أعلنت لجنة السياسة النقديـة بالبنك المركزي المصري، الخميس 19 مايو (أيار)، رفع أسعار العائد الأساسية، بواقع 200 نقطة أساس، بما يعادل 2 في المئة. موضحة، في بيان رسمي، رفع سعري عائد الإيداع والإقراض لليلة واحدة وسعر العملية الرئيسة للبنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس، ليصل إلى 11.25 و12.25 و11.75 في المئة على الترتيب.
وأرجعت اللجنة قرارها إلى أن النشاط الاقتصادي العالمي اتسم بالتباطؤ، جراء استمرار الحرب الروسية- الأوكرانية، وآثار العقوبات التجارية المفروضة على روسيا وما نتج منها من اختناقات في سلاسل الإمداد والتوريد، مما أدى إلى ارتفاع الأسعار العالمية للسلع الأساسية، مثل النفط والقمح، الذي تأثر حجم المعروض العالمي منه، بسبب الأحوال السيئة للطقس، وانخفاض المحاصيل في مناطق معينة.
احتواء التضخم
وقالت اللجنة، إنه في الوقت نفسه جرى تقييد الأوضاع المالية العالمية، بحيث استمرت البنوك المركزية في الخارج في تشديد السياسات النقدية عن طريق رفع أسعار العائد وخفض برامج شراء الأصول، لاحتواء ارتفاع معدلات التضخم في بلادهم، إضافة إلى ذلك، تثير عمليات الإغلاق التي جرى فرضها أخيراً في الصين، مخاوف بشأن إمكانية تفاقم اضطرابات سلاسل الإمداد والتوريد العالمية.
وأضافت لجنة السياسة النقدية، أنه لتلك الأسباب تقرر رفع أسعار العائد الأساسية لدى البنك المركزي بواقع 200 نقطة أساس. ويعد ذلك إجراءً ضرورياً للسيطرة على الضغوط التضخمية، كما يتسق مع تحقيق هدف استقرار الأسعار على المدى المتوسط.
وأوضحت أن استخدام أدوات السياسة النقدية للسيطرة على توقعات التضخم، والحد من الضغوط التضخمية من جانب الطلب والآثار الثانوية لصدمات العرض لما لها من تأثير، وتخطي المعدلات المستهدفة، والمعلن عنها مسبقاً، وبالنظر إلى الآثار الأولية لصدمات العرض حالياً، فمن المتوقع وبشكل مؤقت ارتفاع معدلات التضخم نسبياً عن المعدل المستهدف للبنك المركزي، والبالغ 7 في المئة (± 2 نقطة مئوية) في المتوسط خلال الربع الرابع من عام 2022، وذلك على أن تعاود المعدلات الانخفاض تدريجاً.
وأشارت اللجنة إلى أن تحقيق معدلات تضخم منخفضة ومستقرة على المدى المتوسط هو شرط أساسي لدعم القوة الشرائية للمواطن المصري، وتحقيق معدلات نمو مرتفعة ومستدامة. كما تؤكد اللجنة أن أسعار العائد الحالية تعتمد بشكل أساسي على معدلات التضخم المتوقعة، وليس المعدلات السائدة.
خطأ فادح
اختلفت آراء المحللين في حديثهم إلى "اندبندنت عربية" بشأن قرار المركزي المصري، ففي الوقت الذي اعتبر فيه بعضهم أن رفع معدلات الفائدة "أمر لا مفر منه"، في ظل مستويات التضخم المرتفعة، أشار البعض الآخر إلى أن الحل ليس في رفع أسعار الفائدة، إذ إن زيادتها "قد تسهم" في رفع معدلات التضخم.
من جانبه، يرى المتخصص المصرفي، ماجد فهمي، أن اتباع المركزي المصري سياسة التشديد النقدي والمالي، سيراً في فلك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنوك المركزية حول العالم "خطأ فادح". موضحاً أن سياسة البنك الفيدرالي الأميركي للتشديد النقدي لها ما يبررها، "إذ إن حجم الطلب فاق المعروض في الولايات المتحدة، مما دفع معدلات التضخم إلى الارتفاع، ولذلك تدخل الفيدرالي برفع أسعار الفائدة مرتين على التوالي، لكبح جماح التضخم".
وأوضح فهمي، "وضع التضخم في القاهرة مختلف، إذ إنه ناتج من ارتفاع أسعار السلع الأساسية والاستراتيجية على مستوى العالم، نتيجة الحرب في أوروبا، وتعطل سلاسل الإمداد، وهو ما يعني أن التضخم مستورد من الخارج". مشيراً إلى أن رفع أسعار الفائدة "سيرفع من أسعار السلع محلياً، وسيدفع المستثمرين والمصنعين الذين يحصلون على تسهيلات ائتمانية من البنوك إلى نقل عبء تكلفة الاقتراض بعد رفع معدل الفائدة إلى المستهلك النهائي، بزيادة أسعار المنتجات والخدمات". مطالباً لجنة السياسة النقدية بـ"المركزي المصري" بالتوقف عن رفع معدلات الفائدة وتثبيتها في اجتماعاته المقبلة.
قرار صائب
وفي المقابل، قالت نائب رئيس مجلس إدارة بنك مصر السابق، سهر الدماطي، إنه "لا مفر أمام البنك المركزي سوى الاستمرار في سياسة التشديد النقدي، لكبح معدلات التضخم المرتفعة"، مؤكدة أن رفع أسعار الفائدة "يقلل السيولة من السوق والمواطنين وادخارها بالبنوك، نظراً لارتفاع أسعار شهادات الادخار، التي أعلنتها البنوك الوطنية".
وبشأن ارتفاع التكلفة الاستثمارية مما يزيد من إحجام المستثمرين عن ضخ استثمارات، أضافت الدماطي "زيادة أسعار الفائدة لها آثار إيجابية وأخرى سلبية لا يمكن إنكارها، إذ إن الرفع يزيد تكلفة التمويل والإقراض البنكي لصالح المصنعين والمستثمرين، لكن عند تقييم الآثار السلبية مقابل الإيجابيات سنجد أن القرار الصواب هو رفع أسعار الفائدة".
وارتفعت معدلات التضخم في مصر بمقدار 7 في المئة منذ بداية العام الحالي، إذ قفز المؤشر من 8 في المئة في يناير (كانون الثاني) الماضي، ليصل إلى 14.9 في المئة خلال أبريل (نيسان) الماضي، متأثراً بالتداعيات السلبية للحرب الروسية على أوكرانيا.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأعلن الجهاز المركزي المصري للتعبئة والإحصاء، في العاشر من مايو الحالي، ارتفاع معدل التضخم السنوي في مصر خلال أبريل الماضي إلى 14.9 مقابل 12.1 في المئة في مارس (آذار)، و10.5 في المئة في فبراير (شباط)، في الوقت الذي صعد معدل التضخم الشهري لإجمالي الجمهورية إلى 3.7 في المئة خلال الشهر الماضي، مقابل 2.4 في مارس.
من جانبه، قال رئيس قطاع البحوث في الجامعة الأميركية بالقاهرة، هاني جنينة، إن سلبيات رفع أسعار الفائدة "لا تصب في صالح أصحاب الأوعية الادخارية والقطاع العائلي بالقطاع المصرفي". موضحاً أن نجاح السياسات المصرفية في دعم الاستثمارات تظهر دائماً في المقارنة بين قطاع الادخار العائلي وقطاع الإقراض لصالح المستثمرين.
وأشار جنينة إلى أنه من "المؤشرات الإيجابية في الاقتصادات الناجحة أن تكون نسبة الإقراض أكبر من نسبة الادخار بالبنوك المحلية". مؤكداً أن رفع أسعار الفائدة دائماً "يضعف من هذا المؤشر، إذ إن المدخرين يتكالبون على الشهادات مع ارتفاع أسعار الفائدة بالبنوك".
أعباء على الموازنة
وفي السياق ذاته، قال المتخصص الاقتصادي محمد ماهر، إن تأثير رفع أسعار الفائدة السلبي يظهر دائماً في الموازنة العامة للدولة، إذ إن ارتفاع أسعار الفائدة دائماً "يرفع من كلفة أعباء الدين"، موضحاً أن الحكومة المصرية "تسد العجز الكلي بالموازنة العامة للدولة عن طريق الاستدانة محلياً ودولياً".
وأضاف ماهر أن الاستدانة الدولية عن طريق الاقتراض من المؤسسات المالية كصندوق النقد والبنك الدولي وغيرهما، بينما تسد جزءاً كبيراً من هذا العجز بالاقتراض المحلي عبر بيع أذون وسندات الخزانة الحكومية بالعملة المحلية بمتوسط أسعار فائدة تزيد قليلاً على الأسعار المعلنة من البنك المركزي المصري، وفقاً للعرض والطلب عند طرح مزادات الحكومة الأسبوعية لأذون وسندات الخزانة، مشيراً إلى أن ارتفاع أسعار الفائدة "يسبب عبئاً مالياً على الموازنة، بينما الخفض يقلل تلك الأعباء".