Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"الدعم السريع"... رقم صعب في المشهد السوداني بين شرف "العسكرية" ووصمة "الجنجويد"

تنتشر القوات في الخرطوم من خلال مئات الشاحنات والجنود المقاتلين ذوي الخبرة بأسلوب معارك العصابات وحروب الشوارع

لم يتوقف الجدل حول دور الميليشيات والأجهزة العسكرية الموازية في المشهد السياسي السوداني، فمنذ 16 عاما، ذاع صيت ميليشيات الجنجويد في فترة الحرب الأهلية في دارفور، وخلال حملات الحكومة السودانية لقمع التمرد بالاعتماد على القبائل العربية التي شكّلت "عصابات" الجنجويد، والتي تطورت إلى ميليشيا يقودها الزعيم القبلي موسى هلال، قبل أن تصبح قوات نظامية تماماً منذ تأسيس قوات "الدعم السريع"، التي يتولى رئاستها حاليا نائب رئيس المجلس العسكري الانتقالي، الفريق أول محمد حمدان دلقو "حميدتي".

نفت قوات الدعم السريع، التي تسيطر على العاصمة السودانية، أي وجود لقوات "الجنجويد" في الخرطوم، في الوقت الذي تعتبر فيه قوى الاحتجاجات أن هذه القوات ما هي إلا مسمى جديد لميليشيا الجنجويد ولكن بالزيّ العسكري، بعد أن تم دمج مقاتلي الجنجويد القبليين في صفوف قوات الدعم السريع شبه العسكرية.

ويرى خبراء أن قوات الدعم السريع أصبحت تمثل رقما صعبا في المعادلة السياسية والأمنية في السودان، فهي القوة المنتشرة في العاصمة من خلال مئات الشاحنات الصغيرة والجنود المقاتلين ذوي الخبرة بأسلوب معارك العصابات وحروب الشوارع، وبخاصة أنها لا زالت مرتبطة في المخيلة الشعبية بالرعب الذي مارسته قوات الجنجويد في إقليم دارفور خلال الحرب، وهو ما دفع المجتمع الدولي إلى تحميل الرئيس السوداني المعزول عمر البشير مسؤولية تلك الجرائم، مما جعله مطلوبا للمحكمة الجنائية الدولية.

ولا يزال المتظاهرون السودانيون وتجمع "المهنيين السودانيين"، الذي يقود الاحتجاجات، يطلقون مسمى "الجنجويد" على قوات الدعم السريع، التي كانت "أيقونة الثورة" حينما انحازت للمتظاهرين في بداية الاحتجاجات ضد عمر البشير، وينفي قادة "الدعم السريع" أي علاقة لهم بميليشيا الجنجويد، على الرغم من أن "حميدتي" كان قيادياً بارزاً في تلك الميليشيات خلال الحرب الأهلية، وتقلّب في ولائه بين الحكومة والمتمردين، قبل أن يقنعه النظام بالبقاء بجانبه ويمنحه الرتب العسكرية ويضفي الطابع النظامي على قواته، بل ويصبح رأس حربة ضد بقية الميليشيا وزعيمها موسى هلال الذي اعتقله الجيش السوداني في خريف 2017.

قوات الدعم السريع صنيعة البشير

"هم بالأساس صنيعته، ولكن عندما انقلبوا على البشير كان هناك قبول كبير لهم في الشارع السوداني وحتى بين قيادات الاحتجاجات، وبأيدي المحتجين كانت صور قيادات الدعم السريع مرفوعة داخل الاعتصام، لينتهي بهم الحال كعدو أول للمتظاهرين"، هكذا تحدث القيادي المعارض، ضحية سرير توتو، عن قوات الدعم السريع وعلاقتها بالمشهد الراهن.

وقال ضحية سرير توتو، القيادي بالحركة الشعبية لتحرير السودان وممثلها بالشرق الأوسط لـ"اندبندنت عربية"، إن "قوات الدعم السريع هي النسخة الأحدث من (الجنجويد)، التي كانت تتخذ شكل العصابات ومسؤولة عن الجرائم المرتكبة في دافور خلال حركة التمرد حينما بدأت منذ عام 2003".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وتابع "كانوا عبارة عن جماعات قطّاع طرق ومخربين ومحرضين وينتشرون غرب البلاد في الحدود بين ليبيا والسودان، وتطوّر الأمر إلى الاعتماد عليهم لقمع التمرد في دارفور، وتشكّلت ميليشيات مسلحة وجماعات مرتزقة كان الانتماء إليها أحيانا على أساس قبلي يتخطى حدود السودان، وأحيانا كانوا يتحدثون الفرنسية في دلالة على قدومهم من تشاد والنيجر ومالي، ومع تطور الأمور احتاج الرئيس السوداني المعزول لهم في حماية حكمه، فصنع البشير قوات الدعم السريع، وهي ميليشيات أخرى من صنيعته خلال السنوات الأخيرة لحكمه، وكان هناك خلافات في الجيش حول هذه المسألة، وتحديداً تحول هذه الميليشيات إلى قوات نظامية، ولذلك حدّد الرئيس السوداني المعزول تبعيتها للرئاسة بدلا من الجيش، ثم حاليا أصبحت قوات الدعم السريع كلها تتبع (قوات الشعب المسلحة)".

وأوضح "توتو" أن "قوات الدعم السريع لا تتبع في واقع الأمر سوى أوامر (حميدتي)، نائب رئيس المجلس العسكري"، مضيفا "(القوات) جعلوها تابعة قانوناً للجيش، ولكن فعليّاً وتنظيميّاً وإداريّاً لا تتبع القوات المسلحة في كل الأوامر، فكل الأوامر تصدر من دقلو، والمجلس العسكري لا يستخدمهم لأنهم أصبحوا جزءا من المجلس، والنظام السابق قضى على الجيش تماماً، والموجود في العاصمة حاليا قوات الدعم السريع، وهم المسيطرون تماما على المشهد، بل ويمكن أن يسيطروا على القوات المسلحة والأجهزة الأمنية بأكملها، والمجلس العسكري يخشى انقلابهم على الجيش، فقد بات لديهم قوة كبيرة، ولكنهم يرتكبون أيضا أخطاء كبيرة، وأصبح وارداً التضحية ببعض العناصر ككبش فداء".

وظهرت الجنجويد كميليشيات لمساعدة الجيش في قمع التمرد في دارفور نظرا لمهاراتهم في الحركة السريعة والمراوغة على خلاف القوات النظامية. تقول صباح موسى، الكاتبة المصرية المتخصصة في الشأن السوداني، إن "الحرب في دارفور كانت متوهجة عام 2003، وتم الاعتماد على تحريض القبائل العربية ضد القبائل الأفريقية، لحماية الدولة السودانية، فظهرت فرق الجنجويد، والتي تعني في اللهجة المحلية (جني على ظهر جواد)، في إشارة إلى مهارات تلك القوات التي تجيد فنون الحرب بشكل سريع، ومارست هذه الميليشيا انتهاكات كبيرة في إقليم دارفور وحققوا التوازن مع حركات التمرد، ومع هدوء الأوضاع في دارفور كان الجيش السوداني موزعا في جنوب كردفان والنيل الأزرق ضد النزعات الانفصالية، لمواجهة ما يسمى (الحركة الشعبية- شمال)، وبعد انفصال جنوب السودان في العام 2011 كان هناك تفكير في إنشاء قوات نظامية تكون جاهزة لاستعادة الأمن في أي وقت وفرض السيطرة على المشهد، وفي عام 2013 وقعت انتفاضة كبرى قمعتها قوات الدعم السريع وانتشرت في الخرطوم لدعم نظام البشير نفسه ومنعه من السقوط، حيث جاء تأسيس قوات الدعم السريع على يد (جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني) لحفظ النظام".

وتضيف موسى "أي مكان كان به مشكلة في السودان كانت تنهيها قوات الدعم السريع وكانوا قادرين على حل أي أزمة تعيق الحكومة في المناطق الملتهبة، وكانت في البداية تابعة لرئاسة الجمهورية مباشرة، وفي الفترة الأخيرة لحكمه كان البشير واثقا جدا من قوات الدعم السريع بصورة أكبر من الأجهزة الأمنية والجيش، ومنحهم منجم ذهب كاملا لاستغلاله، ولكنهم في نهاية المطاف وقفوا إلى صفّ المحتجين وتمكنوا من الحصول على وضع كبير داخل المجلس العسكري، وأصبح الجيش يحسب لهم ألف حساب وصار صوتها أعلى من القوات النظامية ولا يمكن تجاوزها".

دور سياسي وحضور عسكري متصاعد

وحول الدور السياسي المتصاعد لقوات الدعم السريع، قال المحلل السياسي السوداني، طلال إسماعيل "قوات الدعم السريع الآن لها دور كبير في المشهد حاليا، تعدى الدور الأمني والعسكري ليصل إلى الدور السياسي الصريح، باعتبارها القوة التي قامت بحماية المعتصمين وكانت تجد تأييدا كبيرا منهم خلال الاعتصام أمام القيادة العامة للجيش السوداني، لكن لاحقا أصبحت هذه القوات تجد انتقادات لاذعة من المعارضة وقوى إعلان الحرية والتغيير، على اعتبار أن فض الاعتصام ربما كان العامل الرئيس وراء القطيعة بين المعارضة وقوات الدعم السريع، ولكن هذه القوات لا زالت تمارس دورها السياسي من خلال الانتشار في العاصمة السودانية، ومن خلال تولي رئيس هذه القوات، وهو الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، لمنصب نائب رئيس المجلس العسكري، وهو منصب رفيع جدا، مما يجعل لهذه القوات وضعا متميزا بين منظومة المؤسسات والأجهزة العسكرية والأمنية في السودان التي تشمل القوات المسلحة وجهاز الأمن والمخابرات السوداني والشرطة، حيث انضمت قوات الدعم السريع لهذا المثلث لتصبح منظومة رباعية، بمعنى أننا لدينا الآن 4 قوات نظامية في السودان".

وأوضح "إسماعيل" أنه "وفقا للقانون والدستور السوداني فإن قوات الدعم السريع تتبع القوات المسلحة السودانية، ولكن منذ تأسيسها في بداية العام 2013 كانت هذه القوات تابعة لـ(جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني)، وتطور الاهتمام بتلك القوات لتصبح تابعة لرئاسة الجمهورية السودانية مباشرة، وتحت إدارة القوات المسلحة، وبهذه السمات أصبح لها تأثير واعتبار قويّ كإحدى القوات الرئيسة في السودان".

مسؤول سابق بالقصر الرئاسي: مستهدفة ووجودها بالعاصمة ضروري

أما المهندس أبي عز الدين عوض، المدير الأسبق لإعلام رئاسة الجمهورية السودانية، فقال إن "قوات الدعم السريع والجيش السوداني ليس لهما علاقة بعصابات الجنجويد القبلية في دارفور، التي هي عبارة عن مجرمي حرب من (قبائل تمتطي الجياد) وكانت تتقاتل ضد الحركات المتمردة، وكانت تنهب وتقتل في طريقها إلى المعارك مثلما تابعنا في الإعلام، وليست قوات نظامية حديثة ضمن هياكل وزارة الدفاع".

وأشار إلى أن قوات الدعم السريع "وقفت في البداية وقفة مشهودة قبل إعلان الانقلاب يوم 11 أبريل (نيسان)، وقامت بتأمين الاعتصام في ميدان القيادة، وهو ما لم يتوقعه أحد آنذاك. ثم كانت جزءا أساسيا من تنفيذ الانقلاب استجابة لمطالب الكثيرين في الشارع، وصار المعتصمون يهتفون بحياة الجيش بكل فصائله بما فيها قوات الدعم السريع، وكانوا يرفعون لافتات تستجير بالعسكر وتمجدهم، بل وحدثت حالات زواج بين المدنيات والعسكريين في الميدان تتويجا لهذا المشهد".

ويضيف "بعد ذلك كانت قوات الدعم السريع تنسق بصورة واضحة مع الجيش، وقام (حميدتي) بالتصريح بأنهم ذراع من أذرع القوات المسلحة ويعملون تحت إمرتها، كما ذكر اللواء عثمان حامد، مدير إدارة العمليات لقوات الدعم السريع، أن القوات ركيزتها 800 من ضباط القوات المسلحة، وأن تبعيّتها انتقلت من (رئاسة الجمهورية) إلى (قوات الشعب المسلحة)، وأن التنسيق الإداري معها على نطاق واسع لحراسة المرافق الاستراتيجية في جميع أنحاء البلاد وليس العاصمة فقط".

 

واعتبر "عز الدين" أن المطالب بإبعاد قوات الدعم السريع من العاصمة إلى مدن أخرى غيرها، هو "أمر يبدو قابلا للنقاش على الرغم من أن مجموعة أحزاب قوى الحرية والتغيير معنيّة بالتقييم السياسي مع غيرها، وليس تقدير الموقف الأمني والعسكري في البلاد. علما بأن المهددات الأمنية للبلد تبدو أكبر حاليا في العاصمة منها في المدن الأخرى، في ظل وجود عدد من الحركات المسلحة المتربصة والمعروفة باسمها، وتنامي حركة الجماعات الإرهابية وبعض الجهات التي لديها سلاح يؤهلها لحمل مسمى الجيوش الصغيرة، وكل تلك الجهات الطامعة في السلطة يمكن أن يكون الفريق محمد حمدان يقصدها بالاستهداف المذكور في تصريحاته".
ويتحدث مؤيدو دور قوات الدعم السريع عن استهدافها من الخارج والداخل نظرا لمشاركتها في عمليات خارج البلاد فضلا عن خصومة قوى الاحتجاجات بالسودان معها بعد فض الاعتصام، ولفت "عز الدين" إلى أن "من بين القوى الموقّعة على إعلان الحرية والتغيير بعض الحركات المسلحة، والتي لديها جيوش مقاتلة، مما يعني أنها قادرة على صنع حرب أهلية أو حرب ضد الجيش السوداني داخل العاصمة، وقد استمع الجميع لمخاطبات بعض هذه الحركات المسلحة التابعة لقوى الحرية والتغيير داخل ميدان الاعتصام، حيث وصفته بالأراضي المحررة"، وتابع "هناك نقطة مهمة حول الاتهامات لهذه القوة التابعة للجيش السوداني بارتكاب مجزرة فض منطقة كولومبيا الموبوءة بالمخدرات والدعارة، وتلاها فض اعتصام ميدان القيادة بالقوة، فعلى الجهات المتهِمة أن توافق على تشكيل لجنة وطنية موسعة من كل الأطياف ومعها لجنة دولية للتحري حول مسؤولية التخطيط والتنفيذ لأحداث فضّ الاعتصام، وعليها تقديم المتورطين من منسوبيها فيما حدث، للمحاكمة والقصاص".
اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي