أعلن البنك المركزي التونسي رفع نسبة الفائدة الرئيسة بـ0.75 نقطة أساس لتمر من 6.25 إلى 7 في المئة بهدف تطويق نسبة التضخم البالغة 7.5 في المئة في أبريل (نيسان) الماضي، وهو أعلى مستوى يجري تسجيله منذ أعوام.
القرار خلّف انتقادات واسعة لدى المتخصصين وأساتذة الاقتصاد والمواطنين، معتبرين أنه يظل حلاً نقدياً فقط لتطويق نسبة التضخم الآخذة في الارتفاع، وسيؤثر في تنافسية الشركات الاقتصادية التي ستجد صعوبات في النفاذ إلى القروض البنكية.
وحققت تونس خلال الربع الأول من العام الحالي نسبة نمو إيجابية بلغت 2.4 في المئة، ويأتي قرار المركزي بتحريك نسبة الفائدة الرئيسة في سياق ما تقوم به تقريباً كل البنوك المركزية في العالم لكبح التضخم الناتج من تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
ولطالما شدد محافظ البنك التونسي مروان العباسي في مناسبات عدة على أن كل شيء يتم التعامل معه بمرونة إلا نسبة التضخم التي وجب التعامل معها بصرامة، وتمثل ذلك في قرار مجلس إدارة البنك رفع نسبة الفائدة بـ0.75 نقطة أساس.
قرار خاطئ
نسبة الفائدة الرئيسة هي التي تقترض بها البنوك التجارية من البنك المركزي التونسي. ولم يراجع البنك المركزي التونسي هذه النسبة منذ أكتوبر 2020 لتظل في مستوى 6.25 في المئة. واعتبر متخصصون في تصريحات لـ"اندبندنت عربية" أن مقاربة البنك المركزي خاطئة وسيتضرر منها المواطن والمستثمر وحتى الدولة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وقال أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية أرام بلحاج إن رفع البنك المركزي نسبة الفائدة لتبلغ 7 في المئة غير متوقع، وانعكاساته ستكون كبيرة على المواطن من خلال تكلفة القروض الاستهلاكية، وكذلك بالنسبة إلى الشركات من خلال قروض الاستثمار، مفسراً بأن نسبة التضخم في تونس لا ترتبط بالعوامل الداخلية فقط، بل تشمل العوامل الخارجية أيضاً، بخاصة في ظل الحرب الروسية الأوكرانية.
وتابع أن قرار البنك المركزي رفع الفائدة سيؤثر بشكل مباشر في المواطن والشركات، مشيراً إلى أن هذا الإجراء سيمس حتماً محرك الاستهلاك وله تبعات على الاستثمار.
ارتفاع تكلفة الاقتراض
من جانبه، أقر المحلل المالي معز حديدان بأن القرار كان متوقعاً لمجابهة التضخم، موضحاً أن نسبة 0.75 نقطة مرتفعة، بخاصة أن التضخم الذي تعيشه تونس ليس نقدياً وأسبابه بالأساس خارجية. ولاحظ أن رفع نسبة الفائدة سيؤثر سلباً في الشركات والأشخاص الطبيعيين ويقلص من القدرة الشرائية للمواطن التونسي والشركات.
وأوضح حديدان أن القرار لن يشجع على الاستثمار والاستهلاك في تونس، بل سيعطل نسبة النمو الاقتصادي، بخاصة أن صاحب رأس المال سيفضل الادخار عوض الاستثمار. وفي تفسيره لتداعيات القرار، أفاد بأن المواطن التونسي المتحصل على قرض من البنوك سيتأثر بصفة مباشرة، فمن كان يسدد قسطاً بنكياً قيمته 300 دينار (100 دولار) سيسدد قسطاً قيمته 350 ديناراً (116 دولاراً) تقريباً، ومن كان يسدد 500 دينار (166 دولاراً) سيسدد 600 دينار (200 دولار) شهرياً، مرجحاً أن تتقلص القدرة الشرائية بنسبة 20 في المئة.
معالجة نقدية فقط للتضخم
وزير التجارة الأسبق والمتخصص الاقتصادي محسن حسن يرى أن قرار "المركزي التونسي" يهدف إلى توجيه الأسر نحو الادخار وتقليص الاستهلاك لتطويق نسبة التضخم الآخذة في الارتفاع منذ بداية العام الحالي. وأبرز أن هذا القرار ستكون له من جانب آخر تداعيات كبيرة على تكلفة القروض البنكية التي ستزيد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الاستثمار، ما سيؤثر سلباً في القدرة التنافسية للمؤسسات التونسية التي ستصعد أسعار إنتاجها.
ولفت إلى أن البنك المركزي عالج مسألة التضخم من الجانب النقدي فقط، وكان ضرورياً أن تتخذ الحكومة إجراءات موازية وصارمة من أجل تقليص التضخم عبر إصلاح جذري وشامل لمسالك التوزيع والقضاء على الاحتكار. ودعا إلى ضرورة اتخاذ قرارات أخرى ذات طابع تجاري، أهمها وقف توريد المواد الاستهلاكية غير الضرورية، التي تستنزف العملة الصعبة التونسية.
مخاطر تطور التضخم
مجلس إدارة البنك المركزي التونسي أعرب في اجتماعه، الثلاثاء، عن عميق انشغاله إزاء المخاطر التصاعدية التي تحيط بآفاق تطور التضخم. وأكد أهمية تنسيق السياسات الاقتصادية لتجنب أي انزلاق تضخمي قد يزيد من مواطن الضعف ويعيق انتعاشة النشاط الاقتصادي.
وشدد المجلس على ضرورة الشروع بأسرع ما يمكن في الإصلاحات الهيكلية اللازمة، التي من شأنها إعادة النمو الاقتصادي إلى مسار تصاعدي بهدف ضمان الاستقرار الكلّي في القطاع واستدامة الدين العمومي. واعتبر المجلس أن انتقال الضغوط التضخمية المتأتية من الخارج إلى الأسعار المحلية من جهة، وتداعيات التعديلات المنتظرة على الأسعار المؤطرة ضمن إصلاح منظومة الدعم من جهة أخرى، من شأنها الإبقاء على التضخم في مستويات عالية تاريخية، سواء خلال 2022 أو 2023. ولاحظ البنك ارتفاعاً سريعاً ومعمماً للتضخم في جميع أنحاء العالم، ما يتباين مع الانتعاشة الهشة للنمو العالمي، الذي أضعفته تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية.
وعلى الرغم من اتجاه النشاط العالمي نحو الانخفاض، استمرت الأسعار في الزيادة وفقاً لتطورات الأزمة، من منطلق أن التصاعد شبه المعمم للأسعار الدولية للمواد الأساسية، والاضطرابات المستمرة على مستوى سلاسل التزويد، زادت حدتهما، ما أدى إلى تأجج الضغوط التضخمية على مستوى سلسلة الأسعار بأكملها. ومن المتوقع أن تكتسي هذه الضغوط طابعاً أكثر استدامة.