Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أمير تاج السر: ما حققته حتى الآن يؤهلني لاعتزال الكتابة

يدون "سيره" بين الكتابة والطب والرواية العربية بنظره لا تنقصها شروط العالمية

الروائي والطبيب السوداني أمير تاج السر (صفحة فيسبوك)

على غلاف كتابه "قلم زينب" يسجل الروائي السوداني أمير تاج السر بعضاً من آراء قرائه، مبتهجاً بما يقولونه، وهو الكاتب العربي الثاني الذي يسجل آراء قرائه على ما يكتب، بعد الكاتب المصري الراحل فؤاد حجازي، مرسخين قيمة مزدوجة للقارئ بصفته ناقداً.

ومنذ أصدر رواية "كرمكول" عام 1988، لم تتوقف أعمال أمير تاج السر، ومنها "سماء بلون الياقوت"، ثم "دار الزغاريد"، و"صيد الحضرمية"، و"عواء المهاجر"، و"مهر الصباح"، و"زحف النمل"، و"توترات القبطي"، و"العطر الفرنسي"، و"صائد اليرقات"، و"رعشات الجنوب"، و"إيبولا 76"، و"غضب وكنداكات"، و"حراس الحزن".

أمير تاج السر طبيب وروائي سوداني يمت بصلة قرابة وثيقة إلى الروائي السوداني الشهير الطيب صالح. ونالت أعماله اهتماماً كبيراً في الأوساط الأدبية والنقدية، وترجم بعضها إلى لغات أجنبية منها الإنجليزية والفرنسية. وصلت روايته "صائد اليرقات" إلى القائمة القصيرة في جائزة بوكر العربية 2011. ترجمت رواية "العطر الفرنسي" إلى الفرنسية حديثاً، كما وصلت روايته "زهور تأكلها النار" إلى القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) عام 2018.

ولد أمير تاج السر في شمال السودان عام 1960، وتلقى تعليمه الأول هناك، وعاش في مصر بين عامي 1980 و1987 حيث تخرج في كلية الطب (جامعة طنطا)، وهو يعمل حالياً طبيباً في العاصمة القطرية الدوحة. بدأ ممارسة الكتابة في مراحل مبكرة جداً من حياته، ففي المرحلة الابتدائية كان يكتب القصص البوليسية تقليداً لما كان يقرأه أثناء الطفولة، وفي المرحلة المتوسطة بدأ يكتب الشعر بالعامية، وتغنى مطربون في ما بعد بكثير من أشعاره. واستمر في كتابة الشعر حتى خلال دراسته للطب، وأصدر دواوين شعر بالعامية السودانية. وفي عام 1985 بدأ يكتب الشعر بالفصحى وينشره في صحف عدة. وفي 1988 أصدر روايته الأولى "كرمكول"، ثم انقطع عن الكتابة حتى عام 1996 عندما أصدر روايته الثانية "سماء بلون الياقوت" وتلتها روايات "نار الزغاريد"، و"مرايا ساحلية" و"صيد الحضرمية" و"عيون المهاجر". وفي عام 2002 أصدر روايته "مهر الصياح"، وتلتها "زحف النمل" و"توترات القبطي" و"العطر الفرنسي"، و"صائد اليرقات"، و"إيبولا 76"، و"أرض السودان".

شريك الإبداع

سألناه عن اهتمامه البالغ برأي القراء وتركيزه عليه، فقال "صراحةً أحب القراء، أحب لقاءاتهم والحديث معهم، والاستماع إلى آرائهم في نصوصي سلباً أو إيجاباً. ومعروف أن القارئ هو الشريك الرئيس في العملية الإبداعية، أي المستهدف من العمل الإبداعي، وكتابته. ولو توقف الناس عن القراءة، فلمن يكتب الكاتب أو الشاعر؟ ليس لدينا في الحقيقة أزمة قراءة كما يروج بعض الناشرين، بل لدينا أزمة في ترويج الأعمال المستهدفة بالقراءة. هناك كتاب أصبح لديهم قارئ دائم ينتظر نتاجهم، وهذا ليس سهلاً ولكن يأتي بالممارسة الطويلة، والعمل على الكتابة كمشروع لا بد أن يثمر. أنا أحتفي بالقراء الحقيقيين، ولكن يصادف أن أعثر على قراء مزيفين، أي يدلون بآراء مجحفة عن نصوص لم يقرأوها أصلاً، وهذا موجود طبعاً في كل وقت. حتى أيام كنا نجلس في المقاهي كان يأتي أمثال هؤلاء، يتحدثون بلا دراية عن أشياء لا يعرفونها، لمجرد المشاركة. أردت التأكيد أن القراءة بخير عندنا وتزداد يومياً في الأجيال الجديدة".

بين الطبيب والأديب

أمير تاج السر قد ينسى الطبيب أثناء الكتابة، لكنه لا ينسى الكاتب أثناء ممارسة الطب. سألناه عن هذه الموازنة، فقال "أنا كطبيب وكاتب، توصلت إلى أن مؤاخاة الحرفتين منذ زمن، هي دائماً فيَّ. من الطب أستوحي الحكايات، أو لنقل ألتقطها، فهو مجال خصب لملاقاة الناس وحكاياتهم، وعندي أعمال كثيرة نتجت من تلك البيئة. أما بالنسبة إلى الأدب، فقد كتبت كثيراً، وأعتقد أنني كتبت في معظم المواضيع المعاصرة، سواء روايات تاريخية، أو غير تاريخية. ذاكرة الطب حاضرة في الأدب وتمتص ما تجده من معلومات وتعيد طرحها أدبياً. أحياناً أتعب، أو أملّ الكتابة، فأنزوي في عملي المهني زمناً، ثم أعود. إنها معضلة فعلاً، ولا فكاك منها كما أعتقد. ما قدمته حتى الآن، وما وصلت إليه من رسوخ لدرجة وجود أعمالي في المناهج التربوية الثانوية والجامعية، يؤهلني لاعتزال الكتابة، والتفرغ لما تبقى من حياة. لكن هذا لا يحدث، صعب الحدوث، وقليلاً ما نسمع عن كاتب اعتزل بإرادته، الناس يستمرون في الكتابة حتى يفقدوا الذاكرة أو يرحلوا، ولا أريد أن أكون كذلك، عموماً سأحاول التوصل إلى صيغة ما في المستقبل".

عالمية الرواية العربية

وعن مقام الرواية العربية، وما يحول بينها وبين العالمية، يقول تاج السر "لا شيء، الرواية العربية هي رواية عالمية كاملة المواصفات، لدينا من يتقن السرد وابتكار التقنيات، والكتابة بزخم كبير، مثلما يفعلون في العالم. وأظن جائزة البوكر (العربية) مثلاً، عكست مثل هذه الكتابات وترجم بعضها إلى لغات أخرى. لقد مرت الرواية العربية بفترة تجاهل كبيرة من العالم، ربما لندرة المترجمين من العربية إلى لغات أخرى في ما مضى، لكن الأمر اختلف الآن، وأي لغة من لغات العالم، فيها مترجمون لها عن العربية، هناك أيضاً أوروبيون يحصلون على درجاتهم العلمية من دراسة الأدب العربي. وهناك روايات عربية وزعت جيداً في الغرب، أي نجحت في الوصول للعالم. أنا مترجم إلى لغات عالمية، ويتفاعل معي كثير من القراء الغربيين، مما يدل على أن ثمة ترحيباً بالرواية العربية يحدث هناك. عموماً نتمنى الانتشار أكثر، وأن يجد كل كاتب عربي موهوب فرصته في الترجمة والانتشار هناك، فالترجمة وحدها لا تكفي، ولا بد من نجاح العمل المترجم حتى يمكن تتبعه".

الشاعر الذي كان

وعن الشاعر الذي لم يغادره في رواياته، بخاصة "636"، وهو الذي كتب ذات يوم ديواناً بعنوان "أحزان كبيرة"، يقول "الشاعر معي دائماً ويستمر في الظهور أمامي كلما جلست لأكتب، إنه طبع متأصل، أو شيء في لحم كتابتي. وذكرت كثيراً أنني آخيت بينه وبين السرد، وتوصلت إلى طريقتي المعروفة الآن في الكتابة، وهي موجودة في كل الروايات وليس في (366) وحدها فقط، وهي تميزت بموضوعها العاطفي الأكثر إغراءً للشعر. وطبعاً كما أردد كثيراً، هناك من لا يحب طريقتي في الكتابة، ويحبون الجمل العادية، وبعض النقاد يكتبون: هذا إسراف في الصور البلاغية، وأنا لا أهتم، فقد كتبت تجربة كبيرة، ولو كنت أهتم لما تقدمت خطوة. الشعر يمنح سردي طعماً كما أعتقد، ولولاه لما كان لدي صوت مميز".

وتدهشنا كثرة سيره الذاتية، فنسأله "متى تكتب سيرة نهائية خاصة بك وبأسرتك؟" يقول "السير تجسد مواقف وحيوات عشتها وأشخاصاً التقيت بهم وكانت لي معهم مواقف. أحب كتابة السير بالتأكيد ومتى استطعت أكتب ذكريات لي في شكل سير، وكلها نجحت منذ (مرايا ساحلية) حتى (تاكيكارديا). وأظن هناك صدق وبساطة في مثل هذه الكتابة، وأنها تصل إلى الناس أسهل من الرواية الخيالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ونتساءل معه "كيف توفر لنفسك الوقت الذهني والنفسي لتكتب وسط مشاغل العمل طبيباً؟"، فيرد "تعود ليس إلا، أنا في العادة مشغول جداً، لذلك أواجه بالحرج من أصدقاء يطلبون مساعدتي لإبداء وجهة نظر في أعمالهم، أو كتابة مقدمة لها. تعودت إذن على الانشغال، عملاً وكتابة وسفراً، وهكذا. ولكن لحسن الحظ لا أكتب يومياً. هي أشهر معينة أكتب فيها روايتي، وبعد ذلك كتابة خفيفة، أو مراجعة نصوص للترجمة، وهكذا. يمكنك القول عموماً إن الأمر في غاية الإنهاك".

سحر المرأة والرواية

وحول إن كان يتفق مع تعبير "المرأة تعطي سحراً للرواية"، يؤكد "طبعاً، المرأة موجودة بكثرة منذ زمن الرزينة نظر في (مهر الصياح)، إلى سلوى بطرس في (حراس الحزن)؛ روايتي الأخيرة. المرأة موجودة بما لها أو عليها وهناك روايات ترويها النساء، أي كتبت بصوت امرأة مثل (شمشون وتفاحة)، و(زهور تأكلها النار)، وكلا العملين نجح في الوصول إلى قطاع كبير من القراء، وقد درست وضع المرأة كثيراً قبل أن أغامر بجعل راويتي امرأة".

وأخيراً، إلى أي مدى أثرت الإنترنت في كتابتك شكلاً ومضموناً؟ يقول "الإنترنت مهمة جداً طبعاً، إنها أهم اختراع حديث، وأنا موجود في الإنترنت ومتفاعل معها، وهناك نصوص لي مثل (طقس) فيها جانب كبير خاص بالإنترنت. الآن أصبح الحصول على المعرفة، وإعادة إنتاجها أدبياً أكثر سهولة من الماضي، وأظن متابعتي تطورت أو لنقل حصلت على أفكار جديدة بفضل الإنترنت".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة