Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف يصمد الاقتصاد الروسي في وجه "العقوبات القاسية"؟

استعدادات موسكو قبل الحرب وضعف تشابكها مع العالم أسهما في تفادي الأضرار

أصبح من الواضح أن الاقتصاد الروسي امتص صدمة العقوبات الأميركية والغربية القاسية (أ ف ب)

عادت العملة الوطنية الروسية "الروبل" إلى مستويات سعر صرفها مقابل الدولار الأميركي واليورو الأوروبي ما قبل الحرب في أوكرانيا، بل وربما أقوى بقليل. وذلك بعد الانهيار الشديد في قيمته خلال الأيام الأولى للحرب نهاية فبراير (شباط) وبداية مارس (آذار).

وأصبح من الواضح أن الاقتصاد الروسي امتص صدمة العقوبات الأميركية والغربية القاسية، التي يتوالى فرضها على موسكو حتى الآن.

ليس ذلك فحسب، بل إن الدول الغربية، التي تفرض العقوبات، ومعها بقية دول العالم، بدأت تشعر بأضرار تلك العقوبات وتداعيات حصار روسيا وعزلها اقتصادياً، كما تقول مجلة الـ"إيكونوميست" البريطانية في عددها الأخير.

أمر مدهش

مركز "كوروم" للدراسات الاستراتيجية ذكر أنه "بعد أن فرضت أوروبا وأميركا أشد العقوبات الاقتصادية صرامة على أي دولة، حذرت هذه الدول مواطنيها من أنهم سيتعين عليهم المعاناة أيضاً من جراء هذه العقوبات، لكن من الضروري معاقبة الروس".

من الواضح الآن أن تلك المعاناة للمواطنين في دول الغرب بدأت تشتد، بينما "من المدهش أن الاقتصاد الروسي يعمل بشكل جيد"، كما يقول تقرير الـ"إيكونوميست".

سبق ونشرت "اندبندنت عربية" قبل الحرب في أوكرانيا مباشرة تقريراً مفصلاً عن الاستعدادات التي اتخذتها روسيا على مدى سنوات تقارب العقد من الزمن، تحسباً لفرض عقوبات غربية ودولية مشددة عليها. وأوضح التقرير مدى قدرة تلك الاستعدادات على تمكين موسكو من تحمل صدمة العقوبات.

انهيار لم يحدث

يذكر تقرير الـ"إيكونوميست" كذلك بما نشرته المجلة في مطلع أبريل (نيسان) من أن التوقعات بانهيار الاقتصاد الروسي بسبب العقوبات الغربية غير المسبوقة لا يتسق مع الأدلة على قدرة الاقتصاد الروسي الواضحة على تحدي تلك العقوبات. ومع بعض الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الروسية، مثل رفع سعر الفائدة، وفرض ضوابط على رأس المال، استعاد "الروبل" عافيته وحافظت روياً على الالتزام بسداد المدفوعات المستحقة على سندات الدين بالعملات الأجنبية، من دون تخلف عن الدفع (أو بمعنى آخر إعلان الإفلاس).

من الأدلة الواضحة على أن الاقتصاد الروسي بدأ "الوقوف على قدميه" عقب الصدمة في بداية الحرب وفرض العقوبات على موسكو، استمرار ارتفاع المؤشرات التي تدل على التحسن، على الرغم من تأثير العقوبات. صحيح أن عدد الشركات التي تتأخر في دفع الرواتب والأجور زاد بوضوح. كما أن الأسعار في روسيا ارتفعت بنسبة 10 في المئة منذ مطلع هذا العام حتى الآن، حيث أدى الانخفاض الأولي في سعر صرف "الروبل" إلى زيادة كلفة الواردات، ما نتج عنه انخفاض العرض في السوق، خصوصاً مع انسحاب شركات غربية من روسيا.

لكن "المؤشرات الآنية" للنشاط الاقتصادي في روسيا ما زالت جيدة، بحسب تقرير الـ"إيكونوميست"، فاستهلاك الطاقة، بخاصة الكهرباء، لم ينخفض إلا بنسبة ضئيلة جداً، وهو مؤشر على استمرار الأعمال والنشاط الاقتصادي. وبعد إحجام مؤقت في مطلع مارس (آذار) عاد المواطنون الروس للإنفاق بشكل جيد، كما تظهر مؤشرات متابعة الإنفاق الاستهلاكي.

ومما يجعل توقعات الاقتصاديين والمحللين في الغرب سابقاً بأن الاقتصاد الروسي على وشك الانهيار، وأن الناتج المحلي الإجمالي سينكمش بنسبة 15 في المئة هذا العام، تبدو تقديرات بها بعض الشطط، أن البنك المركزي الروسي بدأ في خفض أسعار الفائدة من 17 في المئة إلى 14 في المئة. وهو ما يعني أن الذعر، الذي ساد في البداية بدأ في التراجع.

عوامل التحدي

وترى المجلة المحافظة، أن أحد العوامل التي جعلت العقوبات الغربية، على الرغم من شدتها غير المسبوقة، لا تؤثر كثيراً، أن الاقتصاد الروسي حتى من قبل الحرب هو "اقتصاد مغلق إلى حد ما"، ما يجعل حصاره غير ضار به بشدة. إنما الأهم هو استمرار تدفق عائدات روسيا من تصدير الطاقة من غاز ونفط ومشتقات. وبحسب مركز أبحاث الطاقة والهواء النظيف الفنلندي، صدرت روسيا نفطاً وغازاً منذ بداية الحرب في أوكرانيا حتى الآن بما قيمته 65 مليار دولار.

وارتفعت عائدات الحكومة الروسية من صادرات النفط والغاز والفحم في الربع الأول من هذا العام 2022 بنسبة 80 في المئة بمعدل سنوي. وما زالت دول الاتحاد الأوروبي تحاول تسوية خلافات بينها بشأن فرض حظر على واردات النفط الروسية بنهاية هذا العام.

وتعمل القيادة الروسية للرئيس فلاديمير بوتين جاهدة منذ عام 2014 على تعزيز ما وصف بأنه "دفاعات موسكو الاقتصادية"، وذلك إثر فرض عقوبات غربية ودولية عليها بعد استيلائها على شبه جزيرة القرم في ذلك العام.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تعزيز احتياطيات النقد الأجنبي

وكانت أولى الخطوات في هذا الإطار هي استمرار روسيا في تعزيز احتياطاتها من النقد الأجنبي، تحسباً لحظر الغرب تعامل روسيا بالدولار وغيره من العملات الغربية.

وبلغ احتياطي النقد الأجنبي لدى البنك المركزي الروسي ما يزيد على نصف تريليون دولار، ليصبح رابع أكبر احتياطي نقدي لدى دولة في العالم. وعلى الرغم من أن نحو نصف تلك الأصول الأجنبية في الخارج تم تجميدها ضمن حزم العقوبات المتتالية، فإنها مكنت روسيا من امتصاص الصدمة الأولى للعقوبات المشددة.

نظام مغلق للرسائل المالية

وفي إطار الاستعداد الروسي تم تطوير نظام مغلق للرسائل المالية يختلف عن الأنظمة السائدة عالمياً، مثل نظام "سويفت"، والنظم الغربية الأخرى مثل "فيدواير" و"تشيبس". ومع أن النظام الروسي يظل محدوداً في معاملاته إلا أنه يساعد في تسوية معاملات روسيا مع دول تدخل فيه مثل الصين والهند وغيرهما.

كما حرصت روسيا في السنوات الأخيرة على تطوير صناعات محلية تقلل من اعتمادها على استيراد بعض المنتجات الغربية. وهذا ما جعل تأثير العقوبات وتراجع الاستيراد لا يضر بالاقتصاد الروسي بشدة، كما توقع الاقتصاديون والمحللون الغربيون في البداية.