Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معركة أوكرانيا الرقمية صارت عالمية

مخاطر وجود جيش من هاكرز متطوعين يوجهون أنفسهم بأنفسهم

"قوات العمليات الخاصة الأوكرانية" في معرضٍ للإلكترونيات الاستهلاكيّة في كييف، سبتمبر 2019 (رويترز)

في أوكرانيا اليوم، تدور حربٌ شبه تقليديّة تحشد جنوداً منظّمين ومحترفين وتسلسلاً قياديّاً وأسلحةً متطوّرة كالدّبابات والطّائرات من دون طيار (درون)، إضافة إلى استراتيجيات الدول وتكتيكاتها. وبالتّوازي مع هذه الحرب، تدور حربٌ من نوعٍ آخر يجري معظمها في الفضاء الإلكتروني بدعمٍ من متطوّعين أجانب يُقاتلون إما لمصلحة روسيا أو أوكرانيا. والمعلوم عن هؤلاء أنّهم منظّمون تنظيماً فضفاضاً ويفتقرون إلى تسلسلٍ قياديٍّ واضح. لكنّ أعدادهم زادت بشكلٍ مطرد منذ بدء الحرب في فبراير (شباط) 2022. وبحسب تقديرات السلطات الأوكرانية، أسهم حتى الآن حوالى 400 ألف "هاكر" من جنسياتٍ مختلفة، في تأجيج جذوة المعركة الرّقمية التي تشهدها البلاد. وثمة شخصيات بارزة عديدة عرضت الانضمام إلى القضية، في مقدّمتهم رجل الأعمال إيلون ماسك الذي تحدّى الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين في مبارزة "رجل لرجل" لتقرير مصير أوكرانيا. وعلى خطاهم، سار مئات الآلاف من الأشخاص الذين هبّوا من جميع أقطار العالم للمشاركة في الحرب الإلكترونية المتعلقة بالصّراع الرّوسي- الأوكراني، في واحدٍ من الإنجازات الملفتة للتعبئة الشّعبية.

وقد يتبدّى كل من ينحاز إلى دولةٍ محاصرة تُدافع عن سلامتها الإقليمية، أنّه ليس من جانب سلبي في تلك الوضعية التي تشمل تَطوّع مدنيّين من جميع أنحاء العالم بوقتهم ومهاراتهم لمساعدة أوكرانيا على الانتصار من دون توقّع مكافأة أو مقابل ماديّ من حكومتها. لكن الحقيقة أن شنّ معركةٍ إلكترونية غير رسمية على روسيا ينطوي على مخاطر جدية، لا سيما أنّ الحرب الإلكترونية قد تكون واحدة من الأدوات القليلة المتبقية في كتاب قواعد اللعب الخاص بالكرملين. إذ تضع هذه الحرب الموازية روسيا والغرب في مسارٍ تصادمي، وقد تخرج عن نطاق السيطرة في أيّ لحظة وتتحوّل إلى منافسة فوضويةٍ عالية المخاطر يُمكن أن تمتدّ إلى ما وراء حدود الفضاء الإلكتروني.

وإذ أدركت حكومة كييف عظمة الزّخم العالميّ المؤيّد لها مع سعي الناس في كلّ مكان إلى تعزيز دفاعاتها، انكبّت تلك الحكومة منذ بداية الحرب على تطوير هذه الشبكة غير الرسمية. إذ أورد ميخايلو فيدوروف، نائب رئيس الوزراء ووزير التّحول الرقمي الأوكراني، في تغريدةٍ نشرها في 26 فبراير 2022 على تطبيق "تليغرام" وضمّنها الرّابط الخاص بمجموعة "جيش أوكرانيا الإلكتروني" المنشأة حديثاً، أنه "نحن بصدد تكوين جيشٍ إلكتروني. نحن بحاجة إلى مواهب رقمية. وستكون هناك مهام للجميع. سنواصل القتال على الجبهة الإلكترونية". وعلى خلفية هذه التّغريدة، انهالت على أوكرانيا عروض الدّعم للجهود التي تُكرّسها على المستوى السّيبراني. ومثلاً، كتب الرّئيس التّنفيذي لإحدى الشركات الناشئة في مجال الأمن السيبراني، "أعلموني عن إمكانية أن يقدّم فريقنا أي مساعدة (مجناية بالطبع)". ومذاك، توسّعت مجموعة "الجيش الإلكتروني الأوكراني" لتشمل ما يُقارب الـ300 ألف عضو.

لقد انضم أناس من جميع أنحاء العالم إلى تلك المعركة الرقميّة وعملوا في مشاريع تتراوح بين تعطيل صفحات الحكومة الرّوسية وبين إنشاء مواقع إلكترونية لمكافحة التّضليل الرّوسي. وقد نجحوا كثيراً في ذلك. ولا شكّ أنّ الجهود التي بذلها جيش المتطوّعين هذا مثيرة للإعجاب، إلا أنها قد تُفضي إلى نتائج عكسية وتُهدّد بتصعيد الصراع وإطالة أمده، بدلاً من تحقيق نصرٍ حاسمٍ لأحد الطّرفين.

 

قوات الخيالة الرّقميّة

في أعقاب غزو روسيا لجارتها الجنوبيّة، سعى المدنيّون حول العالم إلى التِماس سُبِلٍ للانخراط في الصّراع عن بُعد. وكانت بعض هذه الجهود في الأساس شكلاً من المؤازرة، إذ يعمل عدد لا يحصى من الأشخاص على تناقل صور ومقاطع فيديو عبر "تويتر" دعماً لهذا الجانب أو ذاك، من دون التأكّد على ما يبدو من صحّة المعلومات. وفي المقابل، ظهرت أعمال تطوعية من النّوع الذي يتطلّب مهارات عالية. ونذكر من بينها مثلاً برنامجاً مخصصاً لصنع كميات من رسائل البريد العشوائيّة، وقد طوّره خبير كمبيوتر نرويجي، بغرض توجيه نُسَخ كثيرة من رسالة تُدين الهجوم [الروسي على أوكرانيا] وتُنتَجْ بصورة مؤتمتة وترسل فوراً إلى 150 عنوان بريد إلكتروني روسيّ دفعةً واحدة. وفي ما يلي مضمون تلك الرسالة التي تظهر باللغة الروسية مع ترجمتها باللغة الإنكليزية، "صديقي العزيز، أكتب إليكم للتعبير عن قلقي بشأن المستقبل الآمن لأطفالنا على كوكب الأرض وأحيطكم علماً بأنّ غالبية العالم تُدين غزو بوتين لأوكرانيا".

ولم تقتصر المشاركة في النّزاع على عالم الإنترنت. فمنذ بدء الغزو الرّوسي، يتقاطر المتطوعون الأجانب إلى أوكرانيا بالآلاف لدعم خطوطها الدّفاعية، لكنّ مساهمتهم العسكرية كانت في غالبيتها مخيّبة للآمال، على عكس الاعتداءات السيبرانية التي شكّلت ولا تزال العنصر الأقوى في الجهود التّطوعية العالميّة. وفي هذا الخصوص، أكّد فيكتور زورا، نائب رئيس خدمة حماية المعلومات الأوكرانية، في تصريح أدلى به إلى "بلومبيرغ كوينت" BloombergQuint في أوائل مارس (آذار) 2022، أنّ المتطوعين يتوزّعون على مهمات تشمل جمع المعلومات الاستخباراتية ومهاجمة الأنظمة العسكرية الروسية. وعلى نحوٍ مماثل، أخبرني اللواء المتقاعد جونار كارلسون، الرّئيس السّابق للاستخبارات العسكرية السويدية، أنّ "تلقي مثل هذه المساعدة التطوعية أمر جذاب لأنه يستقطب الكفاءات بالمجان. وبرأي كثيرين، تبدو عمليات القرصنة الإلكترونية لمصلحة أوكرانيا كبديل مغرٍ عن التبرع بالمال أو السفر للقتال. وهذا كلّه إيجابي للغاية بالنسبة إلى أوكرانيا".

 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي الغالب، تكلّلت هذه الهجمات غير الرّسمية بالنّجاح. ففي 26 فبراير مثلاً، أعلنت مجموعة القرصنة العالمية "أنونيموس" "الحرب الإلكترونية" على روسيا واخترقت التلفزيون الحكوميّ الرّوسي بهدف عرض لقطات مروّعة من الحرب، إلى جانب محتوى آخر مؤيّد لأوكرانيا. وفي 13 أبريل (نيسان)، زعمت المجموعة أنّ روسيا "فقدت السيطرة على أقمارها التّجسسيّة" بعد اختراق برنامج الأقمار الاصطناعية الخاص بها، وقد نفتْ موسكو ذلك. وكذلك تزامنت هذه المزاعم مع تنفيذ هاكرز آخرين هجمات ناجحة على مواقع تابعة للحكومة الروسية. وفي 16 مارس، اقتحم متسللون إلكترونيون موقع "وزارة حالات الطوارئ الروسية" ووضعوا في متناول الجنود الروس رقماً هاتفياً يتصلون به إذا أرادوا الانشقاق. إلى ذلك، أعرب بعض المتطوعين المنتمين إلى "جيش أوكرانيا الإلكتروني" عن رغبتهم في السّير قدماً إلى أبعد من ذلك، عبر استهداف الشركات الخاصة وتعطيل عمليات الوكالات الحكومية الرّوسية. "في الآونة الأخيرة، تشكّلت طوابير طويلة أمام أجهزة الصراف الآلي في روسيا. دعونا نزيد طول هذه الطوابير من طريق إغلاق الخدمات المصرفية الإلكترونية"، علّق أحد أعضاء "جيش أوكرانيا الإلكتروني" على "تليغرام". وفي 7 أبريل، أعلن "جيش أوكرانيا الإلكتروني" عن اختراقه منصة "روسغرام"، وهي النّسخة الرّوسية من تطبيق "انستغرام" الأميركي الذي حجبته السلطات الروسية في مارس  2022، إضافة إلى تسريبه بيانات مستخدمي تلك المنصة. وربما تكون نجاحات ذلك الجيش الأوكراني من المتسللين المتطوعين قد أحدثت اضطرابات وعاثت فوضى واسعة النطاق في روسيا، لكنّها قد تؤدي في نهاية المطاف إلى تصعيد الحرب على الأرض.

 

تصعيد الموقف

في النّزاعات التّقليدية، بما في ذلك الحروب الإلكترونية، يتبع كلّ طرف استراتيجية تنظيمية تُعرف بنهج القيادة والسّيطرة. وفي إطار هذه الاستراتيجية، تضطلع سلسلة من القادة بمسؤولية الإشراف على القوات المعنيّة بتنفيذ المهام والتحكّم بها. ومن شأن هذه الهيكلية أن تُتيح لأيّ دولة تحديد أهدافها العسكرية والتأكد من أنّ كلّ فرد في الجيش من أصغر رتبة إلى أعلى رتبة يُنفّذون هذا القرار بشكلٍ جماعي. ومن دونها، سيكون الصّراع بين الدّول نزاعاً عشوائياً مفتوحاً أمام الجميع، وستكون للوحدات المختلفة وحتى الأفراد حرية الهجوم على أهداف من اختيارهم. وتجدر الملاحظة أنّ نهج القيادة والسيطرة يضع أيضاً المسؤولية النهائية على عاتق حكومات الدول.

وفي المقابل، بالنّسبة إلى حرب الظّل الدائرة بين الفرق التّطوعية العالمية الدّاعمة لأوكرانيا ومجموعة أصغر من الهاكرز المؤيدين لروسيا، فإنها بعيدة كلّ البعد عن هذه الهيكلية. وهنالك هاكرز عديدون ممن يعتبرون أنّ العمل المستقلّ لمصلحة جبهةٍ مفضلة، بمثابة عمل غير مؤذٍ، إلا أن ذلك ليس صحيحاً أبداً. ووفق ما أخبرني المدير المؤسّس لـ"المركز الوطني البريطاني للأمن السيبراني"، كياران مارتن، "قد لا يرغب أي شخص عاقل في إدانة المتطوعين لمحاولتهم مساندة أوكرانيا. لكنّ المتسللين المتطوعين لا يختلفون كثيراً عن الجنود المتطوّعين من داخل أوكرانيا أو خارجها الذين لا يدرون ماذا يفعلون ولا يعملون وفق هيكلية مناسبة، وقد يُضرّون أحياناً أكثر ممّا ينفعون".

نعم، إنّ هذا صحيح. يُمكن لغياب نهج القيادة والسّيطرة أو أيّ سلطة قيادية أخرى، أن يطرح تحدياتٍ هائلة. فمن دون أوامر أو توجيهات، "قد يُقدم المتطوعون على أشياء غير مفيدة، كمهاجمة الأهداف الخاطئة مثلاً"، أوضح كارلسون. وقد يُستخْدَم الهاكرز المستقلون ذريعة الصّراع لارتكاب جرائم إلكترونية خطيرة. وعلى الرّغم من أن هؤلاء المتطوعين لا يتبعون التعليمات الصّادرة عن دولهم الأم، إلا أنّ انتماءهم لها أو إقامتهم فيها يُعرّضها لخطر ربطها مع نشاطات أولئك المتطوعين. و"هذا أخطر بكثير من سفر المواطنين الأميركيين إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب الفيلق الأجنبي الأوكراني، كونه يفضح الجسامة الحقيقيّة للعدوان المنطلق من أراضينا"، ذكر الأدميرال المتقاعد مارك مونتغمري، المدير التّنفيذي لـ"لجنة سولاريوم للفضاء السّيبراني". وأضاف مونتغمري، "وفق ما يُدرك الجميع غريزيّاً، من غير المقبول لأحد الأشخاص في أوروبا أو الولايات المتحدة إطلاق صاروخ لمساعدة الأوكرانيين. بالتالي، على الجميع أن يُدركوا كذلك أنّ التطوع لتنفيذ اعتداءات إلكترونية يمثّل الأمر نفسه، لكن في مجال مختلف". وبعد التساؤلات التي أثارتها جهود آلاف المقاتلين المتطوعين الأجانب على أراضي أوكرانيا وسلّطت الضوء على المدى الذي يجب أن تتحمل فيه الحكومات عواقب مشاركة مواطنيها في النزاع، تجد الولايات المتحدة نفسها في موقعٍ ضعيف في ظلّ عمليات القرصنة الموالية لأوكرانيا التي تنطلق من أراضيها. وإذا ما أخذنا في الاعتبار إبلاغ الرّئيس جو بايدن نظيره بوتين العام الماضي بنيّة واشنطن تحميل موسكو مسؤولية عمليات القرصنة والاختراق الناشئة من أراضيها، من الممكن جداً أن تشعر روسيا بأنها مؤهّلة لاتخاذ موقفٍ مماثل بشأن النّشاط الإلكتروني المُنبثِق من الولايات المتحدة اليوم.

انضم أشخاص من دول العالم كلها إلى المعركة الرقمية

واستطراداً، ينطبق الأمر نفسه على النطاق العالميّ. إذ يُمكن للدعم الذي يقدّمه معظم المتطوعين السيبرانيين الأجانب لأوكرانيا والضربات البارزة التي يُنفّذوها، أن تُحرّض الكرملين المعرّض للعنف بالفعل إلى الانتقام. وعند الانتقام، لن تُوجّه موسكو سهامها نحو المعتدين، مع ملاحظة أنهم في غالبيّتهم أفراد يتوزّعون على مختلف دول العالم، إنّما نحو أوكرانيا أو البلدان الأصلية للمعتدين أو أماكن إقامتهم. بالتالي، قد يؤدي ذلك إلى تأجيج التّصعيد. "لذا إن كنت تخترق روسيا من غرفة معيشتك في لندن، فاعلم أنّ نشاطك هذا يُشكل خطراً على [المملكة المتحدة]"، نوّه كارلسون. صحيح أنّ بوتين لن يُطلق صواريخ "كروز" على المملكة المتحدة للانتقام من الهجمات الإلكترونية المنبثقة منها، لكنّه قد يفعلها مع دول مجاورة". والأرجح أن يمتد خطر ردّه إلى الدّول المستضيفة للخوادم التي تتعامل مع حركة مرور المتسللين، بما في ذلك الولايات المتحدة. وما يُمكن أن يزيد الوضع سوءاً اعتماد الغرب الشّديد على الكهرباء والإنترنت. "تخيّل ما الذي قد يحدث لو انقطعت الكهرباء بضع ساعات في مدينة نيويورك"، بحسب مونتغومري. "مع وجود الأميركيين النشطين بالفعل في هذه الحرب الموازية، يمكن أن يتجرّأ الرّوس على شنّ هجوم تحت عَلَمٍ زائف فيظهر كأنه هجوم من الولايات المتحدة أو أي دولة غربيّة أخرى. وبما أنّ التعرف إلى مصدر الهجمات وإسناده إلى بلد أو حكومة محددة، هو صعب للغاية في عالم الإنترنت، فسيكون من الصعب جداً إثبات العكس". وفي غضون ذلك، قد تختار الحكومة الأوكرانية الرد بالمثل على أي هجمات إلكترونية مُعطِّلَة قد يبدو أن لها صلة بروسيا.

وفي السياق نفسه، ثمّة اختلاف جوهريّ آخر بين المتطوّعين الجدد وجنود القوّات المسلّحة. إذ لا يلتزم المتطوّعون الإلكترونيون باتفاقات جنيف [بشأن القانون الإنساني للحرب]، إذ إنهم غير مُلمّين بها على ما يبدو، أو بالقوانين الوطنية التي تُحظّر على المواطنين مثلاً تنفيذ اختراقات إلكترونية، حتى لو وُجِّهَتْ ضدّ دول أجنبية. فمنذ بدء الغزو الرّوسي، ما انفكّ أنصار أوكرانيا يتبادلون على وسائل التّواصل الاجتماعي فيديوهات لأسرى الحرب الرّوس المُحتجزين في أوكرانيا، في ما يكاد يكون من المؤكد أنه جهد حقيقي للمساعدة في نشر التفاؤل بشأن فرص أوكرانيا في هزيمة الغزاة. في المقابل، إن مشاركة مثل تلك اللقطات تعتبر انتهاكاً لاتفاقات جنيف التي تنصّ على ضرورة "حماية أسرى الحرب في جميع الأوقات، لا سيما ضد أعمال العنف أو التّخويف والإهانات وفضول الجمهور". وبهذه الطّريقة، يقدّم مستخدمو وسائل التّواصل الاجتماعي السُذَّجْ لروسيا ذريعةً مناسبة لإساءة معاملة أسرى الحرب الأوكرانيين على نحوٍ مماثل. "نعم، الحرب مؤسفة، لكن لا يسعك القول إنّها مروّعة لدرجة تدفعك إلى انتهاك القواعد والأعراف الدّولية"، علّق مونتغمري.

 

القلة هي الكثرة

بالنّسبة إلى عديد من الهاكرز المتطوّعين، ربما تكون هذه السّفينة قد أبحرت بالفعل. إذ يُذكّر الغزو الرّوسي لأوكرانيا بالحرب الأهلية الإسبانية التي حضّت عدداً كبيراً من النّاس حول العالم على أداء دورٍ فيها. وعلى النّقيض من الصّراع الإسباني، يمكن للمتطوّعين الإلكترونيين في حرب أوكرانيا إثبات مشاركتهم من قلب منازلهم الآمنة. ووفقاً لكارلسون، "لا مفرّ من أن نشهد في المستقبل مزيداً من حروب الظّل، بحيث قد تُعوّل عليها الدّول التي لا تستطيع تحمّل أعباء القوّات المسلّحة، من أجل شنّ حرب بثمنٍ بخس وبمجرّد مناشدة متطوّعين أن يلتحقوا بجيوش الظّل. بالنّسبة إلى الأجيال الشّابة، يمكن أن يصبح ذلك بمثابة الطّريقة الطّبيعية للمشاركة". ومع اتّساع نطاق الحرب الإلكترونية التّطوعية في أوكرانيا، يجب ألا تُؤخذ الولايات المتّحدة وحلفاؤها على حين غرّة إذا ما خرج صراع الظّل هذا، أو الصّراع المشابه له في أي صراع مقبل، عن نطاق السّيطرة.

على حكومات الدول أن تستعدّ لمواجهة زيادةٍ كبيرةٍ في الحوادث السّيبرانية والهجمات الإلكترونيّة، في ظل إمكانية تصعيد الحرب الرقمية

وفي ظلّ عدم وجود أيّ سلطة رسميّة لضبط الهاكرز المتطوعين، يتعيّن على حكومات الدول أن تستعدّ لمواجهة زيادةٍ كبيرةٍ في الحوادث السّيبرانية والهجمات الإلكترونيّة، في ظل إمكانية تصعيد الحرب الرقمية. والأهم من ذلك، يتوجب على تلك الحكومات أيضاً أن تحاول تنظيم حروب الظل المستقلة. وفي مقابل مساهمات الغرب العسكرية في الدفاع الأوكراني والموافقة الضمنية لبعض الدول على المتطوعين العسكريين الأجانب، لا بدّ من أن تعمل الولايات المتحدة وحلفاؤها على إبراز الملامح المميزة لصراع الظل السيبراني، وأن يُبرز كل بلد المخاطر التي توضع على المحك بالترافق مع النشاطات التي ينهض بها المواطنون العاديون ممن يميلون للانضمام إلى القضية. ولأنّ هجوماً روسياً إلكترونياً إنتقامياً على الولايات المتحدة قد يُطيح بالبنية التحتية الحيوية والقطاع الخاص والمدنيين الذين لم يُشاركوا في الصراع، يتوجّب على واشنطن أن تُوضّح أنّ عمليات اختراق روسيا من الأراضي الأميركية، لا تستحق المخاطرة. ويتوجّب عليها كذلك مراجعة قوانين الحياد الخاصة بها وتحديثها بما يُراعي هذه الأشكال الجديدة من الصراع السيبراني غير الرّسمي، بالتالي يُمكن للولايات المتحدة أن تحاسب الهاكرز الذين يقاتلون من الأراضي الأميركية.

ولعلّ الأهم من ذلك كلّه أن يدأب المسؤولون الأميركيون على تشجيع الرأي العام على مساندة الدفاع الأوكراني بطرقٍ وأساليب يتعذّر استخدامها كذريعةٍ للانتقام. وتشمل أساليب تلك المساندة أن يستضيف المواطنون العاديون لاجئين أوكرانيين في منازلهم، وتقديم الدّعم للمنشقين الروس وتوخي عدم نشر معلومات مضللة حول الصّراع. وبالنسبة إلى المقيمين في الولايات المتحدة وأوروبا، فإن باستطاعتهم توجيه الضّربة القاضية لروسيا من طريق خفض استهلاكهم للطاقة. ويرجع ذلك إلى أن خطوة كتلك ستحرم الحكومة الروسية من التدفقات المالية وتُقلّل من جديّة تهديداتها بقطع إمدادات الطاقة عن الدّول المؤازرة لأوكرانيا. وإذا رغب المواطنون العاديون في إحداث الفارق في أوكرانيا، فسيكون إطفاء الأنوار في المنازل بمثابة بداية جيدة.

 

إليزابيث براو، زميلة بارزة في "المعهد الأميركي لأبحاث السّياسة العامة"  (AEI).

 

فورين آفيرز

 مايو (أيار)/ يونيو (حزيران) 2022

المزيد من آراء