Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ارتفاع تحويلات المغتربين التونسيين ودعوات لدمجهم في الاقتصاد المحلي

أسهم المهاجرون في توفير 5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي العام الماضي

تعد تحويلات المغتربين مصدراً مهماً للنقد الأجنبي لتعويض الضرر الذي لحق أخيراً بالقطاع السياحي في تونس (أ ف ب)

سجلت تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج ارتفاعاً ملحوظاً في الثلث الأول من السنة الحالية، لتواصل بذلك نسق الارتفاع الذي اتخذته منذ ثلاث سنوات، متجاوزة مداخيل القطاع السياحي، الذي لطالما اعتُبرت المورد الأول المباشر للعملات الأجنبية تليه تحويلات المغتربين.
وأضحت بذلك تحويلات المغتربين من أهم مكونات احتياطيات تونس من النقد الأجنبي، وتطورت بنسبة 13 في المئة منذ انطلاق السنة الحالية وحتى مايو (أيار) الحالي، مقارنة بذات الفترة من العام الماضي، ما دفع إلى البحث في سبل إشراك المغتربين في مجهود الإنماء الوطني عن طريق الاستثمار المباشر أو استثمارات المحفظة والاكتتاب في القروض الوطنية.
وفسر باحثون لـ"اندبندنت عربية" التطور الحاصل في التحويلات، بـ"التغيير الذي شمل تركيبة المهاجرين"، داعين إلى "حسن استغلال هذا المورد الواعد للثروة، عن طريق سَن قوانين وتشريعات تشجع على دمجهم في الدورة الاقتصادية وتحولهم إلى عنصر فاعل في النمو".

نسق تصاعدي

ويبلغ عدد التونسيين في الخارج حوالى مليون و400 ألف نسمة، من بينهم شريحة مهمة من الكفاءات تصل إلى 170 ألف شخص. وناهزت تحويلاتهم، 5 في المئة من الدخل الوطني الخام لعام 2021. وبلغت قيمة تحويلات المغتربين التونسيين ما يعادل 2.228 مليار دينار (709 ملايين دولار) منذ بداية عام 2022 وحتى 18 مايو (أيار) الحالي، وفق أحدث المؤشرات النقدية الصادرة عن البنك المركزي التونسي مقارنة بـ2.151 مليار دينار (684 مليون دولار) في ذات الفترة من السنة السابقة، بينما لم تتجاوز الإيرادات السياحية للعام الحالي، 737.5 مليون دينار (234.8 مليون دولار)، مسجلة زيادة بنسبة 7.47 في المئة مقارنة بالفترة ذاتها من عام 2021.
وكانت تحويلات المغتربين سجلت ارتفاعاً قياسياً ببلوغها 8.6 مليار دينار (2.73 مليار دولار)  في عام 2021، في حين ناهزت 5.8 مليار دينار (1.84 مليار دولار) في عام 2020 و5.2 مليار دينار (1.65 مليار دولار) في 2019.
وصرحت وزيرة المالية التونسية، سهام البوغديري نمصية، أن "الوزارة تنظر في تطوير إطار قانوني يمكن المغتربين التونسيين من المشاركة في الاكتتاب والقروض الوطنية واقتناء السندات بطلب منهم".

وكان مروان العباسي، محافظ البنك المركزي التونسي، أشاد بـ"دعم التونسيين بالخارج المتواصل لبلادهم خلال فترة الأزمة الصحية"، مشدداً على أنه "لولا المغتربون لكانت مستويات احتياطي العملة الصعبة متدنية".

وأشار العباسي إلى أهمية الدور المحوري الذي تلعبه الجالية التونسية بالخارج في ضخ العملة الصعبة ودفع عجلة الاستثمار، مؤكداً ضرورة تهيئة كل الأرضيات الملائمة لذلك من تشريعات وحوافز اقتصادية، حيث تسجَل حالة تململ في صفوف المهاجرين بسبب الزيادات في معاليم (رسوم) الوثائق القنصلية لدى البعثات الدبلوماسية التونسية في مختلف دول العالم، ما حدا ببعضهم إلى إعلان عزمه عدم العودة إلى البلاد احتجاجاً على هذه المعاملة.
المساهمة في الناتج المحلي

كما تحدث محافظ "المركزي التونسي" عن "المساهمة الحقيقية للمغتربين في التنمية والدور المهم الذي يلعبه المهاجرون في النشاط الاقتصادي للبلاد"، قائلاً إن "التونسيين بالخارج سجلوا في عام 2019 استثماراً إنتاجياً يُقدَّر بنحو 1.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. كما أسهموا أيضاً بنسبة 10 في المئة من إجمالي تكوين رأس المال الثابت و7.3 في المئة من إجمالي الدخل القومي المتاح لعام 2018"، مشيراً إلى "الدور الذي لعبه تونسيو الخارج خلال أزمة كورونا حيث استمرت تحويلاتهم بالزيادة على الرغم من كل الصعوبات".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وانتقد العباسي التعامل مع المهاجرين وأقر بأنه "على الرغم من أهمية هذا الدور فإن الإدارة التونسية لا تكافئ العمال على هذه التحويلات، فهم يشكون من سوء الخدمات الإدارية ويعانون للوصول إلى أبسط الإجراءات الإدارية". وقال، "لذلك سيسعى البنك المركزي من الآن فصاعداً إلى لعب دور تيسيري للجالية التونسية".

ودعا العباسي إلى "وضع قانون تعبئة المغتربين ويتضمن إنشاء إطار مؤسسي مستدام لتعبئة الشتات التونسي بهدف تعويض النقص الكبير في الاستراتيجية والتدابير الهيكلية لزيادة المساهمة الاجتماعية والاقتصادية للمغتربين في تنمية تونس".

ندرة الاستثمار
في المقابل، رأى رياض جعيدان، رئيس "جمعية صوت التونسيين بالخارج" (مستقلة) أنه "على الرغم من تسجيل ارتفاع في تحويلات التونسيين المقيمين بالخارج وبلوغها مستويات قياسية في عام 2021، بقيمة 8.6 مليار دينار (2.73 مليار دولار)، فإن أغلبها خُصص للسكن أو الخدمات أو دعم العائلات والأقارب وبخاصة في ظل جائحة كورونا. وغابت التحويلات المتجهة نحو الاستثمار، لا سيما في المجالات الواعدة وذات القيمة المضافة". ووصف جعيدان ذلك بالـ"مؤسف" وهو ناتج بحسب رأيه عن "غياب الرغبة في الاستثمار بسبب تفاقم الصعوبات الإدارية والإجرائية وتعقدها والعراقيل الديوانية إلى جانب المشاكل المالية". ودعا إلى "تسهيل الإجراءات الإدارية وتبسيطها وإعطائها مرونة وسرعة أكثر". كما أشار إلى "ضرورة إنشاء صندوق تنمية واستثمار لفائدة التونسيين المقيمين بالخارج بهدف أن يكون رافداً مهماً لاستقطاب المغتربين ويحفزهم على الاستثمار في وطنهم الأم".
ولا ينفصل ذلك وفق تقدير جعيدان عن "أهمية وضع برنامج مشترك يهدف إلى تحفيز المغتربين التونسيين على القدوم أكثر إلى بلادهم وذلك عبر مزيد من التسهيلات وتحسين ظروف استقبالهم على مختلف المعابر الحدودية، الجوية والبحرية، مع وضع برنامج ترويجي خاص بهم حسب بلدان الإقامة والأعمار والشرائح الاجتماعية يستجيب لرغباتهم وتطلعاتهم مع التركيز كذلك على توفير خدمات استقبال وإقامة تستجيب لانتظاراتهم وتطلعاتهم وتفادي اعتبارهم مجرد بقرة حلوب أو عجلة احتياط لا يتم استقطابها إلا عند الشدائد لإنقاذ اقتصاد مترهل بدعوتهم إلى الاستثمار أو السياحة وحتى إقراض الدولة في حالات عدة عبر الاكتتاب في القروض الرقاعية المخصصة لسد ثغرة الميزانية المتنامية".

قوانين الصرف

من ناحية أخرى، قال محمد سويلم، المدير العام السابق للسياسة النقدية بالبنك المركزي التونسي، إن "تحويلات التونسيين بالخارج تمثل مورداً مهماً للعملة الصعبة وتؤمن جزءاً من مخزون العملات لتونس الذي يبلغ حالياً 23.5 مليار دينار (7.84 مليار دولار). وقد تحول هؤلاء إلى مصدر للمحافظة على احتياطي العملات، بخاصة بعد تراجع عائدات القطاع السياحي تحت تأثيرات الأزمة الصحية العالمية الحادة وقاموا بتعويض النقص الفادح جراء ذلك، والحال أنه من المعتاد في السابق، تجاوز عائدات السياحة لعائدات الشغل، بعكس ما حصل منذ سنتين. وبذلك أضحت تحويلات المغتربين عنصراً مهماً للتغلب على هذه الصعوبات الطارئة التي تعترض المخزون، ويعود ذلك إلى التغيير الحاصل في تركيبة المغتربين الذين تحولوا من يد عاملة متفاوتة ومتوسطة التكوين إلى إطارات وكفاءات في جزء كبير منها في السنوات الأخيرة".
ويمكن للجالية التونسية بالخارج دفع عجلة الاستثمار في حال تهيئة التشريعات والحوافز الاقتصادية الضرورية لذلك، وأهمها حرية تحويل مداخيل الاستثمارات إلى الخارج، الأمر الذي يمنعه قانون الصرف التونسي الحالي، حيث لا يستطيع المستثمر التونسي المقيم في الخارج أن يحوّل أرباحه الى خارج أرض الوطن، مثله مثل المستثمرين الأجانب. ويُعامَل المستثمر التونسي المقيم في الخارج معاملة المستثمر المحلي بمجرد قيامه باستثمار داخل البلاد، إن كان في محفظة أو استثماراً مباشراً.