Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بريطانيا تنزلق إلى أزمة اقتصادية "صعبة"

سياسات الحكومة تسهم في استمرار هبوط الاسترليني حتى يكاد يقترب من دولار للجنيه

توقعات باستمرار هبوط سعر صرف الجنيه الاسترليني ليصل إلى مستوى دولار للجنيه للمرة الأولى في تاريخه (رويترز)

حذر محافظ بنك إنجلترا (المركزي البريطاني) أندرو بيلي الاثنين 16 مايو (أيار) من ارتفاع كارثي في أسعار الغذاء في بريطانيا، معترفاً بأن البنك المركزي ليس في استطاعته وقف ارتفاع معدلات التضخم ربما إلى أكثر من 10 في المئة هذا العام. وكانت معدلات التضخم ارتفعت في مارس (آذار) إلى أعلى مستوى في 30 عاماً بتجاوز نسبة 7 في المئة، ويتوقع أن تصل معدلات التضخم في أبريل (نيسان) التي تعلن الثلاثاء، إلى نسبة تتجاوز 9 في المئة.

وقال محافظ البنك المركزي أمام لجنة الخزانة في مجلس العموم (البرلمان) البريطاني، إن الحرب في أوكرانيا زادت من مخاطر نقص الغذاء في بريطانيا. وأشار إلى أن التوقعات المستقبلية تبدو "كارثية" بالنسبة لأسعار الغذاء.

ويواجه البريطانيون ارتفاعاً غير مسبوق في تكاليف المعيشة يزيد الضغط على حكومة رئيس الوزراء بوريس جونسون لأن تفعل المزيد لتخفيف الأعباء المعيشية على المواطنين. وكان بعض مسؤولي الحكومة وحزب المحافظين وجهوا انتقادات للبنك المركزي بأنه لم يوقف ارتفاع معدلات التضخم، فنسبة التضخم المستهدفة من قبل البنك هي 2 في المئة. ورد أندرو بيلي على ذلك بشكل غير مباشر، بأن البنك رفع سعر الفائدة أربع مرات منذ نهاية العام الماضي، وأنه سيرفع الفائدة مجدداً للحد من ارتفاع معدلات التضخم.

بريطانيا أسوأ من غيرها

وعلى الرغم من أن معدلات التضخم ترتفع في أغلب دول العالم بسبب الحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على روسيا وعودة الإغلاقات في الصين بسبب وباء كورونا، إلا أن ارتفاع تكاليف المعيشة في بريطانيا أسوأ بكثير من بقية الدول المماثلة لها اقتصادياً. وتوقع تقرير لصحيفة "الديلي تلغراف" أن تزداد تكاليف المعيشة في بريطانيا وبشكل أسوأ من بلدان أخرى في الأشهر المقبلة.

وحذرت العضو السابق في لجنة السياسات النقدية ببنك إنجلترا كريستين فوربس الأسبوع الماضي، من أن بريطانيا "تعاني من العوامل الستة كلها التي تغذي ارتفاع معدلات التضخم". وعلى الرغم من إرجاع عوامل التضخم في أغلبها لظروف خارجية تتعلق بأزمة عالمية في الغذاء والطاقة نتيجة الحرب في أوكرانيا وتعطل سلاسل التوريد، إلا أن البريطانيين يعانون أكثر من غيرهم من سياسات حكومية أيضاً. فعلى عكس بقية الحكومات في العالم، زادت الحكومة البريطانية الضرائب على المواطنين، ما ضاعف من أزمة المدخول في وقت تنخفض القيمة الحقيقية للأجور نتيجة التضخم.

وتضيف فوربس: "ضع كل تلك العوامل معاً يتضح لك مدى التحديات التي تواجهها بريطانيا، ولماذا سيتجاوز معدل التضخم نسبة 10 في المئة قريباً هذا العام. ومن غير المحتمل أن تواجه كل تلك العوامل والنسب في أي بلد آخر".

ومن العوامل التي تغذي ارتفاع معدلات التضخم ظروف سوق العمل والوظائف في بريطانيا، حيث تواصل القوة العاملة في الاقتصاد البريطاني الانكماش. ويرى كثير من الاقتصاديين والمحللين أن سياسة الحكومة البريطانية التي لا تسمح بهجرة العمالة إلى بريطانيا، زادت من تفاقم تلك المشكلة. وبحسب أرقام معهد دراسات التوظيف، فإن القوة العاملة في بريطانيا حالياً تقل بحوالى 1.2 مليون عما كانت عليه قبل أزمة وباء كورونا عام 2020.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هبوط الاسترليني

ومن العوامل المهمة الأخرى التي تغذي التضخم وارتفاعه بمعدلات غير مسبوقة، هبوط سعر صرف الجنيه الاسترليني. وعلى الرغم من أن سعر صرف الدولار الأميركي يرتفع منذ فترة، ما يعني أن العملات الرئيسة الأخرى تنخفض قيمتها أمامه، إلا أن هناك أسباباً تتعلق بسياسة الحكومة البريطانية تدفع بالعملة الوطنية نحو الهبوط. ويؤدي انخفاض سعر صرف العملة الوطنية إلى تراجع القدرة الشرائية للأسر، بالتالي انخفاض الإنفاق الاستهلاكي الذي يمثل نحو ثلثي النمو في الناتج المحلي الإجمالي. كما أن الانخفاض في سعر صرف الاسترليني ليس أمام الدولار فقط، بل أيضاً أمام عملات رئيسة أخرى.

ومع أن انخفاض سعر العملة يجعل صادرات البلد أكثر تنافسية، إلا أن بريطانيا تشهد زيادة مضطردة في عجز الميزان التجاري وصلت إلى نسبة كبيرة في الربع الأول من هذا العام. ذلك لأن هبوط سعر الجنية الاسترليني يجعل الواردات من الخارج أكثر كلفة، ومع زيادة الواردات عن الصادرات تتسع هوة عجز الميزان التجاري أكثر.

وشهد سعر صرف الجنيه الاسترليني مقابل الدولار هبوطاً في العام الماضي 2021 كله بنسبة 20 في المئة، بينما هبط سعر الاسترليني منذ بداية هذا العام حتى الآن بنسبة 10 في المئة أمام الدولار. فبعدما كان الجنيه الاسترليني يساوي أكثر من 1.33 دولار، أصبح الآن سعره بحدود 1.2 دولار. ويتوقع بعض المحللين في أسواق العملات أن الجنيه الاسترليني ربما يواصل الهبوط حتى يصل للتساوي مع الدولار، أي يصبح الجنيه بدولار.

من هؤلاء المتشائمين بمستقبل سعر صرف الجنيه الاسترليني المعلق الاقتصادي ماثيو لين، الذي كتب مقالاً في صحيفة "الديلي تلغراف" يحمل فيه سياسات حكومة بوريس جونسون المسؤولية عن هبوط سعر صرف الدولار. ويضيف: "تعني سلسلة أخطاء السياسة الاقتصادية أن الاقتصاد البريطاني يتجه نحو أسوأ أزمة يتعرض لها منذ زمن طويل. ولا يمكن الآن استبعاد أن يهوي سعر الجنيه الاسترليني ليصبح مساوياً لسعر الدولار للمرة الأولى في تاريخه".

ومن العوامل الرئيسة التي تسهم في هبوط سعر صرف الاسترليني وترتبط بالسياسات الاقتصادية البريطانية، الزيادة الهائلة في عجز الميزان التجاري، والتي بلغت في الربع الأول من هذا العام أكثر من 342 مليار دولار (278 مليار جنيه استرليني)، أي نحو نسبة 1.8 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي. ويرى لين أن ذلك بالأساس نتيجة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي "بريكست". ويعتبر أن الحكومة البريطانية مضطرة الآن للاستدانة من الخارج لسد عجز الميزانية وأيضاً عجز الميزان التجاري، بعدما توقف بنك إنجلترا عن التيسير الكمي (أي شراء سندات سيادية).