Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الجزائر... بين قطع رؤوس الفساد والمطالبة باستعادة الأموال المنهوبة

"الشعب يريد استرجاع المسروقات... لا رحمة عند محاسبة العصابات"

استرجاع الأموال المنهوبة مسألة معقدة والشعب يطالب بمحاسبة الفاسدين (أ.ف.ب)

ارتفع سقف مطالب الحراك الشعبي في الجزائر إلى ضرورة استعادة الأموال المنهوبة من طرف "العصابة" وأذرعها الفاسدة من السياسيين والمسؤولين ورجال "الأعمال"، وهو الملاحظ من خلال الشعارات واللافتات المرفوعة في الجمعة الـ 17، وعلى الرغم من تطمينات القضاء والقيادة العسكرية بأن عمليات استرجاع أموال الشعب المنهوبة ستجري مباشرتها قريباً، خصوصاً في ظل إبداء جهات أجنبية رغبتها في المساعدة، غير أن خبراء الاقتصاد يرون أن الإجراءات معقدة، لا سيما مع بعض الدول الأجنبية التي تعرف بـ "الجنات الضريبية"، لكنها ليست مستحيلة.

ارتياح... لكنه لا يكفي

على الرغم من الارتياح الذي ارتسمت ملامحه على وجوه الجزائريين، جراء اعتقال وحبس "الحوت الكبير" من الفاسدين وناهبي المال العام، غير أن ذلك لم يكن كافياً بعد أن سيطرت لافتات وشعارات تطالب بضرورة استرجاع الأموال المنهوبة، على مسيرات الجمعة الـ 17، مثل "الشعب يريد استرجاع المسروقات... لا رحمة عند محاسبة العصابات"، ما دفع إلى ترقب رد فعل "النظام المؤقت" ومدى قدرته على استرجاع أموال الشعب المنهوبة.

الوزير يطلب التحرك... واستجابة سريعة

ووجه وزير العدل الجزائري سليمان إبراهيمي تعليمات للنيابات العامة بالشروع في حصر عائدات المتورطين في قضايا الفساد، وتحديد مكان وجودها وإحصائها. وقال خلال إشرافه على تنصيب النائب العام الجديد لمجلس قضاء الجزائر، إن هذه الخطوة تندرج في سياق حجز أو تجميد العائدات تحسباً لإحالتها إلى الجهات القضائية المختصة للتصرف فيها، وفق ما ينص عليه القانون الجزائري، مؤكداً أن موضوع العائدات الإجرامية حجر الزاوية في مجال مكافحة جرائم الفساد.

وفي السياق ذاته، شرعت السلطات في استرجاع عقارات وأراض زراعية، استفاد منها رجال أعمال موجودين حالياً، رهن الحبس المؤقت، وآخرين يجري التحقيق معهم. وأوضح مصدر برلماني لـ "اندبندنت عربية" أنه جرى استرجاع أراض زراعية تقدر بأكثر من 50 ألف هكتار، بمحافظة البيض، استفاد منها أحد رجال "المال والأعمال" المحبوسين.

المهمة صعبة خارجياً

ويعتقد الخبير الاقتصادي كمال موسوني في تصريح لـ "اندبندنت عربية"، أن نوايا "النظام المؤقت" صادقة حتى الآن، وعليه يمكن ترقب جهود من أجل استرجاع أموال الشعب المنهوبة، بما فيها المهربة إلى الخارج. وقال إن الإجراءات معقدة في ما يتعلق باسترجاع الأموال المهربة، خصوصاً في بعض الدول التي توصف بـ "الجنات الضريبية"، بسبب عدم وجود اتفاقات ثنائية مع الجزائر في مجال تسليم المطلوبين واسترجاع الأموال المهربة. وقدم دولة لبنان، كمثال على عدم وجود اتفاقات في مجال تسليم المطلوبين. وخلص إلى أن الاتفاقات الدولية التي وقّعت عليها الجزائر في مجال محاربة الفساد من شأنها أن تسهل عملية استرجاع الأموال المنهوبة.

ولمّح الوزير الجزائري إلى إمكان اللجوء إلى التعاون الدولي في إطار الاتفاقات الثنائية أو الدولية المصادق عليها من طرف الجزائر، بهدف توقيف الجناة وإحالتهم إلى القضاء الجزائي المختص لمحاكمتهم طبقاً لقوانين الجمهورية، وكذلك استرجاع الأموال المنهوبة حماية للمال العام.

سويسرا تتعاون

وأكد النائب والمستشار الفيدرالي السويسري إجنازيو كاسيس، في تصريحات نقلتها وسائل الإعلام، أن سويسرا مستعدة للتعاون مع السلطات الجزائرية، قصد استعادة الأموال المنهوبة من طرف مسؤولين سابقين، والمهربة نحو البنوك السويسرية، مضيفاً في كلمة له أمام أعضاء البرلمان السويسري، أنه بالاتفاق مع الحكومة الجزائرية "قمنا بدعم بعض الأنشطة هناك، المتعلقة بمكافحة الأموال ذات الأصل غير المشروع". وقال إن سويسرا طورت نظاماً يقوم على ركيزتين أساسيتين، هما الوقاية والقمع، وهو الأمر الذي يندرج ضمن استراتيجية التعاون مع دول شمال أفريقيا.

من جهة أخرى، بادرت مجموعة تضم محامين وأطباء ومهندسين وفنانين جزائريين مقيمين بالخارج، بتأسيس منظمة "جزائريون بلا حدود"، تهدف إلى تجميد الأصول المالية التي حولتها "العصابة" إلى سويسرا، وبلدان أخرى خلال السنوات الماضية، وقدمت طلبات إلى البنوك السويسرية في هذا الإطار، في انتظار القيام بالخطوات نفسها لدى بقية الدول.

استرداد الأموال عملية صعبة

ويعتبر الحقوقي فاتح بن يوسف أن استرداد الأموال المنهوبة من الخارج عملية صعبة لأسباب عدة، أبرزها أن حصر عائدات المتورطين وتحديد مكان وجودها لن يكون بالأمر السهل، خصوصاً أن معظمها مودعة في البنوك الخارجية، التي تلتزم غالبيتها بالسرية، وأخرى ترفض كشف المعلومات المتعلقة بزبائنها، مشيراً إلى أن الأموال المودعة لدى بنوك الدول المصنفة في القائمة السوداء والتي تمثل ملاذاً آمناً للتهرب الضريبي من الصعب استعادتها.

وتابع بن يوسف أن استرجاع الأموال المنهوبة مسألة معقدة، إذ إنها تأخذ وقتاً طويلاً، على اعتبار أنها تبدأ بعد صدور الحكم النهائي الذي يتضمن الاسترجاع، ثم لا بد من انتظار استئناف المحكوم عليهم وصدور الأحكام النهائية، ليقوم الادعاء العام بتنفيذ الأحكام بالطرق القانونية.

نهب وتهريب مقنّن

من جانبه، أبرز المحامي حسان براهمي أن الأموال المنهوبة، من الصعب جداً استرجاعها، لأنه خلال النظام البوتفليقي، كان قانون مكافحة الفساد معطلاً، على غرار إبرام اتفاقات دولية لتسليم المجرمين وتفعيل آليات رفع السرية المصرفية، خصوصاً على مستوى البنوك الخارجية، مشيراً إلى أن التحقيقات في جرائم الفساد ستطول لأن الجرائم الاقتصادية متعلقة بالصفقات العمومية والمبالغ المالية الضخمة، وهذا يحتاج لخبرات اقتصادية وتقنية طويلة حول المشاريع المنجزة.

وقال إن نهب الأموال وتحويلها وتبديدها يحصل عن طريق الملحقات للمشاريع، من أجل الاستيلاء على الأموال والتلاعب بقانون الصفقات، وعليه فإن تفكيك شيفرات هذه الأمور يحتاج إلى تقديرات وخبرات طويلة، لا سيما أن غالبية هذه الأموال تحوّل للخارج، ولتأكيد هذا الأمر يجب إرسال إنابات قضائية إلى الدول التي حولت إليها هذه الأموال التي يتعامل معها رجال الأعمال، وهذه الإنابات تحتاج إلى وقت طويل أيضاً.

وتعهّد قائد الأركان قايد صالح في خطاباته، بعد ارتفاع الأصوات المشككة في عمل العدالة، باسترجاع أموال الشعب المنهوبة بقوة القانون وبالصرامة اللازمة. وقال إن المؤسسة العسكرية تملك معلومات مؤكدة جرى تسليمها إلى القضاء في شأن ملفات فساد ثقيلة، موضحاً أن العدالة تحررت من كل الضغوط والإملاءات.

المزيد من العالم العربي