Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

عناقيد الغضب: هكذا يهدد دخان حرائق الغابات كروم كاليفورنيا

أن يعتبر نبيذ غير صالح للشرب فهذا يعني هدر ملايين الدولارات بالنسبة إلى من يتولى صناعته وإغلاق أبواب قطاع الأعمال هذا

كومة من كؤوس النبيذ وقد انصهر جانب منها أمام حطام محترق في مصنع النبيذ "كاستيلو دي أموروزا" بعد حريق هائل نشب في كاليستوغا بكاليفورنيا (غيتي)

في كاليفورنيا بلد النبيذ، تجد قائمة انتظار يمكن القول إن الفوز بمكان فيها أكثر أهمية من الظفر بحجز في مطعم "فرنش لاندري" French Laundry الحائز نجوم "ميشلان" الثلاثة لتصنيف المطاعم بحسب جودتها. تطول لائحة الانتظار لدى عدد قليل من المختبرات القادرة على إجراء تحاليل لثمرات عنب مصانع النبيذ التي أتلفها الدخان إثر حرائق التهمت غابات في المنطقة.

لا تنفك المشكلة المتمثلة بالضرر الذي أصاب العنب، وتعرف بالتلوث أو الشوائب، تقض مضجع صانعي النبيذ في الغرب الأميركي، حيث تنتشر حرائق الغابات الآن عبر المساحات الطبيعية بمعدل غير مسبوق.

في الواقع، يتصدر تغير المناخ سلسلة من المشكلات بالنسبة إلى صناعة النبيذ العالمية التي تبلغ قيمتها 340 مليار دولار (ما يساوي 270 مليار جنيه استرليني). أفضت موجات الحر الطويلة وأحوال الجفاف الممتدة لسنوات عدة، مع ما يتخللها من عواصف متقطعة وسقوط كميات أمطار قياسية [غير مسبوقة وتتجاوز المعدلات السنوية]، إلى زعزعة حال الاستقرار في المواسم الزراعية. وثم، تندلع حوادث أخرى إنما من دون علامات تحذيرية كافية تنذر بقرب حدوثها: إنها حرائق الغابات.

دمرت حرائق ضخمة مصانع النبيذ في بروفانس في جنوب فرنسا قبل أيام من موسم حصاد 2021، وكابد صانعو النبيذ في اليونان وإيطاليا والبرتغال وإسبانيا صدمات مماثلة. في بلاد إنتاج نبيذ العالم الجديد [خارج المناطق التقليدية]، تفجرت الحرائق عبر مساحات شاسعة من أستراليا والأرجنتين. وفي كاليفورنيا وأوريغون وواشنطن، علماً بأنها تندرج ضمن أكبر الولايات الأميركية المنتجة للنبيذ، تعاظمت حرائق الغابات في مداها وضراوتها في العقد الماضي، وكان التنبؤ باندلاعها متعذراً.

معلوم أن كاليفورنيا تملك أكبر حصة في سوق النبيذ الأميركية، إذ حققت 43.6 مليار دولار في 2021. في أكتوبر (تشرين الأول) 2017، دمرت موجة من حرائق الغابات ما يربو على 100 ألف فدان في مقاطعتي نابا وسونوما. واعتبر حريق تابس الكارثة الأشد تدميراً ودموية في الولاية حتى ذلك التاريخ. (تفوق عليه حريق "كامب فاير" في العام التالي).

ثم كان عام 2020. استعرت حرائق "أل أن يو لايتنيغ كومبلكس" LNU Lightning Complex [في كاليفورنيا]، حريق مهول نتج عن اندماج عدد من الحرائق الأصغر حجماً، على مساحة 363 ألفاً و220 فداناً في بلاد النبيذ طوال ستة أسابيع، امتد من أواخر الصيف حتى الخريف، ودمر في خضم ذلك ألفاً و500 مبنى، وأزهق أرواح ستة أشخاص.

ولكن حتى لو نجوا من النيران، صانعو النبيذ ليسوا بالضرورة خارج دائرة الخطر. وفي تصريح أدلى به إلى "اندبندنت"، قال تشارلز سلوكوم، الشريك المؤسس لشركة "تاستري" Tastry المتخصصة بالعلوم الحسية، إنه أحياناً تكون حرائق الغابات مستعرة على بعد 100 ميل (160،934 كيلو متراً)، غير أن دخانها ينتقل ويضع رحاله فوق الفاكهة في وادٍ ما على مدى أسبوعين".

هكذا، تمتص قشور حبات العنب المواد الكيماوية المحمولة في دخان حرائق الغابات، ما يطمس مذاقها الأصلي ورائحتها. وعند عصر العنب المسحوق وتحويله إلى نبيذ، يتولد طعم مزعج، بل كريه، يتراوح بين ما يتركه الطعام المحروق والرماد من أثر في الفم وبين نكهة الدواء. أو حتى، كما اقترح أحد المتذوقين، أشبه بمذاق "البلاستيك الملوث بالبراز".

أن يعتبر النبيذ غير صالح للشرب يعني هدر ملايين الدولارات بالنسبة إلى صانع النبيذ وإغلاق المصنع.

بعد موسم الحرائق المدمر الذي شهده 2020، طلب بعض مصانع النبيذ في كاليفورنيا أن يخضع العنب لتحليل مختبري بغية التأكد من عدم تلوثه بالدخان [حمل مذاق الدخان] قبل شراء هذه الفاكهة، ولكن نظراً إلى أن الضرر الذي شاب المحاصيل جراء الدخان وصل حتى مساحات بعيدة المدى منها، تعذر على المختبرات أن تلبي الطلب المتزايد على التحاليل.

للأسف، مُنيت مصانع النبيذ في كاليفورنيا بخسارة تقدر بنحو 3.7 مليارات دولار، وفق أحد المحللين البارزين في هذه الصناعة، نتيجة الخراب الذي تركته الحرائق والعنب غير الصالح للاستخدام بعد تلوثه بالدخان.

 

كذلك توفر اختبارات تلوث العنب بالدخان دليلاً حاسماً على وقوع خسارة في المحاصيل من أجل المطالبة بالحصول على تعويض عن الأضرار من شركات التأمين. في سبتمبر (أيلول) 2020، بلغت الخسائر مستوى مروعاً جداً إلى حد أن مجموعة من مزارعي العنب والجمعيات الزراعية في الساحل الغربي طلبت من الكونغرس أن يمدها بالدعم المخصص للإغاثة في حالات الكوارث.

وجاء في الرسالة: "بسبب حرائق الغابات هذه، وربما اندلاع المزيد منها في المستقبل، نخشى أن تلحق بهذه الصناعة في ولايتنا خسارة اقتصادية غير مسبوقة في سجل الخسائر الاقتصادية التي تعزى إلى كوارث طبيعية".

قالت كاترينا أكسلسون، المؤسسة والرئيسة التنفيذية لشركة "تاستري"، إن الدمار الذي لحق بصناعة النبيذ كان مهولاً إلى حد أنها شعرت بأنه عليها أن تتدخل للمساعدة.

ونقلت "اندبندنت" عنها قولها، "لدينا مختبر متطور جداً، وكان من السهل بالنسبة إلينا توفير تحاليل مختبرية لمؤشرات محددة على تراكم الدخان".

أكسلسون، التي بدأت حياتها المهنية في صناعة النبيذ خبيرة كيماوية لمراقبة الجودة، أنشأت "تاستري" كي توفر طريقة ذات أساس علمي أكبر لتصنيف النبيذ. "بدلاً من التعرض للانتقاد لعدم الإشادة بمنتجات صنفها آخرون بأنها رفيعة المستوى، نعرض أمام جميع محبي النبيذ والمبتدئين أنواعاً من النبيذ تستند إلى تقييمات هي حصيلة ردود فريدة من نوعها على استبيان تذوق"، يوضح الموقع الإلكتروني للشركة.

للنهوض بذلك، تستعين الشركة بعملية كيماوية متطورة وبشكل من التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي. "نوضح أننا علمنا الكمبيوتر كيف يتذوق الطعام"، تذكر الشركة.

في 2020، كرست الشركة هذا النهج العالي التقنية لـ"إصلاح تلوث الدخان"، كما يسمى، من أجل التنبؤ بمدى تأثيره في طعم النبيذ ورائحته وقوامه.

"شعرنا بضرورة الاضطلاع بهذه المهمة لأن مختبرات قليلة في الولايات المتحدة كان في مقدورها النهوض بتلك التحاليل، أو تملك المعدات المتطورة اللازمة. وبسرعة كبيرة، بسبب موسم حرائق الغابات، تدفق الطلب على خدمتها واضطرت إلى رفض طلبات أعداد من الزبائن"، تابعت أكسلسون.

"كان لدى البعض 43 يوماً من أعمال التحاليل المتراكمة [واحتاج] الناس إلى نتائج في غضون 48 ساعة، أو سيتليفون الفاكهة مكرهين، ما يؤدي إلى خسارة ملايين الدولارات. شعرنا بأننا إذا أعدنا توظيف جزء من عملياتنا في المختبر لمساعدة بعض مصانع النبيذ على عدم فقدان أعمالها، سيجلب الخير للصناعة، ثم أنشأنا طريقة لكشف التلوث بالدخان في وقت قياسي".

في نهاية المطاف، تفذت "تاستري" تحاليل مختبرية لعينات مأخوذة من نحو 20 مصنعاً للنبيذ، تبلغ ملايين الغالونات من النبيذ. عملت إلى جانب شركة أخرى، هي "أوك وايز" Oak Wise، التي تستخدم إضافات من البلوط ومادة "التانين" (أو "العفص") المستخلصة من الكرز لإخفاء خواص الدخان أو تعديلها، إما أثناء التخمير، أو قبل التعبئة، أو بعد الانتهاء من إعداد النبيذ.

"أتلاس واين كومباني"، شركة في منطقة نابا تديرها ثلاث عائلات، كانت واحدة من الشركات التي استفادت من نهج "تاستري" التكنولوجي. ألكسندر ريمي، الشريك الإداري، وصفها بأنها "بوليصة تأمين" [ضمانة جودة].

"أنا أحد أشد المعجبين بالبحث، وتفتقر صناعة النبيذ بشدة إلى البحث. لا تنطوي على كثير من الابتكار. لم يطرأ أي تغيير على زجاجة النبيذ منذ 100، ولم تتغير صناعة النبيذ بشكل كبير أيضاً"، أخبر ريمي "اندبندنت".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"بالنسبة إليّ (تاستري) مثيرة جداً للاهتمام لأنني استفيد منها بطرق مختلفة عدة. لأعمال المختبر، بمعنى الأرقام الموجودة على الملصقات، وأنا أستخدمها لأفكر بما يسعني فعله بمزيجي".

"وإذا كان لديّ تحدٍّ مثل تلوث الدخان. التلوث كلمة سلبية، إنه تأثير الدخان، وهو خروج عن هدفك. يمنحك العنب منتجاً هو النبيذ، ويؤثر الدخان على المنتج النهائي. أحياناً يكون غير قابل للبيع، وأحياناً يشكل ببساطة تحدياً إضافياً هذا العام، تجد كاليفورنيا نفسها على المحك مجدداً. تشير التوقعات الصادرة عن "كال فاير"، أكبر جهاز إطفاء في الولاية، إلى أن مواسم الحرائق تطول "كنتيجة مباشرة لتغير المناخ".

لقي شتاء العام الحالي وربيعه موجة استثنائية من القحط، ما يعني أن الولاية ستشهد صيفاً حاراً مصحوباً بجفاف معتدل إلى شديد الوطأة. وتعد مستويات الرطوبة المنخفضة هذه في الغطاء النباتي والغابات بمثابة نظام إنذار مبكر لخطر نشوب حريق.

ومع ذلك، لن يسمح أحد بأن يذهب قطاع صناعة النبيذ القيمة والمربحة [المدرة للأرباح] في مهب الريح. لذا، تضخ ملايين الدولارات من الأموال العامة والخاصة في إجراءات تدخلية محتملة. في ديسمبر (كانون الأول)، قدمت منحة حكومية بقيمة 7.65 مليون دولار من أجل جهود مشتركة من جامعات كثيرة في الساحل الغربي بهدف النهوض ببحوث إضافية عن تأثيرات "الدخان إلى الكأس".

تتضمن الأفكار تبطين كروم العنب بأجهزة استشعار لتوفير تقييمات بشأن مخاطر الدخان في الوقت الفعلي، و"واق من الشمس" الذي من شأنه أن يكسو العنب بمادة تكون بمثابة حاجز يمنع مكونات الدخان من الولوج إلى الفاكهة.

يرى سلوكوم، أن "كثيراً من العلماء يواجهون هذه المشكلات من جوانب كثيرة".

© The Independent

المزيد من بيئة