Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا يجري بشأن إدارة المقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس؟

تباين في وجهات النظر بين إسرائيل والأردن والسلطة الفلسطينية

بناء على طلب مباشر من واشنطن إلى الحكومات الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية، باشر الأطراف الثلاثة البحث في تشكيل لجنة تنسيق حول الترتيبات لزيارة الأماكن المقدسة (أ ف ب)

يتجه الأردن لاعتبارات تاريخية تتعلق بدوره في الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية بمقتضى الاتفاق الثلاثي الموقع بين الأطراف الثلاثة لإعادة صياغة اتفاق جديد متطور من خلال دعم أميركي مباشر وتحركات تتم في سياقات دبلوماسية وراء الستار، بخاصة أن الأردن حريص على أن يحسم الأمر في ولايته الشارعة وهي أصل الحكم الهاشمي كما هو معلوم، وفي ظل تنافسات وصراعات إقليمية للمشاركة في إدارة المقدسات في القدس، وفي ظل تصريحات ومواقف إسرائيلية لاحت في الأفق تدعو للتعاون الإقليمي في إدارة الموقف في القدس، بل والإشراف على المقدسات الإسلامية، وهو ما دعا إليه الرئيس الإسرائيلي إسحق هيرتسوغ في الثالث من مايو (أيار) الجاري، ويرتبط بهذا التطور قيام البيت الأبيض بدراسة عقد اجتماع إقليمي لعدد من قادة الشرق الأوسط خلال الزيارة التي سيجريها الرئيس جو بايدن إلى إسرائيل، خلال الأسابيع المقبلة، بهدف تعزيز زخم قمة النقب التي جمعت وزراء خارجية إسرائيل ومصر والإمارات والبحرين والمغرب، في مارس (آذار) الماضي، وسيكون ملف التطورات الجارية في القدس، بما في ذلك مستقبل الإشراف على المقدسات، ضمن ملفات أخرى ستكون مطروحة في جدول أعمال القمة.

مطالب أردنية

وبناء على طلب مباشر من الإدارة الأميركية إلى الحكومات الأردنية والفلسطينية والإسرائيلية، باشر الأطراف الثلاثة البحث في تشكيل لجنة تنسيق حول الترتيبات لزيارة الأماكن المقدسة، الإسلامية والمسيحية، لكن هناك خلافات كبيرة في الرؤية تبين صعوبة التوصل إلى تفاهمات، وهو ما خلص إليه وفد الخارجية الأميركية بقيادة نائبة مساعد الوزير لشؤون الشرق الأدنى، يائيل لمبرت، ونائب مساعد وزير الخارجية للشؤون الإسرائيلية – الفلسطينية، هادي عمرو، في زيارتهم الأخيرة في المنطقة، التي جاءت في 28 أبريل (نيسان) الماضي.

وتتضمن قائمة الأردن في الاتصالات الراهنة مطالب عدة أهمها نقل مسؤوليات الحرم القدسي الشريف إلى الأوقاف الأردنية، بما فيها الجانب الأمني، إذ لن يسمح للشرطة الإسرائيلية بالوجود في الحرم الشريف، حتى في حالات اندلاع أعمال عنف، ونقل السلطة للوقف الأردني بما يتعلق بتصاريح الزيارة من غير المسلمين، مع طلب تقديم خطي مسبق، كما طالب الأردن، بحظر الصلاة لغير المسلمين في الموقع، وتقليص المجموعات غير المسلمة بحيث لا تتعدى خمسة أشخاص، إضافة لزيادة عدد حراس الأوقاف الإسلامية الذين يتبعون وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية الأردنية، بما يعزز دور مجلس الأوقاف، وزيادة عدد حراس المسجد الأقصى للمساعدة على حفظ الهدوء، ومنع ما تدعيه إسرائيل من أعمال الشغب في الأقصى وباحاته، ما يلغي الذريعة بوجود القوات الإسرائيلية لاقتحام الأقصى من آن لآخر.

تباينات في المواقف

استمرار وجود تباين في وجهات النظر، بين إسرائيل من جهة والأردن والسلطة الفلسطينية من جهة ثانية، إذ اعتبر الجانب العربي دخول المستوطنين اليهود إلى الأقصى سبباً أساسياً في التوتر، خصوصاً أن قسماً كبيراً من المستوطنين يؤدون الصلوات اليهودية المحظورة هناك، ويطرحون أفكاراً تمس قدسية الأماكن المقدسة، مثل الوعد بإقامة الهيكل اليهودي في مكانه، ولديهم اعتقاد أن مسجد قبة الصخرة مبني على ركام الهيكل، لذلك، فإن إعادة بنائه في المكان تعني هدم المسجد الأقصى فعلياً.

واستمرار تجاهل الحكومة الإسرائيلية المعطيات التاريخية والسياسية للأردن، وعلى الرغم من توقيع الاتفاق الثلاثي بين الأطراف الثلاثة، أهمها: أن مشروعية الحكم الهاشمي ترتبط بشكل وثيق بالمقدسات الإسلامية والمسيحية، وهي وثيقة الصلة بفكرة الوصاية الهاشمية التي تعطيه قوة في المحيط العربي، والإسلامي، وورقة في يده تجبر الجميع على العودة له، واستشارته وتحول دون إعطاء دور لأطراف أخرى تتحين الفرصة للقفز على الدور الأردني.

تحرك إسرائيلي

إسرائيلياً، دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي، نفتالي بينيت، إلى مداولات أمنية لتقييم الأوضاع في القدس والسعي لتخفيف الاحتكاكات، وأكد أن لدى حكومته رغبة شديدة في الحفاظ على حالة من الهدوء والاستقرار في المسجد الأقصى، وقد تزامن ذلك مع تحرك إسرائيلي على المستويين السياسي والاستراتيجي لتعيين مجلس دولي لإدارة الحرم القدسي، بحيث يتمكن ممثلو الدول الإسلامية التي تعترف رسمياً بإسرائيل، إضافة لممثلين منها، من السماح لأي شخص، بغض النظر عن دينه، بالصلاة في الحرم، وهذا المطلب الإسرائيلي يتزامن مع إعلان مفتي القدس محمد أحمد حسين، بعدم وجود أي ارتباط يهودي بالحرم، وأصدر قراراً بعدم السماح لسكان الإمارات والبحرين بدخوله، ما يتطلب من الحكومة الإسرائيلية أن تفسح المجال لتشكيل إدارة جديدة للحرم القدسي.

كما تتالت تصريحات المسؤولين الإسرائيليين، وكان آخرهم الرئيس الإسرائيلي الذي دعا فعلياً لمقاربة إقليمية بين إسرائيل والدول العربية الموقعة لاتفاقيات سلام مع إسرائيل، للتعامل مع ما يجري من محاولات لتوسيع إطار المشاركة مع الأردن في إدارة المقدسات الإسلامية في القدس، وتدعو المحافل الإسرائيلية إلى أنه بالنظر إلى أن الحرم القدسي له أهمية خاصة بالنسبة للمسلمين حول العالم، فربما حان الوقت لحذف صفحة من خطة التقسيم التي وضعتها الأمم المتحدة لعام 1947، ووضع الحرم القدسي تحت السيطرة الدولية، أو تأسيس مجلس دولي يضم ممثلين من الدول الإسلامية التي تعترف رسمياً بإسرائيل باعتبارها السلطة العليا، وممثلين من إسرائيل، بما في ذلك المسلمون فيها، لإدارة الحرم القدسي، ويطلب من كل دولة في المجلس الاعتراف بسيادة إسرائيل، ويشمل مراعاة القوانين والأنظمة ذات الصلة بإسرائيل، والاعتراف بمسؤوليتها عن الأمن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإن استئناف الحكومة الإسرائيلية نهج حكومات بنيامين نتنياهو السابقة تجاه ملف المقدسات وما يجري في القدس من تطورات، سيؤثر في توجهات العلاقات الأردنية الإسرائيلية، بعد أن بدا أنها قد تحسنت في الأشهر الأولى لتشكيل حكومة بيينت التي تتعرض لاحتمالات التفكك في الفترة المقبلة، وهو ما سيتطلب سرعة الحركة الأردنية والفلسطينية معاً لمواجهة ما يجري، ما يفسر غياب الأردن عن اجتماع ثلاثي عربي إسرائيلي في القاهرة بحضور بيينت، والامتناع عن حضور لقاء النقب في 27 - 28 مارس 2021.

كذلك، لن يوافق الأردن والسلطة الفلسطينية على التوجه الإسرائيلي الأميركي بإدخال أطراف أخرى للحرم القدسي، بما في ذلك تركيا، التي تزيد من نفوذها في المدينة منذ سنوات، وتنفق كثيراً من الأموال لتقوية تأثيرها ونفوذها في المدينة المقدسة مع التأكيد على أن أي ترتيب إقليمي خاص بالقدس يسحب من الفلسطينيين مسألة أن يكون شرقي القدس عاصمة لهم، فهناك من يقترح ضم رام الله إلى الأحياء العربية خارج الجدار الفاصل شمال القدس، التي تنازلت إسرائيل عن إدارتها من الناحية المدنية.

تنافس إقليمي

الجديد في مجال التنافس الإقليمي على مسألة السيادة على الحرم القدسي، أن المغرب سينضم إلى لعبة القوى في الحرم، فلجنة القدس برئاسة الملك الحسن الثاني، قضت منذ سنوات طويلة بأن المكانة التي يتمتع بها الأردن في الحرم مؤقتة، ورداً على ذلك، ترك المندوب الأردني في حينه مداولات اللجنة، وعاد إلى عمان، وأيدت بعض الدول العربية هذا الموقف ومنها مصر والسعودية، موقف المغرب في حينه، وهو ما يشير إلى دخول أطراف عدة في ملف القدس وإدارة المقدسات الإسلامية والمسيحية في الفترة المقبلة.

ويمضي الطرح الإسرائيلي الراهن في سياق ثنائي ومتعدد، فمع الموقفين الأردني والفلسطيني، يتماشى مع الوضع الراهن مع الاستمرار في ضرب بنود الاتفاق الثلاثي الموقع مع الجانبين مع إيجاد مساحة كبيرة للحركة اليهودية في المسجد الأقصى تحديداً تخوفاً من تفكك الائتلاف الذي بدأ عقده في الانفراط، وستكون الحكومة الراهنة على المحك حال خروج بعض أعضاء الائتلاف المشكل من ثمانية أحزاب وكتل متضاربة برامجها ورؤيتها السياسية بخاصة تجاه وضع ملفين مهمين وهما وضعية القدس والمستوطنات.

ولن تقدم الحكومة الإسرائيلية على أي مغامرة حقيقية في مواجهة مد قوي للمستوطنين بصرف النظر عن أي بعد أيديولوجي مطروح، وبكل أبعاده الدينية المعلومة، كما ستعمل الحكومة في اتجاه إقليمي واضح من خلال التأكيد على إمكانية الدخول في مفاوضات إقليمية كاملة مع الدول العربية التي وقعت معها اتفاقيات سلام على أن تشكل إطاراً أوسع للإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية، وهو ما يوسع من نطاق العمل السياسي والديني معاً ويحقق لإسرائيل مقاربة إقليمية ومظلة كبيرة، ولعل هذا الأمر قد نقل بالفعل إلى الجانب الأميركي أخيراً، وما زال يدرس في نطاقه العام تخوفاً من أي خطوة قد يقدم عليها الأردن قد تؤدي لإفشال ما يقترح إسرائيلياً، وقد يؤدي لمزيد من المواجهات في الفترة المقبلة داخل مدينة القدس وخارجها، في ظل تربص الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة التي تتحين الفرصة لإعادة استثمار المشهد وتوجيهه لحساباتها، وهو ما تدرك أبعاده إسرائيل جيداً وتعمل على تطويقه والإبقاء على حالة التهدئة.

المشهد بالفعل معقد في القدس ويحتاج إلى حل حقيقي، وكل الحلول المطروحة مؤقتة لحين التوصل لموقف محدد ومهم يمكن البناء عليه، وفي ظل صراع غير معلن بين أطراف إقليمية تريد تحقيق حضور حقيقي في هذا الملف لما له من أهمية كبيرة لدى العالمين العربي والإسلامي، بل وأساس لشرعية الحكم، وهو ما يدركه الأردن جيداً ويعمل على الحفاظ على دوره عبر سلسلة من المقترحات العملية لمواجهة أية تدخلات إقليمية أو تعنت إسرائيلي قد يمس شرعية الوضع الراهن للأردن في الإشراف على المقدسات الإسلامية والمسيحية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل