Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السواحل الفرنسية "تحت رحمة" التغير المناخي

864 قرية ومدينة مهددة بالاختفاء بسبب ارتفاع منسوب البحار

العواقب الاقتصادية تكون مضاعفة عندما يتعلق الأمر بالموانئ والبنى التحتية والمنشآت البحرية والزراعة (أ ف ب)

في الرابع من شهر أبريل (نيسان) الماضي، نشرت مجموعة الخبراء الحكوميين حول البيئة والمناخ (GIEC) الفصل الثالث والأخير من تقريرها السادس، والمتعلق بانبعاثات ثاني أكسيد الكربون. وقالت المجموعة إن مستوى البحار يرتفع باستمرار من عام 2006 بمعدل 3.6 ملليمتر سنوياً، مشيرة إلى أن هذا الارتفاع بفعل ذوبان الجليد القطبي يمثل تهديداً للسواحل الفرنسية.

منظمة "كلايمت سنترال"، صممت خريطة للكرة الأرضية، انطلاقاً من المعطيات التي قدمها العلماء، وصورت ما يمكن أن يكون عليه العالم عند مشارف عام 2100، مع سيناريوهات مختلفة محتملة، من بينها ارتفاع حرارة الأرض بشكل إجمالي بمعدل ثلاث إلى أربع درجات. وظهر من خلالها انغمار مناطق بأكملها، بدءاً من الشاطئ الشمالي، مروراً بساحل "كامارغ" على البحر المتوسط، وانتهاء بـ"شارنت ماريتيم" في منطقة "لوار".

تقرير مجموعة الخبراء حول المناخ والبيئة التابعة للأمم المتحدة (جياك) أطلق صفارة إنذار حول ارتفاع منسوب البحار، الذي نشر أخيراً. وحسب هؤلاء، فإن مستوى المحيطات سيرتفع بنسبة 43 سنتيمتراً تقريباً حتى عام 2100، في ظل ارتفاع درجة الحرارة بمعدل درجتين مئويتين، وفي المقابل تصل نسبة الارتفاع إلى 84 سنتيمتراً في حال ارتفاع حرارة المناخ ثلاث أو أربع درجات مئوية.

ما هو مؤكد أن ارتفاع منسوب البحار في أنحاء المعمورة تضاعف بسرعة أكبر خلال المئة عام الأخيرة مما كانت عليه خلال الـ6000 عام الماضية، بحسب ما أشار تقرير كوبرنيكوس مارين سيرفيس، CMEM. الذي بين أن مخاطر ارتفاع نسبة المياه أعلى من توقعات ما قبل عشر سنوات، وهذا سيترتب عليه تآكل وانحسار السواحل، وانغمار المناطق الساحلية بشكل متكرر، والنتائج ستكون وخيمة حتى على المناطق داخل الأراضي، إضافة إلى النتائج الكارثية على الاقتصاد.

صدمة "كزينتيا"

فرنسا التي ضربتها العاصفة "كزينتيا"، التي اجتاحت أوروبا في عام 2010، لم تنسَ تلك الصدمة وما ترتب عليها من خسائر بشرية واقتصادية وفي البنى التحتية، حتى أعلنت عن كارثة وطنية. وعملت منذ ذلك التاريخ على خطط لاستدراك مخاطر الفيضانات، خصوصاً في ظل التوقعات المناخية الحالية.

وإذا كانت النتائج كارثية على الأفراد الذين يفقدون ممتلكاتهم وبيوتهم، فإن العواقب الاقتصادية تكون مضاعفة عندما يتعلق الأمر بالموانئ والبنى التحتية والمنشآت البحرية والزراعة، حتى تلك التي تعتمد على السياحة البحرية في المناطق المهددة بخطر ارتفاع منسوب البحار.

المدن الساحلية والمرافئ، التي تشكل قطباً اقتصادياً مهماً تبحث عن حلول للتكيف مع الأوضاع المقبلة، والأمر لا يبدو بالسهولة. كما هي الحال مثلاً بالنسبة إلى مدينة لوهافر، ومرفئها أو "سان نازير"، التي تصنع الأساطيل البحرية.

قبل أسبوع نشرت القائمة بالمدن المهددة بالانغمار، حيث تم تعداد 126 مدينة ومنطقة مهددة بالاختفاء أو الانغمار المؤقت بسبب ارتفاع منسوب المياه.

أسباب ارتفاع منسوب البحار

ارتفاع حرارة المناخ، الذي يتسبب بذوبان كتل الجليد القطبي، يشكل السبب الأساسي في ارتفاع منسوب البحار. وأشار الباحث في متحف سيدني، تيم فلاني، إلى أن التغير المناخي يتسبب بذوبان الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي بنسبة ثمانية في المئة سنوياً، مما يهدد الدب القطبي، ويعتبر أن هذا الحيوان قد يختفي كلياً في كندا خلال 25 عاماً.

يشار إلى أن ذوبان الغلاف الجليدي في القطب هو الذي يؤثر في ارتفاع نسبة البحار وليس ذوبان جبال الجليد الموجودة في المياه. فالذوبان بفعل ارتفاع درجات الحرارة لا يؤثر في مستوى المياه كون الكتل موجودة أصلاً في الماء، أما ذوبان كتل الغلاف القطبي فهي التي تؤثر في ارتفاع منسوب المياه، كما أن ارتفاع درجة حرارة المياه يزيد كثافتها، المياه الساخنة تحتل مساحة أكبر من الباردة، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب البحار.

خلال الثلاثين عاماً المقبلة ستختفي عن الخريطة مدن ساحلية عديدة، وهذا ما حذر منه فريق الخبراء منذ سنوات. ويرافق تسارع امتداد المحيطات الاكتظاظ السكاني في المناطق الساحلية. وأخيراً نشرت الحكومة الفرنسية لائحة شملت 126 منطقة سيتعين عليها التأقلم مع التفتت الساحلي.

ونص القانون، الذي تبناه مجلس النواب في عام 2021 وحمل اسم قانون المناخ والتكيف، على التزامات خاصة بالمدن والقرى الواقعة على الخطوط الأمامية، حيال انحسار السواحل الفرنسية، الذي يطال خمس مساحة الساحل الفرنسي، ما عدا غويانا الفرنسية (ما وراء البحار)، وذلك حسب المؤشر الوطني للتآكل الساحلي.

وحسب الأرقام الرسمية، هناك 864 قرية ومدينة فرنسية مهددة، صنفت بكونها في وضع فائق الحساسية، ومعرضة لخطر الانغمار. يذكر أن ظاهرة الانغمار المؤقت خلال الفيضانات التي تنجم عن هطول أمطار غزيرة، ستزداد مع ارتفاع مستوى البحار الناجم عن التغير المناخي.

1.5 مليون شخص في خطر

وأشار التقرير إلى أن ما يقارب المليون ونصف المليون شخص يعيشون في مناطق معرضة للفيضانات بالمناطق الساحلية. وتتضمن اللائحة، التي تتم مراجعتها كل تسعة أعوام، 126 مدينة في الخط الأمامي بمواجهة خطر الانغمار. ومعظم هذه المدن تقع على ساحل المحيط الأطلسي غرب وجنوب غرب، وعلى ساحل القنال الإنجليزي، 41 في منطقة "البريتني"، و31 في "الأكيتان"، و16 في "النورماندي". إضافة للمناطق الواقعة في الأراضي الفرنسية ما وراء البحار، و13 منطقة في "المارتينيك"، وتسع في "الغوادولوب" وثلاث في "غوياينا"، في حين تبدو منطقة "الفينيستير" الأكثر عرضة، حيث بلغ عدد المدن والقرى المعرضة لخطر الانغمار 23 محلة ساحلية.

تظهر خريطة "كلايمت سنترال"، التي نشرتها صحيفة "لوبس" الفرنسية، أنه في مشارف عام 2100 فإن 150000 هكتار، التي تتشكل منها منطقة "لاكامارغ"، ستكون مغمورة تماماً وتختفي تحت المياه. ومعها سهول زراعة الأرز، ومناطق استخراج الملح، الذي يعتبر من أجود أنواع الملح الفرنسي، ومعها يغادر سكان المنطقة، حتى ولو أن فكرة نزوح السكان ما زالت تعتبر مستبعدة ولا يتقبلها الفرنسيون.

وأما تقرير الحكومة الفرنسية الرسمي، الذي تناولته صحيفة "لوموند"، فأخذ في الاعتبار تصنيف المناطق حسب الأملاك العقارية، والنشاطات الاقتصادية المعرضة لخطر الاختفاء تحت المياه. وترك الخيار أمام السلطات المحلية في هذه المدن لأن تكون ضمن اللائحة أم لا.

منطقة "لا نوفيل أكيتان"، التي تمتد سواحلها على مدى 970 كيلومتراً وتضم 99 محلة، ومدينة ساحلية، تضم 31 محلة في حالة خطر الانغمار، كما أشارت صحيفة "سود أويست"، فقط عشر منها قبلت الانخراط في خطة التكيف مع ظاهرة التراسب التي تسبب تآكل الشاطئ.

وفي منطقة "لوار أتلانتيك"، فمن بين المدن المهددة "سان نازير"، التي تأوي حوض صناعة السفن، ومدينة "لا بول" وهي معلم سياحي بحري ذائع الصيت يعمل حالياً على مشروع لمواجهة تقدم مياه البحر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحدي شواطئ الشمال

من المناطق الحساسة بشكل خاص، شاطئ الشمال الممتد من كاليه إلى "دانكيرك"، فهذه الأراضي بحسب ما أوردت صحيفة "لوبس"، تغمرها المياه وتمثل تحدياً خاصاً لوجود المفاعل النووي في "غرافلين". وعلى طول هذا الامتداد هناك ما يقارب 14 مركزاً صناعياً مصنفاً على لائحة الخطر التكنولوجي. وستشكل التغيرات التي قد تطرأ على الساحل خطراً على مدخل نفق القنال الإنجليزي، الذي يصل فرنسا بالمملكة المتحدة.

ويخشى العاملون في قطاع العقارات أن يؤثر ذلك في الأسعار وحركة البيع والشراء، ما يطرح سؤال معرفة من يمول نقل السكان من أماكن عيشهم إلى مناطق أخرى، وهذا أمر صعب ومكلف ويتطلب التخطيط له على مدى 30 -100 عام. واعتبر المدافعون عن البيئة أن المناطق 126 التي تحظى بالأولوية لا تزن في ميزان الـ864 الواقعة فعلاً في مناطق الخطر.

مخاطر قوية

فرنسا عرفت سابقة نزوح سكاني بسبب تقدم البحر في عام 2014، حيث توجب إخلاء مبنى "لو سينيال" في مدينة "سولاك سور مار"، الذي تحول إلى رمز تراجع الشاطئ بفعل تقدم أمواج البحر، ويتعين على خليج "لاجيروند" قرب بوردو (جنوب غرب)، الاستعداد لارتفاع مستوى المحيط.

ولفت تقرير مجموعة الخبراء حول البيئة والمناخ إلى أنه حتى في حال توقف ارتفاع درجات الحرارة عند درجتين، فإن المحيطات قد ترتفع بنسبة 50 سنتيمتراً خلال القرن 21، وأن هذا الارتفاع قد يصل إلى مترين حتى عام 2300، أي ضعف ما توقعه خبراء جياك في 2019.

وبحسب تقرير نشر في يونيو (حزيران) الماضي، فإن 40 في المئة من هذا الارتفاع "قد يكون ناجماً عن ارتفاع درجة حرارة المحيطات"، ما يعني أن المستوى سيتواصل بالارتفاع خلال القرن الحادي والعشرين في جميع الأحوال. وحتى في حال تم التوصل للحد من انبعاث غازات الانحباس الحراري فمستوى المياه سيواصل ارتفاعه تحت فعل الحرارة المخزنة في المحيطات.

المزيد من بيئة