Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحديات نهاية العولمة تخيم على نقاشات "منتدى دافوس" 

المستثمرون ورؤساء الشركات الكبرى يبحثون تغيير استراتيجياتهم بسبب الحرب وتبعات الوباء

تداعيات الحرب والوباء تسيطر على جلسات المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس (أ ف ب)

مع كل القضايا التي تتم مناقشتها في الجلسات العامة والفرعية واللقاءات الجانبية بـ"المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس" بسويسرا هذا العام، يوجد قاسم مشترك رئيس ربما لا يشكّل عنواناً في أخبار تغطية المنتدى. ذلك القاسم المشترك هو أيضاً نتيجة كل ما تحمله عناوين الأخبار من التبعات الجيوسياسية للحرب في أوكرانيا والعقوبات على روسيا إلى اختناقات سلاسل التوريد التي ما زالت قائمة بسبب وباء كورونا، مروراً بالاضطراب الحالي في الأسواق العالمية وتراجع التوقعات بشأن نمو الاقتصاد العالمي.

وبحسب مجموعة من الحوارات واللقاءات التي أجرتها صحيفة "فايننشال تايمز" مع عدد كبير من رجال الأعمال المشاركين في المنتدى، فإن التحدي الرئيس للشركات والأعمال هو أن توجه العولمة، التي قادت الاقتصاد على مدى نحو ثلاثة عقود نحو "التراجع إلى الخلف". ويفرض احتمال نهاية العولمة على المستثمرين ورؤساء الشركات اتخاذ قرارات استراتيجية مصيرية تتعلق بمواجهة تلك التحديات الجديدة.

يقول خوسيه مانويل باروسو، الرئيس السابق للمفوضية الأوروبية ورئيس "غولدمان ساكس إنترناشيونال" حالياً، "زاد التوتر بين الولايات المتحدة والصين بسبب وباء كورونا، والآن نجد الهجوم الروسي على أوكرانيا، كل هذه التطورات تزيد القلق من عالم أكثر انفصالاً وليس تكاملاً". فالشركات الآن تتجه نحو التقوقع داخلياً وإعادة التوطين ونقل أعمالها إلى أقاليمها، ما يعني عكس مسار العولمة الذي كان سائداً من قبل. يضيف باروسو، "تتعرض العولمة لتهديدات من زيادة التوجهات القومية والحمائية والشوفينية إذا جاز التعبير، وأحياناً حتى من رهاب الأجانب (العنصرية) وليس واضحاً بالنسبة لي حتى الآن أي توجه سيفوز في النهاية".

توجهات انعزالية

نتيجة سياسات العقوبات وفرض الرسوم الجمركية للحدّ من حركة السلع والبضائع والخدمات، حتى من قبل وباء كورونا، بدأت الشركات تغيّر استراتيجياتها، آخذة في الاعتبار صعوبة التوسع في الخارج من ناحية والاعتماد على مدخلات الإنتاج الخارجية ونقل بعض الأعمال إلى الخارج لتقليل التكاليف. ثم جاءت أزمة كورونا والإغلاقات في غالبية دول العالم لتصيب سلاسل التوريد بالشلل وتعقّد انتقال السلع والبضائع والمواد الخام ومدخلات الإنتاج الأخرى. كما أن الشركات التي نقلت كثيراً من أعمالها من أوروبا وأميركا الشمالية إلى مناطق ودول رخيصة العمالة وقليلة التكلفة الإنتاجية لم تعُد قادرة على تسويق منتجاتها من تلك المناطق والدول في أسواقها الرئيسة.

وزادت الحرب في أوكرانيا خلال الأشهر الأخيرة، وما صاحبها من عقوبات تتصاعد على روسيا، تلك التوجهات الانعزالية التي تضرب المفاصل السياسية للعولمة الاقتصادية التي ميّزت نهاية القرن الماضي والعقدين الماضيين من هذا القرن.

يقول تشارلز كاي، الرئيس التنفيذي لشركة "واربورغ بينكوس" إن "أيّاً من رجال الأعمال لم يشهد مثل هذه الأوضاع في مسيرته المهنية"، مشيراً إلى أن "القضايا السياسية الشائكة منذ انهيار جدار برلين الذي مثّل الانطلاقة الأكبر للعولمة، كانت دائماً على الهامش ولا تؤثر في ما اعتقدنا جميعاً أنه مصدر الأوكسجين الرئيس للنمو الاقتصادي العالمي. أما الآن، أصبحت القضايا الجيوسياسية في صلب قرارات المستثمرين، مثلها مثل الارتفاع في قيمة الأصول عبر أعوام من التضخم المتدني وأسعار الفائدة المنخفضة بشدة".

وبحسب بيانات شركة "سينتيو"، "فإن الحديث في اجتماعات الشركات خلال الأسابيع الأخيرة يتركز على نقل الأعمال إلى المركز، أو بالقرب من مقار الشركات، أو التخلي تماماً عن تعاقدات الأطراف الأخرى". وهذا بالضبط هو الاتجاه العكسي للعولمة التي تصاعدت من خلال نقل الأعمال لتقليل التكاليف وتعاقدات الطرف الثالث باعتباره أرخص في أداء بعض الأعمال للشركات. ويخلص تحليل لشركة "سينتيو" إلى أن ذلك التوجه بين الشركات لم يسبق له مثيل منذ عام 2005 تقريباً.

ليست العولمة التي نعرفها

ما وفرته العولمة على مدى عقود من خفض تكلفة الإنتاج وتوسيع نطاق التجارة في السلع والخدمات، أسهم في تراكم الثروات بشكل هائل. كما أنه فتح الباب أمام بعض الاقتصادات الصاعدة للاستفادة من استراتيجيات الاستثمار وعمليات الشركات الكبرى في ظل العولمة. وذلك هو ما بدأ يتراجع الآن، بل ويأخذ العالم منحى معاكساً له.

يوضح رئيس مجموعة "بلاكستون" جوناثان غراي، "تقول الشركات الآن إننا نريد عمليات إنتاجنا بالقرب من أسواق مستهلكينا". أما رئيس أكبر شركة للمستحضرات الطبية والدوائية في آسيا، فيرى أن "حقبة العولمة التي تعتمد على التعاقد الخارجي للأعمال (Outsourcing) لتقليل تكاليف الإنتاج انتهت". ويضيف كريستوف ويبر، الرئيس التنفيذي لشركة "تاكيدا" ومقرها طوكيو، أن شركته لصناعة الأدوية تتحول إلى نوع من "العولمة المستدامة"، بمعنى "البحث عن سلاسل توريد بلا مخاطر".

ربما يكون "من المبالغة القول إن العولمة انتهت"، لكن كما يشرح ويبر، فإن "العولمة التي في أذهان الناس لم تعُد حقيقة واقعة بالمرّة. فالعولمة التي كانت موجودة قبل أعوام بمعنى التأرجح بين قيود وعوائق، وفكرة أن العالم قرية واحدة انتهت بالفعل".

لا يقتصر الأمر على الشركات الصناعية في مواجهة تحديات نهاية العولمة، بل إن الشركات التي تعمل في القطاع الاستهلاكي تشهد أيضاً تحولاً بعيداً من العولمة، كما يقول رشيد محمد رشيد، رئيس شركة "فالنتينو أند بالمين"، "بعض شركات سلع الرفاهية يعمل على تغيير استراتيجياته، بعدما كان يعتمد على عولمة ماركاته والبيع للسياح وشحن البضائع حول العالم".

يضيف، "بدأت الأعمال تصبح محلية تماماً، فاليوم تجد المحال في لندن أو باريس أو ميلانو توفر المنتجات التي تناسب السكان المحليين، عكس ما كانت تفعل من قبل. في الأسواق المختلفة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وآسيا وحتى الأسواق الأصغر في أميركا اللاتينية وأفريقيا، يتجه الناس إلى المحلية الآن، وبالتأكيد ستزيد العمليات المحلية في المستقبل".

التأثير في التضخم

لا تقتصر تحديات التحول عن توجه العولمة على الشركات والأعمال والمستثمرين. صحيح أن العقود الثلاثة الأخيرة أسهمت في تراكم الثروة بعشرات الأضعاف، لكنها أيضاً قد تكون وسّعت الفجوة بين الأثرياء والفقراء. لكن تأثير انتهاء العولمة سيكون أوسع نطاقاً ويطال الاقتصاد كله، كما يقول دومينيك آسام، المدير المالي لمجموعة "إيرباص".

يضيف، "إذا انقلب الوضع لقدر معقول من مكاسب الإنتاجية التي تحققت بفضل العولمة على مدى عقود في فترة قصيرة، فإن ذلك سيدفع معدلات التضخم إلى الارتفاع أكثر ويقود إلى ركود طويل الأمد، لذا أتصور أن القوى الاقتصادية الكبرى ستصل إلى القناعة بأن عليها فعل كل ما بوسعها لمنع مثل هذا السيناريو المدمر".

لكن خوسيه مانويل باروسو ليس متفائلاً بهذا القدر، ويلقي باللوم في التخلي عن العولمة على عدم وجود روح التعاون القوية بين الدول الأعضاء في مجموعة العشرين، بخاصة إذا قورنت بما كانت عليه في مواجهة الأزمة المالية العالمية في 2008.

ولأن زيادة تكلفة الإنتاج نتيجة الابتعاد عن العولمة سيتم تحميلها في النهاية للمستهلك، فإن ارتفاع الأسعار وارد جداً وبشكل أكبر من الآن.

يذكر أن رئيس البنك المركزي الألماني يواكيم ناجل يضع التخلي عن العولمة كواحد من ثلاثة عوامل تدفع التضخم نحو الارتفاع أكثر، إضافة إلى التخلي عن الكربون والتوزيع السكاني. وفي الأسبوع الماضي، عقب اجتماع محافظي البنوك المركزية ووزراء مالية دول مجموعة السبع، قال ناجل إن "التخلي عن العولمة مدفوع بالتوترات الجيوسياسية والرغبة بتقليل الاعتماد الاقتصادي المتبادل".

وإذا كان التحول عن هذا الاعتماد المتبادل حجر الزاوية للعولمة، بدأ في ظل إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب بالإجراءات الحمائية تجاه الشركاء من أوروبا إلى الصين، فإن إدارة الرئيس جو بايدن تسرّع في هذا المسار بعمليات الفصل بين القوى الاقتصادية الرئيسة، خصوصاً مع التوجه لحصار روسيا والصين.

اقرأ المزيد