Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا لا تواكب المعاجم العربية مصطلحات الحاضر؟

اللغويون الغربيون يدأبون على التجديد والاشتقاقات منفتحين على ثقافة العصر

المعجم والمصطلحات الجديدة (سوشيال ميديا)

قد لا يكون مستغرباً أن يتزامن الاهتمام باللغة والنهوض بها مع كلّ نهضة شاملة في الأمّة، على ما شهدنا في نهضة العرب الأولى، إبّان العصر العبّاسي وما تلاه من عناية العرب بتدوين المادة الأساسية التي تقوم من صلبها أيّ حضارة، عنيتُ اللغة العربية؛ ومن ذلك الميل، وتلك الحاجة إلى مراكمة المعارف، وتصنيفها، وتيسير اللغة الحاملة لها، وتهذيبها، وتبويبها على نحو أدقّ لتغدو موسوعية جامعة شرطاً لإثراء الفكر وتجديده، فرأينا مختار الصحاح، وتهذيب اللغة، ولسان العرب، والقاموس المحيط، وكتاب التعريفات للجرجاني، وكشاف اصطلاحات الفنون للتهانوي وكليات أبي البقاء وغيرها.

لن يكون متاحاً لي الكلام على ما أنجزه علماء العرب في نهضتهم الثانية، بدءاً من القرن التاسع عشر، ولا ما استهلّوا به إنجازاتهم في القواميس التي جعلوها مدخلاً رحباً إلى العصر، كما فعل أحمد فارس الشدياق، في "الجاسوس على القاموس"، على سبيل المثال، ولا ما شرع به بطرس البستاني في قاموسه "محيط المحيط"، ولا ما باشر به جرجي زيدان في كتابه "فلسفة اللغة العربية" حيث أدرج العديد من المصطلحات المستخدمة في حينه ضمن سياق المعجم المتداول والواجب اعتبارها.

إنما كلامنا على جهود يبذلها علماء اللغة الغربيون، ومنهم الفرنسيون، من أجل رفد اللغة بكلّ مصطلح جديد، حالما يثبت رسوخه في التداول بين الأفراد وبين المعنيين بمجتمع المعرفة. ومن ذلك ما صدر أخيراً عن دار سيرف، في باريس، لهذا العام 2022، "قاموس العالم الحاضر"، بإعداد كلّ من الكاتبين الشهيرين؛ إيف شارل زرقا، وكريستيان غودان، وفيه تفصيل وتحليل لأربعمئة وخمس وأربعين (445) كلمة أو مصطلحاً دخلت حديثاً في التداول العام والخاص، فصارت جزءاً لا يتجزّأ من المعجم الفرنسي المألوف والمتخصص في آن. والجدير ذكره أنّ هذا القاموس يندرج في سلسلة من القواميس، حرص على إصدارها مجتمع المعرفة الفرنسي، كلّ عشرين عاماً، من أجل مواكبة المستجدّ من المصطلحات والألفاظ الداخلة إلى صلب الاستخدام والتداول سواء في مجال التواصل الاجتماعي، أو الاقتصادي، أو السياسي، أو الاكتشاف العلمي، أو غيره. إذ قد يسعنا ذكر إصدارين من القواميس من ستينيات القرن الماضي وبعنوان متقارب: قاموس العالم الحالي، الصادر عام 1967، إعداد الباحث هنري فافرود، بطبعته الثانية، وقاموس الزمن الحاضر، والصادر عام 1987، وإعداد كلّ من جوزيه دوبا، وآلان فريش.

وقائع ومصطلحات

وفي تقديم للكتاب الصادر حديثاً، يورد المفكّر الفرنسي روجيه بول دروا، ما مفاده أنّ القاموس المذكور استغرق إعداده من قبل الباحثين الشهيرين، زرقا وغودين، عشر سنوات متتالية، يراقبان فيها المدوّنات المختلفة، ويتتبّعان أغلب السجلاّت المكتوبة والمرئية عبر قنوات التواصل، ويستخلصان منها المصطلحات الجديدة الدالّة على وقائع جديدة في كلّ ميدان. ولمّا كان لازماً الإحاطة بكلّ مصطلح جديد، فقد خصّ الكاتبان أكثر من صفحة واحدة لكلّ عبارة، يبيّنان فيها صلة دلالتها الحاضرة بالقديمة، أو يحسمان في دلالتها الحالية بناء على السياقات المندرجة فيها. وقد تكون العبارة جديدة كلياً مثل: الدرون، أو الطائرة المسيّرة أو المسيّرة، وهاكر، وتعني المخترِق حسابات في الكمبيوتر، وسيمولاسيون أو المحاكاة، وباتريموان أو التراث، وبورنوغرافيا أو الإباحية الجنسية، وميتافيرس وتعني وجود واقع افتراضي يتفاعل عبره أشخاص عديدون، وغيرها الكثير الكثير من العبارات.

 وعلى الرغم من أنّ الكتاب ضخم، وقد بلغ عدد صفحاته ستمئة وأربعاً وأربعين (644)، وبلغ عدد المساهمين فيه 65 مساهماً، فإنّ الكاتبين لم يطرحاه بديلاً عن الدراسات اللغوية العميقة والجادّة في شأن المعجم المعاصر. وإنما قصدا إلى جعله دليلاً يستهدي به القارئ العادي والمختصّ للتعرّف إلى عبارات هذه اللغة الجديدة ومصطلحاتها المنحوتة بعد إمعان النظر، أو اتفاقاً ومصادفة، والتي تولّدت بين ظهرانيهما ودخلت إلى سجلّ التداول من دون إذنهما أو حتّى من غير موافقة مجتمع المعرفة عليها.

اللغة كائن حي

وأيّاً يكن من أمر التباين في دلالات هذه المصطلحات الجديدة بين المتداولين بها ونسبية رواجها بينهم، فإنّ إخراج هذا القاموس، وسابقيه على ما أشرنا، يقتضي من المثقّف العربي، أو المعنيّ بشأن اللغة وتجديدها، النظر في الإنجاز من وجهيه؛ أولاً، من حيث اعتبار الباحثين الفرنسيين اللغة كائناً قابلاً للتجدّد من الداخل، وأنّ هذا التجدد تفيض به الحياة المدنية والعصرية عليها من غير ما تدخّل، وأنّ من واجبهم تقصّيها والتقاطها والعمل على تبيينها وإعادة تصنيفها استناداً إلى العلوم البينية (علم اللغة، وعلم النفس، وفقه اللغة، والأنثروبولوجيا، والسياسة، علم هندسة الكمبيوتر، والإلكترونيات، وغيرها).

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ثانياً، من حيث إدراك الباحثين وظيفة بل وظائف القاموس المحتملة، ومنها إعادة تكوين المعارف الموسوعية لدى القارئ، عبر المعجم المزيد، وتشكيل وعيه للعالم الذي تحيل عليه العبارات الجديدة.

أما نحن، عنيتُ القرّاء العرب، فما تراه موقعنا من هذه المساهمات والقواميس التزامنية على قولة العالم اللغوي دوسوسور؟ وهل تجاوزنا إنجازات مجامع اللغة العربية، على امتداد مئة عام (1919-2020)؟ وهل أمكن قواميسنا العربية أن تكون شاملة، ومحدّثة، ومواكبة لحياتنا العصرية، على ما طالما دعا إليه المعلّم إبراهيم اليازجي (1847-1906)؟

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة