تعول القاهرة على مشروع "مستقبل مصر الزراعي" ضمن مخطط إنشاء "الدلتا الجديدة" للحفاظ على الأمن الغذائي المصري في خطة تستهدف زراعة أكثر من مليوني فدان (8094 كيلومتراً مربعاً) من الأراضي الزراعية الجديدة، بقيمة تقترب من 250 مليار جنيه (نحو 13.7 مليار دولار أميركي)، بعد أن عصفت التداعيات السلبية لحرب أوكرانيا، ومن قبلها الجائحة العالمية، بخطط استيراد السلع الغذائية الرئيسة من خارج البلاد لسد الفجوة الاستهلاكية، خصوصاً في محصول القمح.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي افتتح، السبت الماضي، مشروع "مستقبل مصر الزراعي"، ضمن مخطط إنشاء "الدلتا الجديدة"، الذي يستهدف استصلاح وزراعة قرابة 2.2 مليون فدان (8903 كيلومترات مربعة) جديدة على مدى سنوات عدة مقبلة.
وقال السيسي في تصريحات نقلها التلفزيون المصري، على هامش الافتتاح، إن المشروع يوازي قرابة 25 في المئة من الأراضي الزراعية التي تم استصلاحها وزراعتها في مصر على مدى آلاف السنين، مضيفاً، "استصلاح مساحة إجمالية تقدر بمليون و50 ألف فدان (4249 كيلومتراً مربعاً) كان من المخطط الانتهاء منه نهاية عام 2024، لكننا أسرعنا في التنفيذ لمواجهة الظروف العالمية".
التكلفة 13.7 مليار دولار
الرئيس المصري أوضح أن تكلفة استصلاح الأراضي الزراعية حالياً أكثر من تكلفة استصلاح الدلتا القديمةن لافتاً إلى أن تكلفة استصلاح مليون و50 ألف فدان في هذا المشروع تقترب من 250 مليار جنيه (13.7 مليار دولار). وأكد الرئيس أن الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة "كشفت عن مدى قدرتنا على الإنتاج وكفاية الاحتياجات"، مضيفاً، "ليس لدينا خيار آخر". وأشاد بمشروعات الصوامع المستخدمة في تخزين القمح.
وتدعم الدولة المصرية السلع الرئيسة بنحو 321 مليار جنيه (20.4 مليار دولار) في موازنة العام المالي الحالي، ما يشكل نحو 4.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، ويخصص منه لدعم المحروقات نحو 18 مليار جنيه (1.1 مليار دولار) هبوطاً من 121 مليار جنيه (7.6 مليار دولار) في العام المالي 2017-2018.
زيادة الناتج الزراعي الإجمالي
من جانبه، قال وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، السيد القصير، إن الرؤية المستقبلية لمشروع "الدلتا الجديدة" في ظل مخرجاته تشير إلى أن مساحة المرحلة الحالية تصل إلى مليون فدان منزرعة أو مستهدف زراعتها، في حين تبلغ المساحة المحصولية 1.6 مليون فدان (6474 كيلومتراً مربعاً).
وتوقع أن يرفع المشروع الإنتاج المحلي من المحاصيل الاستراتيجية من الحبوب، خصوصاً القمح والذرة إضافة إلى الخضر والفاكهة والمحاصيل التصنيعية، بنسبة تتراوح بين عشرة و15 في المئة من الناتج الزراعي الإجمالي الحالي، ما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي وخفض فجوة الاستيراد.
وأكد متخصصون لـ"اندبندنت عربية" أهمية المشروع الجديد، على الرغم من تحفظ بعضهم على تمويل تكلفة التنفيذ التي قد تصل إلى 250 مليار جنيه (13.60 مليار دولار). وقال أستاذ القمح بقسم المحاصيل الحقلية في وزارة الزراعة، خالد جاد، إن مشروع "الدلتا الجديدة" جرى التخطيط له منذ سنوات، لكن التداعيات السلبية للجائحة ومن بعدها الحرب الروسية دفعت الدولة دفعاً إلى الإسراع في تنفيذه، إضافة إلى تآكل مساحة لا يستهان بها من الأراضي الزراعية في الدلتا القديمة في ظل مخاوف من تأثير التغيرات المناخية على مستقبل دلتا النيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف أن مصر تستهلك نحو 18 مليون طن قمح سنوياً، يذهب منهم عشرة ملايين طن لإنتاج نحو 270 مليون رغيف خبز مدعم يومياً لنحو 71 مليون مواطن مقيد ضمن بطاقات الخبز المدعم، ولفت إلى أن القاهرة تسد الفجوة الاستهلاكية بالاستيراد من الخارج، إذ كانت تعتمد على روسيا وأوكرانيا في مدها بـ70 في المئة من احتياجاتها، لكن الحرب غيرت من خطط القاهرة في سد فجواتها الغذائية لتتجه إلى الاعتماد على نفسها بزيادة الرقعة الزراعية، ومن ثم زيادة الإنتاج المحلي من المحاصيل، وعلى رأسها القمح والذرة والأرز.
وقال أستاذ القمح إن مصر ستصل إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي منه بنحو 70 في المئة بدلاً من 50 في المئة حالياً، مؤكداً، "سنصل إلى تلك النسبة في 2027 أو 2028 على أقصى تقدير".
دلتا النيل مهددة
في يناير (كانون الثاني) الماضي، أصدرت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية المصرية، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، تقريراً رسمياً بعنوان "مستقبل المحاصيل الزراعية في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها مصر والعالم". وأشار التقرير إلى أن "دلتا النيل القديمة تتعرض لتهديد حقيقي متوقع قد يطيح بأبرز وأهم المحاصيل الزراعية المصرية، في الوقت الذي تمثل هذه الدلتا واحدة من أكثر المناطق في العالم حساسية للتغيرات المناخية".
وأكد التقرير أن قطاع الزراعة المصري يسهم بنحو 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، الذي يتخطى حدود ستة تريليونات جنيه (نحو 383 مليار دولار أميركي) باعتباره أحد أهم القطاعات الرئيسة في الاقتصاد. وأشار إلى أن أغلب النشاط الزراعي المحلي يتمحور في منطقة دلتا النيل، ما يعني تعرضه لأخطار ارتفاع مستوى سطح البحر وتدمير الإنتاجية الزراعية المحلية.
وتوقع أن تتوغل المياه عالية الملوحة في مساحات شاسعة من الدلتا، ما سيزيد من احتمال عدم قدرة الأراضي الزراعية القائمة على الإنتاج الزراعي في السنوات المقبلة. وكشف عن أبرز المحاصيل الأساسية المهددة، متوقعاً انخفاض إنتاجية محصول القمح بنسبة لن تقل عن 15 في المئة بحلول عام 2050 مقارنةً بحجم الإنتاج الحالي، وتلك النسبة قد تزيد إلى 36 في المئة بحلول 2100.
أراضٍ بكر من دون أمراض
من جانبه، قال أستاذ أمراض النباتات بمركز البحوث الزراعية التابع لوزارة الزراعة، إن توجه الدولة لتأمين احتياجاتها الغذائية أصبح يمثل أولوية قصوى. وأشار إلى أن أهمية مشروع "الدلتا الجديدة" تكمن في طبيعة الأراضي في تلك المنطقة التي تمتاز بخلوها من الأمراض النباتية ومسبباتها، وكذا الآفات الحشرية، مؤكداً أن تكلفة مكافحة مثل هذه الأمراض ومسبباتها والآفات تكاد تكون منعدمة.
وقال نقيب الزراعيين سيد خليفة، إن المشروع نواة وخطوة مهمة نحو تحقيق الأمن الغذائي، مضيفاً أن نسبة الاكتفاء الذاتي من القمح تصل إلى نحو 50 في المئة بعد زراعة 3.6 مليون فدان (14568 كيلومتراً مربعاً)، كما ستجري زراعة 60 ألف فدان (243 كيلومتراً مربعاً) أخرى بالتقاوي في مشروع "مستقبل مصر" لزراعة مليوني فدان (8094 كيلومتراً مربعاً) أخرى، مشيراً إلى أن الدولة تستهدف الوصول بنسبة الاكتفاء الذاتي من القمح إلى 65 في المئة عام 2025، جنباً إلى جنب كل مخططات الدولة الهادفة لتحقيق أعلى معدلات الاكتفاء الذاتي من المحاصيل.
أعباء على الموازنة
في المقابل، وعلى الرغم من ترحيبه بتوسيع الحكومة المصرية حجم الرقعة الزراعية، عبر أستاذ الاقتصاد بجامعة المنوفية محمد البنا عن مخاوفه بشأن زيادة الضغوط على الموازنة العامة للدولة، مؤكداً أن تكلفة زراعة تلك المساحة الهائلة من الأراضي، خصوصاً الاستصلاح في الصحراء، عادة ما تكون باهظة للغاية.
وتوقع أن تلجأ الدولة إلى الاستدانة من الخارج للإنفاق على تنفيذ تلك المشروعات في الوقت الذي تعاني الموازنة ارتفاع أعباء خدمة الدين العام، سواء المحلي أو الخارجي، إذ وصل دين مصر الخارجي إلى مستويات قياسية في نهاية الربع الثاني من العام المالي الحالي، مسجلاً 145.5 مليار دولار، بزيادة قدرها 8.1 مليار دولار على الربع المالي السابق من العام نفسه، وفق بيانات البنك المركزي المصري.
ويبلغ الدعم السلعي في موازنة العام المالي الحالي 2021-2022 نحو 108 مليارات جنيه (5.8 مليار دولار) يتوزع بين 87 مليار جنيه (4.6 مليار دولار) لدعم السلع التموينية، و18 مليار جنيه (969 مليون دولار) للمحروقات، و665 مليون جنيه (36 مليون دولار) للمزارعين، و2.5 مليار جنيه (135 مليون دولار) لدعم الأدوية وألبان الأطفال، بينما تخلصت الحكومة من دعم الكهرباء والمياه منذ عامين ليصبح صفراً.