غرد رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي في الثالث من مايو (أيار) 2022، قائلاً، "في اليوم العالمي لحرية الصحافة، نجدد التأكيد أن صحافتنا الحرة هي ضمانة لبقية الحريات وأن الإعلام الحر المسؤول والموضوعي يساهم في بناء العراق الذي نطمح له، على أمل أن تكون صحافتنا دليل الناس إلى الحقيقة، ونستذكر بهذا اليوم بإجلال شهداء الكلمة الصادقة".
وعلى أثر دخول القوات الأميركية إلى العراق وانتشار المنظمات الإرهابية والجماعات المسلحة التكفيرية ازدادت الانتهاكات التي تعرض لها الصحافيون، وبلغت حداً وصل إلى اختطافهم واعتقال آخرين وقتلهم، وعُد العراق من أكثر بلدان العالم خطورة حين شهدت البلاد فراغاً سياسياً عام 2003.
قانون الحماية للصحافيين
وقال الخبير القانوني علي التميمي، "جاء في المادة الثامنة من قانون حقوق الصحافيين أنه لا تجوز مساءلة الصحافي عما يبديه من آراء أو معلومات أو الإضرار به بسببها، ومن يعتدي على الصحافي كمن يعتدي على الموظف أثناء أداء الواجب، وفق المادة 229 من قانون العقوبات تصل عقوبته إلى الحبس ثلاث سنوات، ولا تجوز مساءلة الصحافي أو إلقاء القبض عليه إلا بقرار قضائي، وأوجبت المادة العاشرة من القانون أعلاه إشعار نقابة الصحافيين والجهة التي يعمل بها الصحافي عن أي شكوى مرتبطة بعمله، ويجوز لنقيب الصحافيين أو رئيس المؤسسة التي يعمل بها الصحافي حضور الاستجواب تحقيقاً ومحاكمة، كما أن الدستور ضمن حرية التعبير عن الرأي في المادة 38 منه، وكذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق العهد الدولي، وكل دساتير العالم".
الأكثر عداء للصحافيين
وأوضح ياسر السالم، رئيس النقابة الوطنية للصحافيين، أن أسباب الانتهاكات تعود إلى عوامل عدة، أولها القيد القانوني الذي شرع في مرحلة النظام الديكتاتوري السابق، وما يزال ساري المفعول، وقانون العقوبات العراقي رقم 111 لعام 1969 يتضمن مواد عديدة تجرم حرية العمل الصحافي والانتقاد، وشرعت إحدى المواد القانونية التي يحكم فيها بالسجن المؤبد من يوجه انتقاداً لرئيس الجمهورية، وتابع السالم أنه، وفقاً لإحصاءات وتقارير تصدرها منظمات محلية عن معدل الانتهاكات بحق الصحافيين والجهات المرتكبة لذلك، تبين أن الأجهزة الأمنية المرافقة للشخصيات السياسية هي الأكثر انتهاكاً للصحافة والصحافيين ولحرية العمل الصحافي في العراق، فالجهات التي تمثل الدولة هي أكثر المنتهكين لحرية الصحافة فضلاً عن الجماعات الخارجة على القانون كالميليشيات وقوى الإرهاب. وأضاف السالم أن الانتهاكات المسكوت عنها فعلاً، هي حقوق الصحافيين العاملين في مؤسسات تابعة لمسؤولين في الدولة، إذ يعمل 99 في المئة من صحافيي العراق بلا عقود أو ضمانات، لذا نجدهم معرضين للتسريح أو الفصل لحظة تشاء المؤسسات التي تفرض آراءها أو توجهاتها السياسية المحددة، ما يعد بحد ذاته قيداً على حرية العمل الصحافي.
الحماية من التعسف والاستغلال
في كل بلدان العالم تعتبر الصحافة مهنة للمتاعب، لكنها في العراق باتت مهنة المخاطر، وأوضح الكاتب والإعلامي مازن الزيدي أن التعقيدات السياسية والاجتماعية والأمنية التي يشهدها العراق منذ 2003 بعد سقوط نظام الرئيس الراحل صدام حسين، لا يمكن فيها إنكار السقف العالي من الانفتاح والتعددية الإعلامية التي حصل عليها الصحافيون العراقيون، إلا أن ذلك كله يعكره غياب التنظيم والضمانات، فالواقع الصحافي بحاجة إلى التنظيم كي تأخذ الصحافة دورها البناء كسلطة رابعة مسؤولة عن تشخيص الأخطاء وتقديم رؤية متوازنة للتحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، أما الضمانات فيحتاجها أعضاء الأسرة الصحافية لحماية مهنتهم ومنع تحولهم إلى أجراء يوميين لدى أصحاب المؤسسات الصحافية، فضلاً عن الأمان الوظيفي الذي تمنحه هذه الضمانات، والحماية من التعسف والاستغلال.
طريق مظلم لمن يعتزم إزعاج المفسدين
وفي سياق متصل، قال الكاتب والصحافي أحمد زنكنة، "يبدو واضحاً أن الدستور وقوانين حماية الصحافيين لم تسعف كثيرين من الصحافيين في الحفاظ على حياتهم، والتمتع بمساحة الحرية التي يفترض توفرها في العراق الجديد"، مشيراً إلى أن تناول ملفات الفساد المالي للأحزاب والإثراء على حساب المال العام موضوعات تزعج الكثيرين منهم، فضلاً عن الانتماءات الخارجية وفرض أجندات مشوهة على الواقع العراقي وتحمل كلها موضوعات خطرة قد تكلف الصحافي الذي يبحث فيها، حياته. ويتابع، "نحن نتحدث عن العشرات من حالات الاغتيال والخطف التي طالت العديد من الصحافيين ولعل المراصد والمؤسسات المدنية المعنية بهذا الجانب تملك أرقاماً كبيرة".
مواقع التواصل الاجتماعي أحدثت فرقاً
وذكر زنكنة أنه في مدن الإقليم، الحال ليست بأفضل من باقي مدن العراق، "ولعل المساحة الآن في ظل الظرف الحكومي الحالي الذي يساند التوجه لمحاربة الفساد والمفسدين هو الأفضل حتى الآن، بخاصة مع الإجراءات الحكومية". وقال إنها ليست بالمستوى المطلوب إلا أنها قد تعطي إشارات يمكن أن تمهد للأفضل في حماية الصحافة والصحافيين، وأضاف، "لا أنسى دور مواقع التواصل الاجتماعي التي أحدثت فارقاً حقيقياً في تكوين رأي عام وشعبي في ضرورة القضاء على ملفات كثيرة حملت بين صفحاتها حكايات مؤلمة وسرقات كبيرة، وعلى الرغم من ذلك، لا أعتقد أن الصحافة والصحافيين في مأمن وهم يخوضون معاركهم ضد حيتان الفساد".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تلاشي المؤسسات الراصدة للانتهاكات
وأكد الصحافي والكاتب في قناة "العراقية" الفضائية حازم الشرع أنه بعد عام 2014 بدأ العراق يفتقد المؤسسات التي ترصد الانتهاكات في المجال الصحافي التي نشطت في الفترة بعد دخول القوات الأميركية إلى البلاد، وأخذ وقتها مسؤولون عراقيون حذرهم من هذه التقارير، مضيفاً، "أما الآن، فمعظم المؤسسات العراقية لا تحسب حساباً لهذه التقارير، فضلاً عن أن المؤسسات العراقية التي كانت ناشطة في هذا المجال تلاشت تماماً".
العقاب
ثائر علي، أكاديمي ورئيس محررين سابق، في وكالة "الأنباء العراقية" "واع" سابقاً قال، "قبل التغيير، كان هناك هامش من الحرية في انتقاد عدد من مؤسسات الدولة حين تقصيرها في واجباتها تجاه الوطن والمواطن، وكان الوزراء والمديرون العامون والمسؤولون في الحزب والدولة يتابعون ويهتمون بما يتم نشره في الصحافة أو في قناة التلفزيون المحلية أو الإذاعة، ويحاولون معالجة أي خلل بالسرعة الممكنة، لعلمهم أن رئيس النظام يتابع هذه المنشورات من خلال دائرته الصحافية، وبالتالي هم يتجنبون العقاب، مضيفاً، "لكن، لم تتجرأ الصحافة على الرغم من ذلك، أن توجه أي انتقاد لرأس النظام السابق أو لأبنائه أو حاشيته بأي شكل من الأشكال، لأنهم يمثلون خطاً أحمر لا يمكن انتقاده وإلا، فمصير من ينتقد سيكون مجهولاً".
طروحات طائفية وابتزاز سياسي
وعلى الرغم من الحرية الكبيرة التي منحت للصحافيين والإعلاميين في انتقاء موضوعاتهم وانتقاد مختلف الظواهر السلبية التي تواجه الشعب والمواطن العراقي والتي تعد حالة صحية، فإن بعض هذه الصحف والمؤسسات الإعلامية مارست أدواراً عمقت من الخلافات بين أبناء الشعب عبر طروحاتها الطائفية، فضلاً عن ممارسة بعضها الآخر الابتزاز السياسي أو المادي أو كليهما من خلال تهديد السياسيين والمسؤولين في الدولة بنشر الوثائق والفيديوهات التي تدينهم وتعري صورتهم أمام المواطن العراقي والقضاء، كما قال ثائر علي خاتماً، "رافقت مرحلة التغيير، ظواهر عديدة أخرى كالصحف الصفراء، فضلاً عن صحف وقنوات الأحزاب الحاكمة التي تروج لهذه الأحزاب وأهدافها، وتلمع صورتها فضلاً عن انتقادها الأحزاب الأخرى".
من القيود المركزية إلى تعدد الآراء
المصور الاخباري في قناة "آسيا الفضائية"، فريد شهاب قال، "التحقت بالعمل بصفة مصور إخباري في قناة (الحرية الفضائية) منذ عام 2003 وتنقلت بعدها للعمل بأكثر من قناة عراقية، جسد ذلك العام ما يشبه انتقالة كبيرة للإعلام من قيود مركزية الحزب الواحد إلى اللا مركزية وتعدد الآراء، وشهدت تلك الفترة ازدهاراً كبيراً للقنوات التلفزيونية والوكالات الإخبارية العالمية منها والعربية، وكان الإعلامي حينها محل تقدير واحترام من الجميع".
"داعش"
وفرضت القيود والتابوهات الحزبية نفسها على الساحة الإعلامية، وتنامى هذا المنهج كثيراً إبان احتلال تنظيم "داعش" عدداً من مدن العراق، الأمر الذي أسهم في هيمنة الأحزاب السياسية على الإعلام كلياً، "وأخص منها بالذكر تلك التي تمتلك أجنحة مسلحة"، بعدها، دخل الإعلام في دوامة الأحزاب وبدأت الانتهاكات وتوجيه السلاح بوجه كل من يعارض أيديولوجياتها المستأثرة بالسلطة، ثم جاءت النهاية بعد انتشار مواقع التواصل الاجتماع التي انتهكت كل القيم الأخلاقية، وأدت إلى الانتقال من اللا مركزية المقننة، إلى التشظي والانفلات وغياب الخطاب الإعلامي المهني.
الدستور
الصحافي والمراسل الإخباري في قناة "العراقية" مؤيد الفرطوسي قال، "أعتقد أننا في العراق نعيش حرية صحافية تفوق نظيراتها في المنطقة في جوانب شتى، إلا أنها تصطدم بحواجز"، فالصحافي لا يستطيع أن يحصل على معلومات أو يصل بسهولة إلى جوانب تخص جهات أو شخصيات سياسية نافذة أو فصائل مسلحة، أو مؤسسات دينية لها سطوتها في شؤون الدولة، وفي المحصلة، لا تصل حرية الصحافة في العراق إلى مستوى الطموح لأنها لم تمنح الحيز الذي كفله لها الدستور والقوانين النافذة، على الرغم من سقوط عشرات الشهداء والجرحى من الصحافيين في سبيل إيصال الكلمة الحرة ونبض الحقيقة للرأي العام.
التقنية الرقمية
وتأخر دخول العراق في مجال التقنية الرقمية والإعلام الرقمي ليصبح آخر البلدان التي شهدت تحول العالم إلى جمهورية رقمية، وقال رئيس المرصد العراقي للحريات الصحافية هادي جلو مرعي في مؤتمر صحافي له، "ضحايا الاعتداءات الإلكترونية يتعرضون لما هو أشد فتكاً من القتل أو التهديد بل الحرب الناعمة التي تشن الآن على الصحافيين والإعلاميين ومؤسساتهم أو ما يسمى بالتطور الرقمي"، مضيفاً، "أعني بذلك أن نفقد وظائفنا والقدرة على أداء عملنا، إنه الاستغناء عن الإنسان الحي مقابل إنسان رقمي، ولا يعود الصحافي يفكر بعقله وإنما من خلال آلة، وقد أغلقت العشرات من الصحف الورقية في العراق وأضحت الصحف الورقية من النوادر، والطريف في الأمر كيف سيكون العراق جزءاً من حالة المستقبل ونحن ما نزال جزءاً من حالة الماضي، وحالة تقليدية في إدارة الملفات في كل المجالات، ولم نتهيأ للمرحلة الرقمية، فكيف نخترق الحصار الرقمي؟".
إن الاحتفال بحرية الصحافة يشبه خليطاً من مشاعر مزدوجة، فبالنسبة إلينا كصحافيين، شهدنا مقتل زملائنا وجرح آخرين وهاجر عدد منهم، إضافة إلى صعوبات يومية أخرى في ظل انعدام الأمن وضعف دور الدولة ومؤسساتها وعدم احترام القوانين، والصحافة اليوم تواجه تحديات أمنية وسياسية وقانونية ولا نملك الكثير من التفاؤل في هذا الشأن، إلا أننا سنستمر حتماً ولن نتوقف.