Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"زوج بغال" اسم غريب لمعبر بين المغرب والجزائر... قصص ونكات

على الرغم مما يثيره الاسم فإنه صمد في وجه الزمن وفي الذاكرة الشعبية

فَتح معبر زوج بغال استثنائياً في عامي 2009 و2010 لعبور القافلة الإنسانية التضامنية مع غزة (اندبندنت عربية)

يقع معبر "زوج بغال" المغلق منذ عام 1994 على الطريق بين مدينة وجدة شرق المغرب ومدينة مغنية غرب الجزائر. وهو من المعابر الحدودية في العالم التي لها تاريخ وإرث ثقافي متجذر، لِما يُمثله في وجدانِ سكان المدينتين المغاربيتين. 

يكتب بوداود عمير في روايته التي تحمل اسم المعبر، "زوج بغال اسم اشتهرت به المنطقة الحدودية الفاصلة بين المغرب والجزائر، وظل المغاربة إلى اليوم محافظين على هذه التسمية المبتذلة في رأي البعض، وبين أخذٍ ورَدٍّ لا يزال المعبر موصداً فى وجه الأشخاص والبضائع، في حين انتعشت تجارة التهريب بشكل جلي، وبين هذا وذاك، يبقى الوضع على حاله، لا يبدو هناك بصيص أمل فى تغييره". 

مِثل أيّ لقب، هناك قصة وراء وجوده، لاسم "زوج بغال" (أي بغلان اثنان) حكايةٌ قديمة، وعلى الرغم مما قد يثيره الاسم من إيحاء، فإن المعبر صمد في وجه الزمن وفي الذاكرة الشعبية لسكان المنطقة الحدودية.  

البِغال تُنهي الخلاف  

تختلف الروايات بشأن أسباب تسمية المعبر بهذا الاسم، والتي تعني بالفصحى "بغلان". ولعل أكثرها شيوعاً هو ما يُعيد أصل التسمية إلى أن رجلين امتطى كلُّ منهما بغلاً، أحدهما قادم من الشرق وآخر من الغرب، فتَعوَّدا على الالتقاء في هذه النقطة (المعبر) ليتبادلا الطرود ورسائل التجار والأهل والعشاق وبرقيات الساسة والسفراء بين شرق العالم العربي القديم وغربه، ولأن للقدر سخريته، لم يتذكر لهما  التاريخ من مُهمتهما سوى دابتيهما (البغلين).

يُبرز المؤرخ المغربي عبد الوهاب بن منصور في كتابه "قبائل المغرب"، قصةً أخرى يُشير من خلالها إلى أنّ الاسم جاء بعد وقوع خلاف بين قبيلتين من وجدة المغربية، بشأن قطعة أرض، ادعت كلُّ قبيلةٍ أنها ضمن ترابها. ولإنهاء الخلاف، قضى أحد العقلاء بأن ينطلق كل واحد على ظهر بغل في اتجاه الآخر، وحيثما يلتقيان، فتلك هي الحدود الفاصلة بينهما. فانطلق الطرفان إلى أن وصلا إلى المكان الذي رُسمت فيه الحدود وأُطلق عليها اسم "زوج بغال".

العسكري "جورج بيغيل" 

في حين تُرجع رواية أخرى التسمية إلى الاستعمار الفرنسي. وترى هذه الرواية أن التسمية هي تحريفٌ لاسم عسكري فرنسي يُدعى "جورج بيغيل"، مع أن السلطات الفرنسية أشارت إلى وجود الاسم قبل احتلالها البلدين. 

وبعيداً من الروايات السابقة الذكر، فإن المكان بما يُمثِّله من عبورٍ تاريخي وجغرافي استُبدل اسمه بـاسمٍ آخر هو "زوج فاقو"، بمعنى تَنَبهُوا أو استيقظوا من طرف بعض مجاهدي المغرب والجزائر خلال سنوات النضال المشترك بينهما في مواجهة الاحتلال الفرنسي. وتعمق ذلك بعد مغادرة جيش الاستعمار، إذ أطلقت الحكومة الجزائرية اسم "العقيد لطفي" على المركز الحدودي، في حين ظلَّ اسمه لدى المغاربة "زوج بغال".

توتر منذ 40 عاماً 

فَتح المعبر الحدودي بين الجزائر والمغرب استثنائياً في مناسبتين عامي 2009 و2010 لعبور القافلة الإنسانية التضامنية مع غزة التي انطلقت من لندن وحطّت الرحال في المغرب، لتعبر شرقاً نحو القطاع. وضمت القافلة شخصياتٍ مغربية وجزائرية، إضافةً إلى جنسيات أخرى. 

 

 

وكثيراً ما تتردد في معرض الكلام جملة  شهيرة "سقط جدار برلين ولم يسقط جدار بغال"، للسخرية من واقع المنطقة التي تشمل شرق المغرب وغرب الجزائر. وعلى الرغم من أنّ العلاقات بين الجارتين الجزائر والمغرب، تشهد توتراً منذ نحو 40 سنة بسبب ملف النزاع حول الصحراء، إضافة إلى ملف الحدود بين الجزائر والمغرب المغلقة، يَتذكر سكان وجدة المغربية كيف كان المعبر (زوج بغال) في أوائل تسعينيات القرن الماضي، يُمثّل شريان التجارة اليومية بين البلدين، وكان منفذاً مهماً ورئيسياً لصلة الرحم بين الأسر المغربية والجزائرية، التي تجمعهما روابط اجتماعية منذ أمد بعيد. ولكن منذ عام 1994، هجر المعبر بسبب إغلاق الحدود بين البلدين وتَسبّب في تفرقة كثير من العائلات في المنطقة الحدودية، التي يوجد بعض أفرادها في الجانب الجزائري، والبعض الآخر في الجانب المغربي.

علاقات إنسانية تتحدى السياسية 

تبعدُ مدينة وجدة المغربية عن مدينة مغنية الجزائرية 27 كيلومتراً فقط، ومن أجملِ وأَطرفِ ما قيل عن هاتين الجارتين إنّ الرغيف الساخن الذي كان يتناوله سكان وجدة هو نفسه الذي عُجن في مغنية، تماماً مثلما يلبس سكان تلمسان الجزائرية ملابس تقليدية حِيكت في مُدنٍ مغربية  كالدار البيضاء أو فاس أو وجدة. 

يقول أحمد من أبٍ مغربي و أمٍّ جزائرية إنّ من عاش بين الضّفتين على الحدود المغربية الجزائرية يُدرك أنّ المغرب والجزائر قطعة من قلبين، مضيفاً "كلُّ ما يَفصل بين مدينة سعيدة الجزائرية ومدينة السعيدية مَمرٌّ بين الجارتين وثكنة عسكرية تفصل بين شاطئي البلدين لِتُحدد انتهاء المغرب وبداية الجزائر. ويردف مازحاً "لكن، كثيراً ما يتم تجاوزها ولو عن غير قصد، فمن أسرار وطرائف الحدود الجزائرية المغربية على شاطئ السعيدية، يحدث أنّنا لا ننتبه إلى أنّنا نسبح في بحر الجزائر أيضاً، إلاّ عندما يُشير إلينا أحدُ الأقارب وبطريقةٍ طريفة... انتبهوا إنكم دخلتم الجزائر". 

المزيد من منوعات