Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

 النشر العربي يدفع فاتورة الحرب الروسية بعد كورونا

الكتب أصبحت "رفاهية غير محتملة" والمنصات الإلكترونية تساهم في علاج أزمة مزمنة

لوحة للرسام علي رضا درويش (صفحة الرسام - فيسبوك)

عانت حركة النشر العربية طوال السنوات الثلاث الماضية الآثار السلبية لجائحة كورونا، ثم جاءت الحرب الروسية - الأوكرانية وتداعياتها للتقليل من الأمل في التعافي. ويؤكد ناشرون وموزعون للكتب العربية أن "وضع حركة النشر أصبح كارثياً، حيث من المتوقع خروج صغار الناشرين من السوق قبل حلول الشتاء المقبل". ويرى خبراء في صناعة النشر أن الفضاء الرقمي سيكون هو الأفق الوحيد المتاح للنجاة.

ورداً على سؤال من "اندبندنت عربية" قال إيهاب القيسي، رئيس جمعية الناشرين والكتبيين في العراق: "كان الله في عون الناشر والقارئ"، موضحاً أن الآثار المتوقعة للحرب الروسية - الأوكرانية على سوق النشر العربية قد تفوق خسائر جائحة كورونا.

صناعة غير معترف بها

وكشف القيسي عن أن ارتفاع أسعار صرف جميع العملات الأجنبية مع تدني القيمة السوقية لبعض العملات العربية سيجعل من شراء الكتاب "رفاهية غير محتملة" لدى معظم القراء. وأوضح أن أسعار الورق تأثرت بأسعار صرف العملات وتضاعفت أكثر من ثلاث مرات خلال أقل من شهرين، وبالمثل تضاعفت تكلفة جميع مواد الصناعة من أحبار وتجهيزات طباعية لأنها خامات مستوردة في معظمها، بالتالي تأثرت بارتفاع تكلفة الشحن في الداخل والخارج.

ويرى رئيس اتحاد جمعية الناشرين في العراق ومدير دار المدى العراقية، أن "عالمية الأزمة" تزيد من آثارها السلبية، بالتالي من غير المتوقع ظهور مبادرة "إنقاذ عربية" لإنقاذ صناعة النشر، لأن الحكومات العربية لا تلتفت إلى القيمة التي تمثلها هذه الصناعة. ويعزز القيسي كلامه بما أظهره تقرير عن واقع صناعة النشر العربية صدر عن اتحاد الناشرين العرب أوائل العام الماضي، إذ أكد أن أول تحديات حركة النشر العربية، هي عدم الاعتراف بالنشر كصناعة.وقال معد التقرير الباحث خالد عزب، إن عملية النشر صناعة ثقيلة، مركبة، عميقة، بعيدة التأثير، واسعة المجال، تقع ضمن ما يسمى الصناعات الإبداعية. ولفت في مقدمة التقرير إلى وجود قصور في التعامل معها.

 دوائر الأزمة

يرى أحمد رشاد المدير التنفيذي للدار المصرية اللبنانية ونائب رئيس الملتقى العربي لكتب الأطفال، أن صناعة النشر العربية تقاوم التدهور منذ عام 2011 وتخرج من أزمة لتواجه أزمة أصعب. ويشير إلى أن أسعار الورق في مصر قفزت بنسبة تصل إلى 70 في المئة، وكذلك في بقية مكونات الصناعة، وهو ما يعني أن التكلفة زادت بنسب تؤثر على حجم الإنتاج. وسيؤدي حتماً إلى "حالة ركود" وانكماش سوقي ستمتد آثاره لفترة طويلة.

ولا يتوقع رشاد "بادرة رسمية للحل"، مؤكداً أن الحكومات بدورها مأزومة اقتصادياً، ومن غير الوارد أن تتدخل بأي صورة من صور الدعم المالي. ومن ثم فإن الأفضل هو الرهان على سبل قانونية لحماية الصناعة القائمة عبر تعديلات تشريعية لاحترام الملكية الفكرية ومكافحة القرصنة والتزوير.

خروج الدور الصغيرة

ووفقاً لتأكيدات أحمد بدير العضو المنتدب لدار "الشروق" في مصر فإن الأزمة ستؤدي حتماً إلى خروج الدور الصغيرة من سوق النشر. ويُبدى بدير أسفه لأن هذا الخروج يمثل خسارة واضحة، فأصحابها من الشباب الذين نجحوا في ضخ دماء جديدة في السوق وتكوين مجموعات من القراء الجدد، مما أسهم في إحداث طفرة تسويقية عقب الخسائر التي خلفتها احتجاجات ما يعرف بالربيع العربي.

ويأمل العضو المنتدب لدار "الشروق" أن يخفف الاستقرار النسبي في أسواق التصدير من "فداحة" الوضع، لكنه لا يعتقد بوجود فرص تعويضية يمكن أن تقدمها معارض الخليج، في ما يخص الكتاب لأنها أسواق تظل محدودة مقارنة باتساع الأسواق التقليدية داخل مصر أو العراق على سبيل المثال.

ويلمس الناشر الأردني ماهر الكيالي عبر مشاركاته في معارض الكتب العربية مؤشرات تؤكد حركة تراجع بيع الكتب ويقول: "هناك مكتبات كاملة تم إغلاقها خلال شهرين تحت ضغط الحرب، وهناك كثير من الخامات لم تعد موجودة ونشهد انكماشاً واضحاً، حتى إن أكثر الناشرين نجاحاً يصعب عليه بيع أكثر من 500 نسخة من أي كتاب خلال الموسم الواحد".  

ويتوقع خالد الناصري مدير دار "المتوسط" في ميلانو أن تمتد آثار الأزمة في المستقبل القريب، لأن سوق الكتاب العربي كما يعتقد "سوق مأزومة"، ولا يزال يتعامل مع وسائل تقليدية، على عكس الحلول التي وجدت في الأسواق العالمية.

المنصات الإلكترونية

يوضح الناصري كيف أنعشت جائحة كورونا حركة البيع في المكتبات الأوروبية، كما نالت الصناعة دعماً حكومياً داخل أشد الحكومات الليبرالية تطرفاً، ومنها بريطانيا على سبيل المثال. فقد حصلت جمعية توزيع الكتب على دعم حكومي، بينما حدث العكس في العالم العربي، واضطرت مكتبات إلى وقف حركة البيع تماماً أو إغلاق أبوابها، ولم تنجح في إيجاد وسائل تسويقية جديدة.

ومن جهته، يشير أحمد أسامة الخبير المصري في مجال تسويق الكتب إلكترونياً إلى أن منصات النشر والتوزيع الإلكتروني ستمثل الأفق الوحيد للنجاة، ومعها الكتب الصوتية كذلك. ويشير إلى أن تكلفة قراءة مئات الكتب إلكترونياً خلال شهر واحد تساوي سعر كتاب ورقي واحد منشور بدعم حكومي في بلد مثل مصر، حيث لا تزيد تكلفة الاشتراك الشهري الواحد على 5 دولارات".

ويعتقد المهندس علي عبد المنعم من شبكة "ستوري تل" للكتب الصوتية، أن أزمة النشر بعد الحرب الروسية - الأوكرانية لا تقتصر على العالم العربي، بل تمتد آثارها عالمياً، حيث من المتوقع تراجع الاستثمار في عمليات صناعة المحتوى إجمالاً، سواء أكان مرئياً أو ورقياً أو إلكترونياً.

وبحسب عبد المنعم فإن صناعة النشر العربية تعاني أزمات هيكلية واضحة وتفتقر إلى أي قدرة مؤسسية على مواجهة التحديات، وذلك نتيجة ضعف منظومة التوزيع وغياب القوانين الداعمة لحماية الملكية الفكرية وحماية حق المؤلف والقوانين الرادعة في مواجهة عمليات القرصنة والتزوير، فضلاً عن غياب المشاريع القومية المشجعة على القراءة باستثناء بعض دول الخليج.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويؤكد ممثل شركة "ستوري تل" للكتب الصوتية، أن ارتفاع نسب التضخم سيؤدي إلى خروج الكتب من قائمة الأولويات لدى أي مستهلك عربي، بالتالي سيتراجع الطلب على الكتاب الورقي حتماً، وستكون المنصات الإلكترونية هي أفضل وسيلة لتمكين الراغب في المعرفة، كما ستكون الأكثر مرونة في استجابتها لتحديات السوق، وهو ما يلزم الناشرين بالاستجابة لعمليات التحول الرقمي وآليات التسويق الإلكتروني والاستفادة من التجربة الرائدة التي يوفرها اتحاد الناشرين الدولي، عبر الورش التدريبية التي ينظمها لتأهيل الناشرين حيال هذا التحول.

مضاد حيوي وليس حلاً

وتنظر رانيا بكر، المديرة التنفيذية لدار "العربي للنشر" في مصر إلى الفرص التي توفرها المنصات الإلكترونية بـ"مرونة". وتقول: "ساعدت المنصات في تحسين السوق، وكان نشاطها أحد مكاسب جائحة كورونا، إذ اضطر عدد من القراء إلى الانتقال للقراءة الإلكترونية كوسيلة آمنة، وكذلك نجحت في الحد نسبياً من ظاهرة (التزوير) لأنها أسهمت في توفير الكتب الرائجة بأسعار مناسب".

وترى رانيا بكر أن السوق الإلكترونية أكثر انضباطاً من الأسواق ومعارض الكتب التقليدية، لأنه يوفر للناشر قاعدة بيانات واضحة عن عدد القراء، وعدد الصفحات التي تمت قراءتها، وأعمار القراء وبلدانهم، وهي بيانات مهمة لعمليات البحث وتساعد الناشرين والباحثين في الكشف عن اتجاهات القراءة. وتعتقد مديرة "العربي للنشر" أن الرهان على المنصات الإلكترونية كحل للأزمة تلزمه بعض الضمانات، لكي يتأكد الناشر من التزام المنصات بتسديد التزاماتها المالية، فهي "وسيلة لا تزال تحت الاختبار"، ولن تكون في أفضل أحوالها بمثابة "مضاد حيوي لعلاج أزمة مزمنة".   

ويتوقع أحمد أسامة، أن تزيد الأزمة من أشكال التعاون بين الناشرين العرب لصالح ظهور طبعات مشتركة تلبي حاجة الأسواق المحلية، لتجاوز تكلفة الشحن وتقاسم تكلفة الإنتاج، بخاصة في الأعمال الروائية الرائجة، أو تلك التي تحظى بالجوائز الكبرى.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة