كان لافتاً حديث عبد الإله بنكيران رئيس الحكومة المغربية سابقاً، والأمين العام الحالي لحزب "العدالة والتنمية" ذي المرجعية الإسلامية، قبل أيام قليلة، عن أبرز أخطاء الحركة الإسلامية، متمثلة في ما سماه "السعي إلى الحكم"، وهي المرة الأولى التي ينتقد فيها قيادي إسلامي مغربي سعي "الإخوان" إلى الحكم في العالم.
وقاد حزب "العدالة والتنمية" المغربي، الذي ينسبه محللون إلى جماعة "الإخوان المسلمين" على الرغم من تبرؤ قياداته غير مرة من هذا الانتساب، الحكومة لمدة عشر سنوات كاملة من خلال ولايتين، الأولى ترأس فيها الحكومة عبد الإله بنكيران، والثانية ترأسها خلفه سعد الدين العثماني.
وشهدت مشاركة "العدالة والتنمية" في الانتخابات التشريعية الأخيرة، سبتمبر (أيلول) 2021، هزيمة مدوية، إذ تبوأ الحزب مراتب متأخرة، وفقد عشرات المقاعد في البرلمان، ولم يعد له فريق برلماني كامل، مما أحدث رجة كبرى في المشهد السياسي بالبلاد.
نقد ذاتي
أمام جمهور من أنصار حزب "العدالة والتنمية" في جهة درعة تافيلالت (جنوب)، حاول عبد الإله بنكيران ممارسة "نقد ذاتي" بشأن مسار حزبه السياسي خلال تدبيره للشأن العام مدة عقد كامل، كما سلط الضوء على أكبر الأخطاء التي وقعت فيها الحركة الإسلامية في العالم، ومن بينها إسلاميو المغرب.
وقال بنكيران إنه ليس من أهداف ومهام الحركة الإسلامية أن تأخذ وتستأثر بالحكم، وتتصور أن هذا هو دورها الديني، مستشهداً بالأنبياء: إبراهيم عندما واجه النمرود، وموسى أمام فرعون، ومحمد -صلى الله عليه وسلم- عندما واجه مشركي قريش، الذين لم يطالبوا بنيل الحكم، وفق تعبيره.
وشدد القيادي الإسلامي والسياسي المغربي على أن "الدور الأول لأبناء الحركة الإسلامية هو الاستقامة وتمثل قناعات ومبادئ ومواقف المرجعية الإسلامية، ثم دعوة الآخرين إلى ربنا عز وجل"، مردفاً أن "هذه القناعة دفعته مع إخوان الحركة الإسلامية إلى تغيير مسارهم".
وأقر بنكيران بأن رؤية "الإخوان" في المغرب، قبل تغيير مواقفهم وقناعاتهم السياسية، كانت ضبابية، إذ كانوا يعتبرون سياسة الدولة مخالفة للدين، فكان الطريق إما ممارسة السياسة أو القيام بانقلاب، قبل أن يؤكد أن الساعي إلى الحكم إما أن ينجح أو يقتل أو يسجن. وزاد بأن كل هذا الكلام (يقصد الحديث عن أخطاء الحركة الإسلامية والسعي إلى الحكم) كان متعمداً عدم قوله في السنوات الماضية بالنظر إلى السياق الإقليمي والدولي، لأن "الإخوان" كانوا في بلدان أخرى يمرون بمحن وهو ما كان الخصوم سيستغلونه.
ولم يفت بنكيران التعريج على تجربة "الإخوان" في السودان، وقال إن "بعضهم أخيار وأذكياء، ولما وصلوا إلى الحكم لم يحققوا التنمية المنشودة في البلاد، بل حصل أن افتضح سعي بعضهم إلى السلطة والجاه والثروة والطائفية فلفظهم الشعب بعد ذلك".
منهجية التغيير
يقول الدكتور محمد بوشيخي، باحث في الحركات الإسلامية والشأن السياسي، إن عبد الإله بنكيران توقف خلال كلمته الأخيرة في مؤتمر حزب "العدالة والتنمية" عند محطات جوهرية من شأنها أن ترسم ملامح مسار حركة التوحيد والإصلاح، وذراعها السياسية، حزب "العدالة والتنمية"، خلال المرحلة المقبلة.
وأضاف بوشيخي، لـ"اندبندنت عربية"، أن الإشكال الذي أثاره بنكيران هو "تعمده" الحديث عن واقع الحركة الإسلامية في إطار ملتقى سياسي لحزب "العدالة والتنمية" وليس فعالية دعوية لحركة "التوحيد والإصلاح"، وهو هنا يؤكد الترابط العضوي بين الاثنين بعدما ظل لأزيد من عقدين من الزمن رفقة إخوانه في الهيئتين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويردف بأن "بنكيران كشف منذ إعلان انتخابه على رأس الأمانة العامة للحزب، أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، عن رغبته في إطلاق (مقاربة جديدة) لعمل الحزب تعينه على تجاوز حالة الارتباك التي وجد نفسه فيها"، مبرزاً أن الرجل حدد في كلمته الأخيرة، التي تناولت مسألة الحكم والموقف من منهجية التغيير، مدخلين اثنين للمقاربة ذاتها: الأول هو التركيز على الجانب التربوي من خلال رد الاعتبار للعمل الدعوي لدى الحركة الإسلامية وانتقاد التضخم السياسي في مشروعها، والمدخل الثاني هو التشديد على مسألة الولاء للملكية وضرورة العمل معها وفي ظلها بنية الإصلاح وفي حدود المستطاع.
جدل الدعوي والسياسي
يستطرد بوشيخي بأن الموقف من العمل الدعوي بات ينطوي على إعادة النظر في البيت الداخلي الذي اهتز بفعل تنامي حالات الاحتقان، لا سيما لدى الجناح الدعوي الذي وجد في المصادقة على مشروع تقنين زراعة القنب الهندي ووضع اللغة العربية في التعليم والتطبيع مع إسرائيل مؤشرات على انقلاب "السياسة" على "الدعوة"، بل على جعل الأخيرة مطية للأولى وفي خدمتها.
وتابع أن "هذه حالة عاينها كثير من دعاة التنظيم خلال السنوات الماضية، وتجلت أهم مظاهرها في ولوج شخصيات سياسية من الحزب إلى تدبير الشأن الدعوي للحركة، بل بادر أحدهم، وهو الدكتور فريد الأنصاري خلال سنوات 2000، إلى كيل النقد لهرولة الإسلاميين نحو العمل السياسي على حساب أولويات العمل الدعوي، غير أن المفارقة أن بنكيران الذي يعيد اليوم موقف الأنصاري ويتبناه كان من أشد المعارضين له حينها".
وخلص الباحث إلى أنه "إذا كان لا يتوقع من مقاربة بنكيران تقديم الكثير للجدل الفكري حول الدعوي والسياسي، فإن خطابه الشعبوي وكاريزمته وقدرته على مخاطبة أعضاء التنظيم بما يحبون سماعه من شأنه أن يجبر الكسور داخل التنظيم ويلملم صفوفه الداخلية، للتمكين للمشروع السياسي بصيغة مستجدة وفي شكل جديد".
جهد سياسي محمود
من جهة أخرى، ورداً على الضجة المثارة، قال مصدر قيادي في حزب "العدالة والتنمية"، لـ"اندبندنت عربية"، إن كلمة بنكيران تم تحميلها أكثر مما تحتمل، مورداً أن "الرجل تحدث بعفوية عن أخطاء الحركة الإسلامية، باعتبارها جهداً بشرياً يمكن أن يصيب أو يخطئ، فإذا أصابت لها أجران وإذا أخطأت لها أجر". وأردف المصدر المقرب من بنكيران أن "هناك من يستكثر على هذا الأخير حديثه عن الحركة الإسلامية ومساراتها وأخطائها ونجاحاتها، بينما كان هو أحد مؤسسي هذه الحركة في المغرب، وأحد أبرز قياداتها في العالم الإسلامي".
وشدد القيادي بالحزب على أنه من "حق بنكيران إجراء نقد ذاتي لمسارات الحركة الإسلامية، وتحديداً مسار حزب (العدالة والتنمية) من أجل تصويب ما يمكن تصويبه والتعلم من الأخطاء السياسية إذا وجدت".