Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التغريدات "أشد بطشاً" من الجيوش: هكذا هي "حرب الأقوياء"

المخاوف على حرية التعبير تقف على قدم المساواة مع أخبار اجتياح روسيا لأوكرانيا

العالم الجديد، أو بالأحرى الذي كان جديداً ويسمونه "رقمياً"، أفرز رجالاً أقوياء بمواصفات مختلفة ومعايير مغايرة (غيتي)

كثيرون هم الرجال، وأحياناً النساء، الأقوياء في العالم. فالمشهد حافل بعدد كبير من المتحكمين بمصائر شعوب الأرض وأحوال الكوكب. الرئيس الروسي فلاديمير بوتين رجل قوي. فهو يشن حرباً عاتية على دولة مجاورة ويستخدم فيها المال والعتاد ولا يوقفه "ناتو" أو يردعه اتحاد أوروبي أو تثنيه عن أهدافه اجتماعات أممية أو عقوبات دولية.

كذلك الرئيس الأميركي جو بايدن رجل قوي. فهو قائد أقوى دولة في العالم وأكثرها شعبية والقادرة على أن تنأى بنفسها عن أحداث جسام تتطلب ضلوعها أو تتدخل في حوادث صغرى لا تستوجب الاقتراب منها، وذلك بحسب رغبتها وبناء على ما تمليه عليها مصالحها.

هناك أيضاً رئيس كوريا الشمالية، كيم جونغ أون، الذي يفعل ما يبدو له من دون التفات إلى غضب عالمي أو قلق أممي. كما أن البابا فرانسيس بابا الفاتيكان رجل قوي، فهو يزور دولاً كبرى وصغرى، وينشد السلام والأمان وينتقد الكراهية على منصات التواصل الاجتماعي ويدين نهم الثرثرة والنميمة، وغيرهم كثيرون.

لكن طول القائمة لا يعني عدم احتوائها على أسماء غير معتادة، وهويات لم يكن يتصور أحد أن تتسلل إلى قوائم الأقوياء. تلك التي تتسع منذ سنوات لنوعية من الرجال القادمين من أودية السيليكون أو مآرب السيارات أو قصص فشل عظمى لم تكلل بالنجاح والسطوة إلا أخيراً. يقولون إن ماسايوشي سون هو أقوى رجل في "وادي السيليكون"، الذي يعد أحد أهم وأخطر منابع الأقوياء في العصر الحالي.

حكيم التكنولوجيا

خطورة سون تكمن في كون اسمه غير معروف أو منتشر كأقرانه في الوادي. فهذا الرجل المنتمي للجيل الثاني من الكوريين باليابان جاء من أسرة فقيرة يحمل ورقة وقلماً مدوناً عليها الاختراعات التي كان يأمل أن يكون هو من ابتكرها. ومن ورقة وقلم وضيق ذات يد وجيب، وسعة حلم وأمل إلى ثروة تقدر بنحو 30.3 مليار دولار أميركي (2021)، ومشروعات وشراكات لعل أبرزها مجموعة "سوفتبنك" العملاقة للاتصالات والتجارة الإلكترونية، التي غيرت الرؤية تماماً في المؤسسات الناشئة، التي باتت الممول الرئيس لنموها وتوسعها في العالم.

قوة سون ليست الوحيدة من نوعها في عالم القوة. وإذا كان تفرده ينبع من كونه ليس فقط مليارديراً ينسب له نجاح آلاف المؤسسات الناشئة، بل لأنه "حكيم مستثمري قطاع التكنولوجيا"، والحكمة في التكنولوجيا قوة تفوق قوة العتاد العسكري والبأس السياسي والسداد الاقتصادي مجتمعة، فإن غيره يبزغ اسمه كذلك في عالم القوة ولكن لأسباب مختلفة.

خسر مليارات وبقي قوياً

قائمة أقوى رجال العالم -بمعايير القرن الـ21- تحوي اسم رجل خسر 21 مليار دولار في ساعات معدودة، وعلى الرغم من ذلك يبقى قوياً، ولمَ لا، وهو ضمن عشرة رجال زادت ثرواتهم الضعف على مدى عامين من عمر الوباء؟!

جيف بيزوس، بحسب تقرير صادر عن منظمة "أوكسفام" الخيرية، تضاعفت ثروته بضعة مليارات بفضل الوباء. لكن الدنيا ليست كلها أفضال، فقبل أيام قليلة، خسر مالك شركة "أمازون" السوبر عملاقة، جيف بيزوس، 21 مليار دولار من صافي ثروته بعد أن شهدت أسهمها أكبر هبوط منذ عام 2014. وبذلك يكون بيزوس -أحد أقوى رجال الكوكب- قد خسر خلال العام الحالي 40 مليار دولار، ولا يتبقى معه سوى 152 ملياراً فقط لا غير.

وقبل الخسارة الأخيرة، كانت شركة "بلو أوريغن" قد أطلقت صاروخها الرابع "نيو شيبرد" بنجاح في اتجاه الفضاء، وعلى متنه ستة أشخاص بينهم "ركاب" دفعوا مبالغ طائلة مقابل الرحلة، ومعهم مؤسس الشركة جيف بيزوس.

المسألة ليست عدد المليارات فقط، لكنها قدرة هذه المليارات على تغيير العالم، شعوباً وبلداناً، عبر أدوات تغيير لا تمت بصلة مباشرة إلى أدوات التغيير الكلاسيكية من حيث القوة العسكرية والهيمنة الأيديولوجية وغيرها. من الفضاء إلى الأرض، ومنها عبر الأثير إلى عوالم افتراضية يسبح أقوى رجال العالم في عوالم مختلفة.

عالم مختلف

اختلاف العالم، الذي يتحدث عنه مؤسس "فيسبوك" مارك زوكربيرغ، ليس وهماً أو خيالاً. فالرجل يتحدث عن عالم موازٍ "ميتافيرس" سنعيش فيه جميعاً بعد سنوات قليلة. مؤسس "فيسبوك" الذي يستخدمه نحو ثلاثة مليارات شخص حالياً لو كان تحدث قبل 20 عاماً عن منصة افتراضية تجمع مليارات البشر وتشعل ثورات وتصنع نجوماً وتوحد صفوفاً وتفرق شعوباً لكذبه الجميع أو اتهم بالشطط أو الجنوح.

لذلك حين يتحدث زوكربيرغ اليوم عن عالم موازٍ يؤسس لنظام مالي عالمي جديد، أو يكون بمثابة غرفة جلوس لمليارات البشر، أو كونه يخلط العالمين الافتراضي بالواقعي، فإن المسألة تعني أن رجلاً قوياً اتهم قبل سنوات قليلة بالتسبب في تغيير مجرى انتخابات أقوى دولة في العالم، ومستدعى من قبل مجلس الشيوخ، ووجد اسمه على قوائم المحظور دخولهم روسيا ودول مرت برياح تغيير تتهمه صراحة بالتسبب في قلاقلها، يعكف حالياً على صناعة عالم جديد.

العالم الجديد، أو بالأحرى الذي كان جديداً ويسمونه "رقمياً"، أفرز رجالاً أقوياء بمواصفات مختلفة ومعايير مغايرة. لكنهم يقفون على قدم المساواة، وربما على قدم أكثر تميزاً وقوة ومقدرة، مع أقوى رجال ونساء العالم بالمفهوم السياسي والاقتصادي والعسكري، بل والصحي أيضاً.

هيمنة على الوباء

كثيرون يندهشون لضلوع أحد أقوى رجال العالم، وهو مؤسس "مايكروسوفت" بيل غيتس، في مسائل الوباء واللقاح ومستقبل البشرية المرضي. وتواترت أحاديث الرجل عن مستقبل البشرية الصحي في ظل توقعاته بنوع آخر من "كوفيد-19" أكثر فتكاً وأشد وطأة. فقبل أيام تحدث عن العالم الذي لم يشهد أسوأ مرحلة بعد، وعن ظهور متغير أكثر ضراوة في المستقبل القريب جداً.

عملاق التكنولوجيا الأميركي، الذي أدخل نفسه في دهاليز صحة البشرية، يعرف أن هناك من روج وصدق بأنه عمل أو يعمل أو سيعمل على زرع شرائح إلكترونية متناهية الصغر في أجساد سكان الأرض. فبين اتهام بأنه من ابتكر فيروس "كوفيد-19"، وأنه يعمل من أجل تفريغ الأرض من سكانها، وأنه لهذا الغرض يعمل على نشر اللقاح ومن خلاله يجري تركيب الشرائح الإلكترونية في أجساد الملقحين ليسهل عليه القضاء عليهم مِن بُعد في ما بعد، يثبت غيتس كل يوم أنه أحد أقوى رجال العالم. فبقدر القوة وبقدر الأهمية تأتي الإشاعات ونظريات المؤامرة.

يشار إلى أن "مؤسسة بيل ومليندا غيتس" هي ثاني أكبر جهة مانحة لمنظمة الصحة العالمية، وتمثل مساهماتها نحو عشرة في المئة من ميزانية المنظمة. وعلى الرغم من أن منظمة الصحة العالمية، كغيرها من المنظمات الأممية، لديها برنامج عمل تقرره "الدول" الأعضاء، وليس الأفراد أو المؤسسات، فإن أقاويل عدة تتردد عن اختلاف في وجهات النظر حول أولويات قضايا الصحة العالمية بين بعض مسؤولي الصحة العامة من جهة والأولويات التي يؤمن بها ويعمل من أجلها غيتس.

وكانت صحيفة "نيويورك تايمز" قد أشارت قبل أشهر إلى أن منظمة الصحة العالمية كانت تود أن تأخذ زمام القيادة في مبادرة أو مرفق "كوفاكس"، إلا أن الزمام ذهب لمؤسسة بيل غيتس. يشار إلى أن مرفق ""كوفاكس" يهدف إلى توزيع ملياري جرعة مضادة لـ"كوفيد-19" لا سيما في الدول المنخفضة الدخل.

وإذا استهان البعض ببأس وقوة بيل غيتس في مجال الصحة والعمل الخيري واللقاحات المقدمة لمليارات البشر في العالم، فلا مجال للاستهانة بـ"مايكروسوفت" وهي الشركة المتعددة الجنسيات الكبرى المتخصصة في إنتاج البرمجيات في العالم، وهي عصب ملايين الأعمال والأنشطة في العالم، سواء في مؤسسات رسمية أو خاصة، وأشهرها "ويندوز" و"أوفيس". وتتجاوز عائداتها السنوية 80 مليار دولار ويبلغ عدد العاملين فيها نحو 114 ألف موظف وموظفة.

ضبط زوايا الكوكب

وعلى الرغم من هذه القوة، التي لا تترجم فقط إلى مليارات الدولارات التي توازي ميزانيات دول بأكملها، بل تنعكس قدرة على توجيه سياسات وضبط زوايا الكوكب بحسب أيديولوجيات وأهواء وانتماءات هؤلاء الرجال، فإن أقوياء العالم في العقد الثالث من القرن الـ21 ليسوا بمنأى عن التصارع والتناحر والتحارب في ما بينهم. صحيح أن أدوات حروبهم ليست غزواً بالدبابات أو هجوماً بالصواريخ أو انتشاراً لقوات خاصة، لكنها حروب تدار بالكلمات وتشتعل بالقرارات وتتأجج بالإجراءات وتنتهي بتدوينات وتغريدات.

تغريدة الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا" وغيرها الكثير من الشركات المليارية، إيلون ماسك، الشهر الماضي، عن نشاط بيل غيتس "المريب" في أسهم تيسلا نموذج لنوعية حروب وصراعات أقوى رجال العالم. ماسك اتهم غيتس بأنه يبيع أسهماً في الشركة. وقال إنه سأل غيتس إن كان يبيع الأسهم "على المكشوف"، مشيراً إلى أنه "عندما يبيع المستثمرون الأسهم، فإنهم يراهنون على أن سعر الأصل سينخفض".

ربما أقوى رجل في الكوكب

وبعيداً من سعر الأصل وأسهم "تيسلا" ومكانة "مايكروسوفت" وأثر اللقاح ومؤشرات الاستحواذ على الفضاء الخارجي والداخلي وما بينهما، فإن مكانة رجل مثل إيلون ماسك في كوكب الأرض حالياً تقول إنه ربما يكون أقوى رجل في العالم.

ماسك اشترى "تويتر"، الذي كان أغلق حساب الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب ولم يسمح له بالعودة. لتصبح المخاوف الخاصة بحرية التعبير على المنصة وخطاب الكراهية ومآل مواقع التواصل الاجتماعي برمتها تقف على قدم المساواة مع أخبار حرب روسيا في أوكرانيا. ليس هذا فقط، بل يعرف الجميع أن جانباً غير قليل من الحرب تدور رحاها على الأثير الافتراضي، الذي يملكه أقوى رجال العالم.

بيل غيتس طرح تساؤلاً حول رد فعل ماسك على الأخبار التي يتم ترويجها على مدى الساعة بأن اللقاحات المضادة لـ"كوفيد-19" تقتل الناس، أو أنه (غيتس) يراقب سكان الأرض ويخطط لقتلهم عبر شرائح متناهية الصغر يزرعها في أجسادهم. التساؤلات التي يطرحها غيتس قد تبدو "شخصية"، لأنها تتعلق بشخصه ونشاطه، لكنها في حقيقة الأمر تتعلق بمصائر مليارات البشر، التي تحددها حفنة من الرجال الأقوياء.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللون والدين و"تويتر"

"منظمة العفو الدولية"، التي تشجب عادة رئيس دولة "ديكتاتوري" يعتقل المعارضين، أو نظاماً عنصرياً يفرق بين المواطنين على أساس اللون أو الدين أو العرق، أو دستوراً يحمل رفضاً أو كراهية للمثليين، عبرت عن قلقها عبر "تغريدة" بشأن "أي خطوات قد يتخذها تويتر لتقويض تطبيق السياسات والآليات المصممة لحماية المستخدمين".

لا يهم كثيراً إن كان بيل غيتس توقع أن يكون "تويتر" في وضع أسوأ بعد شراء ماسك له، أو أنه سيجعل المعلومات المضللة أكثر انتشاراً عبر التغريدات. شر البلية ما يضحك، وشر المعلومات المضللة هي ما أضحكت أو أدهشت نحو 290 مليون مستخدم للمنصة حين انتشرت صورة يفترض أنها "سكرين شوت" مأخوذة من "تويتر" تفيد بأن حساب بيل غيتس قد تم وقفه، بينما كان ماسك ينهي صفقة الشراء. اتضح في ما بعد أنه لا أساس من الصحة لذلك، لكن هذا أيضاً لا يهم.

قوائم القوة

ما يهم هو أن هؤلاء الرجال هم أقوياء العالم. قوائم "القوة" التي تضعها مراكز بحثية ومؤسسات إعلامية لم تعد تقتصر على أسماء زعماء الدول الكبرى والدول الديكتاتورية والكيانات الدينية التي يتبعها مليارات البشر. فقائمة تحوي الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون والبابا فرانسيس بابا الفاتيكان تحوي كذلك جيف بيزوس وبيل غيتس وإيلون ماسك. وقياس أثر قرارات وأفعال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على دول العالم لا تستوي من دون مكون يمت بصلة إلى أقوى رجال العالم الموازي: منصات تواصل اجتماعي، برامج كمبيوتر، ذكاء اصطناعي، الفضاء الخارجي، فيروس أممي، لقاحات بالمليارات وغيرها كثير.

ربما اشتبك ماسك مع بوتين اشتباكاً رمزياً حين دعاه إلى نزال يحدد الفائز فيه مصير أوكرانيا، لكن الرمز كاشف. وربما يتصور البعض أن تقديم ماسك خدمة الإنترنت عبر القمر الاصطناعي "ستار لينك" المملوك لشركته "سبايس أكس" لأوكرانيا عمل بسيط، لكنه ليس كذلك. لماذا؟ لأنه مؤثر، وفعال، وقادر على إحداث الفرق في نتيجة الحرب التقليدية الدائرة بالدبابات والصواريخ والقنابل.

ليسوا ساسة لكنهم أقوى

أقوى رجال العالم، ولو كان عالماً موازياً، ليسوا ساسة، وعلى الأرجح لا يطمحون إلى ذلك. فهم أقوى من الساسة، ولديهم القدرة على التدخل لإدارة شؤون العالم من موقعهم في مكتب أو مقهى أو على متن مكوك في رحلة فضاء.

قبل أسابيع قالت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) إن خطط إيلون ماسك لتعزيز أسطول أقماره الاصطناعية في "سبايس أكس" بنحو 30 ألف قمر خطر على الفضاء. وحذرت من أن هذه الزيادة يمكن أن تعرض "ناسا" للخطر والكوكب لخطر أكبر إذ سيعرقل أسطول ماسك عمليات مراقبة الضربات الكارثية المحتملة للكويكبات!

وقبلها بنحو عام، قاضى جيف بيزوس "ناسا" لأن الصفقة التي أبرمتها مع إيلون ماسك ومنح شركته "سبايس أكس" عقد هبوط على سطح القمر بقيمة 2.9 مليار دولار "غير عادلة". فبيزوس يمتلك شركة "بلو أوريغن للرحلات الفضائية"، وكان يأمل أن تحظى شركتان لا شركة واحدة بحق الهبوط على القمر.

تغير مفهوم القوة، وتغيرت موازين العالم، وتغيرت قوائم "أقوى رجال العالم".

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات