Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ما هو شكل النصر الذي تسعى كل من موسكو وكييف لتحقيقه؟

"تبقى ساحة المعركة هي العامل الحاسم في تقرير المنتصر في غياب أي حافز حقيقي لتقديم تنازلات من أي طرف"

قوات طوارئ روسية تعمل على إزالة الركام من مسرح مدمر جزئياً في ماريوبول، الثلاثاء 10 مايو الحالي (أ ف ب)

يجمع الباحثون العسكريون بغالبيتهم على أن الحرب في أوكرانيا لن تنتهي قريباً، بسبب توافر أسباب للاعتقاد لدى كل من الروس والأوكرانيين، بأنهم سينتصرون في هذه الحرب، لكن إعلان النصر السياسي يحتاج إلى انتصار عسكري في ساحات القتال، وكلا الطرفين بعيد حتى الآن من تحقيقه، فما هو مفهوم ومعايير هذا النصر بالنسبة لكل طرف، ومَن الذي يحدد النصر وكيف ومتى يمكن أن يحدث؟

تعريف غامض

يعني الانتصار أشياء متباينة بحسب اختلاف الأشخاص، ومع استمرار الحرب، يظل تعريف النصر غامضاً بالنسبة لكل من موسكو وكييف على حد سواء، فلا يزال من غير الواضح ما الذي يعنيه النصر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هذه المرحلة، فخلال احتفاله بيوم النصر على ألمانيا النازية تجنب بوتين الإشارة إلى قرب إعلان النصر أو حدد ملمَحاً واضحاً عن سقف العمليات العسكرية التي يمكن أن تخوضها قواته أو جدولها الزمني، ما قد يعني بالنسبة للمراقبين، أن هوية مَن يعلن النصر ومتى يتحقق، يتوقف أولاً وأخيراً على كيفية تطور الصراع الممتد، وأن روسيا حتى لو تمكنت من بسط نفوذها الكامل على كل مناطق شرق وجنوب أوكرانيا التي استمر الصراع فيها على مدى سنوات بين الانفصاليين الموالين للكرملين والقوات الأوكرانية، فإن هذا قد يفتح شهية موسكو على مزيد من المكاسب على الأرض، والتي قد تدعم موقف الروس في أي مفاوضات مستقبلية لوقف الحرب وإرساء السلام.

في المقابل، يبدو تعريف النصر واضحاً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الرغم من إدراك الكثيرين صعوبة تحقيقه، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة، إذ إن مَن يحدد النصر وكيف ومتى يتحقق، ستكون له عواقب بعيدة المدى ليس فقط على دعم الحلفاء المستمر لأوكرانيا، ولكن أيضاً على وضع روسيا ومكانتها بعد الحرب وعلى ما إذا كانت واشنطن وحلفاؤها سيخففون من الضغط الاقتصادي غير المسبوق على موسكو.

حسابات موسكو

بعد فشل القوات الروسية في تحقيق هدفها الأولي بمحاصرة العاصمة الأوكرانية وإسقاط حكومة زيلينسكي، تثير وسائل الإعلام الروسية ضجة واسعة حول انتصارات الجيش الروسي في شرق أوكرانيا وجنوبها، وتأكيد الإعلام الروسي على "تحرير" مدينة ماريوبول واجتثاث ما تصفه بالنازية، وإعادة هذا الميناء الاستراتيجي إلى "الوطن الأم"، وما يعنيه ذلك من مساعدة روسيا على إنشاء جسر بري بين المناطق الانفصالية وشبه جزيرة القرم، وقد يفسر هذا التقدم الروسي البطيء على جبهة القتال، أن الكرملين قد يعلن أنه حقق هدفه بالسيطرة على المناطق الناطقة بالروسية في إقليم دونباس بما في ذلك منطقتا لوغانسك ودونيتسك، ليعلن اكتمال العملية العسكرية الخاصة التي أعلنها منذ البداية، بخاصة أن الرئيس بوتين امتنع عن إعلان الحرب رسمياً أو استدعاء قواته الاحتياطية ما يعني عدم رغبته في توسيع نطاق الحرب في هذه المرحلة على الأقل.
ومع ذلك، فإن توقع تصرفات الرئيس الروسي وقراراته أصبحت أكثر صعوبة مما كانت عليه في السابق، ومن المحتمل أن يتحرك في اتجاهات غير متوقعة، ويوسع من نطاق تقدمه، فقد يلجأ إلى تعبئة قواته العسكرية، ويُحتمَل أن يسعى بحسب ما تقول أفريل هاينز، مديرة الاستخبارات الوطنية الأميركية، إلى "وسائل أكثر صرامة لتحقيق أهدافه"، بما في ذلك فرض الأحكام العرفية، وتحويل الإنتاج الصناعي للحفاظ على قوة ووتيرة المجهود الحربي، مع تصعيد في الأعمال العسكرية، والإذن بإجراء تدريبات نووية جديدة كإشارة رادعة للغرب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

معايير أوكرانيا

على الجانب الآخر من الصراع، يواصل الأوكرانيون المتحمسون التمتع بالدعم الغربي ويقاتلون وسط إحساس بالنشوة معتقدين بأن أوكرانيا فازت استراتيجياً لأنها وحّدت الناتو وأظهرت قيادة فعالة في زمن الحرب، ومنعت سقوط عاصمتهم في يد القوة الروسية الهائلة، وإعلان كبار قادتهم بأن أوكرانيا ستنتصر في النهاية. وبحسب ما قاله الرئيس زيلينسكي أمام قادة الدول الصناعية السبع أخيراً، فإن الهدف النهائي لأوكرانيا هو ضمان الانسحاب الكامل للقوات والمعدات العسكرية الروسية من كامل أراضي أوكرانيا، وتأمين قدرتها على حماية نفسها في المستقبل. كما أشار زيلينسكي إلى نية استعادة شبه جزيرة القرم الاستراتيجية التي ضمتها روسيا في عام 2014، وهو ما أكدته سفيرة أوكرانيا في الولايات المتحدة، أوكسانا ماركاروفا، بأن "أوكرانيا يجب أن تكون كاملةً داخل الحدود المعترف بها دولياً".
ومع استمرار الحرب في أوكرانيا خلال شهرها الثالث، تحاول إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن مدعومةً من الكونغرس، الحفاظ على مجموعة من الأهداف التي تتكيف مع التغييرات في ساحة المعركة، مع توضيح أن روسيا ستخسر، حتى عندما تقرر أوكرانيا ما الذي تقبله وما لا تقبله لإنهاء الحرب، فقد قدم بايدن لأوكرانيا مساعدات اقتصادية وعسكرية بمليارات الدولارات في حربها مع روسيا، ووعداً مفتوحاً بتقديم المزيد، كان آخرها الإعلان عن 40 مليار دولار إضافية، لتشكيل ما تراه انتصاراً في صراع يعيد تشكيل النظام العالمي ومكانة موسكو فيه.

غير أن ملامح خسارة روسيا تظل غامضة مثل انتصار أوكرانيا، حيث لم يذهب مسؤولون أميركيون بمَن فيهم وزير الدفاع لويد أوستن، إلى حد تحقيق الانتصار الذي تتحدث عنه أوكرانيا، حيث عبّر عن أمله في أن تكون أوكرانيا، دولة ذات سيادة بحكومة فاعلة يمكنها حماية أراضيها، ومع ذلك رفض أوستن وغيره من كبار المسؤولين تحديد فكرتهم عن الشكل الذي ستبدو عليه تلك الحكومة، وما هي المنطقة التي ستشملها.

تعريفات مختلفة للانتصار

ويظل السؤال هو، ماذا لو قبل زيلينسكي بأقل من هذا النوع من الانتصار الذي سيتطلب مجموعة استثنائية غير مرجَحة للغاية من التنازلات الروسية؟ هل سيؤدي التوصل إلى حل وسط إلى إنهاء العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية على روسيا؟
على الرغم من أن بايدن أشار إلى أن إنهاء العقوبات قد يكون آخر شيء تفعله واشنطن مع موسكو طالما ظل بوتين في السلطة، إلا أن مسؤولين في الإدارة صرحوا بأنهم لن يتفقوا على التراجع عن العقوبات من دون أن تكون أوكرانيا على رأس الأولويات.
وحيث لا توجد طريقة سياسية يمكن لزيلينسكي من خلالها تسوية العلاقات مع الروس، ما لم تتضمن العناصر العريضة التي أوضحها الرئيس الأوكراني، من المرجح أن تكون المرحلة الحالية من القتال أكثر صعوبة وأكثر طولاً، وإذا استمرت المعارك محتدمة حتى الشتاء المقبل، قد تواجه بعض الحكومات الأوروبية نقصاً في وقود التدفئة بالإضافة إلى الغاز والسلع الاستهلاكية. وبالنسبة لبايدن، الذي يواجه صعوباته الاقتصادية الخاصة داخل الولايات المتحدة، فإن تصوير روسيا على أنها خسرت، أو على الأقل خاسرة، يمكن أن يحدث فرقاً خلال انتخابات التجديد النصفي للكونغرس الأميركي المقررة في 8 نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، وستكون النتيجة معكوسة بالتأكيد إذا كان التصور آنذاك هو أن إدارته "خسِرت" أوكرانيا.

مفهوم واشنطن

أما البيت الأبيض فإنه يرى أن روسيا خسرت بالفعل الحرب، بسبب عدم تحقيق أهدافها الأولية المتمثلة في الاستيلاء على كل أو جزء من أوكرانيا أو تقسيم الناتو، بينما يفسر مراقبون أن تعليق وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن حول إضعاف روسيا، يعني أن الولايات المتحدة سعت منذ البداية إلى هزيمة استراتيجية لروسيا، وهو ما يعني أن موسكو لن تكون قادرة على إظهار قوتها مرة أخرى لتهديد أوكرانيا أو الدول المجاورة الأخرى مرة أخرى.
ومع ذلك سيظل الأمر متروكاً لأوكرانيا لتقرر معالم أي اتفاقية سلام، ولكن لدى الولايات المتحدة الأدوات الخاصة بالعقوبات وضوابط التصدير التي يمكن إزالتها أو عدم إزالتها، اعتماداً على الشكل الذي تبدو عليه الأمور في نهاية الأمر.

ساحة المعركة

وبصرف النظر عن تصورات كل طرف ومفهومه للنصر، فإن ساحة المعركة هي العامل الحاسم في تقرير المنتصر، في غياب أي حافز حقيقي لتقديم تنازلات من أي طرف، فمن ناحية تتمتع أوكرانيا بمزايا عدة، من حيث قدرتها على نقل الأسلحة إلى الخطوط الأمامية أسرع من الروس، واستمرار الدعم الغربي المتدفق من خارج البلاد على الجانب الغربي، والمساعدة الغربية في جمع معلومات جيدة لتجنب الهجمات والانتقام منها، والمرونة القتالية لدى صغار الضباط على الأرض، في حين عانت روسيا حتى الآن من أسلوب قيادة صارم من أعلى إلى أسفل لا يسمح للقيادة على الأرض أن تكون مرنة.

ومع ذلك، سيكون إخراج القوات الروسية بالكامل من أوكرانيا تحدياً هائلاً، بما في ذلك شبه جزيرة القرم، التي ضمتها عام 2014، والمناطق الانفصالية في دونيتسك ولوغانسك، ذلك أن روسيا تمتلك قوة جوية أفضل ومواقع جيدة في الشرق. كما أن لديها مليونين من جنود الاحتياط، في حين أن الجيش الأوكراني الدائم بأكمله، والذي يتكون من جنود الخدمة الفعلية وجنود الاحتياط، يبلغ عددهم أقل من 300 ألف، وفي حال توسع القوات الروسية بشكل أكبر إذا أعلن بوتين عن تعبئة جماهيرية، مع امتلاك روسيا لأعداد أكبر من الدبابات والمدفعية، فستكون لدى الرئيس الروسي قوة نارية أكبر يمكن أن تسيطر على المعركة في تضاريس مناسبة تختلف عن شمال أوكرانيا حيث كانت الدبابات والمدرعات الروسية، هدفاً سهلاً للأوكرانيين وسط الغابات والأشجار.
وبينما تتلقى أوكرانيا أسلحة تمنحها القدرة على مهاجمة الدبابات وخطوط الإمداد، مثل مدافع الهاوتزر وطائرات الدرون المزودة بأنظمة رادار لجمع المعلومات الاستخباراتية، فإن بقاء المعدات أمر مهم للاحتفاظ بالأرض.
وبعد ستة أشهر من الآن، حينما تهدأ المعارك، لا أحد يدري إلى أي جانب ستميل كفة المنتصر، أم أن حرب الاستنزاف ستطول.

المزيد من تقارير