Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تراجع الاستثمارات الصناعية في تونس يعمق ضبابية المشهد الاقتصادي

انحدار ترتيب البلاد على مؤشرات مناخ الأعمال والانفتاح والقدرة التنافسية

رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودان أثناء إلقائها كلمة في افتتاح الاجتماع الأول لتحالف أرباب العمل الفرنكوفوني في العاصمة التونسية، في 29 مارس الماضي (أ ف ب)

انعكست الأزمة الاقتصادية والمالية التي تمر بها تونس على قطاع الاستثمار وتحديداً الاستثمارات الصناعية، حيث تجمعت المعطيات المحلية والظروف العالمية لتؤدي إلى تراجع الاستثمارات الصناعية الوطنية والأجنبية والمختلطة. وظهرت نتيجة التخوفات من حالة عدم اليقين ونمو مستوى المخاطر في ظل عدم الاستقرار الذي تمر به تونس. وشهدت الصناعات الكيماوية انحداراً يليها الميكانيكية والكهربائية ثم قطاع الجلد والأحذية، التي لطالما مثلت محركات أساسية لصادرات الصناعة التونسية وموارد أساسية للعملات الأجنبية. ورفض باحثون في تحليلهم لـ "اندبندنت عربية"، ربط هذا التراجع بمخلفات الأزمة الصحية ثم الحرب الأوكرانية في المدة الأخيرة، وأجمعوا على مرور قطاع الاستثمارات الصناعية في تونس بأزمة استفحلت في السنوات الأخيرة أفضت إلى وضعية تحتم التدخل بإصلاحات هيكلية لإنقاذها، وهي وليدة عوامل عدة أهمها تراجع التنافسية وتدهور مناخ الأعمال.

تراجع الاستثمارات الأجنبية

وتراجعت الاستثمارات الصناعية التي تم التصريح بها، خلال الثلاثي الأول من عام 2022، بنسبة 14.5 في المئة، وشهدت تقلصاً حاداً في شهري يناير (كانون الثاني) وفبراير (شباط)  وصل إلى مستوى 36.9 في المئة، وفق وكالة النهوض بالصناعة والتجديد (حكومية).

وبلغت الاستثمارات الأجنبية 152.5 مليون دينار (50.8 مليون دولار) في الثلاثة أشهر الأولى من سنة 2022 مقابل 197 مليون دينار (65.6 مليون دولار) في الفترة نفسها من سنة 2021 بانكماش قدره 22.6  في المئة، بينما تراجعت الاستثمارات ذات رؤوس الأموال المختلطة بنسبة 49 في المئة بمرورها من 125 مليون دينار (41.6 مليون دولار) إلى 63 مليون دينار (21 مليون دولار).
وبلغت قيمة نوايا الاستثمار في قطاع الصناعات المعملية، خلال الأشهر الثلاثة الأولى من العام الحالي، 619.1 مليون دينار (206.3 مليون دولار) مقابل 724 مليون دينار (241.3 مليون دولار) في الفترة ذاتها من السنة الماضية.

وتجدر الإشارة إلى أن نوايا الاستثمار تمر بمراحل تسبق تحولها إلى مشروع قائم، ويقدرها المختصون بما بين سنتين وثلاث سنوات إثر الانتهاء من كل الإجراءات الإدارية والحصول على التراخيص، بخاصة التمويل البنكي والموافقات من الجهات المعنية للحصول على الامتيازات الجبائية الممنوحة.

وأظهر التوزيع القطاعي لنوايا الاستثمار في الصناعات المعملية بخاصة، انحداراً لجل فروع القطاع، إذ تراوحت نسب التراجع بين أكثر من 6 في المئة لتصل إلى 58 في المئة.

وهبطت الاستثمارات المصرَح بها في الصناعات الكيماوية بحوالى 85 في المئة لتبلغ قيمتها مع نهاية مارس (آذار) الماضي، 13،9 مليون دينار (4.63 مليون دولار) مقابل 93،3 مليون دينار (31.1 مليون دولار)، في الفترة ذاتها من عام 2021.

وتقلصت نوايا الاستثمار في مجال صناعات مواد البناء والخزف والبلور بـ57 في المئة لتبلغ، خلال الثلاثي الأول من العام، مستوى 18،4 مليون دينار (6.13 مليون دولار) مقابل 42،8 مليون دينار (14.26 مليون دولار)، في الفترة ذاتها من العام المنقضي.
في السياق، انخفضت الاستثمارات المصرح بها في مجال الصناعات الميكانيكية والكهربائية، مع نهاية مارس الماضي، لتبلغ 198،4 مليون دينار (66.1 مليون دولار) مقابل 259،4 مليون دينار (86.46 مليون دولار)، في نهاية مارس 2021. وقُدر النقص بـ 23،5 في المئة، إلى جانب التراجع الطفيف في الإقبال على الاستثمار في مجال الصناعات الغذائية الذي وصل إلى 6،7 في المئة لتبلغ قيمته 212،1 مليون دينار (70.7 مليون دولار) مقابل 227،4 مليون دينار (75.8 مليون دولار) في الفترة ذاتها من عام 2021.

انتعاش طفيف

من ناحية أخرى، سجلت نوايا الاستثمار في النسيج والملابس زيادة بنسبة 20،4 في المئة، لتبلغ في الثلاثي الأول من السنة الحالية 50،1 مليون دينار (16.7 مليون دولار) مقابل 41،6 مليون دينار (13.86 مليون دولار) في الفترة ذاتها من عام 2021.
وعرفت الاستثمارات المصرح بها في مجال صناعة الجلود والأحذية تطوراً ملحوظاً لتُقدر بقيمة 15،5 مليون دينار (5.16 مليون دولار) مقابل 9،6 مليون دينار (3.2 مليون دولار) بين الثلاثي الأول من عامي 2021 و 2022.
ويعود النصيب الأكبر في زيادة نوايا الاستثمار إلى قطاع الصناعات المختلفة التي ارتفعت قيمتها من حوالى 50 مليون دينار (16.6 مليون دولار) إلى 110،7 مليون دينار (36.9 مليون دولار) بين الثلاثي الأول من عامي 2021 و2022.
كما ظهر أن نوايا الاستثمار في مجال الخدمات المرتبطة بالقطاع الصناعي، تعرف تطوراً لافتاً وصل إلى 67،6 في المئة لتبلغ مع نهاية الثلاثية الأولى من العام الحالي، 316،9 مليون دينار (105.6 مليون دولار) مقابل 189 مليون دينار (63 مليون دولار)، في الفترة ذاتها من عام 2021.
ووفق نوعية الاستثمار، تراجعت الإحداثيات الجديدة بنسبة 26 في المئة، لتبلغ مع أواخر الثلاثي الأول من العام الحالي، 210،5 مليون دينار (70.16 مليون دولار) مقابل 284،5 مليون دينار (94.8 مليون دولار)، في الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2021.
وبالنظر إلى نظام الاستثمار، فقد انحدرت نوايا الاستثمار في المشاريع الصناعية الموجهة كلياً للتصدير بنسبة 28،6 في المئة لتبلغ 230.7 مليون دينار (77 مليون دولار)، نهاية الثلاثي الأول من عام 2022، مقابل 323 مليون دينار (107.6 مليون دولار)، في الفترة ذاتها من 2021.
وتقلصت الاستثمارات المصرح بها في المناطق الداخلية في تونس والمصنفة كمناطق التنمية الجهوية الحاصلة على الامتيازات الجبائية بنسبة 36 في المئة لتبلغ 297،7 مليون دينار (99.2 مليون دولار) مقابل 465 مليون دينار (155 مليون دولار) في الثلاثية الأولى من عام 2021.

مناخ الأعمال

ويحتاج قطاع الاستثمار الصناعي إلى إرادة سياسية للإصلاح بعدما تراكمت الإشكاليات التي تحولت إلى عوائق في وجه تطوره وتموقعه كرافعة للاقتصاد، وفق ما ورد على لسان "حسن الوجود بن مصطفى"، نائبة رئيس منظمة كونفدرالية المؤسسات المواطنة التونسية (مستقلة)، فالإشكاليات التي تعاني منها الصناعة، هيكلية وغير مرتبطة بالانعكاسات الناجمة عن أزمة كورونا أو الحرب الدائرة في البحر الأسود، والدليل أنها لم تسترجع نشاطها بعد الأزمة الصحية، وتمثل المؤشرات المسجلة في الثلاثية الأولى لعام 2022 أفضل دليل على ذلك. وتعود الأزمة إلى تراجع مناخ الأعمال بالأساس، مما أفقدها القدرة التنافسية مقارنةً مع الدول المنافِسة. وقد ارتبط ذلك بالنسيج الصناعي المحلي المحطم نتيجة الأزمة، مما أفقد الوجهة التونسية الثقة من قبل المستثمرين الأجانب والتونسيين على حد سواء. كما أن من أهم أسباب اهتزاز الثقة، عدم اليقين وغياب الرؤية الواضحة لدى الصناعة التونسية.
وأدت عوامل عدة إلى هذه المرحلة، وأهمها البيروقراطية والتعطيلات الإدارية وتراكم التراخيص وتعقد الإجراءات وعدم التحفيز على المبادرة الخاصة وغياب التشجيع الفعلي على الشراكة بين القطاعين العام والخاص، وغياب التواصل بين مراكز البحث العلمي والمؤسسات الصناعية، إضافة إلى انعدام برامج التسهيل لاقتحام الأسواق العالمية. وأدى ذلك إلى رفع كلفة الإنتاج بسبب عدم مرافقة المصنعين بالمساعدة على توفير آليات الإنتاج والتصدير. كما تفتقر الصادرات الصناعية التونسية إلى دعم في مجال النقل ويستغرق تصديرها إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء 45 يوماً مقارنة  مع 20 يوماً تستغرقها الصادرات المغربية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


قدرة تنافسية ضعيفة

وتراجعت مرتبة تونس في مجال مناخ الأعمال من المركز 69 عالمياً في عام 2010 إلى المركز 78 عالمياً في 2020، كما انحدر ترتيبها على مستوى القدرة التنافسية من المرتبة 32 في 2010 إلى 87 في عام 2019. وأضحت تونس ذات قدرة تنافسية ضعيفة. كما تراجع مؤشر انفتاح الاقتصاد التونسي من المرتبة 96 عالمياً في 2010 إلى المركز 128 في عام 2020، وقد سُجل بطء على مستوى القيمة المضافة.
وأتى ذلك نتيجةً حتمية لغياب الدعم التقني والمالي لاقتحام الأسواق العالمية، وعدم مواكبة التطورات الاقتصادية والتكنولوجية والبيئية، بخاصة بعد المرور إلى الصناعة الذكية ورقمنة الاقتصاد.

الإصلاحات الضرورية

وأعلنت وزارة الاقتصاد والتخطيط عن جملة إجراءات لإنعاش الاقتصاد التونسي كما يُنتظَر أن تعلن وزارة الصناعة والطاقة عن إجراءات جديدة خصيصاً لإنعاش الصناعة. ويتصدر الإصلاحات، دعم التجديد في صلب المؤسسات، وفق "حُسن الوجود بن مصطفى"، علاوةً على التكوين المستمر للموارد البشرية بحسب الاحتياجات وتوفير البنية التحتية المناسبة والخدمات اللوجيستية لجلب المستثمرين الأجانب. ويبقى العامل الأهم هو ضمان تطبيق الإجراءات المعلنة منذ شهر، وهو الأمر الكفيل بإعادة تأهيل الصناعة التونسية التي تنطوي كذلك على مؤهلات وعناصر إيجابية على الرغم من الصعوبات، ومن أهمها تنوع النسيج الصناعي وتكلفة اليد العاملة وتوفر قطاعات واعدة مثل الصناعات الميكانيكية وتكنولوجيات الاتصال والصناعات الكهربائية. ويبقى توفر الإرادة السياسية للإصلاح هو قوام الإنقاذ للاستثمار الصناعي الكفيل  بخلق الثروة ودفع الصادرات ورفع مستوى النمو والتشغيل.

السياسة الحمائية

إلى ذلك، فسر الباحث الاقتصادي، حافظ شقشوق، المؤشرات السلبية للاستثمار الصناعي في مستهل السنة الحالية بارتفاع أسعار المواد الأولية في السوق العالمية والزيادة النشطة في كلفة النقل، حيث تضاعف ثلاث مرات مقارنةً مع السنة الماضية علاوةً على مصاريف الجمارك والأداءات. وهو ما زاد من معاناة المصنعين والمصدرين التونسيين في غياب إجراءات الإنقاذ والدعم من قبل الدولة في هذه الفترة المترتبة عن مخلفات الجائحة والحرب الأوكرانية، حيث تحتاج المنتجات الصناعية التونسية إلى سياسة حمائية تساعدها على استرجاع القدرة التنافسية. ومن أولويات الإصلاح الملح مقاومة التهريب الذي أغرق السوق التونسية بالسلع الموازية التي تسببت في تحطيم الصناعات التونسية، وأهمها النسيج والجلود والأحذية. كما يتحتم سن قوانين لحماية الصناعات التونسية والحد من التوريد للمواد غير الضرورية والمصنعة محلياً. كما تحتاج الصناعات التونسية إلى دفع من الوزارات المعنية لفتح أسواق جديدة والاتجاه بخاصة إلى بلدان أفريقيا جنوب الصحراء، وتوفير الحوافز والتسهيلات لاقتحامها وإحداث خط نقل بحري لهذه الوجهة الواعدة.