Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

فهد العتيق: التحولات في السعودية مفرحة وتحرض على الكتابة

وقع في سحر الرياض وحاراتها القديمة وعاش ذكريات جميلة في المدن العربية

الروائي والقاص فهد العتيق (صفحة الكاتب على فيسبوك)

في عام 1960 ولد فهد العتيق في الرياض وشاهد نقلة الحداثة الكبرى. عمل في صحافتها في مطلع الشباب وبدأ كتابة القصص والروايات. وعلى ما يبدو يتعامل في إبداعه مع الرياض بوصفها "مدينة العالم" المركز الذي يشد إليه خيوط نصوصه. ومهما طال السفر لا بد من ذكرى مستعادة من مخزون الطفولة والشباب.

عن مدينة الصبا يقول "كتبت عن حارات الرياض القديمة والحديثة والتغيرات التي عاشتها هذه المدينة العريقة خلال مئة عام. بالذات في كتبي مثل (إذعان صغير) و(أظافر صغيرة) و(كائن مؤجل) و(الملك الجاهلي يتقاعد) و(ليل ضال). وظل لهذه الأماكن الحضور الواضح في كل أعمالي القصصية والروائية التي لاقت على الرغم من مرور سنوات طويلة على صدورها صدى يسعدني من القراء والمراجعات النقدية".

على الطرف الآخر لا يبدو العتيق حبيس مدينته كما هو الحال مع نجيب محفوظ مثلاً، فهو أيضاً رحال بين مدن شتى تركت صدى دائماً في متنه الإبداعي. فكيف رصد تحولاتها؟ يجيب: "سافرت مبكراً إلى الكويت والقاهرة ودمشق وبغداد والمنامة ودبي والشارقة، وكان لهذه الأسفار الموحية تأثير قوي في قراءاتي وكتاباتي وحياتي. لي ذكريات جميلة في أحياء هذه المدن. وعشت تحولاتها على كل المستويات الاجتماعية والثقافية والعمرانية. وأشعر أنها ما زالت حكايات ممتعة تحتاج إلى كتابة. ولهذا بدأت في كتابة "المكان يحكينا"، وهو كتاب سردي طويل عن سيرة وأسئلة المكان والكتابة".

البحث عن البطل الضائع

في أحدث مجموعاته القصصية "ليل ضال" يبدو البطل ضائعاً كأنه تائه في الأماكن أو مستغرق في الذكريات أو التخييل. وكأنها سمة أساسية في مشروعه، وهو ما لا ينكره ويضيف "ربما هو الضياع المؤقت والممتع للبحث عن وجود أو ذات مفقودة أو مؤجلة، أو هي محاولة لتجديد الذاكرة. كأنه كان يكتب قصيدة ضائعة في فقد مكان أو حبيبة قديمة أو كأنه كان يريد من المكان أن يحكيه. أرى أن الذاكرة والتخييل والأسئلة تعيد بناء وتشكيل الشخصية والوعي من جديد. في ليل ضال وكمين الحكاية ومحاولة دفن رطبة، كان البطل أو الراوي أو الكاتب مثل شيء مفقود أو مثل مكان أو زمان مفقود. ينبغي أن يستعاد حتى في غيابه، كما يرى بروست صاحب كتاب البحث عن الزمن الضائع".

هذا يدعونا إلى التفكير حول مدى تماهي الكاتب مع شخوصه، هل يكون ـبطريقة ماـ بطلاً في نصه؟ لا يتفق فهد العتيق مع هذه الفكرة بالمطلق ويقول "أحياناً يحدث هذا بطريقة التخييل الذاتي. فالكاتب أو الراوي يحاول من خلال الذاكرة أن يعيد بناء المواقف والمشاهد، والتركيز على ما عايشه من مواقف وحكايات، ربما هو يكتب ذاتنا جميعاً في حال اشتباكها مع المكان والزمان والناس والمجتمع".

رهافة اللغة

يميل أسلوب فهد العتيق إلى لغة رهيفة ومكثفة بعيدة من الحشو والاستغراق في التفاصيل. وكأنه يترك لذكاء القارئ أن يكمل الفجوات. ويشرح ذلك التوجه بالقول "هذا ما أراهن عليه دائماً وأحاول تعميقه، وقد وصلتني مثل هذه الآراء الجميلة حول اللغة. إن اللغة السلسة والعذبة والمفكرة هي جوهر الكتابة الأدبية ومن دونها يصبح النص جافاً ومباشراً وقليل الفن. اللغة تستطيع تحويل الكتابة إلى فن رفيع أو متوسط المستوى، هذا يعني أن اللغة كائن مفكر وليست مجرد وسيلة لتوصيل صورة أدبية. إنها تتجاوز هذه المهمة لتكون فناً رفيعاً قادراً على إدارة الأفكار والشخوص بروح عالية فيها جمال البساطة والعمق في آن واحد، مع ملاحظة أن هناك فرقاً كبيراً بين لغة واضحة أو لغة تقريرية مباشرة. أحاول أن أكتب مشاهد أراها يومياً وأشعر بها من خلال تخييل ذاتي. وهذه الطريقة تعتمد على التكثيف والحذف ولا تميل إلى الاسترسال دون داعٍ. لأنه خلال قراءاتي لاحظت أن أغلب القصص والروايات يتراخى فيها الأدب في النصف الثاني من النص. ما عدا قلة من الكتب يستمر النص قوياً ومبدعاً من بدايته حتى النهاية. على سبيل المثال كافكا وإرنست همنغواي وإبراهيم أصلان ومحمد زفزاف وغيرهم من كتاب التكثيف والهدوء والعمق".

كائن مؤجل

يحدث أن تختزل تجربة الكاتب في نص.. أو يكون أحد كتبه أكثر حظاً في التلقي. فهل رواية "كائن مؤجل" كانت فعلاً العمل الأبرز؟

يقول العتيق "أسعدني الترحيب بها والذيوع الكبير الذي لاقته في السعودية والعالم العربي حال صدورها عام 2004 والمدهش المفرح أنها ما زالت حاضرة في الأذهان وتصدر لها مراجعات نقدية حتى الآن. وقد صدرت الطبعة الثالثة عام 2019. إن الفكرة الأساسية انطلقت من التحولات الاجتماعية التي حصلت في الرياض خلال مئة عام. وتم خلالها متابعة تحول ونمو البطل ورصد مشاعره وأحلامه وهواجسه وأسئلته في موازاة تحولات مدينة الرياض. هو كائن مؤجل ربما بسبب أحلام وأسئلة كثيرة معلقة حول هذا التحول ولم يكن لديه إجابات واضحة. والرواية عادت إلى تاريخ البطل وحياة والده وأجداده وحكايات انتقالهم من القرية إلى الرياض".

ويضيف "كانت كتابة عن حياة صغيرة نبتت وسط الرياض بعد طفرة اقتصادية خجولة مطلع الخمسينيات من القرن الماضي، ثم انطفأت وبدأت أخرى مطلع السبعينيات نقلت الناس من الحارات الطينية إلى البيوت والحارات الحديثة المغلقة بأسوار عالية. وكيف تحولت المدينة من عالم صغير يعيش فيه مئات الآلاف إلى مدينة عملاقة من عدة ملايين. وحاولت أن تكون الرواية هادئة وموجزة ومكثفة. وقد ترجمتها الجامعة الأميركية في القاهرة إلى الإنجليزية بعنوان Life on Hold، ثم تبعتها رواية (الملك الجاهلي يتقاعد) تعتبر ما يشبه تكملة لها ووصلت إلى القائمة الطويلة في جائزة الشيخ زايد في عام 2016".

بوصلة المشروع

كأن كتاباً يسلم لآخر في تجربة تمتد قرابة أربعين عاماً، منذ نشر نصوصه الأولى. إنه مشروع ناضج ولافت. فأين يتجه؟ يجيب العتيق: "القراءة والكتابة كانت بالنسبة إليَّ منذ البداية حياة حقيقية أعيشها. قبل أن تكون مشروعاً أدبياً، حاولت أن تكون هادئة وبعيدة من ضجيج الإعلام. حياة واقعية وفنية ترتكز على مواقف وحكايات يومية، من دون تخطيط مسبق وفكرة مشروع مخطط له بشكل صارم، سوى التركيز على أسئلة فنية ونقدية ومثابرة لهدف تطوير وتحديث لغة وأدوات الكتابة. أظن أنني كنت محظوظاً في البدايات بقراءة روايات البساطة والعمق مثل "الغريب" لألبير كامو و"الحكم" لكافكا ثم "شرق النخيل" لبهاء طاهر و"مالك الحزين" و"وردية ليل" لإبراهيم أصلان ثم قصص وروايات محمد زفزاف وغيرها من الأعمال التي تناسب مزاجي في الكتابة ضد الإطالة والاسترسال، وجدتها مكتوبة بطرائق مدهشة وفريدة. ورأيت أنه لن يرضيني سوى الكتابة بهذا المستوى. بعد هذه السنوات الطويلة ربما تتجه كتابتي إلى المزيد من الهدوء والعمق في قراءة مشاهد المرحلة الجديدة التي نعيشها. محاولة رواية التكثيف والعمق والاقتراب من التحولات التي حصلت في السعودية والعالم العربي خلال الأعوام العشرة الماضية. أشعر بالرضا حول ردود الأفعال حول تجربتي خصوصاً من جيل جديد من المبدعين".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اللافت أن صاحب هذا المشروع يبدو قليل الظهور إعلامياً أو كأن ثمة سوء تفاهم بينه وبين الجوائز. ولا ينفي العتيق ذلك ويستطرد "أظن أنني بعيد من أجواء الوسط الأدبي والإعلامي والمؤتمرات والجوائز. حتى الأصدقاء هم في الغالب من خارج الوسط الأدبي وهم من محبي القراءات المنوعة. بشكل عام أرى أن الجوائز تظاهرة أدبية ممتعة واحتفاء ثقافي جميل بالكتب العربية التي تصدر كل عام، بالذات القائمة الطويلة حيث يتعرف القراء على أهم كتب العام. هذه الإصدارات تكشف لنا نوعية الأدب العربي الجديد. فهو قيمة أصيلة وحديثة في الوقت نفسه. أصالة في الموضوعات وحداثة في اللغة والتناول والأسلوب.

تغيرات تاريخية

لا أحد ينكر تغيرات العشرية الأخيرة في العالم العربي سلباً وإيجاباً، ما يطرح سؤالاً حول انعكاس التحولات الحالية في المملكة على شروط الكتابة وهواجسها. وعن ذلك يقول: "التحولات الحالية في السعودية تاريخية مفرحة وممتعة وتحرض على الكتابة. أظن أن الأدب يحتاج إلى وقت لاستيعاب هذه التحولات الاجتماعية التاريخية المهمة والمؤثرة بشكل إيجابي في حياتنا اليومية. روح الشابات والشباب تملأ الآن أماكن العمل وفي الأسواق. أرصفة جميلة لرياضة المشي، صالات سينما، المرأة تقود السيارة، أسواق ومطاعم وموسيقى راقية، مقاهٍ داخل المكتبات الجديدة، خدمات بلدية تتطور، دور نشر سعودية جديدة عالية المستوى ودور نشر للترجمة. وفي انتظار مزيد من الرؤى المبدعة لحياتنا الجديدة".

ولادة نص

اختار العتيق الإخلاص لمشروعه، والانغماس بمحبة في تفاصيل الأيام، والسفر، والبعد من التخطيط الصارم.. ويصف هذا بالقول: "ما أعيشه في تفاصيل حياتي اليومية أعتبره أدباً ممتعاً، حكاية طويلة تنتظر الكتابة بعفوية من دون طقوس أو تخطيط مسبق. هناك ربما خلايا حكايات نائمة موجودة في ذهني وذاكرتي تحتاج إلى موقف أو مشهد أو فيلم أو قراءة توقظها. وهذه الحياة اليومية فيها عادات تلقائية مثل القراءة والمشي والمشاوير اليومية في الشارع والحارة والسفر الذي اعتدته وأحببته، ويكون فيها مشاهد مهمة ومتنوعة فتقوم بتحريك تلقائي للذاكرة".

وينفي أنه "مقل" في الكتابة ويصحح: "لست مقلاً لكني لا أكتب بكثرة. أغلب الكتاب يطبعون بكثرة، لهذا ربما يسود اعتقاد أن القلة الذين لا يطبعون كثيراً هم مقلون، الكتابة بكثرة لا تناسب مزاجي الذي يركز على الهدوء والتكثيف. أكتب بشكل طبيعي وأرى أن الطباعة بكثرة تفقد الكتابة خصوصيتها واختلافها".

عابر سبيل

حملت إحدى قصصه عنوان "عابر سبيل"، ومع ابتعاده نسبياً من الجوائز والحضور الإعلامي، كان الطبيعي ـفي نهاية حوارناـ أن أسأله هل وصف "عابر سبيل" ينطبق عليك؟ ليجيب: "أظن أننا جميعاً بشكل أو بآخر نمضي مثل عابري سبيل. حتى لو خططنا لحياتنا سوف نكتشف في النهاية أن المصادفات تحيل حياتنا إلى شيء عفوي جميل يغطي على التخطيطات المسبقة".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة