لم تمنع القطيعة الدبلوماسية السائدة حالياً بين المغرب والجزائر أن يشارك البلدان الجاران في المناورات العسكرية البحرية متعددة الأطراف "فينيكس إكسبرس 2022" (2022 Phoenix Express)، التي تستضيفها تونس حالياً وتنتهي في 4 يونيو (حزيران)، وتضم 13 بلداً، بإشراف القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم).
وتُعد هذه المشاركة في المناورات البحرية "فينيكس إكسبرس 2022" إحدى المرات النادرة التي تجتمع فيها القوات العسكرية للمغرب والجزائر جنباً إلى جنب بمعية دول أخرى، في خضم التوتر السياسي الحاد بين البلدين المتجاورين.
محاربة الإرهاب البحري
وسبق للسواحل التونسية أن احتضنت الدورة السابقة من هذه المناورات الدولية في مايو (أيار) من العام الماضي، وشاركت فيها فرقاطات وبوارج وبواخر حربية، وضباط عسكريون من 13 دولة، هي: تونس وأميركا وبريطانيا وبلجيكا وإسبانيا ومالطا وإيطاليا واليونان ومصر وليبيا والجزائر والمغرب وموريتانيا.
وحددت وزارة الدفاع التونسية أهداف هذه المناورات العسكرية البحرية، بـ "تدعيم التعاون والتنسيق بين البحريات المشاركة حفاظاً على أمن منطقة المتوسط واستقراره، وتدريب أفراد القوات المشاركة وتطوير قدراتهم وحسن استعمالهم للمنظومات والمعدات، وتطوير مهاراتهم، والتنسيق للتصدي للأعمال غير المشروعة في البحر، بخاصة منها الإرهاب البحري وتهريب الأسلحة والمخدرات".
وتجري التدريبات التي تجمع قوات بحرية مغربية وجزائرية، إلى جانب قوات عربية ودولية أخرى، في قاعدة حلق الوادي البحرية في العاصمة التونسية، وتتضمن مرحلة تحضيرية في الميناء، إضافة إلى خمسة أيام من التدريب على الأمن البحري في البحر الأبيض المتوسط، وأيضاً تجريب قدرات القوات البحرية لشمال أفريقيا وأوروبا والولايات المتحدة على طرق مواجهة الهجرة غير النظامية، وسُبل مكافحة أنواع الاتجار غير المشروع للبضائع الممنوعة.
مؤتمر مراكش
واستبعد مراقبون للشأن المغاربي والعلاقات المغربية - الجزائرية أن تكون هذه المناورات العسكرية التي تجمع بين القوات البحرية للبلدين مؤشراً إلى تحسن العلاقات الجامدة بين البلدين، بقدر ما هي مشاركة تمليها التزاماتهما معاً في إطار الحرب الدولية ضد الإرهاب.
وقال الباحث في الشأن الاستراتيجي العسكري، محمد عصام لعروسي، في هذا الصدد، إن "مشاركة المغرب والجزائر في مناورات فينيكس إكسبريس 2022 تدخل أساساً في سياق التنسيق الدولي لمواجهة الإرهاب، بخاصة بعد المؤتمر الذي احتضنته مدينة مراكش أخيراً حول محاربة تنظيم داعش الإرهابي".
وأفاد لعروسي بأن "مؤتمر مراكش خرج بتوصيات حول الإجراءات العملية التي يتعين على الدول المشكِّلة للتحالف، تبنيها وتنفيذها لمواجهة الإرهاب المستشري بخاصة في القارة الأفريقية".
وكان وزير الخارجية المغربي ناصر بوريطة، كشف خلال "مؤتمر مراكش"، عن وجود 27 كياناً إرهابياً متمركزاً في القارة السمراء، وعن تسجيل 48 في المئة من الوفيات في أفريقيا جنوب الصحراء بسبب الإرهاب العالمي، حيث وصل عدد الضحايا إلى 3461 ضحية.
استراتيجية الممر البحري
كذلك اعتبر لعروسي أن "وجود قوات عسكرية من المغرب والجزائر في المناورات ذاتها وجود رمزي، ولا يعني أن هناك تقارباً محتملاً بين البلدين، كما لا يعني أن هناك قطيعة نهائية"، مبرزاً أن "مشاركة الجارين تأتي من خلفية انتمائهما إلى التحالف الدولي ضد "داعش".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وشرح لعروسي بأنه "سبق للجزائر أن أرست استراتيجية لمكافحة الإرهاب في عام 2010، عندما احتضنت اجتماعاً لقيادات جيوش 7 دول من الساحل جنوب الصحراء، كما أن المغرب نجح في استراتيجيات عدة مناهضة للإرهاب في الداخل وعلى الحدود والمنطقة المغاربية".
وتابع قائلاً، إن "المناورات البحرية في السواحل التونسية التي تجمع القوات المغربية والجزائرية تفرض نفسها لأهميتها الاستراتيجية، بخاصة في السواحل المتوسطية والساحل الأطلسي، الذي يحظى بأهمية محورية لدى الدول الكبرى بخاصة الولايات المتحدة".
هذه الأهمية تتجلى وفق لعروسي في "كون التحكم في ممر الساحل الأطلسي يعني التحكم في الملفات الأمنية الكبرى، كما يعني مراقبة مرور السفن الحربية والغواصات الحربية ومراقبة الهجرة السرية عبر البحر، والجريمة المنظمة والجماعات الإرهابية". وزاد الباحث الاستراتيجي أن "مراقبة الساحل مفتاح أساسي للولايات المتحدة، خصوصاً في وجود اضطرابات ونزاعات مسلحة في المنطقة، مع ما يقع في ليبيا من أحداث، وما يحصل في منطقة الساحل جنوب الصحراء، مثل مالي والنيجر وتشاد".
مناورات عسكرية
وعدا هذا التمرين العسكري المشترك النادر بين المغرب والجزائر، الذي تشهده السواحل التونسية، فإن بقية المناورات العسكرية لا يشارك فيها البلدان معاً، كما أن كل بلد يشارك أو ينظم مناورات مشتركة مع بلدان أخرى، لتقوية قدراته العسكرية الدفاعية والهجومية.
وفي هذا الصدد يتهيأ المغرب لاحتضان مناورات عسكرية برية وبحرية وجوية مشتركة مع الجيش الأميركي وبلدان عدة أخرى، معروفة باسم "الأسد الأفريقي"، وذلك في يونيو (حزيران) المقبل، لن تشارك فيها القوات الجزائرية.
في المقابل، تستعد الجزائر لاحتضان مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، على مقربة من الحدود الشرقية المغربية، وهي عبارة عن تدريب على إجراء "تحركات تكتيكية للبحث عن الجماعات المسلحة".
وعلق لعروسي على الموضوع بالقول إن "الجزائر تسعى إلى تجاوز المقعد الفارغ، من خلال التواجد في التحالف الدولي ضد الإرهاب الذي يهدد المنطقة المتوسطية، بالتالي يمكن فهم حرصها على المشاركة في مناورات فينيكس إكسبريس 2022".
وضرب المتحدث ذاته مثالاً على سعي الجزائر لتعزيز حضورها، إن على المستوى العسكري أو على المستوى الدبلوماسي، بترشحها لشغل مقعد غير دائم في مجلس الأمن الدولي للفترة بين عامي 2024 و2025.
تعاون نادر
وتشكل المناورات العسكرية التي يشارك فيها المغرب والجزائر تعاوناً بين البلدين لا يتكرر كثيراً، نظراً إلى توتر العلاقات الدبلوماسية الثنائية. وسبق للسلطات المغربية في نوفمبر 2021 أن قدمت لنظيرتها الجزائرية، عبر المعبر الحدودي، "زوج بغال"، 11 مواطناً جزائرياً كانوا محط أوامر بحث أمني دولي.
واعتبر مراقبون هذه الواقعة حينها مؤشراً قد يدل على تقارب أمني بين البلدين، لكن ذلك لم يحصل في الواقع، بل تعقدت العلاقات الثنائية بشكل لافت إلى حد إعلان الجزائر قطع العلاقات الدبلوماسية مع الرباط.
ويلتزم المغرب والجزائر باتفاقات أمنية تضطرهما لإبداء الحد الأدنى من التنسيق الأمني، من قبيل التزامات "مجموعة 5 + 5"، المؤلفة من 5 دول أوروبية، هي فرنسا وإسبانيا وإيطاليا والبرتغال ومالطا، و5 دول مغاربية وهي المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا.