Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الحزب الاتحادي الديمقراطي" قد يفكك المملكة المتحدة وليس "شين فين"

اعتاد وضع العقبات أمام التقدم ويسهم في التقريب بين القوميين والوسطيين ويثير تساؤلات حول إمكانية عودة إيرلندا الشمالية إلى الوضع الطبيعي

صعود "شين فين" لم تؤدِّ إليه الحماسة الجمهورية الإيرلندية بل إحساس مؤيدي البقاء في المملكة المتحدة بانعدام الأمان (غيتي)

حينما قُسّمت إيرلندا قبل مئة سنة، رُسم خط على خريطة بهدف إنشاء غالبية اتحادية [مؤيدة للبقاء ضمن المملكة المتحدة، ومعظمهم من البروتستانت] في شمال شرقي البلاد. وعلى مدى 50 عاماً، لم يتمتع القوميون الإيرلنديون [مؤيدو الوحدة بين إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، ومعظمهم من الكاثوليك] بأصوات مساوية، وكذلك تعرّضت حدود الدوائر الانتخابية للتلاعب. ويوم الخميس الفائت، حصل حزب "شين فين" [القومي] على 29 في المئة من الأصوات التفضيلية الأولى في إيرلندا الشمالية، بالمقارنة مع 21.3 في المئة لـ"الحزب الاتحادي الديمقراطي"، وهي لحظة تاريخية في بلاد صُمِّمت في شكل مصطنع بهدف منع انتخاب أي شخص له ميول قومية لمنصب الوزير الأول يوماً ما.

واستطراداً، إن صعود "شين فين" لم تؤدِّ إليه الحماسة الجمهورية الإيرلندية بل انعدام الأمان داخل التيار الاتحادي. في الانتخابات الديمقراطية العادية، تشن الأحزاب حملات للوصول إلى الحكومة. لكن في شمال إيرلندا يبدو واقعنا السياسي مقلوباً، بحيث خاض "الحزب الاتحادي الديمقراطي" حملته على أساس رفضه تشكيل حكومة يجري تقاسم السلطة فيها مع القوميين، لحين اتخاذ إجراء في شأن بروتوكول إيرلندا الشمالية [البروتوكول هو بند في اتفاق خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يقضي بعدم إنشاء حدود مادية بين جمهورية إيرلندا الشمالية وجمهورية إيرلندا، واستمرار التبادل التجاري المفتوح بينهما].

لا يملك "الحزب الاتحادي الديمقراطي" سلطة تغيير بروتوكول إيرلندا الشمالية، إذ إنه مكرس في معاهدة دولية بين المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. بالتالي، ذكر ذلك الحزب أنه سيمنع تشكيل حكومة ما لم تُلبَّ مطالبه. وفي الوقت ذاته، سيقع التخفيف من أزمتي تكاليف المعيشة والرعاية الصحية على عاتق حزب المحافظين الذي نال 0.03 في المئة من الأصوات في انتخابات إيرلندا الشمالية، مع ملاحظة أن "الحزب الاتحادي الديمقراطي" وناخبيه صارا وقوداً في حرب حزب المحافظين [الذي يقود الحكومة البريطانية حاضراً] ضد الحدود الجمركية [بين الإيرلندتين].

وفي المقابل، يتصور القوميون الإيرلنديون هذا الرفض [من قبل الحزب الاتحادي] باعتباره ستاراً دخانياً. ففي كل مرة أشار فيها "الحزب الاتحادي الديمقراطي" إلى أنه لن يشارك في الحكومة، فُسِّر ذلك الأمر بأنه رفض لتقاسم السلطة، وأُضيفت علامة أخرى في الاقتراع لمصلحة "شين فين". وعزز ذلك عزيمة القوميين الإيرلنديين والوسطيين في إيرلندا الشمالية. كانت كلمات "الحزب الاتحادي الديمقراطي" بمثابة إهانة للديمقراطية، واعتداء على "اتفاق الجمعة العظيمة" [وُقّع في 1998، بهدف إنهاء الصراع بين الوحدويين والقوميين في إيرلندا الشمالية]، وتذكير بحقبة ماضية من الهيمنة الاتحادية. وسرعان ما تحولت صرخة المعركة الانتخابية إلى شعار "أي طرف، إلا الحزب الاتحادي الديمقراطي".

خلال الحملة الانتخابية، كان "الحزب الاتحادي الديمقراطي" بعيداً من مصالح الناخبين. فأثناء مناظرة انتخابية استمرت ساعة ، ذكر [زعيم الحزب] جيفري دونالدسون بروتوكول إيرلندا الشمالية 23 مرة، على الرغم من عدم اعتباره مسألة مهمة إلا من قبل ستة في المئة من الناخبين. وخلال البث الانتخابي للحزب، ذكر "التصويت الحدودي المثير للانقسام" [إشارة إلى التصويت على تنفيذ بريكست وبروتوكول إيرلندا الشمالية] خمس مرات. فقد سعى إلى استحضار الخوف وتضخيم التوتر عبر إشارته المستمرة إلى مسائل دستورية، في حين تجاهل الأزمة الملحة على صعيد تكاليف المعيشة والرعاية الصحية.

وبوصف التيار الاتحادي أيديولوجيا، فإن تلك الأمور تشير إلى أنه بات يعزل نفسه، إذ إنه لم يقدم حلولاً في محاولته إبقاء الأمور على ما هي عليه. ذات يوم، نَقَل جون هيوم، [الزعيم القومي الإيرلندي الراحل الذي أدى دوراً بارزاً في عملية السلام في إيرلندا الشمالية] الحائز على جائزة نوبل للسلام، إلى إيان بايسلي [الزعيم الراحل للحزب الاتحادي الديمقراطي]، أنه إذا أُزِيلت كلمة "لا" من اللغة الإنجليزية، فسيفقد [بايسلي] القدرة على الكلام، إذ حمل "الحزب الاتحادي الديمقراطي" إرثاً [من بايسلي] مفاده بأن لا لبروتوكول إيرلندا الشمالية، ولا لـ"اتفاق الجمعة العظيمة"، ولا للديمقراطية. لا يملك الحزب رؤية للمستقبل، بل لم يعُد لديه سوى حنين إلى ماضٍ لا وجود له إلا في أحلام الاتحاديين، لكنه يمثّل كابوساً حيّاً بالنسبة إلى القوميين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدو هذا الافتقار إلى الرؤية في تناقض صارخ مع "شين فين"، وكذلك "حزب التحالف" المعبّر عن التيار الوسطي الذي زاد عدد مقاعده من ثمانية مقاعد إلى 17 مقعداً. ويُلاحظ أن المستقبل الذي يرغب به كل من الحزبين [شين فين والتحالف] مختلف عن الآخر، إذ يتصور أحدهما عملاً سياسياً في إيرلندا موحدة، والآخر مستقبلاً خالياً من العمل السياسي الأخضر والبرتقالي [النزاع السياسي بين الكاثوليك والبروتستانت]. وفي المقابل، تجتذب دعوتهما إلى مرحلة مقبلة مختلفة الناخبين الأصغر سناً الذين لم يعرفوا ذلك النزاع قط وسئموا من السلطة التنفيذية الفاشلة.

وبعيداً من رؤيتهما المختلفتين للمستقبل، تتشابه أجندتا هذين الحزبين، إذ يسعيان إلى إيجاد حلول ديمقراطية اجتماعية لمعالجة أزمة تكاليف المعيشة والأزمة الصحية. ويمتلك الحزبان سجلات تقدمية في شأن المساواة في الزواج وتشريعات اللغة الإيرلندية وحقوق الإجهاض للمرأة. كذلك شنّا حملات ضد" بريكست"، وهما مؤيدان للاتحاد الأوروبي، ويدعمان بروتوكول إيرلندا الشمالية. وفي المقام الأول من الأهمية، يسعى كل من الحزبين إلى تشكيل سلطة تنفيذية.

وانعكس هذا التوافق بين الأهداف في زيادة حجم تجييرات الأصوات بين حزبي "شين فين" و"التحالف"، فضلاً عن الضغط على "حزب الديمقراطيين الاجتماعيين والعمال" الذي خسر أصواتاً لمصلحة الحزبين المذكورين. تعمل هذه القيم التقدمية المشتركة بين "التحالف" و"شين فين" بمثابة علاج قريب الأجل للعمل السياسي الخاص بالهوية التاريخية، وكذلك تشكّل [القيم التقدمية المشتركة] قوة موحدة ضد العرقلة التي يمارسها "الحزب الاتحادي الديمقراطي" في وجه تشكيل سلطة تنفيذية، وكذلك سجله الرجعي في المسائل الاجتماعية.

وعلى الرغم من أن النجاح الانتخابي الذي حققه "شين فين" لا يعني الانهيار الحتمي للمملكة المتحدة، بل إنه تفويض لإجراء محادثة جادة حول ما إذا كانت مصالح إيرلندا الشمالية تخدم بشكل أفضل في إيرلندا الموحدة العضو في الاتحاد الأوروبي، أو في بريطانيا ما بعد "بريكست".

في كل مرة يضع "الحزب الاتحادي الديمقراطي" عقبات أمام التقدم، لا يساعد ذلك إلا في التقارب بين القوميين [شين فين] والوسطيين [التحالف]، ويثير تساؤلات حول ما إذا كانت إيرلندا الشمالية ستتمكن يوماً ما من العمل في شكل طبيعي. ومن الممكن أن يشير "شين فين" بعد ذلك إلى دبلن [عاصمة جمهورية إيرلندا]، حيث قد يكون في الحكومة بعد الانتخابات العامة المقبلة في تلك الجمهورية، كبديل قابل للاستمرار ومستقر وتقدمي. بالتالي، لن يكون "شين فين" هو الذي سيفكك المملكة المتحدة، بل "الحزب الاتحادي الديمقراطي".

نشر في "اندبندنت" بتاريخ 11 مايو 2022

© The Independent

المزيد من آراء