Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد إهانة تلميذة بسبب "تنورة"... نشطاء مغاربة يسألون: هل تحكم "طالبان" مدارسنا؟

إدارة مدرستها منعتها من دخول الفصل بزعم أن "لباسها غير محتشم" وتحقيق لجنة تربوية دان المدير وأنهى القضية بـ"اعتذار"

التلميذة ميساء التي أثارت قضية الزي المدرسي في المغرب (مواقع التواصل الاجتماعي)

جدل عارم شهده المغرب في الأيام القليلة الماضية، بخصوص ضوابط الهندام أو الزي التعليمي للفتيات في المدارس، أثارته قصة منع التلميذة القاصر ميساء من دخول الفصل الدراسي في إحدى المؤسسات التعليمية الخاصة بمدينة الدار البيضاء، بسبب ثيابها التي رأتها إدارة المدرسة "غير محتشمة".

كانت والدة ميساء، أول من كشف حيثيات القصة، بنشر صورة ابنتها وهي ترتدي تنورة في صفحتها بـ"فيسبوك"، معلقة بأن فلذة كبدها حُرمت من متابعة دروسها في مواد الرياضيات والفرنسية والاجتماعيات لمدة 5 ساعات.

وتابعت الأم أن ابنتها مكثت "محتجزة" في ساحة المؤسسة التعليمية وتعرضت للتهكم والإهانات، قبل أن تتساءل عن ذنب ابنتها وهي ترتدي تنورة مثل جميع البنات في بلد "الاعتدال الديني والانفتاح" على حد وصفها.

"طالبان" في المدارس؟

ودخل عدد من النشطاء الحقوقيين على خط هذه القضية، حتى إن الناشط عمر أربيب، عضو الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أكبر منظمة حقوقية في المغرب)، علق على الموضوع، متسائلاً "هل أصبح حكم طالبان يسري على مدارسنا، هذا تطرف وتمييز وإهانة"، وفق تعبيره.

ويبدو أن قصة منع التلميذة القاصر من دخول القسم بسبب "اللباس غير المحتشم"، وفق تقدير إدارة المدرسة، انتهت بالتفاهم بعد أيام من الجدل، فقد روت الأم في تدوينة لها أن لجنة تربوية رسمية توجهت إلى المدرسة المعنية للبحث والتحري في الموضوع.

ووفق المصدر ذاته، ضمت اللجنة أربعة مفتشين ومتخصصة نفسية تواصلت مع ميساء، قبل أن تقرر أن ما حصل كان خطأ تربوياً يمكن أن يؤثر نفسياً في التلميذة المعنية، ليعتذر بعد ذلك المدير التربوي للمؤسسة التعليمية للتلميذة وللأسرة.

وكشفت والدة ميساء أنها ستتابع قضائياً كل من أقدم على تعليقات "مخلة بالحياء" في حق ابنتها، منتقدة من سمّتهم بـ"أشباه المدرسين والتربويين والأسر والحقوقيين"، قبل أن تشكر في الوقت ذاته كل من دعمها وابنتها لاستكمال دراستها التي كانت قاب قوسين من الضياع بسبب "فستان قصير".

الشكل الخارجي

وليست التلميذة ميساء وحدها من تعرضت لقرار المدرسة بالمنع من دخول القسم إلى حين تغيير نوع اللباس، فهناك قصص أخرى مشابهة، غير أنها لم تصل إلى الإعلام، ولم ينتبه إليها نشطاء منصات التواصل الاجتماعي.

ووقفت "اندبندنت عربية" قبل أيام قليلة على حالة مشابهة تقريباً لما وقع للتلميذة ميساء، لكن الأسرة أرادت أن تطوي الملف ولا يصل إلى الإعلام بأي شكل من الأشكال تجنباً للجدل وإثارة الرأي العام.

ووفق مصادر الموقع، فإن تلميذة في سن العاشرة مُنعت من دخول القسم من طرف المديرة التربوية لمؤسسة تعليمية في مدينة سلا، المجاورة للعاصمة الرباط، بدعوى أنها ترتدي تنورة لا تصل إلى ركبتيها، فما كان من أسرة الطفلة إلا أن رضخت مرغمة للأمر، وغيرت ملابس التلميذة لتدخل القسم بعد ذلك في الصبيحة ذاتها.

وتوجه مديريات وأكاديميات التعليم (مؤسسات رسمية تراقب وتدبر شؤون المدارس) مذكرات (قرارات وتوصيات) إلى مسيّري المؤسسات التعليمية، عمومية كانت أو خصوصية، من أجل ضبط احترام الشكل الخارجي للتلاميذ من لباس وشعر، فضلاً عن السلوك داخل الفضاء المدرسي.

وسبق لأحد وزراء التعليم في المغرب أن صرح بأنه يجب القطع مع "السراويل الممزقة"، وهي الموضة المنتشرة بين التلاميذ والتلميذات المراهقات، وبأن "إصلاح التعليم لا يرتكز على مثل هذه الشكليات والمظاهر الخارجية، لكن احترام حرمة المدرسة واجب ومهم أيضاً".

غير قانوني ولا تربوي

ويعلق المحجوب أدريوش، فاعل تربوي وباحث في سوسيولوجيا التربية، بالقول إن موضوع الهندام في المؤسسات التعليمية مؤطر بمجموعة من المذكرات الوزارية التي لا تخرج في مجمل منطوقها عن دعوة مسؤولي المؤسسات التعليمية لاعتماد اللباس المدرسي الموحد بالنسبة إلى المتعلمين والمتعلمات".

ويرى أدريوش في حديث إلى "اندبندنت عربية"، أن منع التلميذة ميساء من الدخول إلى المؤسسة التعليمية، بسبب ما اعتبره المسؤول التربوي لباساً غير محتشم متمثلاً في فستان قصير، هو "قرار لا قانوني ولا تربوي"، مشيراً إلى أن المذكرات والقوانين الداخلية للمؤسسات التعليمية التي يلتزم بها الآباء وأولياء الأمور، تتحدث عن لباس محتشم، وهو ما ظهر من صور التلميذة التي ترتدي تنورة حد الركبة وفوقها الوزرة المدرسية، بالتالي لا مجال هنا لوضع معايير ذات حمولات وخلفيات قد تكون أيديولوجية، على حد قوله.

ويضيف أدريوش أن القرار لا تربوي أيضاً، لأنه ترك القاصر "محتجزة" في ساحة المؤسسة إلى حين انتهاء الحصص أو حضور أحد والديها، علماً أن الأم بحسب ما قالته طلبت منهم ترك الطفلة تتابع حصصها وستحضر في ما بعد، لأنها كانت منشغلة.

وشدد على أن "التربية ليست فعلاً ترويضياً ولا قهراً، بل إنه فعل مستمر وراسخ لتنمية قدرات الفرد كلها ليكون حراً غير خاضع لغرائزه وأهوائه".

تداعيات نفسية

وعلى الرغم من وجود مواقف ترى أن لباس التلميذة لم يكُن محتشماً، وأنه كان حرياً بها ارتداء فستان أكثر طولاً و"حشمة" بالنظر إلى عادات المجتمع المغربي وتقاليده، إلا أن أدريوش يؤكد أن ما حصل سيخلف أثراً في نفسية التلميذة المعنية، مردفاً: "الضحية ستكون الطفلة وليس هذا التيار أو ذاك، جراء تأثر صورة الذات عندها، ما قد يصل إلى درجة حرمانها من التقبل الاجتماعي والمعاملة السيئة والتنمر عليها ربما من أصدقائها ومحيطها الاجتماعي".

وذهب إلى أن "سلوك المنع ليس حلاً، لأن الاعتقاد بأنه سيعدّل من سلوك الفتاة ويحسنه ـ هذا إذا كانت مخطئة ـ هو اعتقاد خاطئ، لأنه لا يزيد الطين إلا بلة، فمثل ردود الفعل هذه لا تؤدي إلى اختزال السلوك بل إلى تقويته".

وخلص الباحث في سوسيولوجيا التربية إلى أنه "لا بد من ترسيخ القيم الإنسانية مثل الحرية والتسامح والمساواة والكرامة والإقرار بحقوق الآخر وواجباته، واحترامه كذات وكآخر، من دون أي شكل من أشكال التمييز، وترسيخ قيم الانفتاح والتعايش ومراعاة حق الاختلاف".

المزيد من العالم العربي