Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

دمشق تعود للحضن الإيراني بعد انحيازها إلى موسكو في أوكرانيا

طهران تفعّل علاقاتها الاقتصادية مع نظام الأسد وتحصل على تسهيلات استثمارية وعسكرية

الأسد خلال اجتماعه بخامنئي بحضور رئيسي في طهران، الأحد 8 مايو الحالي (مواقع التواصل)

طرحت الزيارة المفاجئة لرئيس النظام السوري السوري بشار الأسد إلى إيران يوم الأحد الثامن من مايو (أيار) الحالي جملة أسئلة حول توقيتها وأغراضها وموقعها في ضوء التحولات على الساحتين الدولية والإقليمية.
وللزيارة أهميتها لأنها الثانية التي يقوم بها الأسد منذ انتفاضة الشعب السوري عام 2011 إلى الدولة التي أسهمت إسهاماً أساساً في إنقاذ نظام الأسد من السقوط بسبب هجمات المعارضة على مناطقه، خصوصاً في دمشق منتصف العام 2015، حين طلبت طهران من روسيا التدخل عسكرياً من أجل وقف زحف الثوار على قلب العاصمة السورية.
ومن الدلالات المهمة التي رافقت الزيارة أن الأسد بدأ لقاءاته مع المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي قبل اجتماعه والوفد المرافق مع سائر المسؤولين الإيرانيين وفي طليعتهم الرئيس إبراهيم رئيسي. وكان لافتاً أن خامنئي تحدث عن إعادة إعمار سوريا، وقال إن "سوريا اليوم ليست كما كانت قبل الحرب، على الرغم من أنه لم يكن هناك دمار في ذلك الوقت، لكن احترام سوريا ومكانتها أكبر من ذي قبل، والجميع يرى هذا البلد كقوة".

أما الأسد فأشاد بالدور الإيراني بما يتجاوز المساعدة الإيرانية العسكرية أو الاقتصادية، قائلاً إن "بعضهم يتصور أن دعم إيران للمقاومة يتمثل في الأسلحة، في حين أن أهم مساعدات قدمتها تتمثل في رفع معنويات المقاومة لاستمرارها"، مضيفاً أنه "بالإمكان إصلاح دمار الحرب لكن لا يمكن إصلاح المبادئ".

عكس ما كانت تأمله دول خليجية

ومن العوامل التي أكسبت الزيارة أهمية قصوى أيضاً أنها تأتي في وقت كانت دول عربية خليجية أقدمت على خطوات انفتاحية باتجاه الأسد منذ الخريف الماضي، وبالتالي فهي مناقضة للهدف الذي دفع هذه الدول إلى تحقيق هذا الانفتاح، وهو تشجيع الرئيس السوري على الابتعاد من طهران، والزيارة بهذا المعنى جاءت معاكسة لما تأمله دول خليجية بإعادة وصل ما انقطع مع النظام السوري بهدف إضعاف النفوذ الإيراني في بلاد الشام، مقابل وعود بتقديم مساعدات مالية لسوريا، إذ إن بنداً أساساً من بنود محادثات الوفد الرئاسي السوري في العاصمة الإيرانية كان التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين، فبعد استقبال خامنئي للأسد انفتحت الأبواب للقاءات شملت وزراء معنيين بالوضع الاقتصادي ومسألة إعادة الإعمار، للبحث في التعاون الثنائي في هذا المجال.
وفي هذا السياق يشبه بعض مراقبي الأوضاع في سوريا زيارة الأسد بتلك التي قام بها العام الماضي إلى موسكو، حيث دق ناقوس الخطر لجهة خطورة الوضع الاقتصادي والمالي بسبب اشتداد الخناق عليها بفعل العقوبات الأميركية، لا سيما تلك التي يتضمنها "قانون قيصر" الذي يحظر التعامل مع النظام السوري وأي تعاط مع القادة السوريين، فضلاً عن شح المساعدات والتسهيلات المالية الإيرانية في حينها بفعل العقوبات التي فرضتها واشنطن على طهران.

بين مساعدتي موسكو وطهران

وتنقلب المعادلة في هذه المرحلة، إذ إن روسيا تتعرض للعقوبات التي تزيد صعوباتها الاقتصادية والمالية بسبب حربها في أوكرانيا، بحيث يستحيل أن تقدم لسوريا التي تعاني بدورها اقتصادياً بشدة وتفتقد إلى العملة الصعبة، مزيداً من المساعدات، خصوصاً أن أبواب الاستفادة من تهريب دمشق ما تحتاجه من سلع ومواد أساس من نفط وأدوية ومواد غذائية عبر لبنان الذي كانت ماليته تدعم بعضها، تراجعت كثيراً بعد ارتفاع أسعارها فيه جراء رفع الدعم من قبل مصرف لبنان المركزي في ظل الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة.

الغضب الغربي وإرسال مقاتلين إلى روسيا

لكن بعض المراقبين الذين يدعون إلى معاينة المواقف في الإقليم وتداعيات الحرب في أوكرانيا يشيرون إلى أهمية العامل السياسي في قراءة زيارة الأسد إلى طهران، فدمشق انحازت كلياً إلى "الحلف الروسي" في حرب أوكرانيا الذي يشمل إيران أيضاً، بحيث صار الغضب عليها مضاعفاً من قبل الدول الغربية، مما يجعل المراهنة التي سادت لمدة من الزمن على إمكان إسهام الانفتاح السوري على بعض الدول العربية في تخفيف العقوبات الأميركية عنها غير ذي جدوى بعد وقوفها إلى جانب موسكو، فالولايات المتحدة والدول الأوروبية لم تعد في وارد أي تساهل مع أي دولة تقف إلى جانب موسكو في حرب أوكرانيا، فالموقف الغربي المتشدد مع الدول التي تنحاز إلى روسيا بلغ درجة العودة للانقسام في بدايات الحرب الباردة، والذي نشأ بسببه تصنيف "دول العالم الحر" الذي حدد الغرب على أساسه انتماءات سائر الدول، ودمشق في هذا المجال لم تكتف بالوقوف مع موسكو بل أتاحت إرسال مقاتلين سوريين إلى أوكرانيا للقتال إلى جانب الجيش الروسي، وشمل ذلك انتقال بعض المنتسبين إلى الفيلق الخامس الذي يقوده "النمر" في سوريا، والذي كان الجيش الروسي أشرف على إنشائه قبل بضع سنوات. 

فتح ملفات فظائع الحرب

هذا العامل في تفسير خلفيات الزيارة يضاف إلى عامل آخر وهو تزامن الانحياز السوري إلى موسكو مع تصاعد فتح الملفات المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان من قبل النظام السوري خلال الأشهر الماضية، وأبرزها تسريب فيديو الإعدامات الميدانية الوحشية من قبل قوات النظام للمعتقلين من المعارضين السوريين في حي "التضامن" بدمشق العام 2015، والذي تضمن مشاهد مقززة لدى الرأي العام في الدول الغربية، وأثار حملة في الكونغرس الأميركي ضد انفتاح بعض الدول العربية على الأسد ودعوات إلى التشدد في تطبيق "قانون قيصر"، وتزامن كل ذلك مع تراجع احتمال طرح عودة سوريا للجامعة العربية قبل أو بالتزامن مع انعقاد القمة العربية المنتظرة في الجزائر الخريف المقبل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


نتائج اقتصادية عدة 

ومن النتائج الاقتصادية لزيارة الأسد إلى طهران واجتماعه بخامنئي أنه بعدما أوقفت طهران قبل زهاء شهرين الخط الائتماني الذي كانت دمشق تحصل بموجبه على تسهيلات مالية لاستيراد مواد وسلع غذائية سواء من إيران أو من السوق العالمية، جرت إعادة تفعيله بعد الزيارة، بحسب ما أعلن رئيس الوزراء السوري حسين عرنوس لاحقاً، وتسبب تراجع المساعدات الإيرانية خلال الأشهر الماضية في تفاقم أزمة شح المحروقات إلى درجة أن الأسابيع الأخيرة شهدت حالات من نوع أن البواخر المحملة بمادة البنزين لسوريا كانت تنتظر في عرض البحر لفتح اعتماد مالي ثمناً لحمولتها، مما أدى إلى تأخر التفريغ.

وأدى نقص الموجود أصلاً في تزويد السوق السورية بالبنزين في الدولة التي كانت لجأت إلى آلية لتقنين حصول المستهلك عليها إلى خفض الـ "كوتا" الشهرية من هذه المادة للمستهلك العادي من 100 ليتر إلى 50 ليتراً، كما أن المناطق التي تسيطر عليها القوات النظامية تعاني تضخماً متصاعداً في الأسعار، في وقت ما زالت المناطق التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية (قسد) بدعم أميركي تنتج النفط من الحقول غير المتاحة للنظام.
ومن النتائج الاقتصادية أيضاً حصول إيران على أسهم في "شركة سوريا القابضة" التي تدير منطقة تفريغ الحاويات في مرفأ اللاذقية، فضلاً عن إعطائها من قبل الجانب السوري امتياز استخراج الفوسفات من المناجم شرق بلاد الشام، بعدما كان استثمار هذه المناجم في عهدة موسكو، وهي مكاسب تضاف إلى الاستثمارات العقارية لرجال أعمال إيرانيين في دمشق ومحيطها، أي في منطقة السيدة زينب والسيدة رقية، والمصانع الخاصة السورية والقابون وداريا.

الحرس الثوري يحل مكان قوات روسية

وتتساوى في الأهمية الخلفيات العسكرية للزيارة مع الخلفيات والأبعاد العسكرية، فمنذ اندلاع الحرب في أوكرانيا نفذت القوات الروسية، خصوصاً بعض مجموعات شركة "فاغنر" التي تعتمد عليها موسكو كقوة غير رسمية، انسحابات ذات دلالة من بعض المناطق، كان آخرها بحسب التقارير التي نشرت قبل أسبوعين، المستودعات الاستراتيجية لتخزين الأسلحة والذخيرة قرب تدمر في منطقة مهين، فحلت مكانها على الفور الميليشيات العراقية والأفغانية واللبنانية (حزب الله) الموالية لطهران بقيادة وتوجيه من "الحرس الثوري" الإيراني، ولا يستبعد العارفون بالميدان السوري أن تكون دمشق متخوفة من أن تسعى قوات المعارضة إلى استغلال أي انسحابات لاحقة، بحيث تحتاج إلى تنسيق وثيق مع "الحرس الثوري"، ويشيرون في هذا المجال إلى دلالة عقد اجتماع بين الأسد وقائد "قوة القدس" الجنرال إسماعيل قآاني فور انتهاء اجتماعه مع خامنئي.
وتشير معلومات إلى أن الميليشيات الموالية لطهران في سوريا استفادت من الانشغال الروسي في حرب أوكرانيا وعززت انتشارها في مناطق سورية عدة كانت موسكو تحرص على إبقائها تحت سيطرتها أو سيطرة قوات الجيش السوري، وأن هذا التوسع شمل جنوب دمشق وصولاً إلى محافظة القنيطرة المحاذية للحدود، مع وجود القوات الإسرائيلية في الجولان السوري المحتل، وهذا ما يفسر تكرار إسرائيل ضرباتها العسكرية خلال الأسبوعين الماضيين على مواقع عسكرية مشتركة بين تلك الميليشيات والجيش السوري في جنوب دمشق والقنيطرة.

المزيد من تحلیل