Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تحاول الصين تفكيك "إتش أس بي سي"؟

أكبر بنك في بريطانيا يتعرض لضغوط من "بينغ آن" أكبر مساهميه لمراجعة هيكله

المستثمرون مهتمون بالنقاش حول هيكل إتش أس بي سي (أ ف ب)

اعتاد مارك تاكر أن يكون تحت الضغط. كان رئيس مجلس إدارة بنك "إتش أس بي سي" لاعب كرة قدم محترفاً وطموحاً في شبابه، وهو الآن يشحذ مهاراته الدفاعية للذود عن تقسيم أكبر بنك في بريطانيا.

الأسبوع الماضي دعا عملاق التأمين في الصين "بينغ آن"، أكبر مساهمي البنك، تاكر إلى "نقاش" حول هيكلة الإمبراطورية المترامية الأطراف التي تمتد عبر 64 دولة وتوظف 230 ألف شخص.

واليوم مدينة لندن مفتونة بمأزق البنك، إذ كان المصرفيون والمحللون والمستثمرون يقيمون مزايا تقسيم بنك "إتش أس بي سي" الأسبوع الماضي، ليرتقي البنك إلى مستوى القضية بدعوة "غولدمان ساكس" كمستشار لتعزيز دفاعاته، بحسب صحيفة "صنداي تايمز".

ويقع مقر البنك العملاق في لندن وأدرجته في سوق الأسهم، لكنه حقق ثلثي أرباح العام الماضي البالغة 18.9 مليار دولار في آسيا. إنه نقاش احتدم منذ عقود لكنه نقاش أشعلته شركة التأمين الصينية، وهي مصدر غير محتمل للتحريض، بحسب الصحيفة.

شريك طويل الأجل

"بينغ آن الصينية" ليست واحدة من المستثمرين النشطاء الذين طاردوا مجالس إدارة الشركات الكبرى الأخرى مثل "غلاكسو سميث كلاين" أو "أفيفا"، لكنها شريك طويل الأجل لبنك "إتش أس بي سي"، وصاحبة حصة تسعة في المئة تبلغ قيمتها 9.2 مليار جنيه استرليني (11.3 مليار دولار).

كما أثار دور "بينغ آن" دسيسة إضافية، إذ تمتلك "شنجن" في جنوب الصين حصة خمسة في المئة من أسهمها، مما أثار التكهنات بأن دوافعها مدفوعة من قبل الدولة الشيوعية، وهذا يعني أن تاكر، وهو بريطاني قضى معظم حياته المهنية في هونغ كونغ، يواجه الآن أسئلة حول أداء البنك منذ أن شغل "ما" (مينجزهي)، وهو رجل أعمال صيني تولى منصب رئيس شركة "بينغ آن" للتأمين الصينية خلال أواخر الثمانينيات، وهي فترة اقتصادية سريعة الإصلاح في الصين.

نجح ما (67 سنة) في تحويل "بينغ آن" إلى واحدة من أكبر الشركات في الصين بقيمة سوقية للأسهم تضاهي قيمة" إتش أس بي سي"، حوالى 100 مليار جنيه استرليني (123.3 مليار دولار)، وبالتالي كلاهما أي البنك والشركة على دراية جيدة بالروابط بينهما، فالبنك يمتلك أيضاً 10 في المئة في "بينغ آن" منذ 20 عاماً.

دعوة عملاق التأمين الصينية لإجراء مناظرة كشفت عنها "صنداي تايمز" الأسبوع الماضي، إذ ترك ما يواجه أسئلة حول ما إذا كانت "بينغ آن" لديها خطة موثوقة للبنك، كما أن توقيت المناظرة هو أيضاً موضع تساؤل كما تقول الصحيفة.

وعندما بدأت شركة "بينغ آن" في زيادة حصتها في سبتمبر (أيلول) 2020، بدا أنها تضع حداً أدنى للأسهم حوالى 280 بنساً، وهي الآن أقرب إلى 500 بنس، ويعتقد المحللون أن "إتش أس بي سي" على وشك البدء في زيادة أرباحه من ارتفاع أسعار الفائدة في بريطانيا وأميركا، لكنه مع ذلك طرح السؤال الرئيس، ما إيجابيات وسلبيات الانفصال؟

الإيجابيات

فشل "إتش أس بي سي هولدينغ" في تحقيق هدفه الخاص بالعائد على حقوق الملكية، وهو مقياس رئيس لأداء البنك، وهو 8.3 في المئة، أقل من هدفه المخفض بالفعل البالغ 10 في المئة، مما ساعد في إطلاق الجدل الذي أشعلته الشركة الصينية "بينغ آن"، كما تراجعت أسهم البنك بمقدار الثلث منذ تولي تاكر منصب رئيس مجلس الإدارة في أكتوبر (تشرين الأول) 2017.

ويعتقد أيضاً أن شركة "بينغ آن" كانت غاضبة عندما أجبر "إتش أس بي سي" المنظمين في بنك إنجلترا على إلغاء توزيعات الأرباح في المراحل الأولى من أزمة "كوفيد-19"، مما حرمها عائدات حاملي وثائقها.

وقال رئيس قسم الأبحاث في شركة الأبحاث المتخصصة "أوتونوميس" مانوس كوستيلو، إن "المستثمرين مهتمون بالنقاش حول هيكل إتش أس بي سي".

وقد يتقبل تاكر الحجج الداعية إلى التغيير الجذري، فهو بعد كل شيء أول شخص خارجي يترأس البنك، وحتى هذه النقطة كان البنك الذي أسسه الاسكتلندي توماس ساذرلاند في هونغ كونغ عام 1865 تتم ترقيته تقليدياً من داخل صفوفه، وتم تعيين تاكر عمداً من الخارج لإرضاء المستثمرين في المملكة المتحدة الذين لم يوافقوا على رفع مستوى المطلعين.

ومن المفترض أن تكون وظيفة رئيس مجلس الإدارة غير تنفيذية على الرغم من أن هذا الأمر صعب في "إتش أس بي سي" من الناحية العملية، نظراً إلى الطبيعة العالمية للشركة.

ويشغل نويل كوين منصب الرئيس التنفيذي للمجموعة منذ فبراير (شباط) 2020 عندما رفض تاكر بوحشية اختياره الأول جون فلينت بعد 18 شهراً فقط.

ولدى تاكر أيضاً يد في تأسيس الشركات، واحتل مكانة بارزة في المدينة عندما أدار "برودينتشيال" عملاق التأمين والتقاعد الأميركي أربع سنوات من 2005، ومن ثم تم تعيينه لتعويم الأعمال الآسيوية للتأمين الأميركية المتعثرة "إيه آي جي" في هونغ كونغ، وكان له الفضل في الطرح الناجح لـ "إيه آي إي" بقيمة 20.5 مليار دولار في العام 2010.

ويصف تاكر المولود في بريطانيا نفسه بأنه مواطن من هونغ كونغ، وبينما يقضي حالياً معظم وقته في أميركا فهو غارق في ممارسات التمويل الآسيوي.

التفكيك إلى خمسة كيانات

في ظل عدم وجود تفاصيل محددة من "بينغ أن" حول كيفية تفكيك "إتش أس بي سي"، كان محللو البنوك يرتبون حساباتهم الخاصة الأسبوع الماضي، وحدّث كوستيلو تحليلاً من سبتمبر (أيلول) 2020 دعا خلاله إلى التركيز على آسيا، حيث تضع حساباته لـ "مجموع الأجزاء" قيمة للبنك تبلغ 206 مليارات دولار، أي ضعف تقييمه الحالي لسوق الأسهم.

ويركز كوستيلو في تحليله لمستقبل تفكيك البنك إلى خمسة كيانات، وهي العملية الآسيوية الرئيسة والأعمال التجارية في المملكة المتحدة والعمليات الدولية الأخرى والأعمال السعودية وبنك المعاملات العالمي.

ويقول إنه قد يطلب من بنك "إتش أس بي سي" الاحتفاظ برأسمال أقل إذا كان بنكاً أصغر، وفي الوقت الحالي يعتبر مهماً من الناحية الاستراتيجية للاقتصاد العالمي، إذ تم تصنيفه بنكاً شاملاً عالمياً مما يتطلب امتلاك رأسمال إضافي، وكانت هذه إحدى الأفكار التي نشأت عن الأزمة المصرفية عندما كانت البنوك تعتبر "أكبر من أن تفشل"، وكان لا بد من إنقاذها من قبل دافعي الضرائب، وبالتالي قد يكون تقسيم البنك إلى أجزاء أصغر أكثر أماناً، إذ قدر المحللون أن هذا قد يوفر 12 مليار دولار من رأس المال.

وفي وقت تطالب البنوك المركزية أيضاً المقرضين بخلق "وصايا حية"، تطلب منهم تحديد كيفية تفكيك أنفسهم في حال اقترابهم من الانهيار، ومن الناحية النظرية يمكن أن يوفر هذا مخططاً جاهزاً لتفكك البنك.

لقد طلب من البنك البريطاني تسييج عملياته في المملكة المتحدة من خلال مكتب رئيس جديد في برمنغهام، وانتشرت شائعات مفادها أن هذه الشركة التي تضم بنكها الرئيس وعمليات الرهن العقاري في بريطانيا يمكن أن تتلاشى، وقد يساعد التقسيم أيضاً البنك في معالجة ما قال أحد كبار مصادر المدينة إنه "شعور متزايد بأن الشركات قد تضطر إلى اختيار ما إذا كانت كبيرة في الولايات المتحدة أو كبيرة في الصين".

وهنا وقع "إتش أس بي سي" في خضم التوترات بين الغرب والشرق، وأصبح متورطاً في معركة تسليم المجرمين الأميركية بشأن شركة "هواوي" لـ "مينغ وانتشو"، وسط مزاعم بأنها ضللت السلطات في شأن علاقتها بشركة تخضع لعقوبات أميركية.

وفي العام الماضي صادق البنك على قوانين الأمن القومي لهونغ كونغ، في وقت تتصاعد التوترات الجيو-سياسية أيضاً نتيجة للحرب الروسية في أوكرانيا.

قد يكون التوتر واضحاً أيضاً بين موظفي البنك السابقين والحاليين، إذ كتب الرئيس السابق للاتصالات في "إتش أس بي سي" في هونغ كونغ ديفيد هول إلى "فايننشال تايمز" الأسبوع الماضي قائلاً، "حان الوقت للاستماع إلى بينغ آن، يجب ألا يكون الانفصال صعباً".

السلبيات

مع ذلك يمكن لأرقام كوستيلو التي تبدو مقنعة أن ترى أيضاً الجوانب السلبية لتفكيك بنك "إتش أس بي سي"، فالبحث الذي حمل عنوان "الانفصال صعب" تحدث عن كثير من العقبات لهذا الانفصال واستبعاد حدوث ذلك.

وتتعلق أحد مخاوف كوستيلو بكيفية تعامل البنك مع ديونه الاحتياطية الطارئة والمعروفة باسم الحد الأدنى من المتطلبات للأموال الخاصة والمطلوبات المؤهلة (MREL) ، وتم إصدار هذا الدين البالغ 130 مليار دولار من لندن، ويخضع للوائح شديدة التعقيد لبنك إنجلترا، ويمكن أن يكون عائقاً رئيساً للانفصال.

كوستيلو قال إنه من المفترض أن "بينغ آن" تفهم المشكلات المتعلقة بـ"الحد الأدنى من المتطلبات للأموال الخاصة والمطلوبات المؤهلة" ولديها حل لذلك. وأضاف، "إذا كان لديهم حل عملي منطقي فنحن بحاجة إلى معرفة ذلك".

كما يتساءل المحللون أيضاً عن مقدار القيمة التي قد يخسرها البنك إذا لم يكن قادراً على الاستفادة من ثقله العالمي. وأشار محلل البنوك في "يو بي إس" جيسون نابير إلى أنه بينما أفاد "إتش أس بي سي" بأن ثلثي أرباحه تأتي من آسيا، إلا أن هذه الأعمال ليست كلها في الواقع للعملاء الآسيويين.

وللتأكيد على مدى ترابطه على الصعيد العالمي نشر البنك العام الماضي بيانات تظهر أن 50 في المئة من عائداته المصرفية المحجوزة في الشرق تأتي من عملاء غربيين.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

خطر الانهيار

في حين قدر المحللون في بنك "باركليز" أن ما يصل إلى أربعة مليارات دولار من العائدات قد تكون معرضة لخطر الانهيار، مما قد يحرم أي بنك آسيوي قائم بذاته من الإيرادات، وفقاً للحسابات التنظيمية لمقدار رأس المال الذي يجب أن يمتلكه "إتش أس بي سي"، فإن البنك هو الأكثر ارتباطاً عالمياً من أي بنك في العالم، وأكبر حتى من العملاقين الأميركيين "سيتي" و"جي بي مورغان".

ويتساءل المنتقدون أيضاً عما إذا كان بنكاً منفصلاً في آسيا قد يكون في الواقع أكثر عرضة للتوترات الجيو-سياسية، لأن أميركا ستعتبره بنكاً صينياً، ويمكن أن تفرض عقوبات بالطريقة التي لن يفعلها إذا ظل جزءاً من بنك يوجد مقره الرئيس في لندن. وقال أحد كبار مصادر المدينة "إن المراهنة على متجر الصين في هذه اللحظة سيبدو جنوناً".

وعلى الرغم من دور تاكر كغريب، يقال إنه مصمم على عدم الاستجابة لدعوات الانفصال، وكان البنك أجرى مراجعة رئيسة لأعماله آخر مرة في العام 2015 عندما فكر في إعادة مكتبه الرئيس إلى هونغ كونغ، وكان يركز إلى حد كبير على موقع المكتب بدلاً من إصلاح الهيكل بأكمله، واعتقد كثيرون في ذلك الوقت أن الرئيس التنفيذي آنذاك ستيوارت جاليفر سيكون جاهزاً للانتقال إلى هونغ كونغ إذا كان ذلك ممكناً.

وفي ذلك الوقت رحبت الحكومة بهذه الخطوة قبل استفتاء خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي واعتبرت تصويتاً على الثقة في بريطانيا، لكن يمكن تفسير تقسيم "إتش أس بي سي" بطريقة معاكسة، فهذا لا يعني أن البنك يمكن أن يفلت من أيديهم، وقد يضطر إلى تسريع خطة إعادة الهيكلة التي بدأها كوين وباعت كثيراً من الأعمال التجارية الأميركية وبعض العمليات الأوروبية في أجزاء من فرنسا واليونان. وقد تواجه "كوين" الآن دعوات للخروج من عملياتها في كندا أو المكسيك، وقال أحد المصرفيين الكبار إنهم "سيحتاجون إلى وضع خطة جذرية".

ونظراً إلى أنهم استوعبوا تدخل "بينغ آن" الأسبوع الماضي، فقد يرى المحللون بعض الدعم لسعر السهم. وقال محللو "جيفريز" إنه "يمكن أن يستفيد المستثمرون إذا كان ضغط المساهمين يجبر الإدارة على تقديم عوائد أفضل من خلال تشذيب أجزاء من الشركة".

اقرأ المزيد