سلوكات غريبة أضحت تقليداً داخل بعض المؤسسات التربوية في الجزائر، بحجة احتفال التلاميذ بنهاية العام الدراسي، فبعد تمزيق كتبهم ورميها في الشوارع وإطلاق صرخات مزعجة، انتقل الوضع هذه الأيام إلى مهاجمة أساتذتهم بالبيض والحجارة.
احتفالات غريبة بالمدارس
وعرفت عدة مؤسسات تربوية بمختلف المناطق تصرفات تعتبر دخيلة على الجزائريين، حيث قام التلاميذ برشق الأساتذة بالبيض والحجارة "احتفالاً" بنهاية العام الدراسي. ولم يسلم المديرون والمشرفون التربويون والعاملون في الإدارة من تصرف التلاميذ، كما تعرضت المدارس إلى الرشق ما تسبب في كسر زجاج بعض الأقسام وتخريب الأبواب، وما أثار الاستغراب وفق ما تم تداوله عبر مواقع التواصل الاجتماعي والإعلام المحلي، مشاركة الفتيات إلى جانب الفتيان في صناعة هذا المشهد، بعد قيامهن بإخفاء وجوههن.
واضطر أساتذة إلى الاختباء داخل مؤسساتهم ولم يتمكنوا من مغادرة المكان، وقد استدعى الأمر في بعض المدارس الاستنجاد برجال الأمن وأولياء الطلاب لوضع حد لهذه التصرفات التي خلفت موجة من الحيرة والحسرة.
وليست المرة الأولى التي "يحتفل" فيها التلاميذ بطرق غريبة بنهاية العام الدراسي، فقد عرفت السنوات السابقة إقدامهم على تمزيق الكتب مباشرة بعد خروجهم من مؤسساتهم التربوية. كما انتشر استخدام التلاميذ الألعاب النارية للاحتفال ما أدى إلى تسجيل حرائق بالمدارس وإصابات متفاوتة الخطورة بين الأساتذة.
"التدحرج نحو الهاوية"
في السياق، يعتبر أستاذ علم الاجتماع، مصطفى راجعي، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن هذه الواقعة فصل جديد من فصول العنف المدرسي متعدد الأشكال الذي ينخر المنظومة التربوية منذ سنوات، مشيراً إلى أن ظاهرة العنف في المدارس تنم عن وضع أعمق وهو انهيار سلطة المعلم، حيث تراجع مستوى الاحترام والهيبة له، موضحاً أن التلميذ في السابق كان يخشى أن يلتقي بالمعلم في الشارع من شدة الاحترام له.
ويتابع راجعي، أن العنف ضد الأستاذ مظهر من مظاهر عدم الاحترام لكل من له سلطة في المجتمع، ففي المدرسة يمثل الأستاذ السلطة التربوية التي تتعرض للتحدي، مضيفاً أن ضعف سلطة المعلم وتنامي العنف ضده ظاهرة أصبحت منتشرة في كل المدارس عبر العالم. وقال إن: "مدارسنا التي تشهد هذه المظاهر المؤسفة تدل على أننا بدأنا التدحرج نحو الهاوية، وأصبحت مؤسساتنا التربوية تشبه مدارس الفقراء في الولايات المتحدة، ومدارس المهاجرين في الضواحي الأوروبية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تدني القيم المجتمعية والأخلاقية
من جانبها، ترى الكاتبة السياسية، بسمة لبوخ، أنه بعد زمن توديع التلاميذ أساتذتهم في آخر يوم من الدراسة بالأحضان والدموع وباقات الورود وعبارات الشكر والامتنان، ظهرت اليوم مثل هذه السلوكيات المسيئة لصورة المدرسة الجزائرية، بعد الانتقال من تمزيق الكتب ورميها في الشوارع فرحاً بانتهاء الدراسة أو كتعبير عن الغضب بالنسبة للراسبين، إلى الاعتداء اللفظي والجسدي على الأساتذة ورميهم بالبيض والحجارة، في تطور خطير يعكس تدنياً كبيراً للقيم المجتمعية والأخلاقية، وهو ما يدل على وجود خلل واضح في المنظومة التربوية وفشل يتقاسمه مناصفة الأسرة والمدرسة.
وتتساءل لبوخ: ما الذي جعل الطلبة في حالة عداء شديد مع كل ما له علاقة بالدراسة من تكسير زجاج وأبواب المدرسة وتمزيق الكتب والاعتداء على الأساتذة والمشرفين؟ وشددت أنه لم تعد المدرسة تمثل لهم منارة للعلم بل تحولت إلى سجن كبير ترتفع أسواره كي لا يقفز الطالب خارجه أثناء الدراسة وعند آخر يوم يتكرر مشهد الانتقام، موضحة أن هذه التصرفات تستدعي معالجات فورية للوقوف على أسباب نفور الطلبة من العملية التعليمية رغم أهميتها ودورها في بناء مستقبلهم.
وتنتقد الكاتبة فشل السلسلة الطويلة من الإصلاحات التي قامت بها الوزارات المتعاقبة التي لم تنجح إلا في حشو المزيد من الكتب في حقيبة الطالب الذي كلما ثقلت محفظته ساءت أخلاقه أكثر، وقالت إنه يجب توجيه الإصلاحات نحو الاهتمام بالجانب النفسي والتربوي، وإدراج طرق التعليم الحديثة التي تحبب الطالب في المدرسة وتجعل التعلم عملية سهلة ومسلية بدل أن تكون مضنية ومملة تدفعهم إلى النفور، إضافة إلى تكثيف النشاطات الفنية والرياضية التي تناسب كل فئة عمرية، مبرزة أهمية إشراك الأسرة في العملية التربوية عبر التواصل المستمر مع الأولياء، وتنظيم دورات تكوينية خاصة بالأولياء والأساتذة لمواكبة المراحل التعليمية والتوعوية والاشتراك في تقويم السلوكيات السلبية، وذلك لا يمكن أن يتم إلا وفق استراتيجية متكاملة يتم تبنيها على أعلى مستوى.
تساؤلات
لقد اختلفت وتطورت على مدار أجيال، عادات وتقاليد احتفال التلاميذ بنهاية الموسم الدراسي. ففي السابق، كان يحتفل الطلبة بنهاية الدراسة بتنظيم حفلات تقدم فيها حلويات والمشروبات التي يتم شراؤها بمشاركة التلاميذ في جمع المال. المعلمون كانوا يحتفلون بتلاميذهم بمنحهم الكتب، والتلاميذ كانوا يحتفظون بكتبهم وحتى أقلامهم ومسوداتهم إما للذكرى أو لمنحها للإخوة أو الأقارب، فهل التكنولوجيا غيّرت المعادلة المجتمعية، أم أنه إفلاس النظم التربوية التقليدية أم أن العولمة أسقطت القيم؟