Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"يوروفيجن" سلطت الضوء على المشهد الموسيقي الإيطالي المتغير جذريا

رويزين أوكونور تحلل دور هذه المسابقة وتحولات السوق والجيل الجديد في موسيقى الراب في هذا المنعطف

صارت إيطاليا واحدة من أبرز الدول العشر التي تتصدر الساحة الموسيقية العالمية ونحظى بحصة الأسد فيها (غيتي)

قبل عشر سنوات لا أكثر كانت محطات الإذاعة الإيطالية مجرد آلات زمن تعيد المستمع إلى وقت مضى. كان المرء يتابع الإذاعة فتحيله إلى أغنيات كلاسيكية لعظماء من الماضي أمثال ريناتو كاروسون وجيمي فونتانا، أو ربما إلى أغاني "بوب" مصطنعة بأداء تيزيانو فيرو. اليوم، مشهد الموسيقى الإيطالي بات مختلفاً تماماً.

بدأ الأمر مع "يوروفيجن"، في سنة 2019، كاد ممثل إيطاليا في المسابقة "محمود" أن يحتل المركز الأول بفارق ضئيل (ما أثار استياء جمهوره كثيراً). إذ إنه أسر الجماهير بأغنيته الخاصة "سولدي" (مال)، التي دمجت نبضات الهيب هوب بإيحاءات من أصوله المصرية. وقد مثل ذلك رداً على المستائين من أوساط اليمين المتطرف الذين اعترضوا على فوز الشاب المفاجئ بمسابقة سان ريمو – المسابقة الإيطالية التي تقرر في كل عام من سيمثل إيطاليا بـ"يوروفيجن". وعلى الرغم من اعتراضات أطلقها أشخاص أمثال نائب رئيس الوزراء الأسبق ماتيو سالفيني، تألق محمود على المسرح الدولي، واحتلت أغنيته "سولدي" صدارة الأغنيات في أربعة بلدان.

وبعد مرور سنتين، جاء دور "مانيسكن" Maneskin. إذ حققت فرقة الروك الغاضبة والجذابة تلك، حضوراً مزلزلاً على المسرح ترددت أصداؤه في كل أنحاء العالم، حتى قبل انطلاق التمارين الموسيقية الرسمية (لـ"يوروفيجن"). أغنيتهم "هادئ ولذيذ" Zitti e Buoni جاءت عبر صرير غيتارات ضاجة في الرؤوس، وقد أمنت لهم الفوز بنسخة مايو (أيار) من يوروفيجن. وبعد أقل من سنة ذكرت مؤسسة "فارايتي" Variety الإعلامية (الأميركية) أن الفضل يعود لهذه الفرقة في إعادة إحياء "الروك أند رول" بالولايات المتحدة.

غير أن "مانيسكن" ومحمود ليسا سوى مثالين على النواحي الإيجابية التي أتاحتها ظاهرة كسر التقاليد بالنسبة إلى إيطاليا. فـ"المشهد الموسيقي الإيطالي تبدل كثيراً خلال السنوات الخمس الماضية" وفق نور الحبش، الصحافية الموسيقية ومؤسسة "إيطاليا ميوزيك إكسبورت" Italia Music Export. وأضافت الحبش في الإطار "لوائح التصنيف الموسيقية التي نعتمدها كان يتصدرها في السابق أساطير البوب المكرسون أمثال لورا باوسيني أو تيزيانو فيرو -فنانون بدؤوا حياتهم المهنية في التسعينيات أو حتى قبل ذلك- وهي قاومت [أي لوائح التصنيف] توجهات السوق بنجاح طوال نحو 20 سنة. وفجأة، خلال فترة أشهر، جرى تجاوزهم [تجاوز المكرسين] من قبل أفراد جيل جديد من فناني الراب والاستعراض". والآن مشهد إيطاليا الموسيقي تتصدره أعمال لأفراد من هذا الجيل -سفيرا إيباستا، غالي، كابو بلاذا، روندوداسوسا، مدام، آنا- وهي تجذب الانتباه في بريطانيا والولايات المتحدة وباقي أنحاء أوروبا. "إن كنت من جمهور الروك وتنتظر بروز فريق جديد يشبه (مانيسكن)، آسف في القول إن أولئك الشبان فريدون في مشهدنا الموسيقي"، تذكر الحبش.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

والنوع الموسيقي الذي يشهد الرواج الأكبر في إيطاليا اليوم، من دون شك، هو الراب. وتشير الحبش في هذا الإطار إلى "كمية هائلة" من التجارب الناجحة والأعمال الاستعراضية التي تنبثق من مختلف أنحاء إيطاليا، حتى إنها تدمج موسيقاها بمؤثرات وعناصر مناطقية محلية. "ثمة أخبار جيدة أخرى، وهي أن هناك جيلاً جديداً من الشابات الفنانات يتصدر المشهد أخيراً"، تقول الحبش التي هي أيضاً عضو في "شيسيد.سو" (she said.so)، المجموعة التي تضم نساء وأقليات جندرية ممن يعملون في مجال الموسيقى. "أعتقد أنه، في غضون سنوات قليلة، سيكون لدينا لائحة طويلة مهمة من النساء اللواتي يحققن نجاحات موسيقية كبيرة"، تضيف الحبش.

وكما كان الحال في سنة 2021، تتموضع إيطاليا اليوم ضمن لائحة البلدان العشرة الأوائل من ناحية الحضور الموسيقي العالمي، وهي تقارع حتى ذوي أوزان ثقيلة في هذا المضمار مثل الولايات المتحدة واليابان وكندا وفرنسا. وتتحدث الحبش عن فضل جمهور من الأجيال الشابة يشكل الأكثرية في سوق هكذا نتاجات، فتقول "الذين يستمعون للموسيقى ويشترون التسجيلات ويحضرون العروض هم اليوم بالدرجة الأولى أشخاص تحت سن الثلاثين". في الأثناء، فإن الفنانين الذين كانوا في السابق ضمن دائرة الـ"الأندرغراوند" حصراً (أي الأجواء الفنية البديلة وغير التجارية) باتوا اليوم يجذبون اهتمام شركات الإنتاج الرئيسة.

عن هذا الأمر تقول آنا زو إنه "بعد سنوات من سيطرة برامج المواهب التي تمد السوق بالفنانين الجدد، حدث تحول تمثل بقيام فناني الإندي\روك (السابقين) بخطب ود عالم موسيقى البوب والتلفزيون". زو تعمل مديرة العمليات في مهرجان "لاينتشيك ميوزيك ميتينغ أند فيستيفال" في ميلانو، وهي تضيف "الأشخاص الذين لديهم توجه قاعدي وشعبي وروح استقلالية أدركوا أخيراً أن الحضور عبر السوق قد يؤمن الوصول إلى ما يكفي من الناس لتحقيق دخل مقبول". كما ذكرت أن التحول إلى بث الأعمال ساعد في حل مشكلة القرصنة التي كانت مشكلة كبيرة في ما مضى بإيطاليا، كما أن الفضل في النجاح يعود إلى بعض المنظمات (والمؤسسات) الكبيرة التي أدركت أن الفرق الشعبية الأوسع انتشاراً غالباً ما تلعب دوراً في نجاح الفنان. "فهم يزودون تلك الفرق -مديرون وعملاء وعلامات تجارية أصغر- بالمال الكافي الذي يحتاجه القيمون عليها كي يحققوا ما يريدونه، بدل من أن يقوموا [القيمون على المنظمات] بإقصاء الفنانين واستبعادهم وشق الفرق". تتابع آنا زو "هناك أيضاً الكثير من المهرجانات الجديدة الصغيرة والمتوسطة الحجم، وهي تأتي بعد المهرجانات الكبيرة وتعتمد الموسيقى الحية وفق مقاربة أكثر استقلالية".

 

 

وتتولى توجيه الدفة في هذا الإطار مهرجانات مثل "يبسيغروك" Ypsigrock الذي يعقد في بلدة كاستيلبوينو الخلابة، العائدة إلى القرون الوسطى، في صقلية. وقد اعتاد منظموه على تفادي تكرار ما يقدمونه، وهم استضافوا لغاية اليوم فنانين من خارج إيطاليا بينهم "ذا ناشونال"، "فات وايت فاميلي"، "بايبولار سنشاين"، "فاونتنس دي سي" و"لتس إيت غراندما". لكن ما يباهي به هذا المهرجان يتمثل بالترويج لمواهب محلية تتمتع بجاذبية عالمية. "من غير المعتاد حضور مهرجان يضم فنانين مكرسين أمثال [ذا ناشونال] أو [ذا فلايمنغ ليبس] هذا العام، إلى جانب فنانين جدد، وذلك ضمن إطار صغير لكن متميز كالذي نعتمده"، يقول مدير مهرجان "يبسيغروك" فينسينزو باريكا. وكان هذا المهرجان خلال السنوات الماضية شهد إقبالاً من قبل جمهور أكثر شباباً وعشاق الموسيقى العالمية المهتمين. عن هذا الأمر يقول زميل باريكا، جيانفرانكو رايموندو "مهرجانات مثل مهرجاننا، تتمتع بسمعة إيجابية من ناحية صنع ذائقة موسيقية [دولية]، لها دور مهم في [تقديم] المواهب المحلية أمام الفنانين العالميين كما أمام الجماهير الدولية والمشهد الدولي في الإعلام وقطاع صناعة الموسيقى... من هنا يمكن القول إن الفنانين الإيطاليين يدمجون في سياق مسابقة دولية طبيعية".

الآن في سنة 2022، تقدم إيطاليا منافسة حامية، ليس عبر مؤدٍّ واحد فقط، بل اثنين. الثنائي محمود وبلانكو يمثلان البلاد بأغنية مؤثرة عنوانها "بريفيدي" Brividi (رعشات)، فيما سيفتتح الفنان الإيطالي أخيل لاورو مهرجان سان مارينو هذه السنة. ولاورو المعروف على نطاق واسع في بلاده أظهر ابتعاداً عن أسلوبه المعتاد في البوب- روك المبهج. أغنيته الجديدة "ستريبر" Stripper تبدو ثقيلة على صوته الهامس على طريقة الروك. أزيز الغيتارات فيها وصوت الكورس يوجه التحية لفرق روك الثمانينيات.

وعلى عكس بريطانيا، التي ترسل في العادة إلى المسابقة الدولية الموسيقية ممثلين لا نعرفهم أبداً، تعرف إيطاليا ما الذي يجذب جمهور "يوروفيجن"، إذ إن ممثليها يتمتعان بحضور إيجابي من ناحية الأداء الحي والتسجيل المسبق على حد سواء – هذا من دون ذكر أنهما يتمتعان سلفاً بجيش من العشاق والمعجبين على استعداد كامل لمؤازرتهما. من الواضح، أن ثمة شيئاً يعتد به في الـ"سان بيليغرينو".

© The Independent

المزيد من منوعات