي كان مقرراً بعد ثلاثة أيام على موقع في جنوب غربي طهران لإنتاج الماء الثقيل الذي يستخدم في تبريد بعض المفاعلات النووية التي تنتج البلوتونيوم كمخلفات يمكن استخدامها في الأسلحة النووية، وأبلغت طهران الوكالة الدولية أنها تخطط لبناء مفاعل يعمل بالماء الثقيل للاستخدامات الطبية والبحثية هناك.

وتضمنت وثيقة الوكالة الدولية للطاقة النووية تفاصيل معلومات الأقمار الاصطناعية وأدلة على أنشطة إيران في الماء الثقيل وقائمة من 18 سؤالاً أعدتها الوكالة لطرحها على إيران حول عملها.

وكان من بين المسؤولين الذين تم تنبيههم في شأن سجلات الوكالة وزير الدفاع آنذاك ورئيس الأمن القومي للبلاد حالياً علي شمخاني، وقيل للمسؤولين إن الوكالة الدولية أجرت تحقيقاً في أنشطة الماء الثقيل في إيران.

وجاء في الرسالة، في إشارة إلى وثائق الوكالة الدولية، "يتم إرسال صور لـ 27 صفحة من الوثائق السرية حول المواضيع التالية".

وهناك وثيقة أخرى للوكالة الدولية للطاقة النووية حصلت عليها إيران عام 2004 مكونة من 114 صفحة من التقارير، تصف أعمال تحويل اليورانيوم التي قالت إيران إنها تجريها، وهذه العملية تحول اليورانيوم الطبيعي إلى المادة الأولية لإنتاج اليورانيوم المخصب.

وتضمن الملف تقارير عن مواد نووية تلقتها إيران من الصين، وتقارير داخلية للوكالة الدولية عن عمليات تفتيش تجريها الوكالة للمنشآت الإيرانية، وبيانات من عينات أخذتها الوكالة في مرافق التحويل الإيرانية.

ووزع الملف على السيد فخري زاده وأحد نوابه الرئيسين، فريدون عباسي، ووزير الدفاع الإيراني ورئيس الوكالة الإيرانية للطاقة النووية آنذاك.

وتوضح وثيقة إيرانية أخرى الخطوات التي اتخذتها طهران لإبقاء حاوية بها معدات مراقبة إشعاعية بعيدة من مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية من خلال الادعاء بأن إيران باعتها، وأنه لم يكن لها أي أثر.

كما حصلت إيران أيضاً على وثيقة سرية للوكالة الدولية تستند إلى معلومات استخباراتية غربية تضمنت أسئلة أرادت طرحها حول مشروع صغير يسمى "الملح الأخضر" الإيراني لإنتاج رباعي الفلورايد، وهو خطوة وسيطة في عملية إنتاج مواد التغذية لتخصيب اليورانيوم. وكانت الوكالة الدولية قلقة لسنوات من أن إيران عملت في المشروع لمنحها فرصة لإنتاج وقود نووي في موقع سري، إلى جانب أي منشآت معلنة لتخصيب اليورانيوم.

وخلال جلسة استماع لمجلس الشيوخ يوم الأربعاء، قال المبعوث الأميركي الخاص وكبير مفاوضي إدارة بايدن في المحادثات النووية روبرت مالي، إن تهرّب إيران في السابق من تحقيقات الوكالة الدولية للطاقة النووية كان أحد الأسباب التي دفعت الإدارة الأميركية السابقة إلى فرض عقوبات شديدة عليها.

ورداً على سؤال من السناتور تود يونغ عن تقرير الصحيفة، قال السيد مالي "أيها السيناتور، هل كذبت إيران؟ بالتأكيد. هل كان لدى إيران برنامج نووي سري؟ قطعاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

دليل إضافي

في الجانب الإسرائيلي قال رئيس الوزراء نفتالي بينيت إن تقرير الصحيفة "كان دليلاً إضافياً" على أن إيران كانت تحاول التقدم نحو الحصول على أسلحة نووية. وأضاف في بيان، "السياسة المنهجية للاحتيال والسرقة وإخفاء الأدلة من قبل إيران ضد الوكالة الدولية يجب أن تصبح الآن حقيقة حاسمة في نظر المجتمع الدولي".

وفي حين تزعم الولايات المتحدة والوكالة الدولية للطاقة النووية أن إيران كانت تراوغ في شأن عملها النووي، جمعت الوكالة مع مرور الوقت العديد من العناصر المتعلقة بالأنشطة الإيرانية، ففي العام 2011 نشرت الوكالة الدولية معلومات مفصلة عن عمل إيران السابق المشتبه فيه بمجال الأسلحة النووية، بما في ذلك العديد من العناصر التي تم التطرق إليها في الوثائق التي حصلت عليها طهران.

وفي العام 2015 خلصت الوكالة الدولية في تقرير صدر كشرط للاتفاق النووي إلى أن إيران كانت تقوم بـ "جهد منسق" للعمل على الأسلحة النووية حتى العام 2003 على الأقل.

ولا تزال المماطلة الإيرانية المزعومة لتحقيقات الوكالة الدولية تلقي بظلالها على إدارة بايدن وجهود الدول الأوروبية لإحياء الاتفاق النووي الإيراني الموقع في العام 2015، والذي انسحبت منه إدارة ترمب عام 2018، وقد تعثرت المحادثات خلال الأسابيع الأخيرة في شأن إحياء الاتفاق، إذ تريد إيران قبل ذلك إغلاق تحقيقات الوكالة الدولية المستمرة في أنشطتها السابقة في مجال الأسلحة النووية.

وكانت إيران اتفقت مع الوكالة على إجراء محادثات مكثفة هذا الربيع على أمل أن يكون لدى الأخيرة ما يكفي من الوضوح حول النشاط النووي الإيراني، بحيث يمكن لمجلس الدول الأعضاء في الوكالة الدولية للطاقة النووية إغلاق التحقيق في يونيو (حزيران)، لكن مسؤولي الوكالة قالوا إن إيران واصلت عرقلة التحقيق.

وقال المدير العام للوكالة الدولية رافائيل غروسي أمام البرلمان الأوروبي في وقت سابق من هذا الشهر، إن "إيران في الوقت الحالي لا تقدم المعلومات التي نحتاجها منها".

وقال مسؤول سابق في إدارة جورج دبليو بوش عمل في القضايا الإيرانية، إن المسؤولين في واشنطن كانوا يشتبهون منذ فترة طويلة في أن طهران كانت تسعى إلى الوصول لوثائق الوكالة الدولية للطاقة النووية في ذلك الوقت، ولكن لم يكن لديهم دليل على الإطلاق.

وقال المسؤول "كان هناك قلق كبير في شأن اختراق إيران للوكالة الدولية للطاقة النووية واستخدام المواد التي حصلت عليها لتضليل عمليات التفتيش وإخفاء انتهاكاتها لاتفاق المراقبة".

المزيد من تقارير